يبدو أن  الخطباء على مستوى قمة عمان بالبحر الميت كتبوا أوراقهم بالأحمر ، والأحمر إن دل فإنما يدل على أمرين ، أولهما أن دماء أطفال ونساء وكل أبرياء سوريا ، ضف لها دماء أهلنا في فلسطين والعراق واليمن لم تعد لها قيمة ، والثاني هو أن هؤلاء الخطباء لا تعنيهم شعوبهم ، وكأنهم يحكمونها بالوكالة ، ولذلك تجدهم يحرصون كل الحرص على اختيار العبارات التي لا تغضب من أعطاهم أو وهبهم هذه الوكالة . والسؤال الذي تبادر إلى ذهني على أقل تقدير ، ما وزن شعوب العالم العربي والعالم الإسلامي عند هؤلاء الخطباء وتحديدا على مستوى أشغال القمة التي لم يحضرها ملك المغرب ورئيس الجزائر ، فإذا كان السبب بالنسبة للجزائر هو مرض الرئيس شفاه الله ، فإن سر غياب الملك يبقى مجهولا ، وعلى كل حال فإن الغياب مهما كانت الأسباب يبقى إيجابيا ، لأن التاريخ سيذكر للأجيال أن قمة البحر الميت كان يجب أن تهتم بموضوع سوريا وسوريا فقط ، لأن الدم السوري يملي على كل حر أن يمتنع عن الكلام ويفسح المجال للفعل والفعل فقط لوقف الاقتتال وهو أضعف الإيمان ، لكن الحكام ( الفاعلين ) داخل القمة اختاروا طريقا غير الطريق ، وسيعذرون كلا من المغرب الجزائر لأن الحضور لم يتم على مستوى أعلى ، الحديث عن مستوى التمثيل ، الغاية منه هو وزن شمال إفريقيا بالنسبة لقضايا عالمنا العربي والإسلامي ، وبقاء التوتر على مستوى العلاقات الجزائرية المغربية لا يخدم سوى الطامعين والحاقدين على أمتنا.

القمة المنسية

من يستطيع أن يختلف مع الشعوب العربية والإسلامية حول أهمية دور الجامعة العربية في حل  أزمة كل من سوريا والعراق واليمن ، ماذا يمكن أن تقدم ، وكيف يمكن أن تساهم ، وما طبيعة القرارات التي يمكن أن تخرج بها قمة البحر الميت ، إن لم أبالغ فإن قراراتها إن لم تكن ميتة فهي من دون شك ستكون قاتلة ، لا أدري هل بسبب نسيان دورها ، أو تجاهلا للتحديات التي تنتظر أعضاءها ، أم أن القوم ليسوا أحرارا ، لذلك فهي قمة ككل القمم التي طواها الزمن ، والخوف أن أطفال اليوم سيذكرون لأبنائهم جامعتنا كلما حدثوهم عن مآسي أمتهم.

أهم المداخلات

المصدر : قناة الجزيرة الإخبارية بتاريخ 29 مارس 2017.

1ـ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي : ماذا قال الرئيس ؟

ـ  لن نسمح لأي دولة كانت بالتدخل في شؤوننا الداخلية.

المقصود هو الدول التي عابت الانقلاب على اختبار الشعب المصري ، بكل تأكيد ليست الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو دولة من دول الاتحاد الأوروبي ، سكوت هؤلاء جميعا مسؤولية أخلاقية سجلها التاريخ بأحرف من دماء الأبرياء الذين داست على أجسادهم مدرعات مصر ، المقصود هما : تركيا وقطر . المؤكد أن تركيا وقطر لن تتدخلا في الشأن الداخلي المصري ، وهما تدركان أن الشعب المصري الشقيق قادر على حل مشكلاته بنفسه.

قال الرئيس أيضا : العرب لن يسمحوا لأي أطراف خارجية بالتدخل في شؤونهم أو فرض مناطق نفوذ داخل بلدانهم.

من المقصود ؟ هل هو الولايات المتحدة الأمريكية التي احتلن العراق ، وتقوم بإنزال قواتها داخل التراب السوري هذه الأيام ، وتسير الأزمة السورية كما يحلو لها ويحلو للإسرائيليين ؟ هل هي روسيا التي أمطرت السوريين بأطنان المساعدات ، عفوا ، لقد نسيت ، اسألوا أطفال سوريا ونسائها ، وإذن المقصود هي تركيا التي يزايدون عليها ويتهمونها بصاحبة الأطماع التوسعية ، تركيا التي تواجه بحزم تنظيم الدولة داخل سوريا ، ليس طمعا في شبر واحد من أرض الشام ، ولكن حفاظا على وحدة ترابه ووحدة شعبه ، لأنه في حالة العكس كانت تركيا سترحب بدور قوات سوريا الديمقراطية الساعية إلى إقامة كيان خاص بها بدعم أمريكي واضح ، إن تركيا تهدف إلى إبطال عملية التقسيم لأن أمنها مرتبط بأمن سوريا وأمن سوريا شعبا وأرضا في وحدتها . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إيران ، إذا كان السيسي يريد من التحالف العربي أن يتصدى لإيران ، فإننا نتوجه إلى إيران بالسؤال حول طبيعة الرضاء المعلن لنظام السيسي يوم انقلب على اختيار المصريين ، من يستطيع اليوم أن يرد على السيسي ، الأكيد أن السيسي لن يخدم المملكة العربية السعودية ولا إيران على السواء  ، خصوصا أن مهمته لا يمكن أن تخرج عن أجندة إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ، بكل تأكيد إيران التي وقفت إلى جانب المقاومة في فلسطين لا يمكن أن تكون بمستوى الخطر الذي تشكله إسرائيل على الشعوب العربية ، أما إذا كانت إيران تشكل خطرا على بعض الأنظمة العربية فهذا ليس وليد الساعة ، والنزاع بينهما سيلحق الدمار والهوان بهم جميعا . وإذا كان الإخوة الليبيون لم يأتمنوا ساسة مصر اليوم ، فكيف يمكننا ائتمانها على مصالح الأمة واستقرارها وأمنها وأمانها ، في هذا الشأن بالذات صرح وزير خارجية ليبيا ( حكومة الوفاق)، نقلا عن الجزيرة بتاريخ 29 ـ 03 ـ 2017 قائلا : مصر تعمل ضد مصالحها في ليبيا وعدم استقرار البلاد يضر بأوضاع نحو مليوني مصري يعملون في ليبيا.

2 ـ الأمين العام للجامعة العربية :أبو الغيط

ـ  هناك من يوظف الطائفية والمذهبية لأهداف تتناقض مع المصالح العربية.

مثل هذا يعتبر صورة طبق الأصل لكلمة حاكم مصر ، وكأن يتحدث على لسان رئيسه ، وكان الأحرى أن يعبر عن تطلعات الشعب العربي ، أو على الأقل يوفق بين تطلعات حكامه.

3 ـ الملك سلمان بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية:

ـ مازال الشعب السوري يتعرض للقتل والتهجير مما يتطلب حلا سياسيا ينهي هذه الأزمة.

هل قامت جامعتنا العربية بمبادرة تجمع طرفي الصراع في جلسة واحدة من أجل التمكين لحل سياسي  وهل سعت المملكة إلى الاتصال بالطرفين من أجل ذلك ، إن ما قامت به روسيا وتركيا ، حيث جلس وفد النظام السوري ووفد المعارضة وجها لوجه في أستانا ، لم يكن من باب المستحيل لو صدقت نيات العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ، لذلك ولذلك فإن الحل السياسي بين المتنازعين في سوريا لم يعد بيد الدول العربية ، لا اليوم ، ولا في القريب العاجل . حبذا لو أن القمة ضبطت جدول أعمالها حول الذي يحدث للأشقاء السوريين.

هذا هو النوع الأول من المداخلات ، أما النوع الثاني فهو الآتي:

1 ـ الملك عبد الله ملك الأردن:

ـ  خطر الإرهاب يهدد أمتنا ويسعى لتشويه ديننا الحنيف.

مثل هذا الكلام جميل ، لكن الأجمل هو الحاجة إلى توافق عربي على مستوى القمة حول مدلول الإرهاب ، والخروج بموقف موحد ضد ربط الغرب الرأسمالي الليبرالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ، الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف ، ولما لا رفض قرار ترامب تجاه المسلمين بخصوص الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ألا يعلم العرب أن الاتحاد قوة ؟ دون هذا المستوى يبقى كلام الملك المحترم كلاما عاما يمكن توظيفه من قبل ساسة الغرب المغامرين ضد المسلمين ، حتى في عقر دارهم.

2 ـ رئيس الوزراء العراقي : حيدر العبادي.

ـ نطالب إخواننا العرب بأن يساعدونا على القضاء على خطاب الفتنة والطائفية .

ماذا يمكن أن تقدم دول الخليج ، وخصوصا المملكة العربية السعودية للعراق بخصوص هذا الطلب      وبالمثل ماذا يمكن أن يقدم السيد العبادي لدول الخليج ،وتحديدا للمملكة العربية السعودية بهذا الخصوص ؟ هل بإمكان الملك سلمان والرئيس العبادي ، على سبيل المثال ، جمع السيدين : مقتدى الصدر ، والشيخ حارث الضاري ، في جلسة واحدة ، وسماعهما بخصوص خطاب الفتنة الطائفية ؟ من دون ذلك ومثله كثير سيضيع الجميع في البحث عن مخرج من أتون الفتنة الطائفية.

أما النوع الثالث من المداخلات فهو كما يلي:

1 ـ الرئيس اللبناني ميشال عون.

ـ العاصفة التي ضربت منطقتنا أصابت جميع أوطاننا ولا يمكن أن نبقى ننتظر حلولا تأتينا من الخارج.

كلام طيب ينم عن إحساس بآلام الناس في مستوى من احترقوا بنار الحرب التي أشعل فتيلها غلاة العالم ، وأرادوا من خلالها إخضاع عالمنا العربي والإسلامي على حد سواء ، إمعانا في إذلال الشعوب ونهب ثرواتها ، ومنعها من صنع مستقبلها بنفسها ، لذلك نجد الرجل يعبر عن الجرم ويصفه بالعاصفة التي حلت بأوطاننا المشتتة ، فكأن العاصفة تشتد أهوالها يوما بعد يوم ، الرئيس متفائل بوجوب البحث عن الحل من داخل عقولنا ، لأن الرهان على الخارج سيزيد اللهب التهابا والمصيبة أدهى وأمر.

2 ـ أمير قطر : الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ـ خطورة المرحلة التي يمر بها وطننا العربي تتطلب الكثير من الواقعية والصراحة والوعي وتطابق الأقوال و الأفعال.

ـ هل من الإنصاف أن نبذل جهدا لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية على الرغم من أنها ليست كذلك.

جاء الرد صريحا معبرا عن قيمة التحول ، على الأقل ، على مستوى الفكر ، وهذا أمر عظيم ، لأن المطلوب اليوم في مثل صروف عالمنا العربي والإسلامي ، ليس كلاما مجردا ، بل الحاجة إلى التفكر والارتقاء إلى عالم ربط الكلمة بالفعل ، فلن يكون للكلمة لزوما من دون فعل ، وللهدم فعالية من دون بناء ، مواقف قطر من الأزمة في ليبيا بشهادة حكومة الوفاق خير شاهد ، وقوف قطر مع حركة حماس المقاومة خير دليل ، وقوف قطر إلى جانب تركيا من دون ضجيج يشهد به الأتراك قبل العرب ، لذلك جاء رد أمير قطر داخل قمة البحر الميت مفعما ، لذلك ولذلك فقط العرب في حاجة إلى وجهة نظر خاصة بهم تعبر عن تطلعات الشعوب المسحوقة ، ولا يكون ذلك إلا من إثنتين:

الأولى : أن نرتقي إلى مصاف الأحرار ، والحر هو الحد الفاصل بين نافية الأنا ،ونافية الآخر ، وعلى     و على هذا الأساس يمكن أن نختلف في وجهات النظر والرؤى ، من دون أن يغضب أحدنا من الآخر ، أو يسم أحدنا الآخر بالإرهاب إرضاء لأمريكا أو إسرائيل ، وهو ليس كذلك . ألم تصنف الإمارات العربية المتحدة ، وتحديدا مدير شرطة دبي أتباع الرئيس مرسي ، رئيس المصريين بالانتخاب ، بالإرهاب ، ألم يقدموا رفقة المملكة السعودية مليارات الدولارات لنظام الانقلاب في مصر شكرا على فعلته باختيار الشعب ، كيف أغضبنا اختيار المصريين لمرسي ، وأفرحنا انتخاب الأمريكيين لترامب ؟

الثانية : لا يمكن أن يكون المرء واقعيا وصريحا وواعيا وموفقا ، يرجى منه الخير لأمته ، ما لم يكن حرا يصل أفعاله بأقواله ، ولو كلفه ذلك مثل الذي كلف شهيد الحرية الرجل الوطن ، والرجل الشعب ، والرجل الأمة ، العربي بن المهيدي أحدة قادة ثورة المليون ونصف المليون شهيد.

الخلاصة

لا أصدقكم إذا ترقبتم مني خلاصة ، فالخلاصة لا تأتينا ونحن نيام ، وإخواننا في سوريا لا ينعمون بقسط من ذلك ، أي خلاصة تفيد ونحن بصدد الحديث عن قمة البحر الميت إذا كنا نشبع ، بل نتخم ، وإخواننا في اليمن وسوريا والعراق يموتون جوعا وخوفا . خلاصة الخلاص أن نتخلص من أنانياتنا ونتوب إلى الله . وإلى لقاء في قمة تجمع ولا تفرق ، إن قمة من دون سوريا كجسد من دون روح.

بشير جاب الخير
29 مارس 2017

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version