عالم الأفكار يحمل بين جناحيه رسالة الإنسان ، ورسالة الإنسان هي أن يفكر ، فمنا من يقرأ رسالته ومنا من يقف موقف من لا يقرأ ، وحتى الذي لم يقرأ في حياته حرفا يمكن أن لا يجهل ، وإذن فالمشكلة التي نغصت على الإنسان في عالم الأفكار هي أن نجهل ، وماهية الجهل أن يعترض الإنسان على الإنسان فلا يدعه يفكر ، يمنعه أو يشارك في منعه ، يجهل عليه أو يشارك في الجهل عليه ، أن تمنعني من التفكير هو جوهر الجهل ، وأن تفكر بدلا عني هو قمته ، الجاهلية الأولى هذه مرتكزاتها ، وهذه هيأتها الأولى التي تولدت عنها باقي الهيآت والصور ، سيدنا عمر صنع له إلها من غرس عبده ثم سرعان ما أكله ، المرأة لم تكن سوى شبيهة بإله يعبده رجل ثم سرعان ما يحوله إلى عبد يدوس على كرامته ، ولو كانت من فصيلة الغرس لأكله صاحبه ، فكيف تحول عمر في عالم الفكر من الجهل إلى نقيضه ونقيض الجهل بالنسبة لسيدنا عمر هو نفي كل ما يقارب أو من يقارب إلهه الذي كان يعبده ، حتى أن عمر سخر من نفسه ومن إلهه الذي أضحكه ، المسار في عالم الفكر هو نفس المسار والصورة هي نفس الصورة ، حتى وإن تغيرت بعض عناصرها أو مركباتها ، من الجهل إلى نقيضه ، جاهلية فرعون لم تمنع سحرته من اختيار النقيض ، سيدنا موسى عليه السلام كان حرا ، والسحرة صاروا أحرارا ، لم تمنعهم جاهلية فرعون ، هكذا هي رسالة الإنسان في عالم الأفكار ، خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم بلغ رسالة إله موسى وعيسى وإبراهيم ويعقوب ويوسف وكل الأنبياء والرسل ، عليهم السلام ، فهم لم يجهلوا على الناس ، لم يمنعوهم من التفكير ، بل طلبوا منهم ذلك ، وساعدوهم على الخروج من الجهل إلى النقيض ، فكما أن الجهل عدد الآلهة وسخر من الإنسان الذي عبدها ، فالأنبياء والرسل وحدوا الله وكرموا الإنسان الذي عبده ، فهلا تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف تعامل مع أبي جهل في جاهليته ، وكيف كانت معاملته في عالم الفكر مع الذين جهلوا وعددوا الآلهة بجهلهم أو بجهل من جهل عليهم ، وكيف علمنا سيدنا موسى في نفس المسار من قبل مع سحرة فرعون الذي جهل وطغى ، ألم يكن ذلك في عالم الفكر الذي اتسع للجميع ، ألم يكن ذلك دليل على إنسان القرن الواحد والعشرين ، الذي جعل من جاهليته وبجاهليته ولجاهليته سلطانا أكثر سخرية من آلهة الجاهلية الأولى . لقد جعلنا من الحزب سلطانا ، بل جعلناه إلها يمجد هلعنا ويبرر جزعنا ويعبد الطريق لمنعنا ، هلع وجزع ومنع ، كل ذلك وكثير منا يصلي ، يصوم ويحج ، ويمكن أن يزكي ، لذلك تساوى هؤلاء مع أولئك في جاهليتهم التي منعتهم من الصلاة ، والصلاة ليست في حقيقتها سوى الدليل على الخروج من الجاهلية إلى نقيضها ، مثل صلاة ياسر وزوجته الحرة سيدتنا سوميه ، الصلاة التي أبكت رجب طيب أردوغان رئيس دولة حينما قرأ رسالة الطفلة المصرية الشهيدة طيب الله ثراها وطيب طيب رجب بطيبها في الجنة إن شاء الله ، أما الذين جهلوا على براءة البنت الشهيدة وحرموها في عالم الفكر من حرية الكلمة ، فلا ندري ماذا نقول لهم ، فالقول ما قالته الشهيدة في رسالتها لأبيها ، لا أدري لماذا لم تبكينا ، لا أزايد على ما قالت الشهيدة ، والله إنني أستحي أمام ما فعلت الجاهلية بإنسان القرن الواحد بعد العشرين ، فهل سخرت منا آلهة الجاهلية إلى هذا الحد ، فهلا جلسنا إلى طيب رجب وسألناه عما أبكاه ، وهل بحثنا في أنفسنا عن جاهليتنا علنا نجد طريقا إلى دموعنا ، ناهيك عن عقولنا وقلوبنا . ألم يهتم لذلك طبيبنا وأستاذنا وإمامنا وخطيبنا ، ألم نسأل أنفسنا عن غفلتنا ، عن تيهنا ، كم نحن غثاء في جاهليتنا ، كم نحن أسرى لهلعنا وجزعنا ومنعنا ، حتى ونحن ندفن الأموات منا لم نتوقف عند منازلنا فنبكي ولو في صمتنا ، ألهذه الدرجة أصطحبنا معنا هلعنا ، ولهذه الدرجة ضحك منا جزعنا في مقابرنا ، ولهذه الدرجة بلغت حدة منعنا.

أمتي أمي وحدي ، باسم الله وحدي، تركت الجاهلية واخترت الوسطية ، وحدي واشهدي ، أمتي على مشارف القدس رابطي ، أمتي ، أملي فيك يا أمتي

أمتي أمي أمني أمانتي ذخري شهادتي

أملي فيك يا أمتي

قلبك شامنا ، رئتك عراقنا ، عيناك مغربنا ، عقلك قدسنا ، روحك حجازنا ، كبدك بلاد الفرس ، قلعتك بلاد الترك

فلا الشام ولا عراقنا ، ولا المغرب ولا قدسنا ، ولا الحجاز ولا تركيا ولا طهران ، ولا كل الدنيا عنك تغنينا

أملي فيك يا أمتي

أطفالنا ، حرائرنا ، آباؤنا، ما احتملوا ضحك قادتنا ، ما عادوا يحتملون الرقص على أشلائنا ، والمشي على جماجمنا والعزف على جراحنا

أملي فيك يا أمتي

فلا الأحقاد تثنينا ، ولا البغض يهزمنا ، ولا اليأس يسكننا ، ولا المطامع تردينا

شاهدة أنت على خذلاننا ، على تعاستنا ، على غرورنا ، على مآسينا

أملي فيك يا أمتي

أيتامنا كثر ، أراملنا طهر ، جراحنا مهر ، شهداؤنا ذخر

دموعهم سحر ، كلماتهن حبر ، ابتسامتهم أمل، ذكراهم بلسم

في القلب متسع ، في العقل فسحة ، في الجأش رباطة ، في النفس إيثار

أملي فيك يا أمتي

من منا يبادر ، من منا يحاور ، من منا يعانق ، من منا يكابر

رحمك تسعنا ، وسطيتك تحاججنا ، مركزك دليلنا ، حضنك جميعا يؤوينا

أملي فيك يا أمتي أملي فيك يا أمتي ، فليس سوى الرضا يداوينا.

بشير جاب الخير
27 ماي 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version