ماذا يريد الأستاذ مالك ابن نبي حينما يتناول موضوع العقيدة ، وتحديدا عندما يقول : ” ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها ، وقوتها الإيجابية ، وتأثيرها الاجتماعي ” . الأستاذ يحمد الله على نعمة التوحيد ، فهي نعمة إلهية ، ما أعظمها من نعمة ، فهي أساس ومنطلق الفوز في الدنيا وفي الآخرة ، ومن هذا المنطلق راح الأستاذ يبحث عن كل ما من شأنه أن يرفع من ميزانه في ظل هذه العقيدة التوحيدية ، يجتهد ليحقق الأفضل ويرى يومه خيرا من أمسه، ليس إنسانا وحيدا منعزلا في الطبيعة يكره لقاء الناس ، ولكن يبحث له عن مكان يليق به إنسانا بين الناس موحدا فعلا لله الذي آمن به ، لا يقبل أن يصدر منه ما يعكر صفو حياة الآخرين ، ولا يعيق حركتهم ونشاطهم من أجل تحقيق الأمن من الخوف والأمن من الجوع ، فتوحيده لله ، يبحث له عن أجمل صورة في علاقاته مع الناس ، يساهم فيحسن المساهمة ولا يرتاح إلا إذا شعر براحة من هو إلى جانبه ، وما يحزن مالك هو واقع الناس ، الأقرب فالأقرب ، يرفعون شعار الإسلام ، يتعرفون إلى الآخر بالصلاة والصيام والحج ، وقراءة القرآن و … ، إلا أن القوم أبعد الناس عن الاستقامة ، وأكثر من ذلك يبررون وضعهم بقلة علمهم بمسائل العقيدة ، وكأن العقيدة هي منهج دراسي ، يجب أن يقدم للناس فيتعلموه ، ولا شيء غير ذلك جيلا بعد جيل ، ويكفيهم ترديد بعض الجمل من دون أن يكون لذلك أثر في حياة الناس حين يجتمعون وحين يفترقون . وحينما نتناول واقع البلاد الإسلامية اليوم نجده دليلا على ما شعر به مالك من مرارة وهو يتحدث عن موضوع العقيدة ، كم هم العلماء اليوم الذين يتحدثون في موضوع العقيدة ، خصوصا على مستوى رابطة العالم الإسلامي ، وعلى مستوى المدارس والمعاهد بالمملكة العربية السعودية وغيرها ، وأولئك الذين يتصدون للفتوى ، فإذا بحثنا عن أثر العقيدة (عقيدة التوحيد) بطبيعة الحال في مواقف هؤلاء وأولئك لا نستطيع تبين الأثر الاجتماعي والقوة الإيجابية الدالة على الاستقامة والإحسان ، أعطيكم مثالا: الحصار الذي أطلت به دول خليجية ومن ورائها النظام المصري ، حاصروا دولة قطر ، أليس كذلك ؟ ولو تمكنوا من قطع أنفاسها لفعلوا ، أليس كذلك ؟ لماذا حدث ذلك ؟ لأن دول الحصار لا تهتم سوى بعروشها ، ولا شيء سوى عروشها ، وتريد من الدول العربية والإسلامية الأخرى أن تصطف وراءها وتعلن الولاء ، فأين هو أثر العقيدة بربكم ؟ وأكثر من ذلك راحت دول الحصار من دون حياء تطالب قطر بقطع المساعدة عن المقاومة داخل فلسطين ، ووضع حد لصوت وصورة قناة الجزيرة ، من منكم يستطيع العثور على مبرر واحد يدين مقاومة الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي ، ويدين في الوقت نفسه نقل قناة الجزيرة مجازر الاحتلال ومجازر أنظمة الاستبداد على طول الوطن العربي ؟ ليس هذا فقط ، الأدهى أن رابطة العالم الإسلامي ، وكثيرا من خطباء الحرمين الشريفين راحوا يهللون ويباركون لدول الحصار ويبررون سلوكها وهم يتلون آيات القرآن من دون خوف من الله ، أين هو أثر العقيدة الاجتماعي والحضاري ، وللتبسيط ، أين أحسن هؤلاء وأولئك في حياة الشعوب العربية والإسلامية ، وواقع الإنسانية جمعاء يرحمكم الله ؟ لذلك ولذلك فقط حينما نعيد قراءة رؤية مالك ابن نبي حول العقيدة : ” ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها ، وقوتها الإيجابية ، وتأثيرها الاجتماعي ” . ندرك تميز هذه الرؤية التوحيدية وماذا كان يحزن مالك فعلا . إن أثر عقيدة التوحيد مستمر ، بل هو ملازم للإنسان الموحد ، إيجابي مع نفسه ومع الناس ، بل مع الناس أكثر ، لأنه لا يمكن أن يهمل دوره الذي نص عليه القرآن ، إنه دور الشهادة ، وهذا الدور لا يتحقق إلا وسط الناس ومع الناس ، لا يمكن أن يفهم  قوله تعالى :” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ” الآية 143 من سورة البقرة ، إلا إذا شعر فعلا بدوره في حياة الناس إحسانا واستقامة وقربا من الله ، ومثل هذا الإنسان لا يجد الحاجة إلى شعار يقف أو يختفي من ورائه ، بل يبحث عن الأثر الإيجابي ، وخصوصا في واقع الإنسانية ، لأن ذلك هو الدلالة الحية على إتباع سنة خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم والتمسك بها من دون أن يبحث له عن لقب أو عنوان ، هذه هي الفاعلية التي يفتقدها مسلم اليوم وافتقدها المسلمون لقرون . كم هي الأقلام التي تذكر مواقف الأخيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تذكرنا بالأقوال والأفعال ولا يعنيها مما فيها إلا ما يعنيها من باقي الأخبار والأحداث ، وكم هي المنابر التي يخطب أصحابها في الناس بغرض إحداث الفارق من جمعة إلى أخرى فنتحسس أثر العقيدة في واقعنا ومن خلال مواقفنا فنختزل ما بيننا وبين التاريخ من مسافات ؟ الخطباء يدعون ويطلبون من الله ترحيل الإسرائيليين من بيت المقدس ، ويرددون عبارة ” إنهم لا يعجزونك ” ، ومن قال أن اليهود يعجزون الله ؟ هلا أعدنا النظر من باب أثر عقيدة التوحيد فيما نقول ونفعل ، المسجد للعبادة ، بمعنى أن نسجد لله ونسبح الله ونسأل الله ، فنتحرى ذلك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته كما علمنا أياها ، وكما عاشها المشايخ الربانيون الذين عبروا عن ذلك وترجموه في أحسن وأجمل صورة من دون أن يعتلوا منبرا أو يخطبوا في الناس ، وكم هم الذين اعتلوا المنابر من دون رضاء ولا قبول ففتنوا الناس في عقيدتهم وشوهوا أثرهم في الحياة ؟ من ، من الجزائريين اليوم يقف في الناس ويذكر الإمام ابن باديس، أو البشير الإبراهيمي، أو مبارك الميلي، أو العربي التبسي ، … بسوء ، من باب الإساءة إلى الناس أو فتنتهم في دينهم وفي حياتهم ؟ ذلك هو الأثر الذي غاب عن واقعنا وحياتنا كثيرا ، واستعضنا عنه بما يلهينا ويزيد في وحشتنا وغربتنا في ديارنا ويستهدفنا في مناعتنا الروحية والذهنية على حد سواء . المسجد الجامع ، لا يعني شيئا إذا لم تتحقق الغاية المرجوة ألا وهي اجتماع كلمة الناس فيتأثرون ويؤثرون إيجابا في واقعهم من دون جزع ولا منع ، الإمام يؤدي دوره الجامع ، لأن عقيدة التوحيد جامعة ، فإذا زاغ عن الحد الوسط صار عبدا ، وعلامة ذلك أن يقول أو يفعل ما يفرق الناس ، فبدل أن يجمع يفرق ، وبدل أن يحسن يسيء ، لذلك ولذلك فقط علينا أن نبحث عن أثر العقيدة ضمن كل دائرة من دوائر محيطنا الحيوي ، في بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا ومزارعنا وشوارعنا، فيتحقق فينا أثر الإيمان بالله.

بشير جاب الخير
24 جويلية 2017

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version