إن الحركة الصهيونية تعمل اليوم وأكثر من أي وقت مضى على إيجاد الوسائل الكفيلة باجتثاث فكرة المقاومة في فلسطين عامة وفي غزة على وجه الخصوص ، لقد فشلوا في تشويه صورتها مرارا وتكرارا ، خصوصا بعد أن وضعت الولايات المتحدة حركة حماس على قائمتها لما تسميه هي إرهابا.

وكما يعلم الجميع أن حركة المقاومة الفلسطينية بفتحها وحماسها وجهادها وفصائلها الأخرى أعطت المثال في حركتها وسكونها ، وهي تذكرنا  بالصورة المشرفة التي قدمتها ثورة التحرير الجزائرية للعالم على مدى قرن وربع القرن ، وخصوصا مع بداية خمسينية القرن الماضي ، فلا المستعمر ولا المحتل أفلح في ذلك لأن فكرة المقاومة ولدت من فكرة اللاعنف التي تحكم فكرة التدافع كما علمنا خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري وعز الدين القسام وابن مهيدي الذي أبهت جنرالات فرنسا ، والشيخ أحمد ياسين الذي رسمت دناءة اغتياله وصمة عار على جبين عالمنا المعاصر ، كيف لا وهو الشيخ المقعد يؤدي صلاة الفجر وكثير منا ومنهم نيام ، تحترق جثته وتدك عظامه ، فأي تعريف نعطيه وأي صورة نعبر بها عن الإرهاب ، فلسطين بمدنها وقراها ومزارعها ومداشرها ، بمدارسها و مساجدها وكنائسها وجميع دور العبادة فيها ، تعرف وحدها من هو المحتل وما هو الإرهاب . والله إننا نستحي من الله ، قبل عباده المستضعفين ، حينما نشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ ، كل ذلك بسبب الإنسان ، بسبب عدم رضاه ، بسبب هلعه ، بسبب جزعه ومنعه ، فلا منظمات أممنا التي لم تتحد يوما واحدا كي تنظر في هذا الهلع وهذا الجزع و هذا المنع ، لقد أصابها هي الأخرى كثير مما أصاب قادتها ، وأيضا منظمات حقوق الإنسان التي لم تقف يوما عند إنسانية الإنسان ،فلا منظمة الأمم ولا منظمة الحقوق تدرك ماهية رأس مال الإنسان ، فلا هي قرأت ولا هي تعلمت ، ولا هي استفتت أو استفسرت مجلس أمن عالمنا الغربي الذي لم يتكلم منذ أن عصفت رياح الفتنة ببلاد الشام ، إن رياح الفتنة تعصف بكل ما أوتيت من قوة ، خصوصا إذا كان مصدر وقودها هو الإنسان المنبهر برأسماليته التي بناها بالأمس على أشلاء هنود أمريكا وأسود إفريقيا جنوبها وشمالها ، وطعمها أكثر بدماء الأبرياء في فلسطين الأبية ، وزاد سوادها بصمته المريب والمتعمد على ما يجري في العراق وبلاد الشام في أيام الناس هذه.

مما سبق يمكن أن نحدد مصدر الداء ، إنه رأسمالية الإنسان التي لا يمكن أن ندرك ماهيتها إلا إذا فهمنا ماهية رأس مال الإنسان التي أشرت إليها في مقالة تحت عنوان : رأس مال الإنسان بتاريخ 13/05/2016 من خلال ” منبر حر ” لمعهد الهوقار بجنيف . والرأسمالية هذه يمثلها اليوم كما مثلها بالأمس العالم الغربي ، خصوصا دوله الاستعمارية ، أكثر من غيره.

أعود إلى الأحرار في فلسطين عامة وغزة على وجه الخصوص ، أنتم أمام امتحان عسير ، وتعلمون أنه ” على قدر أهل العزم تأتي العزائم ” ، إن عزيمتكم من عزيمة عز الدين القسام وياسر عرفات وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وقوافل الشهداء الذين شهدوا واستشهدوا ، فإما أن تشهدوا فتستقيموا وتوفقوا وتمضي مقاومتكم بلا هلع ولا جزع ولا منع ، تسعدون وتسعد بكم فلسطين بقدسها وغزتها وضفتها ، ومصرها وشامها ومغربها ، ودنيا الأحرار كلها  ، ولا أقول الثانية لأنها ليست من شيم أرض الرباط . اليوم لا تسعكم أحزابكم ، وقد ثبت أن كل حزب بما لديهم في دنيا الناس فرحون ، ولن تسعكم بعض من أفكاركم التي ثبت لكم محدودية أثرها ، ولن يسعكم عالمنا العربي الممزق في هذا الحين ، الذي يسعكم هو رضاكم ، وفقط رضاكم فهو أساس التوحيد ، وهو روح الوسطية التي حبا أمتكم بها الله ، وهو حصنكم من هلعكم وجزعكم ومنعكم ، كما كان حصنا لأسلافكم الذين شهدوا وقدموا أغلى ما قامت عليه إنسانيتهم ، حينها فقط تسعكم أرضكم وتسعكم عقولكم وتسعكم قلوبكم وتسعكم مقاومتكم ، أمامكم الكثير والاحتياط واجب ، ورياح الفتنة في أوجها اليوم ، فلا سيوفنا عادت إلى أغمادها ، ولا عيوننا أبصرت التراب الذي يشتعل تحت أقدامنا ، فلا استمعنا ولا جلسنا حتى نصلح ذات بيننا ولا شيء من ذلك كله.

أيها المقاومون كم عزيمتكم هي اليوم قوية ، وكم هي ساحتكم اليوم نقية من الجزع الذي تعاني من ناره كثير من الساحات في شامنا وفي عراقنا وفي يمننا وفي غيرها من الساحات الأخرى ، شبابها يئن تحت وطأة لهيب الفتنة التي أعمت قلوبنا التي في صدورنا، فلم نعد نعرف ما نقول ولم نعد نعرف ما نفعل حتى تشابهت أيامنا في  سوادها وشؤمها وحسرتها الذي هو سواد قلوبنا وتشاؤم رجالنا وحسرة حرائرنا ، الحاقدون ينتظرون كي تتحول غزة إلى صورة مشابهة للرقة والموصل ، خصوصا أنهم فعلوا الكثير من أجل ذلك وهم اليوم يفعلون.

القادة في غزة مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالتواضع بعد الرضا ، مطالبون بالجلوس وتحسس الأرض حتى يتحسسوا القلوب التي في الصدور ، والجلوس اليوم قبل الغد يا قادة حماس والجهاد وفتح والجبهة الشعبية ومن تطاوع معكم من فصائل المقاومة الأخرى ، الجلوس قصد ضبط هلعكم في جانبه الإيجابي الذي هو الأصل في مسألة الهلع فتستحضرون خوفكم من الله وخوفكم على غزة من أن يحولها الحاقدون إلى دائرة فتنة ، ولا يكون لهم ذلك إلا إذا تمكنوا من هلعكم في جانبه السلبي الذي هو الاستثناء في مسألة الهلع فيتحكموا في جزعكم ومنعكم فتستحضرون أحزابكم وانتماءاتكم الضيقة وألوانكم السياسية التي لم تعد تسعكم وبعضا من أفكاركم التي ثبت لكم كسادها ، فإما الأول وهو شأن الموحدين الذي هم على صلاتهم دائمون وبشهادتهم قائمون ، فبذلك وبذلك فقط يحالفكم النصر بإذن ربكم فيتحقق فيكم قول الله سبحانه :” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ، والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ، ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ، أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ” الآيات 7 ـ 8 ـ 9 ـ 10 من سورة محمد . فعلى هذا الأساس يمكنكم أن تنتقلوا بكيانكم نقلة نوعية فتحافظوا على الجسد وعلى الروح معا ، فتكونون نواة الفرقة الناجية أو أحد أمثلتها في دنيا الناس هذه ، واحذروا من الجزع الذي قاد الناس في كثير من الساحات إلى القتل والترويع إلى الحد الذي لم يعد طرف يسمع الطرف أو الأطراف الأخرى فيصدق عليهم قول خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم :” لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ” رواه البخاري.

ولا أحب أن أذكر الثانية ، فأقول وإما ، لأن ذلك ليس من شيم أرض الرباط وأهلها ، فلتحسنوا الظن بأنفسكم ، غزة تسعكم كلكم يا أبناء الرباط والمقاومة ولا تتسع بشبر واحد للمغتصبين ، ثقة الموحدين فيكم اليوم أكبر يا أحرار فلسطين ، تحية متفائل من جزر الحرية إلى أمناء غزة الأبية.

بشير جاب الخير
29 ماي 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version