الحراكات الشعبية في أرض صديقنا الملك، ووقوف المغاربة يقظين في تتبع عثرات وكشف عورات “أمير المؤمنين” وحكومة عبد الإله، تثبت أن الشعب المغربي بات أفطن و أكيس من غيره من إخوانه الذين يعيشون في تلك الأراضي الشاسعة الواسعة الممتدة من حدود المغرب الشرقية إلى حدود إيران الغربية.

إن ما يقوم به إخوتنا المغاربة في الرد على عاهلهم بأسلوب “لكل ساقطة لاقطة” قلل سقطاته وجعل منه – برغم أنه لا يسأل عما يفعل- يخشى الجموع الغاضبة في شوارع المملكة. مشاهد يوم الجمعة بالرباط وغيرها من المدن تعطي دلالات وافرة تؤكد أن المغاربة يحققون مكاسب بعيدة عن أسلوب المغالبة الذي أثبت عدم جدواه في تونس ومصر أين جاء الحسم ضد الطاغيتين بسرعة قياسية لم تخطر على بال بشر، ولكن في تلك السرعة كانت “الصرعة” التي يعاني نوباتها الوطن.

إن سقوط الصنمين بتلك المفاجأة أجج نار الانتقام في نفوس أذيالهما والمنتفعين في زمن حكمهما، وهاهم النفاثون زنادقة الديمقراطية يذكون نار الفتن و  النعرات بين أبناء الشعب ويعرقلون عملية التحول الديمقراطي في تونس وينقلبون على الشرعية بفجور وبطش في مصر لإعادة إنتاج نظام “حسني باراك”.

وكما وَقَى االشعب المغربي نفسه وبلدها شر تبعات إسقاط أنظمة الفساد والاستبداد، تفادى أيضا صدمة التحرر العنيفة التي قضت في ليبيا على الدولة وأحرقت الوطن والمواطن، وهي ماضية إلى ما هو أسوء من ذلك في سورية. و ذلك بفعل عنت القذافي والأسد وتمسكهما بالسلطة لاعتقاد الأول بأن ليبيا “ليبياه” يورثها من يشاء من بنيه، ولاعتقاد الثاني أن سورية “سورياه” ورثها عن الأسد الأكبر منذ كان شبلا صغيرا.

وإن كان كل ما آلت إليه الأمور في البلاد الربيعية العربية الأربع، مُثن للعزم مثبط للإرادة كاسر لنفسية التحرر مفزع من الفعل الثوري، سواء بعد سقوط الصنم كما يحدث في مصر وتونس، أو أثناء إسقاطه كحال سورية وليبيا قبلها، فإن الشعب المغربي يعطي الطريقة بين الطريقتين أو الأسلوب الوسطي، طريقة تمثل الأفضل بين فضيلتين، ولا يمكن أن نقول عن ثورية المغاربة فضيلة بين رذيلتين، فحاشا أي ثورة أن تكون رذيلة، الرذيلة هي الخنوع والركوع والتعامل مع الظلم والظالم كقضاء وقدر.

لقد اعتقد ملك المغرب أنه غيب شعبه عن الوعي و استغباه كما غيبه والده من قبل بـ”الطبيصلة”، عندما تعامل بمكر مع أول نسمات الربيع التي هبت على بلاده بأن غير وطور وأصلح آلية الإستبداد دون أن يتخلى عن طبائعها، ورمم ترميمات سطحية لواجهة عرشه ذرا للرماد في أعين الجماهير الغاصبة. ثم اشترى ود (و ذمة) إسلامييه لعلمه أن المشروع الإسلامي هو البديل الطبيعي المثالي الأوحد الذي تختاره الشعوب لمجرد أن ترى بصيص ديمقراطية يلوح، و الدليل في دول الربيع “البوعزيزي”.

رغم كل هذا “لم يربح البيع يا مولاي”، لم يربح البيع بين ابن كيران و مولاه أمير المؤمنين العافّ عن المغتصبين. فالزواج العرفي الذي جمع حزب ابن كيران وعرش مولاه محمد 6 لم يدم أكثر من 6أشهر حتى ليكتشف المغاربة أنه زواج باطل غاب عنه الشعب ولي العروس و رفضته العروس ولم يكن الشهود فيه عدول. إنه زواج لا تتعدى مصلحته الأسرة الملكية و الخاسر الأكبر فيه ليس الشعب كما تعود العرب إنما هو التيار الإسلامي المغربي الذي يكون قد باع مبادئه وتاريخه النضالي بغرض زائل. فلا استفاد ولا أفاد الملك، لأن حكومة ابن كيران عجزت عن امتصاص الغضب الجماهيري الذي بات يبدي قوة ناعمة في شوارع المغرب، وبمنتهى الحضارية والرقي يختار المتظاهرون الزمان والمكان والعنوان لكل مظاهراتهم. أي أنهم يختارون زمانا يكون ذا دلالة رمزية مهمة كهذه الأيام مثلا التي يحتفل فيها الملك بعيد جلوسه على العرش، المكان الشوارع و الميادين الحيوية في قلب العاصمة وفي كل المدن الكبرى، العنوان ينتقى بدقة تختزل فيه الحقوق و الحقائق و المطالب بما يجعل الملك نفسه وكل سحرة بلاطه عاجزين عن مجرد إنكار المطلب على المتظاهرين. فمن حيث نوعية المطلب (حق مشروع بعيد عن السياسة)، والتظاهر كان هذه المرة رفضا لعفو الملك عن الوحش الإسباني “دانيال فيينا غالفون” الذي اغتصب 11 طفلا مغربيا من الجنسيين.

بهذه الطريقة الحكيمة التي يمارسها المغاربة يدب الفشل وتضعف حجة الملك وتكبل آلته القمعية وتتكشف ألاعيب حكومته المتأسلمة، ويتم التحول الديمقراطي السلس للوصول إلى بر الأمان والقضاء على الصنم بتفكيكه بالتقنية لا بتحطيمه بالقوة.

عبد الله الرافعي
3 أوت 2013

3 تعليقات

  1. سيناريا بتاريخ

    RE: دروس مغربية
    اول شيء لا يجب عليكم ان تستغلو بعض العقول الغافلة عن ما حقيقة الامر فحقيقة ما حدث لا تغيب عن عاقل العفو الملكي بالمغرب او باي دولة ثانية عبارة عن وثيقة بيوقع عليها الحاكم و بيقرر عدد المسرحين او المعفى عنهم بس ما بيقرر مين بده يطلع و مين لا لان حاكم البلد ما فيه يطلع على كل ملف سجين فهاي دور مديرية السجون مش الحاكم نفسه هلق يا لي صار انه في رشوة

    • Kaddour بتاريخ

      RE: RE: دروس مغربية
      [b]القانون لا يحمي المغفلين[/b] … وبدرجة أعلى إذا كان المغفل ملك البلاد.

      القرار اسمه “العفو الملكي” فإذا كان يمضي ويعفو بدون علم على من يعفو فالعذر أقبح من الذنب.

  2. mohamed oumi بتاريخ

    دروس مغربيه
    السلام عليكم لا تنسي يا صاحب المقال أن للملك مستشارين يهود وان حزب بن كيران حزب عميل للملك لهذا السبب لم يقع الملك في الفخ

Exit mobile version