ليست المرة الأولى ، ولا هي الثانية ، لماذا العناد ، لماذا لا نأخذ العبرة ونكف عن الاصطفاف وراء الوعود الكاذبة التي لا تغري سوى النفوس الضعيفة ، إن لم أقل المريضة ، تعلق الكثيرون بوعود فرنسا الاستعمارية وظنوا أن فرنسا هي من تضبط ساعة الزمن ، وأنها تحيي وتميت ، كم هم الذين أوفت لهم بالوعود ، وكم هم الذين شهدوا على كرم فرنسا ووفائها ؟ هل دامت الحكاية واستمرت الصورة ؟ ماذا جنى أولئك جميعا ؟ اليوم وبعد مرور خمسين سنة على النكبة ، يمكن مرافقة أبنائنا ومقاربة الآثار والبحث في رصيد كل العالقين على باب التاريخ ، ماذا جنى الواهمون وراء سراب الغرب الرأسمالي الليبرالي وعلى رأسه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ؟ كم مرة تغير العرب ، ولا مرة تغير الإسرائيليون ، كم مرة صدق العرب وكم مرة صدق معهم الساسة الأمريكيون ؟ ماذا لو اصطف حكامنا الذين حكمونا ولم يعودوا حكاما، ماذا سيقولون لكم ولنا عن أصحاب الوعود والعهود؟ كم منا سيصدق العربي بن مهيدي ويكذب باقي المهزومين ؟ كم منا سيبارك الشيخ أحمد ياسين ويمقت كل المستسلمين ، وكم هم الذين سيصطفون من جديد وراء المنتظرين أمام باب بني صهيون غير آبهين بصرخات أطفال وحرائر فلسطين ؟ من سيصدق اليوم مسرحية ( الغرب ) على عتبات القرن الواحد بعد العشرين ، وقد استفحل الركام وصار وحلا ولاحت المخاطر في أفق المباركين والمهنئين ؟ هل صدق القوم أن ( ترمب ) رجل محب للعرب ، يبحث فعلا عن راحة العرب وفي مقدمتهم أبناء فلسطين ، فصفقوا له ورقصوا معه ، واستحق منهم كل الذي قدموه ، من دون أن يوثقوا ، أو حتى يشهدوا ، أهو على هذه الدرجة من الثقة فنسميه بالرجل الأمين ؟ أم أن القوم هم الأمناء الواقفون ؟ وما قولكم في قطر ، ما علاقتها بالأمانة والأمن وأطفال غزة المحاصرين ، أهي التي يجب أن تحاسب وتعاقب ، لأنها أفسدت عرس الصائمين ، أو أنها فعلا شكلت عقبة في طريق المطبعين ؟ ماذا يجب أن تدفع قطر فتكافئ ( ترمب ) حتى يرضى عنها الإخوة المحاصرون ؟ ما هي اللغة التي تكلمت بها الدوحة ، واللغة التي استخدمها المناوئون ؟ ماذا يمكن أن تقدم مشيخة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي من جديد في عالم المفاهيم ، فيجتهد القوم لعلهم يخرجون بمدلول للإرهاب يورط الدوحة وغزة وبيروت من غير إسرائيل ؟ ماذا يمكن القول لأطفال فلسطين الذي يستحضرون دوما مواقف الآباء ويستعدون لترديد أنشودة الوفاء لقوافل الشهداء وكل الأمناء الذين صدقوا لما عاهدوا الله ،من أمثال الشيخ عز الدين القسام ، والشيخ ياسين ، والدكتور الرنتيسي ، ومازن فقهاء ، والشاهدين علينا جميعا من داخل زنزانات المحتل الغاصب ، من أمثال الرمز مروان البرغوثي الذي زلزل عروشهم وقض مضاجعهم فلم يهنأ لهم بال ؟ بالله عليكم هلا سألتم أنفسكم،بينكم وبين أنفسكم، أيجرؤ ( ترمب ) انتزاع جزء بسيط  من الرئيس أردوغان ، أو من الرئيس روحاني ، يساوي واحد من مليون ، مما أخذه من ( العرب ) الذين حاصروا قطر في شعاب الصحراء وكالوها من الشتائم ما لا تنوء به خزائن مصر؟ كيف يمكننا أن نقيم ونقوم مسرحية الغرب التي تشرف ( ترمب ) بأداء بعض الذي تيسر من حلقاتها ؟ هل من حقنا أن نقرأ تاريخنا ونقدر منازلنا ، أم أنه يجب أخذ الإذن من جديد من صناع ( سايس ـ بيكو) ، وحماة وعد بلفور ؟ الشكر كل الشكر لتركيا شعبا وقيادة على المبادرة وعدم الانتظار وإن دل ذلك فإنما يدل على أن إخواننا في تركيا على موعد مع التاريخ ، وأن الأجيال ستذكر هذا بكثير من الافتخار ، وإنني أستغرب كما استغرب ملايين المسلمين ، وحتى اليهود والنصارى ، موقف الذين حاصروا قطر حينما ضاقوا بالقوات التركية التي وصلت لتوها إلى الأراضي القطرية  ، وهذا بطبيعة الحال شأن قطري داخلي ، ولم يتفوهوا بكلمة واحدة بخصوص القواعد الأمريكية التي تجوب أرض العرب طولا وعرضا .  لن تنالوا من ( ترمب ) سوى المخيبات ، والحسرات ، أما وعد الله فهو قريب من عباده المحسنين ، لقوله تعالى : ” ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ” الآية 56 من سورة الأعراف . هل يستطيع ( ترمب ) أن يبيت على رأي أو موقف ، خصوصا وقد نجح في عملية الاختراق والابتزاز إلى أبعد الحدود ، ماذا يمكن أن يشبعه وقد تذوق ما طاب ولذ ، ماذا يملأ عينيه بعد أن فتحهما من دون حياء ، من الذي يستطيع رفع سقف مطالب المانحين فيطيب خاطرهم من دون انتظار ؟ ( الغرب ) الليبرالي الرأسمالي حزم أمتعته وأقسم بمباركة الفاتيكان على السير وفق مسار الفلسفة المنغلقة إلى أبعد الحدود ، خصوصا بعد أن انكشف عرض الشام واستبيح شرف العراق وعادت الأطماع من جديد إلى أبواب المغرب الإسلامي الكبير . إن الركام ضاق بأهله ، وإن الوحل لن يخطئ المسيئين ، طريق الحرية شاق ، والاستبداد إلى زوال : ” ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ” الآية 43 من سورة فاطر.

إننا على موعد مع التاريخ ، ولن ينفعنا سوى الصدق مع الله سبحانه ، إن الظلم ظلمات ، والظلم مؤذن بخراب العمران.

بشير جاب الخير
24 جوان 2017

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version