هل أصبح هذا الحق خطرا حتى نطالب بإبطاله ؟ وما هي الجهة المخولة قانونا لتحريك الدعوى ؟ وأمام أي جهة قضائية ؟ لأن لا جهة سياسية حاضرة اليوم يمكنها التأثير على مجلس الأمن بما يحقق العدل ويتم الكيل بمكيال واحد بين أعضاء المجتمع الدولي ، قبل الإجابة على هذه الأسئلة ، يمكننا التعرف على : محكمة العدل الدولية : هذه الهيئة القضائية تابعة لهيئة الأمم المتحدة ، تأسست عام 1945 ، تتألف من خمسة عشر قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ، تنظر في الدعاوى التي ترفعها الدول أو المنظمات الدولية أمامها ، أساس قراراتها هو القانون الدولي . وهنا يجب الإشارة من باب التمييز إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تنظر فقط أو تختص في متابعة الأفراد المتهمين، وليس الدول. وعلى هذا الأساس فالجهة المخولة قانونا، والتي يمكن أن تفي بالغرض، هي محكمة العدل الدولية.

مشكلة الفيتو

الفيتو من الأدوات غير القانونية ، بمعنى أنه فقد كل أساس قانوني ، لأنه لم يعد يخدم ميثاق الأمم المتحدة ، ولا حتى أهداف مجلس الأمن الدولي ، وأكثر من ذلك بات يعطل حركة مجلس الأمن من أجل فض النزاعات ووقف سفك الدماء وتمكين المستضعفين من حقوقهم ، لذلك فهو تحديدا أداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على وجه الخصوص ، ليس لمساعدة أعضاء المجتمع الدولي من أجل الاستقرار والحرية والأمن من الخوف والأمن من الجوع ، والدفاع عن قيم الحرية والعدل والمساواة ، بل لخدمة أنانية الغرب الرأسمالي الليبرالي من جهة ، وأنانية الكيان الروسي الذي يبحث له عن مكان ورأسمالية خاصة به ، والمصيبة أنه لم يعد يحمل أي شعار يمكن أن يهدئ من روع الملايين التي كانت على الأقل تستخدم بعض الشعارات كالعدالة الاجتماعية ولو مهدئا في وجه الرؤية الغربية المتطرفة . بين روسيا والولايات المتحدة ضاع الأمن وضاعت بوادر مجتمع دولي يتطلع إلى قانون دولي يحميه من أنانية بعض أعضائه. راجعوا مواقف الدول الخمسة صاحبة هذا الحق ، كم من مرة تدخلت بشكل إيجابي على مستوى مجلس الأمن ، سواء تعلق الأمر بالتصويت لتمرير قرار ، إيجابا ، أو امتناعا ، أو اعتراضا ، وكم كان الاعتراض أو النقض مؤلما ، يمكنكم استحضار كثير من القضايا التي كانت تنتظر من مجلس الأمن الدولي موقفا إيجابيا يفرح الإنسانية ، ولو مرة واحدة ، إذن حق النقض ، أو الفيتو ، لم يكن قائما على أساس من العدل ، وهو اليوم كذلك ، وإذن ما قيمة الإنسان والعدل والحرية والإخاء والمساواة ومبادئ الديمقراطية بالنسبة لمجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة ، ومحكمة العدل الدولي ، والمحكمة الجنائية الدولية ، في حضور حق النقض أو الفيتو؟

الجهة المخولة قانونا لتحريك الدعوى

أي دعوى ؟ دعوى إبطال حق النقض أو الفيتو ، هل هناك متضرر ، كثير من الدول تضررت ، وهي اليوم متضررة ، حينما أقول الدول ، لأن الأفراد غير مخولين وفق اختصاصات محكمة العدل الدولية ، الشعوب تضررت كثيرا ، فإذا كانت الأنظمة في حدود عالمنا المتخلف غير معنية بمعانات الشعوب ، فإن دولة كتركيا ، أو حتى بعض المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية ، أو  منظمة مراقبة حقوق الإنسان ( هيومن رايتس ووتش ) ، … ، يمكنها أن تحرك دعوى بهذا الخصوص ، يمكن أن تكون الجزائر ، وإيران ، وكوبا ، وفنزويلا ، والهند ، وماليزيا ، ودولة جنوب إفريقيا ، إلى جانب تركيا ، الدعوى باسم الشعوب المستضعفة التي تئن تحت وطأة الظلم والقهر ، خصوصا الذين فقدوا أمنهم من الخوف وأمنهم من الجوع ، يمكن أن تدعم المسعى منظمات وهيئات حقوقية ، وشخصيات لها وزنها في عالم اليوم ، هي محل احترام وتقدير شعوب العالم.

الجهة القضائية المخولة للنظر في الدعوى

الجهة القضائية الوحيدة المخولة قانونا للنظر في دعوى إبطال حق النقض، أو الفيتو، هي محكمة العدل الدولية ، هذه الهيئة يمكن أن تضطلع بهذا الدور النابع أساسا من مهامها إذا تمكن قضاتها أو بعضهم من تجاوز مصالح خاصة وضيقة لعضو ، أو عضوين من المجتمع الدولي ، من أجل إسعاد كل أعضائه ، فيخلعون ثوب الظلم عن مجلس الأمن الدولي وبلبسوه ثوب الحرية والعدل ، فتتحول قراراته إلى قرارات سيدة تخدم الإنسانية في إنسانيتها ، والبداية يمكن أن تكون محتشمة ، ولكن العبرة بمن يبادر ويسعى للصالح العام فيدخل التاريخ من بابه الواسع ، أعلم أن المسألة ليست بالأمر الهين البسيط ، إلا أن الظروف اليوم جد مواتية ، ونحن على عتبة القرن الواحد والعشرين ، الدخول إلى حلبة التاريخ ليس من شيمة من باعوا ضمائرهم لأبخس الأثمان.

حقيقة حق الفيتو

حق النقض، أو حق الفيتو، هو حق الاعتراض على كل قرار يرفع أو يقدم لمجلس الأمن من دون بيان  الأسباب ، هذا هو المطلوب ، ذلك أن القرار الذي يفتقد إلى أسباب هو قرار غير مبرر أو غير مؤسس ، فبدل أن يسود هذا التوجه ويحتكم إليه ويلتزم به كل الأعضاء ، خصوصا الدول الخمسة صاحبة هذا الحق ، صرنا أما نوع من الاعتراض يفتقد إلى أسباب وأسس قانونية ، السند الوحيد هو أنانية هذا العضو أو ذاك ، أو مصالح جد ضيقة ، لا تهتم من قريب أو من بعيد لآلام الإنسانية ، خصوصا الأطفال والنساء ،والأبرياء في كل مكان . وحتى إذا راجعنا ميثاق الأمم المتحدة ، فإنه لا وجود للفظة ( فيتو ) ، العبارة هي : ” حق الاعتراض ” ، والاعتراض على قرار مجلس الأمن يمكن أن يصدر من أي دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة ، أي يكون متاحا لمن يستطيع أن يثبت ضرر القرار ، فيكون الاعتراض مؤسسا قانونا ، يقدم الوقائع والحجج اللازمة ، أما أن يكون ذلك من حق خمسة دول ، يمكن أن تنفرد به إحداها من دون تأسيس ، فإن ذلك هو الذي ينبغي أن يعترض عليه أعضاء المجتمع الدول من داخل هيئة الأمم المتحدة وبواسطة محكمة العدل الدولية . يمكننا أن نزن حرية محكمة العدل الدولية وسيادتها، إذا أمكننا قياس حرية وسيادة باقي أعضاء المجتمع الدولي من دون الخمسة ( الكبار). اسألوا مجلس الأمن عن كل القرارات التي اعترضت عليها ، بل أجهضتها ، أو منعتها الولايات المتحدة من الحياة ، كانت ضد غطرسة وظلم الكيان الصهيوني ، فكيف يتم وأد قرار ، أو قرارات دولية كانت تستهدف إحياء أنفس ، والحفاظ على حقهم في الأمن من الخوف والأمن من الجوع ، على مرأى ومسمع باقي الأعضاء ؟ إننا بقدر ما نستغرب بشاعة المتسبب في عملية الإجهاض ، نستغرب أشد من ذلك صمت وجمود باقي أعضاء مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ، الذين لم يعترضوا يوما على مثل هذا الجور والغرور . ودعنا نزن حق النقض أو الفيتو بميزان الديمقراطية كأسلوب حضاري ينظم نشاط الحاكم والمحكوم على سبيل الإلزام ، لا يلزم الأكثرية بالصمت والإذعان للظالم الذي يستحوذ على أدوات القهر ، بل يلزم الأقلية ، أو العضو الواحد على احترام والتقيد برأي الأغلبية ، فأين هو مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية من مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ أو ليس استخدام حق الفيتو من قبل روسيا وبتواطئ الولايات المتحدة الأمريكية ضاعف عدد القتلى من نساء وأطفال ، وكل أبرياء ومستضعفي سوريا ؟  يمكنكم أن تبحثوا في آثار حق النقض وتقديمها كحجج على أهمية تخليص عالمنا من جحيمه.

بشير جاب الخير
28 مارس 2017

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version