كتبت “حدة حزام” مديرة يومية” الفجر” مقالا مطولا اعتبرت فيه أن ما قام به الهاكر الجزائري “حمزة بن دلاج” ليس ذاك العمل البطولي الموجب لتهليل الجماهير له والالتفاف حوله، بل سرقة موصوفة مكتملة الأطراف تقع تحت طائلة القانون الجنائي.

ورغم أنه ليس هذا هو بيت القصيد، إلا أني اعتبر أن نساءنا لم يتعودن على تناول الشأن السياسي، ولو كان هذا، فليس بهذه الفصاحة وهذه الحدة وأن هناك جهات لها مصلحة في تشويه سمعة الرجل هي التي أوعزت إليها بتبني هذا المقال لعدم رغبتها في الظهور في الصورة كي لا يبدو الأمر هجوما منظما يطال الشرفاء. وهي فصاحة وطلاقة لم نعهدها في غيرها من القضايا المماثلة التي كان من المفروض أن تكون محل اهتمام الكاتب.

كاتب هذا المقال يحز في نفسه كيف أن “حمزة بن دلاج” لم يقبل العرض الإسرائيلي بالتعاون معهم ومن المؤكد أن تصريح الهاكر الجزائري بأنه لن يتعامل مع اليهود حتى لو كان حبل المشنقة يطوق رقبته هو الذي أثار حفيظة الكاتب غير المتعوّد على مثل هذه التصريحات من قبل شعب ظنوه مات وغسل وكفن وصلي عليه. وهذا بوازع من حرصه كيهودي غيور على مصلحة شعبه، وهو غير ملوم في هذا.

ذلك أنه ليس من الضروري أن يكون دينك التوراة كي تكون يهوديا، بل يكفي أن تعادي الإسلام وتقف منه موقف الخصم، فكثيرًا من يهود العقيدة من ناصروا ويناصرون القضايا العادلة في العالم.

ثم يستطرد ويقول بأنه من حق “حمزة” الاستفادة من محامين للدفاع عنه لينال العقاب الذي يستحقه في إطار ما يسميه هو القانون.

وانا أتساءل أين كانت هذه الفصاحة حينما تخلى “بوتفليقة” عن الجزائريين الستة الذين اعتقلتهم المخابرات الأمريكية في البوسنة وتم ترحيلهم الى معتقل “غواتنامو” الذي قال في رده عن طلب للخارجية الأمريكية حينها بتولي السلطات الجزائرية الدفاع عن رعاياها أسوة بغيرها من الدول: “بأن الجزائر ليس فيها إرهابيين وبأنهم ليسوا جزائريين”. حينها، تطوع وزير الداخلية القطري (وهو محام) الدفاع عنهم من منطلق عطفه عليهم؟

أنا متأكد أن تهمة اللصوصية والسطو على ممتلكات الغير التي يوحي بها الكاتب كانت ستسقط بحقه لو قبل كغيره من الانتهازيين العمل مع اليهود. فإسرائيل لن ترضى أن يستفيد غيرها من عبقرية حمزة وأن تحريضها عليه نابع من وقع الحسرة التي تشعر بها وخاصة أنه أبدى عدم التعاون معها بصورة قاطعة.

أنا أظن أن الشخص الذي يعمل على إعادة المال المنهوب إلى إصحابه لا يمكن أن يكون لصًا وإلا لاعتبرنا في هذه الحالة أن أي مناضل ومدافع عن حقه يقع تحت طائلة التصنيف المجرم للفعل. وأن المجاهدين الذين سطوا على مكتب بريد “وهران” أثناء حرب التحرير لجمع المال اللازم للمجهود الحربي وشراء السلاح الذي تم جلبه عبر الحدود الجزائرية التونسية بمنطقة الطالب العربي بولاية الوادي هو أيضا شغل عصابات لا علاقة لها بالقضايا الوطنية.

وأكثر شيء ملفت للانتباه هو الانتقائية التي يعالج بها صاحب المقال مسألة الإجرام. فقد تغاضى عن غيره من قراصنة المواقع الجزائريين الذين قبلوا التعاون مع اليهود كذاك الجزائري الذي يعمل حاليا بإحدى المؤسسات اليهودية في كندا بعد أن تم الاتصال به قبيل سقوط نظام بن على في تونس في جزيرة “جربة”، تم نقله فيما بعد الى بلجيكا حيث تمت آخر الترتيبات لتوظيفه كخبير في محاربة القرصنة الإلكترونية.

كثر الله خيره أنه لم يقل بأن أمريكا إمبراطورية العدالة والحقوق في العالم وسماها بما تستحقه وذكر بدورها في افتعال الأزمات في العالم. وإن كنت متيقنا بأنه فعل هذا ليس من باب اعتراضه على السياسة الأمريكية بل كشكل من اشكال التظليل كي يبدو بأنه معاد للظلم والتسلط ونصيرا للحق.

فلو حمل “حمزة” السلاح وانخرط في منظمة للدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة لقالوا عنه بانه متطرف. ولكن حمزة كان أكثر تحضرا فسلك طريقا ينكره عليه خصومه لأنه فوت عليهم الفرصة بتصويره في نظر الرأي العام على أنه إرهابي ونافس “اسياده” في مجال كانوا يظنونه حكرا عليهم ولا يمكن أن يصل اليه “المسلمون المتخلفون”.

هذه اسطوانة قديمة كانت ستكون مقبولة لو وردت في سنوات السبعينات من القرن الماضي.

الشيء الذي فات الكاتب ولم يعجبه هو أن الشعوب لم تعد غبية كما كانت في الماضي بحيث تصدق من يحاول تصوير الشرفاء على انهم خطر على الوطن وأن اللصوص ناس حضاريين.

لقد قلت في أكثر من مناسبة بأني أخشى على الشعب من مثل هذا الفكر الهدام أكثر من خشيتي عليه من بطش الجنرالات.

فالجنرالات يقتلون جسدًا، أما هو فيقتل فكرًا ويقتل الضمير ويقتل الهمة. والنظم الدموية المستبدة لا تطلب أكثر من هذا.

ورغم كل ما ذهب إليه الكاتب من عداوة للتحرر وهيمنة النظم المستبدة، إلا أني سعيد كون أن كاتبا جزائريا أصبح يجيد التمويه وتنازل عن فضاضته وترفع عن الفاحش من القول.

وهو تحوّل أسجله للكاتب كنقلة نوعية تجعل العمالة والخيانة أكثر سلاسة وبالتالي أكثر تقبلا من قبل الجماهير.

محمود حمانة
25 أوت 2015

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version