« كل مسلم بشمال أفريقيا، يؤمن بالله ورسوله ووحدة شماله هو أخي وقسيم روحي فلا أفرق بين تونسي وجزائري ومغربي وبين مالكي وحنفي وشافعي وإباضي وحنبلي، وبين عربي وقبائلي، ولا بين حضري وآفاقي، بل كلهم إخواني أحبهم وأحترمهم وأدافع عنهم وما داموا يعملون لله والوطن، وإذا خالفت هذا المبدأ فإني أعتبر نفسي أعظم خائن لدينه ووطنه… ».

وأنت تقرأ هذه الأسطر يشد انتباهك قوة معانيها ومتانة تراكيبها، إذ أنها تعكس جزالة قلم صاحبها وعزة وإباء شخصيته، وسلامة سريرته وافتخاره بوحدة أمته ووطنه إن في هذه الأسطر حكمة بالغة وموعظة جامعة وإني لمتأكد بأن لها وقع بليغ على القارئ يجعله تواقا لمعرفة صاحبها. إنه شاعر الثورة الجزائرية المجاهد بالقلم مفدي زكرياء اليزقني الغرداوي الجزائري، ذاك الذي كانت أشعاره ولازالت أشد وقعا على العدو المستدمر من رصاص البنادق، إنه يدعو من خلال هذه الأسطر إلى الوحدة والأخوة والمحبة ونبذ الفرقة والعصبية والإخلاص لله والوطن، وها نحن اليوم نتأسف لما نراه من فتنة مغرضة بين أبناء شعب واحد وبلد واحد، فتنة أذكت نارها خصلة من خصال الجاهلية الأولى، فتنة أيقظت فتنا نائمة وعصبيات كانت قد قبرت منذ عهود. ثم إني أستسمحك أخي الفاضل أن تركز معي وتنظر مليا في هذا السرد البسيط للمواقف الوطنية الثابتة للإخوة الميزابيين عبر مراحل مختلفة من التاريخ لكي تتضح لك بعض الحقائق لأن الرجال مواقف كما قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله والتاريخ يشهد.

– في سنة 1510 م/916 هـ شارك الشيخ (با حيو بن موسى) وفرقته الفدائية من الفرسان المزابيين المرابطين في السواحل الجزائرية ضد غارة الإسبان على جزيرة جربة بالجنوب الشرقي لتونس، والتي تحطمت فيها حملة (دون قارصيا دو طليطلة).

– في سنة 1518م/925 هـ احتل الإسبان الصليبيون كدية الصابون بمدينة الجزائر فاستدعى (خير الدين بربروس) الشيخ (باحيو بن موسى) وهو من العطف ومعه أمين الميزابيين بالجزائر يستشيرهم في أمر العدو الغائر فأشاروا عليه القيام بعملية فدائية وتطوعوا لذلك واختاروا منهم سبعين فدائيا ثم وضعوا خطة لاختراق معسكر العدو وضرب مستودعات السلاح ومن ثمة فتح ثغرة أمام المجاهدين من أجل الهجوم التام وكان النصر يوم الأحد 24 أوت 1518 م /925 هـ ، حيث فر القائد الإسباني (دون هوقو) مع باقي رجاله، أما الشهداء الميزابيون دفنوا في حسين داي الحالي.

– في سنة 1830 م حين نزل العدو الفرنسي بسيدي فرج وقام بمحاصرة العاصمة أرسل الميزابيون – مع أمينهم بالعاصمة – ألف رجل للمشاركة في الدفاع عنها وقد استبسلوا في ذلك إلى أن سقط منهم عدد كبير في ميدان الشرف، وفي مقدمتهم (طفيش داود بن يوسف شقيق القطب). ولهؤلاء مقبرة في اسطاوالي في ساحة طمست آثارها.

– ولما أعلن الأمير عبد القادر الجزائري الجهاد ضد المستدمر الفرنسي سانده الإخوة الميزابيون، حيث التحق به (سيدي السعدي) وبعد ذلك انضم الميزابيون إليه وكانوا من أطوع جنده، كما أنهم أصبحوا من أمناء سره نذكر منهم الطبيب باي أحمد بن بابا عيسى اتخذه الأمير طبيبه الخاص وكاتبه وأمين سره، وهو من مدينة مليكة وهو من الذين حضروا معاهدة التافنة مع الأمير. ومن التجار الذين أعانوه بالمال والسلاح الحاج سليمان بن داود وحمو بن يحي يدر من بني يزقن، والحاج داود بن محمد، وغيرهم من الرجالات المخلصين.

– لقد ظل بنو ميزاب – مثلهم مثل الطوارق الأحرار – يدافعون بكل وطنية وإخلاص على الوطن الجزائري والحرمات، وكذا يدعمون الانتفاضات الشعبية المتوالية بالمال والقلم والسلاح حيث لعبت شبكة التجار الميزابيين بالعاصمة والصحراء وسائر المناطق الأخرى دورا فاعلا في دعم الثورة التحريرية بالمال والسلاح والقلم إلى غاية الاستقلال، وبالرغم من الإغراءات والعروض التي تلقوها من قبل جنرالات وساسة المستدمر الفرنسي خاصة بعد اكتشاف البترول بالصحراء الجزائرية حيث سعت الحكومة الاستدمارية إلى فصل الصحراء عن الجزائر مستعملة جميع الأساليب منها:

– إرسال لجنة برلمانية إلى مزاب سنة 1951 م من أجل إقناع الميزابيين بالموافقة على إقامة جمهورية صحراوية مقابل امتيازات، إلا أنها قوبلت بمظاهرات سلمية في كل مدينة رفضا للفكرة معبرين على لسان الشيخ بيوض – رحمه الله – عن تمسكهم بوحدة التراب الجزائري.

– إرسال لجنة برلمانية ثانية لنفس الغرض قوبلت بتأكيد الرفض.

– إرسال لجنة ثالثة سنة 1959 م قوبلت بنفس الرفض من قبل الإخوة المزابيين.

أليست هذه أخي القارئ مواقفا ثابتة لم تتزحزح، فلماذا تسعى بعض الأطراف الغريبة إلى الاقتيات من فتات الفتنة والعمل على كسر وحدة صفنا ووطننا؟ ثم من المستفيد من هذا يا ترى؟

يا عقلاء أهل غرداية إن قلمي يخاطب فيكم مواقفكم الثابتة، ووطنيتكم وصفاء سريرتكم ووقار شيوخكم، أصلحوا بين إخوانكم وانبذوا الفرقة والعصبية فقد نهينا عن ذلك.

يا عقلاء وادي ميزاب إن لكم أسوة حسنة في إصلاح ذات البين في آثار الإمام عبد الحميد بن باديس – رحمه الله – ذلك أنه لما رفعت له مسألة حول مشكل وقع بين المالكية والإباضية بغرداية قضى فيها بالعدل والله أعلى وأعلم، اقرأوها فهي درس في الصلح مفيد، حيث دعى إلى حفظ الوحدة الإسلامية بحفظ القلوب من داء الفرقة المهلك.

يا عقلاء أبناء الوطن الواحد تنبهوا إن الأطراف التي أشعلت نار الفتنة بينكم لم يرق لها أن تراكم متحابين آمنين على أموالكم وأولادكم كما لا يعجبهم أمن البلاد واستقراها، مثلهم مثل الجراثيم التي لا تحب العيش إلا في المستنقعات، فاحذروا فإن قوة الدولة في وحدة شعبها وترابها وفي التاريخ قصص وعبر أفلا تعقلون.

المراجع المعتمدة في الموضوع:

– مفدي زكرياء، أمجادنا تتكلم.
– آثار الإمام عبد الحميد بن باديس، الجزء الخامس، الطبعة الأولى.
– يوسف بن باكير الحاج سعيد، تاريخ بني مزاب – دراسة اجتماعية واقتصادية وسياسية -.

جواد عبد اللطيف الجزائري
طالب باحث في التاريخ
ولاية سكيكدة
08/02/2014 م

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/02/09/320062.html

Un commentaire

  1. Abdelkader Dehbi on

    RE: كلمة حق – إباضية بني مزاب مواقف ثابتة
    [rtl]لديٌ ملاحظة شكلية تتعلق بخطأين في ضبط التوافق ما بين التاريخ الهجري والميلادي وكذا في ضبط أيام الأسبوع : كتب صاحب المقال : «  » وكان النصر يوم الأحد:24 أوت 1518 م /925 ه » » — الصواب هو أنٌ تاريخ 24 أوت 1518، كان في يوم الثلاثاء الموافق ليوم 17 شعبان 924 هجري.[/rtl]

    [ltr]Etant un peu amateur des calculs calendaires, je fais remarquer que la date du 24 Août 1518 est tombée un Mardi – et non un Dimanche – et qu’elle a correspondu au 17 Châ3bane de l’An 924 de l’Hégire et non 925. [/ltr]

Exit mobile version