من المرتقب أن يمرّر الرئيس بوتفليقة مشروع تعديل الدستور يوم الأربعاء 3 فبراير على غرفتي البرلمان، ودون الخوض في فحوى هذا التعديل وبنوده، يشكّل هذا الموعد امتحانًا جديدًا “لنواب المعارضة”، ويختبر اصطفافهم، هل هو إلى جانب الشرعية الحقيقية أي شرعية سيادة المواطن ومصلحة الوطن، أم استمرارهم في خدمة العصابة المتحكّمة في مؤسسات الدولة ومقدّراته، سطو ما فتئت هذه “المعارضة” نفسها تدينه وتدين التزوير العارم الذي أفقد هذه المؤسسات كلّ مصداقية وشرعية.

لا زال هناك من يبرّر هذه المشاركة بأنها خيار صعب لكنه ضروري وله “إيجابيته” كونها، أي المشاركة، تسهم في التقليل من الفساد وإضعاف الاستبداد وكشف المستبد، وأن وجودهم داخل قبة البرلمان وغيره من المجالس “المنتخبة” يحقق ذلك الهدف، ويدلّلون على ذلك بمناهضتهم قانون المالية لعام 2016 معتبرين أنه لولا مشاركتهم في النقاش داخل البرلمان لما علم المواطن مخاطر القانون، فضلا عن أعمال ملموسة أخرى يقومون بها بدل الركون إلى المقاطعة التي يعتبرونها سلبية وعديمة الجدوى. بل هناك حتى من يقارن مشاركته في البرلمان، بمشاركة المعارضة في دول أخرى عريقة، على غرار مشاركة حزب العمال البريطاني، وكأنه لا يرى ذلك البون الشاسع وعبثية المقارنة بين المشاركة الطبيعية في إطار نظام شرعي تعددي يتنافس فيه الفرقاء بكل ديمقراطية، مع نظام انقلابي عسكري لا شرعي مثلما هو الحال في الجزائر. ولست أدري هل صاحب هذا التبرير يعي ما يقول أو “خياره الاستراتيجي” جعله لا يرى البديهيات.

لا أحد يشك في أن النظام في الجزائر يبحث عن شرعية يفتقدها، وللأسف “المعارضة” في البرلمان توفرها له وتمدّه بالواجهة الديمقراطية التي تمكّنه من الظهور أمام العالم بأنه نظام مقبول. النظام القائم ضعيف وهش ويدرك ضعفه ويعلم أن انسحاب هذه “المعارضة” التي يحافظ على بقائها من خلال وسائل شتى منها الامتيازات (مرادف لرشاوى سياسية)، وأنه من شأن انسحابها أن تتركه مكشوفا لا يجد ما يستر به لاشرعيته، كما أن “قوته” تكمن في هذه المشاركة، إلى جانب تشرذم النسيج المعارض غير المرخّص له.

حريّ بهذه المعارضة أن تدرك أن النظام في حاجة إليها أكثر مما هي في حاجة إليه، وأن حاجة الوطن أسمى من ذلك كله، والخطوة الأولى لتحقيق ذلك، ألا تستغل مرة أخرى لشرعنة الاستبداد. وأكبر دليل على “حاجة” النظام الماسة لها، عدم لجوئه إلى الاستفتاء “غير المضمون”، لأنه رغم قدرته على تزوير نتائج الصناديق، لا يمكنه التستّر على عزوف المواطنين من عملية الاستفتاء، ولذا يفضل الحل المريح، أي مشاركة هذه “المعارضة” في البرلمان، ليستفيد من معارضتها للقانون، بما يزيد هذا القانون مصداقية ويضفي عليه شرعية ديمقراطية، من خلال امتلاك السلطة الأغلبية، المجسدة في حزبي السلطة، الأفلان والأرندي، وبذلك تمرير القانون بمشاركة “المعارضة” أفضل من أن يمرّ في غيابها.

أما القول بأن البرلمان مجال يمكّن من التعبير عن رفض المشاريع والقوانين الجائرة، فهذا مردود على صاحبه، لأن التعبير عن الرفض في البرلمان يزيد من “صدقية النظام” في حين أن المقاطعة له تفنّد مزاعمه، وتكشف أن ما يمرّر في البرلمان لا يمثّل بالمرة كل شرائح المجتمع، ومن جهة أخرى هناك حاليًا منابر عدة يمكن لهذه المعارضة أن تعبّر من خلالها عن هذا الرفض دون أن يستغله النظام.

يفترض أن تكون هذه “المعرضة” أكثر من يعلم بهذه الحقيقة التي يعيشونها منذ سنوات، ويدركون توظيفها من قِبل السلطة لتمرير كل قوانينها ومشاريعها وقراراتها، دون أن تستطيع التأثير فيها، لأنّ المجلس مشكّل بحيث يضمن للنظام تمرير سلس لكل قراراته، مشفوعة بشرعية تصويت معارض لن يغير من واقع الأمر شيئا. وأعتقد أنه لم يعد مقبولًا ولا مسموحًا ولا مفهوما التذرع بإقامة الحجة عليه وفضح تزويره، لأن الحجة فقدت مبرر وجودها. والواجب يفرض على كل شريف ألا يقدّم أيّ شكل من أشكال الدعم لهذا النظام الفاسد المستبد، وبقاء هذه المعارضة يشكل للأسف أحد أوجه هذا الدعم، سواء بوعي منهم أو بغيره، لأن الحجة لتي يريدون إقامتها كان ممكن القبول بها في المرة الأولى أو الثانية لكن بعد 20 سنة من المشاركة في مؤسساته المزورة وغير الشرعية، أثبت أنها تخدم لا شرعية نظام والإطالة من عمره، ولم تغيّر من الأمر شيئا بما يجعل كل مشاركة دليل على أنها جزء من هذه المنظومة الفاسدة، تُفقد “المعارضة” الحق بالتحجج بها.

أخيرًا حان الوقت لأن يدرك الجميع أنه لا يستقيم مشاركته هذا النظام  في مؤسساته المزورة من برلمان ومجالس محلية وحكومة، وأخذ الرواتب والامتيازات ثم الادعاء معارضة التزوير الذي يقوم على أساسه، لقد حان وقت الفصل والتمايز، وهذه فرصة كل الأشراف لوقفة مع الذات، وليسأل كل “نائب” نفسه بصدق: من المستفيد الأول من مشاركته في مؤسسات النظام، النظام نفسه الذي يستمر في إقصاء معظم فئات الشعب ويجهض كل مبادرات الخيرين من أبناء هذا الوطن للعودة إلى دولة الحق والقانون، وتمثيل شرعي يضع حدًا للاستبداد وتحكمه، أم الوطن والمواطن؟

لكم الآن الفرصة والقدرة على أن تسحبوا هذه الشرعية المزيفة التي يستغلها النظام ليذبح بها العباد ويخرب البلاد، وأن تنحازوا إلى جانب الشعب والوطن والشرعية. إنها أمانة على عاتقكم، لن يغفرها لكم الشعب والتاريخ. أمامكم خيارين، إما المساهمة في تفكيك دولة الإرهاب والاستبداد ووقف الخداع وانحيازكم إلى جانب الشعب والوطن، أو الاستمرار في مشاركة أصبحت رديفا للجريمة؟

ملاحظة: وضعت “المعارضة” (و”النواب”) بين ظفرين، لأنها لا تمثل بأي حال من الأحوال المعارضة الشعبية الواسعة المقصية بقرارات بوليسية تعسفية.

رشيد زياني-شريف
عضو المجلس الوطني لحركة رشاد
2 فبراير 2016

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version