كثيرا ما تساءلنا عن الوضع الذي آل اليه حال أمتنا من دون أن نناقش الأسباب فنكتفى بالتوقف عند فلسفة النتائج ظنا منا بأنها تغني عن أيّ نقاش بديل وجادّ من أجل نظرة مستقبلية تمكننا من شق طريقنا بين الأمم نحو غد أفضل.

والحقيقة أن هذا السؤال يطرح موضوعا في غاية الأهمية والخطورة وهو موضوع الارتباط العضوي بين الشعوب وزعاماتها وليس بينها وبين أوطانها. هذا الانفصام في الشعور الوطني هو الذى مكن الدكتاتوريات ما بعد “سايكس- بيكو” من تحويل العالم العربي إلى مجرد حدائق خلفية للقوى التي كنا نحاربها في الماضي ولكن مع الأسف نتحالف معها اليوم مجانا تحت جملة من اعتبارات لا تخدم قضايانا. فالمشكلة ليست في الأنظمة التي جردت العالم العربي من هويته وتاريخه ولغته بحكم تطابق المصالح والرؤى والتوجهات والأهداف، بل في المجتمع العربي نفسه الغير قادر على تحديد تصوّراته المستقبلية من دون أن يزج بالنعرات القبلية والعرقية واللغوية والجهوية والعقائدية في صراعاته مع اعدائه وفرض تصوّراته لما يسمى بصراع الحضارات كشكل آخر من أشكال الحروب الصليبية التي كشفت مدى ما وصلت إليه الأمة من وهن بحكم انشغالها بخلافاتها الداخلية وتناقضاتها. هذا هو جوهر المشكل وأيضا جوهر الصراع القائم بين الشعوب وأنظمتها.

ولذا، فنحن لن نتقدم إلا إذا كانت لدينا الشجاعة في الرقى بتفكيرنا الى مستوى التحديات المطروحة امامنا وأن نكفّ عن العيش في جلباب الزعامات بدعوى الوطنية الزائفة.

لذا، علينا أن نواجه أنفسنا قبل التصدي للعدوّ لأن مواجهة العدوان لا يمكن أن تستتب طالما نحن الذين نقدم لهم الذرائع في كل مرة بسبب غبائنا وجهلنا وقصور تفكيرنا ونزعتنا الى خلافاتنا الداخلية كبديل عن الاستراتيجية التي من المفروض أن نبني عليها مستقبلنا. يكفي للدلالة على هذا أن نعود إلى القائمين على الفكر الإسلامي السياسي وطريقة توظيفه الخاطئة لندرك حجم الكارثة التي آلت إليها معظم ثورات الربيع العربي.

فالعامل الجغرافي لم يكن في يوم من الأيام كافيا لتحديد البعد الحضاري لشعب من الشعوب أو أمة من الأمم والدليل على هذا هو أن أمما لم تكن موجودة في الماضي نهضت على أنقاض أمم أخرى اندثرت بسبب تفريطها في مستقبلها وكيانها وعدم وعيها.

وعلى هذا الأساس، فالعالم العربي مندثر منذ زمان بسبب عدم قدرته على التأثير في العلاقات الدولية لا ككيان بالمنظور الدستوري ولكن كقوى فاعلة بإمكانها بسط سيطرتها ونفوذها بسبب ما تملكه من مقدّرات وموارد بشرية يجرى توظيفها ليس فقط بشكل سيئ بل تبيّن أن يصبّ في النهاية في خانة القوى المتغطرسة.

ولذا، نجد أن تسع أو عشر دول على الأكثر يشكلون القاطرة التي تقود العالم وتهيمن على ما تبقى من أعضاء المجتمع الدولي.

من أوجه عجزنا الفكري هو أننا نناقش دائما النتائج دون التطرق للأسباب لأن هذا التصرف يمكننا دائما على العثور على الذرائع التي تعوّدنا البحث عنها لتبرير فشلنا لا مناقشة الأسباب التي تدفعنا بالضرورة إلى الوقوف على مواطن التقصير فينا ومن ثمة، المبادرة إلى إصلاح مسارنا.

وأنا أتحدّى النخب أن تجيبني عن: ما هي الوطنية وما هو الوطن؟

محمود حمانة
21 سبتمبر 2014

تعليق واحد

  1. jamal souf بتاريخ

    تضليل التعميمات
    أود في هذه العجالة أن أناقش بعض المصطلحات الواردة في موضوع الأخ حمانة محمود، وبعض المفاهيم التي تبلورت في قوالب فكرية رسخت بالتكرار إبتداء من المقررات المدرسية إلى البحوث والدراسات وإنتهاء بالميديا العربية، حتى كونت مساحة واسعة من التيه الفكري يشبه ما يعرف في اللغة بالأخطاء الشائعة .
    1-الوطن العربي: مصطلح وارد في العنوان وهو غير دقيق من الناحية السياسية ويستعمل أحيانا قصد الدلالة اللغوية لاغير، فيكون معناه البلاد التي تتبنى اللغة العربية كلغة رسمية أو التي يتكلم سكانها دارجة عربية. ويستعمله القوميون من باب التمني، أو ما يجب أن يكون من وجهة نظرهم، بمعنى أن للعرب وطن واحد بالرغم من تشظيه إلى بضع وعشرين دولة وأقاليم في دول لا تعتبر عربية.
    أما من الناحية القانونية الدستورية فمصطلح الوطن العربي لا يعني شيئا.
    2-الأمة : وهو المصطلح الذي إستبدل به الكاتب مصطلح الوطن العربي داخل النص فتكلم عن أمة وليس عن وطن. والتعامل مع هذا المصطلح في الكتابات العربية فيه كثير من الغرابة لعدم دقته. فالأمة في اللغة العربية هي الطريق – والسنة – والدين – والقرن من الناس – والجيل والجنس من كل حي – وأمة كل نبي من أرسل إليهم سواء المؤمن أو الكافر.
    أما في الإستعمال الحديث فقد وضع ليقابل مصطلح nation ولكن عندما ننسب شيئا للأمة لايمكنك أن تضع مقابل national – أممي – ولكن عليك أن تلجأ إلى مفردة أخرى – وطني – .
    ورغم إختلاف المفكرين الغربيين في تعريف الأمة إلا أنه ليس منهم من يقول مثلا أمة النحل لأنه ليس لمصطلح nation من دلالة للتعبير عن هذا المعنى.
    وسأرفق بنفسي، وأكف عن التمادي في لعبة اللسانيات فرغم أهميتها فإنه من الأفضل لغير مختص مثلي أن يمضي قدما في سبيل لا يتبينها جيدا.
    غير أن ما أريد تبينه لماذا يؤرخ ( مبني للمجهول ) لأمة العرب ودولهم منذ سايكس بيكو؟ ماعلاقة دول شمال إفريقيا بإتفاقية سايكس بيكو، أليس هذا تعميما مشرقيا مفروضا؟ ألم يكن تاريخ تونس والجزائر مثلا تاريخا مختلفا عن تاريخ بلاد الشام منذ أكثر من خمس قرون؟
    يبني معارضوا العروبة في بلاد المغرب وجهة نظرهم على فكرة أن العروبة مستوردة من المشرق وهي غزو لايختلف عن غزو الرومان والوندال ( ولايذكرون الغزو الفرنسي لأنهن من وجهة نظري، أصل هذا)، ولكن أليست العروبة بمفاهيم سايكس بيكو تكاد تبرر ما يقولون؟
    3-الدكتاتوريات: لقد عاش العرب وشعوب أخرى غيرهم كثيرة في الصين وفي الإتحاد السوفييتي سابقا وفي أمريكا اللا تينية تحت نظم دكتاتورية لعشرات السنين، والحال الآن يختلف في هذه البلاد، فالصين مثلا دولة عظيمة وروسيا أيضا.
    المضحك أن الإعلام في الخليج العربي يطرح مواضيع مثل لماذا فشلت الدول العربية ذات النظم الجمهورية، فهل نجحت الدول الملكية؟ وفيما نجحت؟
    عرابوا مايسمى الربيع العربي يقدمون ماجرى ومايجري في سوريا وليبيا واليمن ويصورونه على أنه إنتفاضة لإفتكاك الحرية، وقد يمكن تفهم ذلك في البداية، ولكن بعد إنعطاف هذه الدول نحو الفتن والتخريب فما معنى الإصرار على أن ما يحدث ربيعا.
    الأنكى أن يوجه النقد لزعماء عرب، لهم مالهم وعليهم ماعليهم ولكنهم زعماء لعبوا أدوارا أساسية في تحرير بلدانهم من ربقة الإستعمار، لجهة أنهم لم يبنوا نظما ديمقراطية ويخونون على هذا الأساس.
    هل لعاقل أن يتصور أن شعبا أميا في سنة 1956 أو 1962 كان يمكن أن يقيم نظاما ديمقراطيا في تونس أو الجزائر؟
    ثم، ألا يحق للمرء أن يتساءل هل الشعوب في المشرق أو في المغرب بمستوى ونوع الوعي والثقافة الموجودين حاليا، مؤهلة للحياة الديمقراطية.
    وحتى لايفهمني البعض خطأ، أؤكد أنني لا ألتمس مبررا للدكتاتورية ولكن أن تختصر أسباب تخلف دول عديدة لكل ظروفها الإقتصادية وبنيتها الإجتماعية، وإن تشابهت، فقط في أن بورقيبة لم يقم نظاما ديمقراطيا أو أن القذافي كان طاغية فهذا فكر قاصر وغير مقنع تماما. ثم أن إتجاها آخر لا يعتقد ذلك ولكن يعتقد أن هذا الخراب سببه عدم بناء دولة إسلامية على المنوال الذي كانت عليه في القرون الأولى.
    لقد تحدى الكاتب النخب أن تجيب عن سؤال: ماهي الوطنية وما هو الوطن. ولا أدري أي نخبة يقصد، لأن من هذه النخب من سيجيب أن الوطن حفنة من تراب وأن الوطنية مفهوم عربي يقصد من الكيد للإسلام والمسلمين. ومن النخب أيضا من سيجيب أن الوطن هو جبال وسهول بلادي وأن الوطنية هي حب هذه الجبال والسهول هكذا وكفى.
    وهذه حقيقة لا أرمي من وراء ذكرها إلى أي قدح أو إستهزاء.
    وبالرغم من أنني من عامة الناس ولست من أي نخبة، إلا أنني سأغامر بقول، لا يمثل إجابة لأن ذلك يحتاج إلى دراسات كاملة ولكنني أعتقد أنه الوجهة التي من المفيد أن يتجه إليها النقاش، إن الوطن هو الأرض والتاريخ والثقافة والهوية والمصالح المشروعة، وأن الوطنية ليست شعورا جميلا طيبا فقط يتمثل في عاطفة جياشة تسمى حب الوطن، ولكنها سلوك إنساني تمليه العناصر المذكورة سابقا، وإذا أصبح البشر لايشعرون بوجودهم في وطن وإرتباطهم به على هذا النحو فلا تعول على الوطنية. فالوطنية هي le patriotisme et la citoyenneté à la fois. .

Exit mobile version