* السياق

 على مر العصور، قديمها، أوسطها، و حديثها، بدا الإسلام هو الراجح عند العقلاء والعلماء وحتى المتكلمين بمختلف ألوانهم ورؤاهم، وما نقلوه و ما عرضوه، لا أحد استطاع أن يحول بين نوره و هدايته، وبين جموع التائهين، مهما كانوا، وكيفما كانوا، وأينما كانوا، شهدت على ذلك شبه القارة الهندية، و أدغال إفريقيا، وربوع آسيا، و هنود أمريكا، أما القارة الأوربية فقد هالها وأبهرها الذي حمله إليها الفاتحون الناطقون بالتوحيد، والمعبرون عن تناغم كل الرسالات و جميع الأنبياء والرسل، تعلم من ذلك سكان أوربا الكثير، واستطاعوا في وقت قياسي أن يمحوا عن وجه قارتهم سواد الظلم والظلمات التي تسبب في بسطها قساوسة ضلوا عن جادة الطريق الذي رسمه الموّحدون لله، نبيا بعد نبي، ورسولا بعد رسول، لم يختلفوا ولم يشركوا، ولم يكونوا في يوم من الأيام أداة في يد السياسيين المغامرين، ولا الإقطاعيين الجاحدين. واستقر الرأي على سلمية وسماحة وطهارة و حلم وصبر وإحسان المسلمين، لم يشكو منهم عرق ولا جنس ولا لسان، استأنس بهم الناس جميعا من بعد أن آنسوهم وعاملوهم وآثروهم، ولم يسجل في حقهم  التاريخ شبهة واحدة من صنف شبهات الإرهاب التي أطل علينا بها عباد المال والأوثان عند مطلع القرن الواحد بعد العشرين .

* صفقة الإرهاب 

خابت الظنون، وليست سوى ظنون شعوب أوربا و أمريكا، بسبب كثرة الشبهات التي ميزت ساحات البابوات والقسيسين ، ومكاتب الساسة المغامرين، وبيوتات الإفلاس والمفلسين، لم يعد الإنسان يثق فيما يقولون ويروجون، وراح يبحث عن حلول لمشكلة أوربا منذ مئات السنين، لم تعد العلمنة أو العلمانية شافية لأمراض التائهين والخائبين الحائرين، ولم يجدوا بعد بحث ودراسة وتدبر ومقارنة وتحليل، سوى طريق التوحيد الذي جربه إخوة لهم وأخوات آمنوا بالله واحدا أحدا، وبجميع الرسل مبلغين. وعوض أن يتم التسليم والتكريم، راحت دوائر الوثنية تتربص من جديد، و كأننا على مقربة من بيت المشركين الأول، يتهافتون و يسرون لبعضهم البعض، أن قد حل بساحة آلهتكم (مكر) الموحدين، عندها نطق كبيرهم الذي شحنهم بالبغضاء و الشحناء، لن ينفع مع هؤلاء الطاهرين سوى تدنيس ساحتهم و ثيابهم، واتفقوا على كلمة السر، فلم يجدوا سوى عبارة”إرهاب”، ومنذ ذلك الحين بدأت صفقتهم، التي ولدت بتاريخ ١١ – ٠٩ – ٢٠٠١ .

*  المبرر الفكري

 أرادوه من صميم التراث الإسلامي، و من بوتقة الوعاء الثقافي تحديدا، فراقبوا المشهد الأفغاني عن قرب بواسطة وكلاء وعملاء، كانت البداية مع حكام الخليج بقيادة السعودية التي كانت تحتكر مرجعية الفكر السلفي، وخصوصا الفكر التكفيري الذي يتستر من وراء ستار الجهاد، وانخرط جهاز الاستخبارات الأمريكي والبريطاني في رسم المسارات، وتم تجنيد آلاف الشباب من دول عربية وإسلامية، ليتم تسفيرهم إلى أفغانستان مرورا بباكستان على وجه الخصوص، وكان المال الخليجي حاضرا، وعلماء السعودية جدا متحمسين، فحدث الذي حدث، وانهزم السوفيات، وانكسروا ، وخرجوا خائبين. عند هذا الحد لم يختلف اثنان من الشباب المجند بخصوص نوايا الخليجيين، ولا حتى أصدقاءهم الأمريكيين خصوصا والأوربيين عموما، إذ كان الهدف هو وقف زحف الشيوعيين، حتى أننا لم نسمع كلمة واحدة توحي بوجود إرهاب ولا إرهابيين، ذلك أن ساسة أمريكا و ملوك العرب وأمراءهم، و الدوائر الاستخباراتية و الأذرع الإعلامية، كانت منشغلة بالمد الشيوعي وبزخمه الفكري الذي رأوا فيه تهديدا للتوجه الليبرالي الرأسمالي، والأمن الأوروبي الأمريكي، ولسلامة عروش الملوك والأمراء العرب، لكنهم، ومن بعد تهاوي البيت الشيوعي وصرحه الفكري، كشرت الحركة الصهيونية عن أنيابها، وراحت تحذر هؤلاء وأولئك من أن العدو الحقيقي الذي يتهددهم هو الإسلام، وليس سوى الإسلام، خصوصا أن هذه الحركة العالمية كانت تتابع الأحداث بكثير من التأمل والتدبر على مقربة من مقدسات المسلمين والمسيحيين وحتى اليهود، على حد سوى، ومن المخبر الصهيوني خرجت الصفقة، وداخل أروقته رسموا الخطة، فكانت بمثابة المشروع الذي يجب أن يتأسس بناء على فهم وتقدير قيمة اللحظة التاريخية، وفعلا فقد كان مشروع الصفقة بمثابة العملة، وجهها الأول هو تشويه صورة الإسلام عن طريق أفعال تنسب للمسلمين، والوجه الآخر هو مواجهة هذه الأفعال من خلال تحالف عالمي نواته هم المسلمون أنفسهم. لذات السبب تم توظيف الفكر السلفي لتوريط الشباب الذي جندوه من بعد أن اختاروا له عنوانا يناسب إلصاق التهمة بساحة المسلمين من خلال التركيز على ما سموه “الإسلام السياسي”، فكان المولود الذي لقبوه “داعش” من صميم مشروعهم الخبيث، الذي لم تبخل عليه الإمارات و السعودية بالملايير، وأعطته أمريكا ما يلزم من العدة و العتاد والتغطية الإعلامية اللازمة، وفعلا فقد دوخوا عالمنا العربي والإسلامي إلى حد بعيد، وانخدعت شعوب العالم بأسره باستثناء الإسرائيليين. وعلى إثر ذلك لحق بالبلاد العربية والإسلامية ما لحقها من خراب ودمار وقتل وتشريد، كل ذلك من نتائج تلك الصفقة التي لم تكتمل فصوله بعدُ .

* البغدادي يعود من جديد 

لا لشيء سوى أن هذا المخلوق هو صناعة غربية خليجية بامتياز، التخطيط صهيوني، والمال إماراتي سعودي، والمتابعة والمراقبة أمريكية فرنسية بامتياز، و على هذا الأساس تم التعامل مع ملف داعش بكثير من المكر، لعل الغالبية الساحقة لم تفهم ما حدث تحديدا داخل حدود “الباغوز”، الأرض سورية، لكن السوريين أنفسهم لم يفهموا شيئا، فقط الضحايا جميعهم من أبرياء المسلمين، حتى الأطفال لم تشفع لهم طفولتهم، ولا إنسانيتهم، والمستهدف من الإخراج والتصوير هو صورة الإسلام و المسلمين، والغائب الأكبر هو هذا البطل المغوار، والشجاع الباسل، الذي فكر كثيرا، و قدر طويلا، ونام لأكثر من خمس سنوات، واستمتع كثيرا بأشلاء المسلمين ودمائهم، فثارت ثائرته، وتحرك ضميره، واسترجع نخوة صلاح الدين، و شهامة عمر المختار، ورباطة جأش عز الدين القسام، ورجولة وإيمان الفاروق عمر ابن الخطاب، واندفاع فارس الفرسان خالد ابن الوليد، فاستجاب بسرعة البرق لأوامر ترامب الفرغان، وأمير الأعراب ابن زايد العريان، ليحظر على جناح السرعة و بين يديه خارطة تركيا والجزائر والسودان، فيخطب في العالمين خطاب من استعاض عن ذاكرته بذاكرة ترامب وبن سلمان، مذكرا الجميع من مغبة التمادي في السلمية، التي باتت تقلق الساسة والكهنة وحتى السحرة والرهبان، الذين اجهشوا بالبكاء على ضياع الصفقة التي راهن عليها كثيرا الأعراب والروس والأمريكان، هذا هو مضمون بلاغهم الذي نشروه ثم سرعان ما مزقوه، ليعودوا أدراجهم خائبين، مطبلين ومطبعين، لعل سفيههم الذي أمرهم، لن يسفه أحلامهم كثيرا.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version