“فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا” سورة فاطر، الآية 43

تمهيد

26 جانفي 2016، يصدر الشيخ يوسف القرضاوي بيانا يحمل نتائج الوساطة التي قام بها بعد استشارة العديد من المفكرين والعلماء لحل الأزمة المتفاعلة منذ أشهر وازدادت حدتها شهر ديسمبر الفارط داخل جماعة الإخوان المسلمين المصرية بين القيادة التاريخية والقيادة الجديدة حيث انشطرت إلى هيكليين تسييرين داخليا وخارجيا ومكتبين إعلاميين. استدعاء الوسطاء لحل الأزمة يعني استفحالها وخروج مفاتيح حلها من أيدي أصحابها، وإقرار أحد طرفي الأزمة على اعتبار عناصر الحل المقدمة غير ملزمة مؤشر على وصولها إلى نقطة اللاعودة وتوجه حثيث نحو المجهول.

كيف ظهرت الأزمة وتفاعلت؟ ما هي أسباب ظهورها وتطورها؟ ما مصير الجماعة مستقبلا كنتاج لتداعياتها؟ أسئلة تحاول هذه الدراسة الإجابة عنها.

مراحل الأزمة

ألف – فيفري 2014

1- إثر فض اعتصامي رابعة والنهضة بشكل دموي وما تبعه من مطاردات واعتقالات لأعضاء مكتب الإرشاد، تشكلت من المتبقين منهم ومن قيادات تم تصعيدها ما سمي بـ”لجنة إدارة الأزمة” أو “اللجنة الإدارية العليا”.

2- تستند هذه القيادة في شرعيتها إلى انتخابات محدودة تمت في فيفري 2014 وأسفرت عن النتائج والقرارات التالية:

– رئيس اللجنة: الدكتور محمد عبد الرحمان مرسي.

– الأمين العام: المهندس عبد الفتاح السيسي (لقي مصرعه أثناء اقتحام الأمن لشقة بمدينة 6 أكتوبر كان يعقد فيه اجتماع تنظيمي في جويلية 2015).

– استمرار محمد بديع في منصب المرشد العام للجماعة.

– استبعاد الأسماء القديمة من مراكز القرار: (محمود عزت: النائب الأول للمرشد – محمود حسين: الأمين العام للجماعة – محمود غزلان: المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين).

3- لهذه الإدارة الجديدة متحدثا إعلاميا يحمل اسما حركيا، محمد منتصر.

باء – أفريل 2015

1- تم تشكيل لجنة إدارة الأزمة بالخارج والتي تعرف إعلاميا باسم “المكتب الإداري للإخوان المصريين”، وذلك عبر انتخابات شارك فيها الإخوان المصريين المقيمين في عدة دول منها قطر، تركيا، اليونان، ماليزيا..

2- ضم هذا المكتب مجموعة من الرموز الإخوانية منهم وزيرين في عهد الرئيس مرسي (عمر دراج – يحي حامد).

3- مصدر قرار إنشاء هذا المكتب هو ” اللجنة الإدارية العليا “، وقد كلف “بإدارة ملفات الإعلام والحقوقي والسياسي نظرا لأن تقييم الإدارة حينها أن مكتب رابطة المصريين بالخارج بقيادة إبرهيم منير سلبي للغاية، وأنهم لم يتفاعلوا بشكل جيد في الملفات الثلاثة السابق ذكرها، ولتكرار افتعال أزمات إدارية وتنظيمية من دون داع.” (1).

4- تشكيل المكتب جاء كبديل عن “رابطة الإخوان بالخارج ” وهي تابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان وتمارس عملها قبل ثورة يناير. يتولى إدارة الرابطة إبراهيم منير نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المقيم في لندن، ويشترك معه محمد سودان ومحمود الأبياري.

5- أوكل ل “المكتب الإداري للإخوان المصريين” زيادة على الملفات السابقة الملف التنظيمي والمالي.

جيم – ماي 2015

1- بعد طول غياب إعلامي وميداني، عقدت القيادة التاريخية المشكلة من: محمود عزت، النائب الأول للمرشد، محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة، عبد الرحمان البر عضو مكتب الإرشاد وأربعة أخرين من أعضاء المكتب اجتماعا داخل مصر دعوا إليه رموزا من قيادات ” اللجنة الإدارية العليا ” معتبرين اجتماعهم اجتماعا لمكتب الإرشاد.

2- رفضت القيادة الجديدة الدعوة وعلى رأسهم الدكتور محمد كمال وحسين إبراهيم نائب رئيس حزب الحرية والعدالة واعتبروه “بمثابة انقلاب على الإدارة الحالية التي تدير شؤون الجماعة في مصر. واعتبرت القيادة الجديدة أن تصرف القيادة القديمة في مكتب الإرشاد يهدم كافة الاجراءات التي وقعت في إعادة هيكلة الجماعة خلال الأشهر الماضية، والتي أعيد فيها تشكيل كافة المكاتب الإدارية داخل الجماعة في مصر.” (2).

3- “… اعتبرت القيادات التاريخية أن حضور سبعة أعضاء من الإرشاد القديم يعد اجتماعا صحيحا، حيث توافر فيه النصاب القانوني بصحة انعقاد المكتب وفقا للائحة الداخلية للجماعة. وانتخب الحضور من المكتب القديم الدكتور محمود عزت بصفته أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنا، مرشدا عاما للجماعة، واعتبار الأعضاء الحضور بمثابة مكتب الإرشاد الرسمي الذي يدير شؤون الجماعة حاليا. ” (3).

4- تصدر القيادة الانقلابية أول قرار لها ينص “على نقل تبعية مكتب إخوان مصر بالخارج الذي تشكل في الشهر الماضي في تركيا برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمان، إلى أعضاء مكتب الإرشاد بالتنظيم الدولي للإخوان بالخارج. وجاء القرار استجابة لتوجيهات الدكتور محمود حسين أمين عام الجماعة السابق والذي همش مكتب إخوان الخارج دوره عقب تشكيله في تركيا..” (4).

5- قام محمد منتصر، المتحدث الإعلامي باسم ” اللجنة الإدارية العليا ” بإصدار بيان يرد فيه على الانقلابيين موضحا ما يلي:

-“نؤكد أننا أجرينا تلك الانتخابات – برغم الملاحقات الأمنية – بمشاركة وعلم جميع أعضاء المكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام للجماعة دون استبعاد أحد، التزاما باللوائح المنظمة لعمل الجماعة ومؤسسية اتخاذ القرار والعمل على بناء جسم وتشكيل ثوري قوي للجماعة لتحقيق الهدف..” (5).

– “نؤكد أن مؤسسات الجماعة التي انتخبتها قواعدها في فبراير العام الماضي تدير شؤونها، وأن المتحدث باسم الجماعة ونوافذها الرسمية فقط هم الذين يعبرون عن الجماعة ورأيها.” (6).

6- قيادات إخوانية في الخارج على رأسهم محمود حسين يتحركون بشكل محموم حيث “يجتمعون بشكل دوري منتظم في إسطنبول لبحث كيفية ما أسموه استعادة الجماعة ووقف المنفلتين والخارجين عن فكرة الإمام البنا..” (7).

دال – أكتوبر 2015

1- هدأت الأوضاع بعد اجتماعات عدة تبعتها انتخابات جديدة داخل التنظيم أسفرت عما يلي:

– اختيار إدارة عليا جديدة لإخوان مصر مساعدة للقيادة القديمة حددت مدة عملها بستة أشهر.

– السعي لكتابة لائحة جديدة للجماعة.

– اجراء انتخابات جديدة على مستوى مكتب الإرشاد وشورى الجماعة.

– الاتفاق على استمرار المكتب الإداري للإخوان بالخارج واختلف حول تبعيته بين الفريقين في الداخل.

2- بعد هدوء الأوضاع في الداخل بدأت الأزمة بين مكتب الخارج والرابطة في الظهور إلى السطح. قامت إدارة الداخل بتوجيه رسالة إلى الطرفين تتضمن جملة من القرارات منها:

– السلطة الوصية لمكتب الخارج من حيث شرعيته، مرجعيته الإدارية تعود إلى “اللجنة الإدارية العليا”.

– وضع ألية للتنسيق بين الطرفين تشرف عليها إدارة الداخل.

– تحديد مسؤولية الطرفين، وحصر مسؤولية الرابطة في الإشراف التربوي والمعيشي والإداري للإخوان المصريين بالخارج.

– نشاط الرابطة وخططها تقدم لإدارة الداخل التي تعرضها على مجلس الشورى للاعتماد.

– في حالة النزاع تشكل لجنة تحقيق للمصالحة وفق الضوابط المعروفة.

3- التزم مكتب الخارج بالقرارات السابقة إلا أن الرابطة برموزها وبقيادة محمود حسين كان لهم توجه مغاير حيث عملوا على ما يلي:

– رفض القرارات السابقة وقاموا بإصدار “قرارات لكل الإخوان العاملين بلجان مكتب الإخوان بالخارج بوقف التعامل معه، وتهديد كل من يشارك في أي من نشاطات المكتب (جلها ضد الانقلاب) بالتحويل للتحقيق ومن ثم الفصل، كما قلص من قيمة التمويل المستحق للجان مكتب الخارج.” (8).

– العمل الدعائي ضد مخالفيهم “وتفرغوا تماما لتشويه وشيطنة إخوانهم، في الوقت الذي انصرفوا فيه عن أي عمل يمكن أن يفيد الجماعة أو الثورة ويعمل على كسر الانقلاب.” (9).

– التواصل مع القائم بأعمال المرشد في الداخل بعيدا عن وصاية لجنة الداخل. وعلى الرغم من أنه “أمر صعب للغاية، خصوصا وأن الإدارة العليا المنتخبة في الداخل مؤخرا لم تستطع مقابلته حتى اللحظة، بل إن عضوا بارزا بالرابطة (من المفروض أنه معلوم لدى الأجهزة الأمنية)، دخل مصر بشكل عادي وقابل محمود عزت وأطلعه على ما أقرته الرابطة تجاه مكتب الإخوان في الخارج. .” (10).

4- ما إن شرعت اللجنة في مهامها حتى بادرها محمود عزت بجملة من القرارات حولتها إلى لجنة منزوعة الصلاحيات. ومن هذه القرارات:

– تشكيل لجنة من طرفه مهمتها تنسيق وإدارة الملفات بعيدا عن لجنة الإدارة العليا المنتخبة.

– الأسماء المشكلة للجنة مراجعة وتعديل اللائحة الداخلية من صلاحية محمود عزت.

– تمديد فترة الإدارة العليا من شؤون محمود عزت.

– قراره “منفردا إحالة العشرات من كوادر الجماعة الشابة العاملين في ما يسميه الإخوان بـ(اللجان الثورية) للتحقيق في مخالفات تنظيمية بحد وصف المحققين. مع استمرارهم على رأس عملهم حتى يصدر قرارا بشأنهم.” (11).

هاء – ديسمبر 2015

1- 12/12/2015. في حديث مطول لقناة “الجزيرة مباشر” يعلق محمود حسين على المتحدث الإعلامي للإخوان، محمد منتصر، بما يوحي أنه ليس متحدثا رسميا، مؤكدا على المنهج السلمي مع نقد مبطن للمنهج الثوري الذي يتبناه تيار الشباب بالجماعة.

2- 13/12/2015. يصدر محمد منتصر بيانا يدع الشباب للانتقال للتحركات الثورية قبل حلول الذكرى الخامسة للثورة. وهو ما أثار حفيظة القيادة التاريخية حول احتمال تصاعد موجة القمع.

3- 14/12/2015

– رابطة الإخوان في لندن برئاسة إبراهيم منير تصدر بيانا بإقالة محمد منتصر وتعيين طلعت فهمي المقيم في تركيا متحدثا إعلاميا باسم الجماعة خارج مصر.

– قامت العديد من المكاتب الإدارية في المحافظات المصرية برفض قرار الرابطة لمخالفاته للوائح التنظيمية للجماعة وقواعد الشورى مع تأكيد دعم منتصر. أما مكتب الإسكندرية الذي ينتمي طلعت فهمي تنظيميا إليه فقد قرر تجميد عضويته وإحالته على التحقيق لمخالفته اللوائح الداخلية للجماعة..

4- مع إقالة محمد منتصر دخلت الأزمة مرحلة نوعية حيث تلتها حرب البيانات والتراشق الإعلامي والاصطفاف بين طرفي الأزمة مما فتح الباب نحو دعوات للتهدئة داخليا وخارجيا ومحاولات الوساطة ومشاريع لتجاوز الأزمة المستجدة.

جذور الأزمة (1): التعفن التنظيمي

تعد جماعة الإخوان المسلمين المصرية من أكبر الجماعات الإسلامية في الوطن العربي وأكثرها عراقة تاريخيا وتأثيرا اجتماعيا وسياسيا. رغم هذه الميزات الظاهرة إلا أنها تعاني تشوها تنظيميا لا نكاد نجد له نظيرا له في العالم بالنظر إل طموحاتها في الوصول إلى السلطة وإدارة دفة الدولة. تحليل هذا القصور يعد أحد المفاتيح الهامة لفهم طبيعة الأزمة الخطيرة التي تمر بها الجماعة منذ أشهر.

يتفق العديد من الباحثين المتابعين للحركة ومنهم: عمر عبيد حسنة، المختار الشنقيطي، عبد الله النفيسي، محمد عمارة، فريد عبد الخالق أن البناء التنظيمي للجماعة بحسب اللوائح الأساسية تتماهى فيه الزعامة مع المؤسسة مشرعة لمبادئ عبادة الفرد وفقا لأكثر تقاليد ثقافة الاستبداد عراقة. ويمكننا تبين ذلك مما يلي:

1- أزمة الشرعية:

يقول المختار الشنقيطي: “فقد نصت المادة 34 من النظام الأساسي على أن الهيئة التأسيسية تعتبر مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين، والجمعية العمومية لمكتب الإرشاد، كما منحت نفس المادة الهيئة صلاحية اختيار أعضاء مكتب الإرشاد أعلى سلطة تنفيذية في الحركة، ومنحتها المادة التاسعة منه صلاحية انتخاب المرشد العام مع اشتراط المادة 19 من النظام الأساسي أن يكون المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد المنتخبون من ضمن أعضاء الهيئة التأسيسية ذاتها. ” (12).

من الذي انتخب هذه الهيئة التأسيسية؟ ممن يتشكل أعضاؤها، ومن فوض لهم هذه الصلاحيات الخطيرة، وماهي المعايير التي تم اختيارهم على أساسها؟ يسكت المشرع الإخواني هنا ليجيب عن سؤال وحيد فقط من خلال المادة 33 بأن أعضاء الهيئة هم “من الإخوان الذين سبقوا بالعمل لهذه الدعوة.”!

حسمت مسألة الشرعية قانونيا باعتبارها شرعية تاريخية، وأوصدت الأبواب بإحكام أمام الأجيال الصاعدة لتبوء أي منصب قيادي. لكن كيف تجدد الهيئة نفسها عندما يغيب المرض والموت أعضائها تدريجيا؟ هنا نكتشف الإبداع الاستبدادي: ” أراد المؤسسون أن يعوضوا عن حرمان أعضاء الحركة حق الاختيار، من خلال سياسة الالحاق، فمنحوا الهيئة التأسيسية الحق في ضم أعضاء جدد إليها – إن شاءت – لا يزيد عددهم عن عشرة سنويا، كما تنص المادة 35 من النظام الأساسي.” (13).

ما نوعية هذه الدماء التي ستضخ في جسم الحركة وتجدد حيويتها؟ لن يكون الضم إلا “… لمن تثق في ولائهم في إطار عملية تثبيت لنفسها، وتوسيع لنفوذها، وترسيخ لبقائها. هذا فضلا عن أن عملية الالحاق – على علاتها – غير ملزمة للهيئة، وإنما هي حق لها، ففي وسعها – نظريا – عدم ضم أحد إلى الأبد..” (14).

2- ستالين الإسلامي:

يرأس جماعة الإخوان المسلمين شخصية تسميها الأدبيات التنظيمية للحركة “المرشد”. يتمتع هذا الأخير بسلطة وصلاحيات تنافس ما لدى الرؤساء العرب:

أ – يتولى مهامه مدى الحياة ما لم يعقه المرض أو يغيبه الموت. مع العلم أن مؤسستين كمكتب الإرشاد ومجلس الشورى محددة صلاحياتهما بأربع سنوات هجرية.

ب – للمرشد الحق في:

– إيقاف أي عضو من أعضاء مكتب الإرشاد، الذي يعتبر بمثابة الجهاز التنفيذي.

– إيقاف أي عضو من أعضاء مجلس الشورى، وهو السلطة الرقابية والهيئة التأسيسية للحركة.

– نقض قرارات لجنة التحقيق والجزاء، وهي المحكمة العليا للجماعة.

– إذا صادف وتنازع أحد أعضاء مكتب الإرشاد مع المرشد وقام الأخير بتوقيفه ف” له أن يتظلم لدى المرشد العام ” بحسب لوائح الحركة، ليتحول المرشد إلى خصما وحكما!

ج – يتم انتخاب المرشد وفقا للتقاليد السوفياتية العريقة وبعهدات مفتوحة: حسن البنا (1928)، حسن الهضيبي (1951)، عمر التلمساني (1974)، محمد حامد أبو النصر (1986)، مصطفى مشهور (1996)، مأمون الهضيبي (2002)، مهدي عاكف (2004)، محمد بديع (2010). القاسم المشترك بين هؤلاء كبر السن ومؤهلات عدد سنوات السجن، الاعتقال، المطاردة، المواجهة والثبات، بعيدا عن القدرات والصفات الموضوعية للقيادة..

3- انتخابات أم تصعيد:

أ – الانتخابات داخل تنظيم الإخوان المسلمين لا يتم وفق التقاليد الديمقراطية من القاعدة إلى القمة بل هي أقرب إلى التصعيد. “فينتخب الإخوة أعضاء مجالس شورى المحافظات فقط، وهؤلاء بدورهم ينتخبون من بينهم المكاتب الإدارية للمحافظات، وأيضا ينتخبون مجلس الشورى العام (90 عضوا) وهؤلاء أخيرا ينتخبون منهم أعضاء مكتب الإرشاد (16 عضو) وهؤلاء ينتخبون فيما بينهم المرشد والأمين العام ومسؤولي الأقسام المركزية..” (15).

وهكذا من الممكن أن يتولى شخصا ما مسؤولية المرشد العام، فتطيعه القواعد في “المنشط والمكره ” وقد تكون سمعت به لأول مرة!

ب – انتخابات مجلس الشورى ومكتب الإرشاد لا تتضمن تقدم المترشحين ببرامج وأفكار للناخبين لأنه لا يجوز “طلب الإمارة”، فالكل يترشح والكل ينتخب. لكن كيف يرشح أفراد دون غيرهم؟

“ما كان يحدث فعليا، هو أن الانتخابات يتم توجيهها على يد المجموعة المسيطرة، تحالف محمود عزت/ خيرت الشاطر، سواء بالتربيطات والعلاقات والتوجيهات المباشرة، أو بتعيين أشخاص موالين لهم بشكل مباشر، فاللائحة الرسمية تعطي مكتب الإرشاد حق تعيين 3أعضاء ضمن هيئته ليصبح عدده 19 عضوا، 15 عضوا لمجلس الشورى العام ويتم العدد 105، بالإضافة إلى تعيين خمس مجالس شورى المحافظات..” (16).

ج – الحراك الانتخابي الشاذ للجماعة عمق تكلسها وجمودها، ومع أول اختبار تاريخي جدي للجماعة كانت الكارثة في الانتظار:

– قرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية بعد الثورة – على خطورته لحاضر ومستقبل الجماعة – لم يمر عبر الاستفتاء العام للقواعد، بل من خلال مجلس الشورى.. فماذا وقع؟

“.. رفض الفكرة على الرغم من كل تشوهاته، مما دفع المجموعة المسيطرة لإعادة التصويت مرتين، تزامن معها زيارات شخصية لمنازل الأعضاء فردا فردا، حتى انتزع خيرت الشاطر الموافقة في المرة الثالثة بالكاد. ” (17).

ومما علم بد ذلك ان فارق الأصوات المرجحة كان اثنان فقط!

– لا يعرف الأن كيف تم ترشيح محمد مرسي دون غيره، لكن صعوده لم يكن طبيعيا، فقد “تم تعيينه بلا انتخابات عام 2003 بمكتب الإرشاد متجاوزا عشرات أو مئات الأسماء الأهم، ثم تعيينه رئيسا لكتلة الإخوان بالبرلمان..” (18).

وحتى قبل الثورة، لعب قسم التربية داخل الجماعة دورا في صناعة رموز وإبعاد أخرى تبعا لقاعدة الولاء والخضوع، وكان مرسي أحد هذه الرموز فيرسل لمعسكرات الإخوان وأنشطتهم ويزاح غيره..

“كان مرسي ضيفا دائما، بينما كان هناك حظر شامل وصارم على دعوة أبو الفتوح، ليس من حق الأعضاء أن يسمعوا وجهات النظر المختلفة داخل التنظيم الواحد، وفي إحدى المرات أحيل للتحقيق مسؤول معسكر ارتكب جريمة دعوة أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد! (19).

4- قواعد أم قطعان:

أ – يمكنك أن تكون ناشطا إخواني، مخلصا، مضحيا، وقد تعتقل لكن لا تنتمي إلى الإخوان! هذه ليست مزحة وإنما تندرج ضمن أساسيات الهرمية التنظيمية للإخوان:

– “. . فالأخوة في مراتب محب، ومؤيد، ومنتسب ليس لهم أي حقوق، بينما الانتخاب للأعضاء بمراتب عامل ومنتظم..” (20).

– كيف يمكن الوصول إلى شرف العضوية والتدرج فيها؟ دع قدراتك وكفاءتك جانبا. ما يحدد هذه العملية “تقارير عن الالتزام الخلقي والالتزام التنظيمي، ولبعض المسؤولين في هذا اختبارات مدهشة وبائسة ليتأكدوا من سمع وطاعة الأخ..” (21).

ب – عملية التصعيد العسيرة والشاقة هدفها الوصول إلى فرد “يرى ويبصر كل هذا الخلل ويكتفي بالهمس، والحديث الصامت أو الانزواء بعيدا عن اتخاذ إجراء فعال ينهي تسلط أمثال هؤلاء..  ويعتبر نفسه مجرد صوت انتخابي يلقى عند كل انتخاب، ويمضي لحال سبيله دون محاسبة لكل مسؤول، وتقويمه عند الخطأ ومتابعته في كل ما يقوم به..” (22).

5- شكرا مبارك.. شكرا السيسي!

أ – مع تولي مصطفى مشهور شؤون الجماعة كمرشد خامس سنة 1996 فيما سمي آنذاك “بيعة المقابر” صعد صقور الجماعة بقيادة محمود عزت مستغلين حملات قمع نظام مبارك للاستيلاء على التنظيم وإسكات كل صوت معارض متحججين بعدم توفر الأوضاع المستقرة للإصلاح والتغيير “فطوال العقدين الماضيين أعاد هؤلاء الصقور كل مؤسسات الجماعة المؤثرة، بدءا من المكاتب الإدارية في المحافظات، وصولا إلى مجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد، لكي يضمنوا السيطرة على التنظيم وحركته وموارده. ولم يسمح هؤلاء الصقور بأي حالة من الحراك الداخلي الذاتي، المستند إلى الكفاءة والمؤهلات، وإنما تحكمت قيم البيعة والسمع والطاعة والثقة والولاء في عملية الحراك والترقي التنظيمي. وأحيانا، لعبت المحسوبية والعلاقات الشخصية دورا مهما في صعود بعضهم، وخروج أخرين وانزوائهم.” (23).

ب – بعد ثورة 25 يناير ووصول الإخوان إلى الرئاسة تم استغلال حالة الفوران الشبابي لإبعاد الأنظار عن الأوضاع الداخلية المهترئة للجماعة ومكافأة أهل الولاء “فلم تمر سوى أشهر قليلة، حتى جرت عملية تصعيد لوجوه جديدة، سواء داخل الجماعة أو حزبها (الحرية والعدالة) جميعها محسوب على التيار التنظيمي، كان من أهمها محمود حسين ومحمود غزلان.. كان ولاء هؤلاء بالأساس للتنظيم وقيادته أكثر منه للفكرة التي يحملها التنظيم. في حين تم التعاطي مع المخالفين بقدر كبير من التعالي والنزق..” (24).

ج – وقع الانقلاب وتلته موجة قمع وقتل وحشية، فماذا فعل الصقور: “وبدلا من أن يعترف هؤلاء الصقور بأخطائهم في حق الجماعة وأفرادها، وما ادت إليه قرارتهم المعيبة، سواء خلال إدارة أزمة الثلاثين من يونيو، أو فشلهم الذريع في تقدير تعاطي الدولة مع اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، من خسائر نفسية وجسدية باهظة للأعضاء، قرروا الاستمرار في مناصبهم، وممارسة سيطرتهم على التنظيم بحجة أن الوقت ليس مناسبا للتراجع أو حتى الاعتذار..” (25).

د – تشتت القيادة بين الاعتقال، الفرار إلى الخارج والتواري. فكيف استمرت الجماعة؟ ” قامت مجموعة من جيلي الوسط والشباب بإدارة شؤون الجماعة خصوصا على مستوى الحراك الميداني، ورعاية أسر المعتقلين والقتلى من الإخوان. وهو ما لم يعجب مجموعة الصقور التي رأت في ذلك محاولة لتهميشهم وإقصائهم عن قيادة الجماعة، فحاولوا العودة إلى السيطرة على التنظيم، والتصرف وكأن شيئا لم يحدث في أثناء العامين الماضيين.” (26).

ه – تحجر التنظيم وانغلاقه أمام أي محاولة للإصلاح والتجديد مهما كانت مخلصة، دفعت الأوضاع إلى مآلاتها الطبيعية والمأسوية “.. وبدا أن هناك هيكلين تنظيمين ومكتبين إعلاميين وقيادتين واستراتيجيتين، يسير كلاهما عكس الأخر. والأنكى أن الصراع الحالي يأتي في وقت يدفع فيه كثيرون من أبناء الجماعة ثمنا باهظا من أرواحهم وحريتهم، من أجل الحفاظ على الجماعة، في مواجهة موجة الاستئصال التي تواجهها الأن..” (27).

جذور الأزمة (2): البؤس الأخلاقي

يشيع في أوساط المتعاطفين البسطاء داخل مصر وخارجها مع جماعة الاخوان في محنتها وأزمتها وغير المطلعين على دواخلها وكذا بعض الكتابات والتقارير الإعلامية “المحايدة” ان الخلاف ذو طابع “تنظيمي وفكري” يمس الجماعات التنظيمية، يمكن تجاوزه مع مرور الوقت وبشيء من الجهد والتوافق. كما يذهب البعض إلى عدم استبعاد أصابع سلطة الانقلاب في إذكاء هذا الخلاف بل في بعثه.. الأزمة في بعض جوانبها أعمق وأخطر، فهي ترتبط بالأفراد والتزامهم الأخلاقي، وعندما نتحدث عن جماعة تقدم نفسها للعالم كقدوة في هذا التوجه، فإن الأمر يتطلب صراحة ومكاشفة قامت بها بعض رموزهم في عبارات تنضح مرارة وإخلاصا:

1 – يقول الشيخ عصام تليمة، القيادي الإخواني الفار إلى الخارج، ومدير مكتب الشيخ يوسف القرضاوي سابقا:

أ – “… بكل صراحة الأزمة أزمة خلق، وحب الذات، وإعلاء حظ النفس على حظ الجماعة، والحفاظ على أوضاع تحقق طموحات شخصية أكثر منها دعوية.. فهي أزمة خلق في بعض قيادات تتحدث عن الاخلاص، والشورى، وعن قيم سامية، وعندما تتعارض هذه القيم مع حظ النفس، سرعان ما تجد مبررات تساق للحفاظ على مواقعها ومكتسباتها..” (28).

ب – “أزمة خلق عندما يكون الحديث عن المؤسسية، بينما يقوم البعض بتبني مبدأ الشللية، ويجمع حوله من يتفق معه في الأهداف والمصالح، ويقصي من يشم منه رائحة المخالفة ولو في رأي يفيد الجميع..” (29).

ج – “.. علينا أن نعترف أن الانقلاب العسكري في مصر أخرج كثيرا من عيوبنا.. كنت أكتب وغيري عن هذه الآفات داخل الصف الإخواني قبل الثورة، وكنت أجد هجوما من المخلصين من أبناء الجماعة، وحربا ضروسا من بعض قيادات يطالها كلامي ونقدي. ولكن الأن أصبحت دائرة من ترى هذه الأخطاء تتسع لدرجة أنها أصبحت أغلبية داخل الجماعة، ترى بكل وضوح أن هذه الأزمة هي أزمة خلق لدى حفنة قليلة..” (30).

د – ” إن كبرى أزمات القيادة وأفتها في الإخوان، أنها قيادات لا تحترم الصف الإخواني، ولا تحترم عقله، ولا تحترم العمل المؤسسي، فهي تريد الأفراد سامعين مطيعين دون إخبارهم بحقائق الأمور أو إشراكهم في التفكير لصنع القرار، يريدونهم منفذين فقط..” (31).

2- أما القيادي محمد ثابت فيلخص المرارة بمرارة أشد: “أعتقد أن الذي حدث هو أن الانقلاب واكب نضج الثمرة الخبيثة في الجماعة، ليس الانقلاب الذي أفرز أسوء ما فينا، أي في الإخوان، جريا على نسق الجملة المعروفة، بل إن أسوء ما في الإخوان هو الذي أتى بالانقلاب، والجملة الأخيرة تعديل للنسق مع شيء من جرس الإنذار.” (32).

جذور الأزمة (3): استراتيجية الفشل

في مواجهة معسكر الانقلاب وسطوته يضع كل من الفريقين المتنازعين داخل الجماعة استراتيجيتين مختلفتين: القيادة التاريخية تنتهج نهج السلمية بينما تتبنى القيادة الجديدة التوجه الثوري. ماذا تعني السلمية والثورية لدى الطرفين؟ ما هي أثارها ونتائجها على واقع الحراك الميداني في مصر، وما هي الأسباب العميقة لهذا الفشل الاستراتيجي؟

1- رغم جاذبية “السلمية” إلاّ أنه واقعيا لا يكاد يرى لها أثرا. داخليا لم يتمكن أصحابها من ابتكار وتفعيل أشكال جديدة للنضال السلمي وبقي الشارع رهن مبادرات القيادات الجديدة. خارجيا – رغم الامكانيات المتاحة والظروف الملائمة – تميز الأداء الإعلامي بالرداءة والسياسي بالارتجال وانعدام الخبرة والحقوقي بغياب الفاعلية. المحصلة: النظام الانقلابي يوطد أركانه داخليا رغم أزماته المتفاقمة، ويؤهل خارجيا رغم عدم شرعيته وجرائمه. وبالتالي تحولت السلمية إلى سلبية وانتظار، بل إن منهم من يعول على حركة داخل الجيش تقضي على الانقلابيين وتتحالف معهم في أحسن الأحوال على الطريقة السودانية أو ترفع عنهم القبضة القمعية الشرسة في أسوئها. (33).

2- القيادة الجديدة رفعت شعار الثورية وتبرأت من فعلها، فتحولت واقعيا إلى “ثورية سلمية”! فأعلن أن “ما دون القتل سلمية”. وقعت عمليات انتقامية من بعض الوشاة، توسع المد الثوري ليصبح “عمليات تخريب للممتلكات العمومية “. أما الحراك الميداني فقد تلاشى تدريجيا أمام لامبالاة الشارع وسطوة القبضة الأمنية وغياب أي أفق سياسي لهذا التوجه.

3- الفشل في وضع تصور وخطة وأدوات لإدارة الصراع مع السلطة الانقلابية ارتد داخليا. وعوض الذهاب إلى الخيارات المطروحة لنقدها ومراجعتها ومحاولة تجاوزها تداعى نحو نوع من “صراع الذوات” وشخصنة الأزمة، وهذا انحراف إخواني متأصل في بنية الجماعة وتاريخها حيث يتماهى الفرد مع المؤسسة.

4- بعيدا عن زخم الوقائع الميدانية وتفاعلات الحراك الأني يمكننا أن نستنتج من خلال البناء الديني – التاريخي – السياسي للجماعة ثلاث ثوابت حولتها التحديات الحالية لمعوقات تكبل تحركها وتؤذن بانشطارها وانهيارها:

أ – الثابت الأول: “شمولية “الإسلام

من البديهيات السائدة في أدبيات الإخوان أن الإسلام دين ودولة، سيف ومصحف، دعوة وسياسة الخ.. وبالتالي فالجماعة في تأسيسها لمرجعيتها الإيديولوجية كتنظيم يهدف إلى التغيير الشمولي تبني الفرد كمركب متعدد الامكانات والأبعاد والصلاحيات للقيام بهذه المهام الجليلة. فماذا أنتجت هذه التجربة؟ ومن هو الفرد الإخواني؟

“.. فهو الشخص الذي يفكر في الدعوة والمجتمع والسياسة والعمل الخيري وتاريخ الجماعة والتنظيم الدولي وغير ذلك من التعقيدات.. وبهذا يستحيل قيام ثورة ناجحة تكون هذه سمة قائدها الذي أصبح عاجزا عن التوازن بين وظائف كينونته الكثيرة والمتعددة..” (34). وهذا ما دفع العديد من التنظيمات الإسلامية في تونس والأردن إلى أن تطرح وبجدية مسألة الفصل بين ما هو دعوي وسياسي، وهو ما لم يحدث في مصر. فمع عزل مرسي وإنشاء منصة رابعة العدوية تخلف الحزب وتقدمت الجماعة فضاع أي أفق للحل السياسي. تدخلت الدولة كجهاز قمعي ترى أن وظيفتها الأساسية إقرار الأمن وتثبيته مهما كانت المبررات والأثمان فكانت المجزرة. من الذي اضطهد الجماعة أم الحزب؟ وهل يمكن للحزب أن يمارس التمرد المفتوح دون أن يفقد مبررات شرعيته؟ وهل يمكن لجماعة سلمية دعوية أن تزج بنفسها في صراع سياسي عنيف دون أن تتحمل تبعات ذلك؟

ب – الثابت الثاني: الرباط المقدس

مما يشهد لجماعة الإخوان المسلمين قدرتها على التماسك تاريخيا رغم محاولات الاستئصال الشرسة التي سلطت عليها وذلك بفضل آليتين:

– تلقن الجماعة أتباعها ضمنا بأنها هي المشار إليها في بعض الأحاديث بمعنى “جماعة الإسلام” ومن “فارقها فهو في النار” و”إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية” ثم عمقت هذا المعنى كتابات سيد قطب وخاصة من خلال “معالم في الطريق”. فالمنتمي لا يجد لذاته معنى إلاّ من خلالها ولا يتصور مصيره خارج مصيرها فيفنى فيها ويتلاشى على طريقة النرفانا الهندية.

– يوثق المنتمي للجماعة بميثاق “البيعة” وعلى “السمع والطاعة في المنشط والمكره” وعلى أن لا يكثر الجدل والسؤال لأن ذلك من رذائل بني إسرائيل.. وعليه القبول “وإن تأمر عليكم عبد حبشي..”. تمكنت الجماعة من الاستمرارية ولكن بأي ثمن؟

“والناظر لكيان الإخوان المسلمين زهاء العشرين سنة الماضية، يجده كيانا طاردا للمبدعين بشكل ملحوظ ومخيفا وخاليا نسبيا من المفكرين أصحاب الأدمغة المجنونة..” (35).

تغيرت الأزمان والأحوال، ظهرت ثورة الإعلام فتدفقت الأفكار والأشواق. تمكن شباب الإخوان من التعبير عن أراءهم بحرية ومرارة تجاه قياداتهم بعيدا عن سطوة الأطر التنظيمية وأدوات الكبت. ولأول مرة في تاريخ الجماعة تتمرد القواعد على الزعامات وتوصف بالعجز والقصور وتتهم ويهدد بمساءلتها عن الأخطاء المرتكبة. لم تعد الأولوية في إسقاط الانقلاب بل في مواجهة الذين يحاولون إفشال عملية إسقاط الانقلاب.

ج – الثابت الثالث: ثنائية الوطن والجماعة

لا يمكن لأي باحث منصف في تاريخ الجماعة أن ينكر أن قياداتها كانوا يقدمون ولائهم لها قبل الوطن، وهم جاهزون دائما للصفقات للمحافظة عليها قبل أي اعتبار أخر. يمكننا بسط ذلك كالتالي:

– إذا استعرضنا بعض من وقائع ثورة 25 يناير فيمكننا أن نجد أن شباب الإخوان هم أخر من دخلوا الميدان بعد ضغوط مارسوها على قيادتهم وكانوا أول المغادرين بعد اتفاق القيادة – أيضا – مع المجلس العسكري. لقد كان الهدف واضحا “المحافظة على التنظيم غاية دونها كل الغايات، وأن مصلحة الأمة الكبرى تكمن في وجود التنظيم على حاله وليتهم يتحدثون عن الفكرة، النسق الإداري الملموس..” (36).

– أهم الشعارات المرفوعة في الحراك الميداني استعادة الشرعية من خلال عودة الرئيس مرسي وهو هدف لا تشاطرهم فيه القوى السياسية الأخرى، وعوض تجاوزه للملمة الشتات الثوري حول استعادة الثورة كهدف أعلى مضى الإخوان في مسارهم منفردين.

– قبل الذكرى الثانية للانقلاب والخامسة للثورة سرت شائعات وتسريبات حول صفقة أطرافها إقليمية تتضمن استعدادا تركيا للاعتراف بالسيسي مقابل إلغاء أحكام الإعدام. “الاتفاق التركي المصري المتوقع ظهوره قريبا، بحسب صحيفة تودايز زمان التركية، ينص على اعتراف تركيا بإدارة السيسي في مقابل عدم إعدام الإخوان. وتلعب المملكة العربية السعودية دور الوساطة في هذا الاتفاق، الذي يشمل أيضا عودة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة. ونقل التقرير عن مسؤولين قريبي الصلة بالمداولات والمفاوضات الحالية أن البلدين على وشك إبرام اتفاق.” (37).

المخيف حول ما وقع تسريبه أن أردوغان سارع إلى نفيها مشددا إلى أن رئيس مصر الشرعي بالنسبة له هو الدكتور محمد مرسي، كما نفت قطر – التي أقحمت في هذه المسألة – علمها بهذه الصفقة، بينما ساد صمت مريب لدى الإخوان. فلم يصدروا بيانا يفندها أو تصريحات تكذبها وكأنه استعداد نفسي لقبولها. هذه الجاهزية التاريخية للانخراط في أي صفقة تحافظ على رموز الجماعة وكيانها يعلق عليها الكاتب الصحفي وائل قنديل بقوله: “لو صحت هذه التسريبات فستكون أشبه بعملية (قتل رحيم) لحراك ثوري، ينطلق من الدفاع عن قضية نبيلة وعادلة، وتنزع عما يدور على الأرض في مصر صفة الثورة، وتمنح اعترافا مجانيا بانقلاب عبد الفتاح السيسي، وتوفر لجنون الاعدامات غطاء قانونيا.” (38).

تداعيات الأزمة (1): وساطة أم تحكيم

1- يمكننا تلخيص مبادرة الوساطة التي قام بها الشيخ يوسف القرضاوي بين طرفي النزاع داخل جماعة الإخوان وبرضى طرفيها والتي صاغها في بيان 26/01/2016. كالتالي:

– توجيه الدعوة للطرفين لالتزام وحدة الصف والكلمة والحفاظ على مؤسسات الجماعة.

– الدعوة إلى المزيد من العناية بالشباب والمرأة.

– الاعداد لانتخابات شاملة داخل وخارج الوطن وفق لائحة تنظيمية يجري التوافق عليها داخل مؤسسات الجماعة.

– الالتزام بالمنهج السلمي الثوري وفقا ما قرر واعتمد من طرف مؤسسات الجماعة وعلى رأسها المرشد العام ومجلس الشورى.

– إيقاف حرب البيانات.

– الإشارة إلى الشخصيات التي تمت استشارتها.

2- مما يمكن ملاحظته على البيان ما يلي:

– يعتبر في عمومه دعوة لتلطيف الأجواء ومحاولة لإذابة جليد الخلافات بين الطرفين بالتوجيهات العمومية والموعظة والكلمات الطيبة.

– الطرح العملي المتضمن في البيان والمتمثل في:

+- تهيئة لائحة تنظيمية توافقية.
+- اجراء انتخابات شاملة داخلية وخارجية وبسرعة.

يكاد يكون نسخة طبق الأصل لمبادرة ” لم الشمل ” والتي أمضاها 44 قياديا إخواني وهي أكثر شمولية. (39).

3- كان يمكن للمبادرة أن تكون فعالة لو كانت في أوضاع سياسية هادئة واستقرار أمني. لكنها تغفل ما تواجهه القيادات والقواعد معا من نظام انقلابي شرس وحملة أمنية غير مسبوقة وأفراد يعيشون تحت هاجس الاعتقال والقتل في كل لحظة.

4- الأشخاص الذين تمت استشارتهم بعيدون عن الواقع المصري، ولا يعرفون تعقيدات الخلاف وتفرعاته، ثم إنهم لا يملكون الحنكة السياسية والدبلوماسية للتوسط في أزمة ظاهرها فكري وتنظيمي وباطنها صراع زعامات ونفوذ. كان المطلوب البحث عن رموز تتقن فن التوافقات والتوازنات ومحاولة الوصول إلى قيادة توافقية وليست منتخبة لأن الظروف غير متهيئة لذلك. (من الأسماء التي تمت استشارتها على سبيل الذكر لا الحصر: عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية، وهي جمعية دعوية تاريخية، بعيدة عن السياسة والتنظيمات الحركية. عبد المجيد النجار، أكاديمي إسلامي تونسي، كان منتميا لحركة النهضة التونسية وانفصل عنها وليس له دور في تجربة الاسلامين في تونس بعد الثورة. أحمد الريسوني، أكاديمي إسلامي مغربي، عرف في مجال التنظير الفقهي وليس له نشاط في مجال الإسلام الحركي..).

5- يذكر الأستاذ عمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي في زمن الرئيس مرسي “أن القرضاوي دعا لقبول تحكيمه هو وعدد أخر من (قادة الفكر والعلماء)، وأشار إلى أنهم سيكونون بمثابة لجنة تحكيم، وقرارتها ملزمة، وهو ما قبلت به اللجنة الإدارية العليا. لكن الطرف الأخر (قدر رأي القرضاوي ومن معه) دون أن يعتبروا العملية (تحكيما)، وقالوا إن قراراتها لن تكون ملزمة.. وأصدر بعدها القرضاوي رأيه الذي لم يعتبره هو ملزما، لأن الطرف الأخر لم يقبل بأن يكون نتاج هذا الحراك كذلك، والذي دعا فيه لانتخابات جديدة.” (40).

6- الظاهر أن الوساطة لن تقدم دفعا نحو حلحلة الأوضاع، فالشيخ وعلى مكانته تحولت مهمته إلى ” سفير للنوايا الحسنة “. وبالتالي فالأزمة مرشحة للتفاعل والتبلور مستقبلا.

تداعيات الأزمة (2): نهاية “سردية المحنة”؟

1- ” للمحنة ” في أدبيات الإخوان وتاريخهم مكانة شبيهة بـ”المأساة” في الميثولوجيا اليونانية. في الأولى المواجهة الأبدية بين الجماعة والطغاة، وفي الثانية بين الإنسان والآلهة. “سيزيف ” الذي سرق النار المقدسة يعاقب بأن يرفع الصخرة إلى قمة الجبل، وما إن يصل تتدحرج إلى القاع ليعاود الصعود ثم التدحرج، يتمرغ العبث محتضنا المأساة وهي قدره. يؤسس الخطاب التاريخي الإخواني لثلاث محن ” أولاها، حسب رؤيتهم، هي اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا عام 1949، وثانيتها هي إعدام بعض قياداتهم، واعتقال ألاف منهم عام 1954 مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر الجديد آنذاك، وثالثتهما هي اعتقال مئات وإعدام بعض القيادات وعلى رأسهم سيد قطب، عامي 1965 و1966 بعد تشكيلهم تنظيما سريا، تطبيقا لأفكاره الواردة في كتبه، وأبرزها ” معالم في الطريق” (41).

2- تم توظيف المحنة إيديولوجيا لتحقيق جملة من الأهداف منها:

– إضفاء نزعة القداسة على تجربتهم لتبرير الأخطاء وتقمص دور الضحية لتجاوز أية محاولة للنقد والمساءلة وكسبا للتعاطف والتأييد الانفعالي العفوي والساذج.

– إذا كان الشيعة قد استعملوا ” الرجعة” – أي عودة الإمام الغائب – للمحافظة على روح التجنيد لدى الأتباع وعدم انفضاضهم، فالمحنة – لدى الإخوان – ستليها منحة “الاستخلاف في الأرض ” وفقا للوعد الإلهي. وما على القواعد إلا الصبر والثبات والالتفاف على ” جماعة الإسلام ” والأهم ” قيادتها التاريخية ” المغيبة في المعتقلات والمنافي.

– قسوة الاضطهاد والقمع وشراسته لا يمكن للأتباع احتماله ما لم يغيب الفهم والوعي ليستعاض عنه بالتسليم القدري، فتسكن النفوس المتهيجة وتهدأ العقول المضطربة، ولا يوجد أفضل من “عصاب المحنة ” لتحقيق الاستلاب المطلوب.

3- محنة يوليو 2013 وما تبعها ليست كسابقاتها. تبدلت عناصر المشهد والأدوار كليا. لم تعد المواجهة بين طاغية ظالم خارج عن الإسلام وجماعة مسالمة على الحق والهدي المبين تلقى تعاطفا شعبيا ودعما إقليميا. وصلت الجماعة إلى سدة الرئاسة وحكمت فأثارت المخاوف والسخط بين قطاعات اجتماعية عريضة وأغلبية الطبقة السياسية منها المحسوبة على التيار الإسلامي فانتفضت. تظاهرات 30 يونيو لم تكن ” مؤامرة ” والجيش لم ينس “تجربة 54” وقوى الإقليم أصبحت ثورة مضادة.. والأخطر أن محنة الخارج ارتدت إلى الداخل وشرعت تدك الحصون التنظيمية والفكرية والتربوية للجماعة بعنف وشراسة وتجرها بقساوة إلى مهاوي الانشقاق مؤذنة بسيناريوين لا ثالث لهما:

– ولادة نسخة جديدة للجماعة تتجاوز عوائقها الذاتية والموضوعية.

– انشطار الجماعة وتشظيها.

 فهل هي ” المحنة الأخيرة ” لجماعة الإخوان المسلمين المصرية؟ سؤال تجيب عنه تفاعلات الأزمة مستقبلا..

فرحات عباس
باحث في الشؤون المغاربية

المراجع:
-1- حقيقة ما يجري داخل الإخوان في أكتوبر ونوفمبر. عبد الله عزت. العربي الجديد. 15/11/2015.
-2- موقع مصر العربية. 28/05/2015.
-3- مرجع سابق.
-4- مرجع سابق.
-5- مرجع سابق.
-6- مرجع سابق.
-7- حقيقة ما يجري داخل الإخوان في أكتوبر ونوفمبر – عبد الله عزت. العربي الجديد. 15/11/2015.
-8- مرجع سابق.
-9- مرجع سابق.
-10- مرجع سابق.
-11- مرجع سابق.
-12- ملامح المأزق القيادي لدى الإخوان المسلمون. المختار الشنقيطي. الجزيرة نت. 03/10/2004.
-13- مرجع سابق.
-14- مرجع سابق.
-15- السيفان المتماثلان. . خلاف الإخوان وليس اختلافهم. محمد أبو الغيط. العربي الجديد. 28/12/2015.
-16- مرجع سابق.
-17- مرجع سابق.
-18- مرجع سابق.
-19- مرجع سابق.
-20- مرجع سابق.
-21- مرجع سابق.
-22- أزمة الإخوان.. أزمة فكر أم أزمة خلق؟ عصام تليمة. موقع عربي 21.
-23- السقوط الحر لـ” الإخوان المسلمون “. خليل العناني. العربي الجديد. 21/12/2015.
-24- مرجع سابق.
-25- مرجع سابق.
-26- مرجع سابق.
-27- مرجع سابق.
-28- أزمة الإخوان. . أزمة فكر أم أزمة خلق؟. عصا م تليمة. موقع عربي 21.
-29- مرجع سابق.
-30- مرجع سابق.
-31- أزمة الإخوان في قياداتها. عصام تليمة. موقع عربي 21.
-32- هل تعاني جماعة الإخوان من أزمة أم أزمات؟ العربي الجديد. 17/12/2015.
-33- إعادة تموضع الإخوان (5-5).. تحديات وسيناريوهات المستقبل. عبد الرحمان يوسف.
    العربي الجديد.16/07/2015
-34- 22مارس.. الإخوان المسلمون الجدد.. كيف يكونون؟ موقع جدران.
-35- مرجع سابق.
-36- مرجع سابق.
-37- إعدام الثورة مقابل تحرير “الإخوان”. وائل قنديل. العربي الجديد. 20/01/2016.
-38- مرجع سابق.
-39- مصر: مبادرة نواب “الإخوان” ل “لم الشمل” تعتمد الانتخابات سعيد عبد الرحيم. العربي الجديد. 24/12/2015
-40- دراج يكشف تفاصيل ” تحكيم ” القرضاوي في خلافات الإخوان. موقع عربي 21.
-41- المحنة الأخيرة للإخوان المسلمين. ضياء رشوان. المصري اليوم. 25/08/2013.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version