لا ينكر أحد أن الجيش في الجزائر شكل قوة لا تعادلها قوة أخرى منذ استقلال البلاد وأنه فرض، بحكم الأمر الواقع، وضعا هيمن فيه على مفاصل الحكم من خلال فرض نمط الحكم والرؤساء وجميع كبار المسؤولين، المدنيين والعسكريين، دون أن يكون للشعب كلمة ولا رأي فيما يجري داخل البلاد، ونفذ ذلك تحت غطاء جبهة التحرير الوطني، التي استخدمت مطية لتغليف لحكم العسكر. هذا النمط المتغوّل هو الذي أوصلنا إلى الأزمة الحالة وأفقد الشعب الثقة في مؤسسة العسكر، واعتبرها يدا حديدية في يد من يسومه سوء العذاب. لكن الشعب الجزائري لم يعد يقبل اليوم بهذا الوضع ويطالب باستعادة كل ذي حق حقه وكل ذي مهمة مهامه، فعلى الجيش أن يستعيد دوره ومهمة وفق الدستور في خدمة الشعب وحمايته دون التدخل في الشأن السياسي، وألا يقبل بأن يُوّظف من طرف فئات تورطه في كل مرة لتحقيق مأربها على حساب الشعب من خلال الزج به في حروب مدمرة ضد الشعب مثلما حدث في أكتوبر 88 وجوان 91 ويناير 92 فلا بد على الجيش أن يفك ارتباطه بهذه الجهات من بقايا دفعة لاكوست وأباطرة نهب المال والأقليات الساحقة التي سخرته حتى الآن لمصالحها الدنيئة.

الجيش اليوم أمام اختبار مصيري ومسؤولية تاريخية، إما أن يكون إلى جانب الشعب لخدمة الوطن، أو أن يستمر في التوظيف من قبل الجهات التي ورطته في حروب أفقدته الثقة والمصداقية ولطخت سمعته.

لقد برهن الشعب طيلة هذه الأسابيع الستة، أنه متحضر وسلمي، مفندا كل من اتهمه بالعنف والفوضى وكشف مناورات وحيل من أراد أن يخوّفه من النموذج الإجرامي الأسدي في سوريا أو الحفتري في ليبيا الخاضعة لنفوذ الإمارات المتصهينة. ولا زال الشعب الجزائري يردد بكل سلمية وإصرار أن كل ما يريده هو إقامة دولة القانون والعدالة، ويبرهن أنه لا يخضع لأي أجندة خارجية مثلما اتهمته بعض الجهات المعروفة، فعلى الجيش أن يبرهن بدوره أنه موجود في إطار مهامه الدستورية وأنه سيقف على الحياد من كافة الأطراف المتنافسة بطرق حضارية لتسيير شؤون البلاد، في ظل دولة مدنية تتسع لكافة أطياف الشعب بمختلف توجهاته.

نرجو ونأمل أن يستعيد الشعبُ جيشه ليشكل الطرفان حصنا منيعا لإجهاض كل الدسائس الداخلية منها والخارجية، وليقوي كل طرف الآخر، بذلك فقط نجنب الوطن الويلات المحدقة به ونجسد الآمال التي يتوق إليها الشعب قاطبة منذ زمن بعيد.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version