أمريكا تراهن على الاقتصاد في الخليج و على المعارضة الوهمية العميلة في لبنان، وعلى الجيش في مصر فلماذا؟ سؤال لابد من طرحه، لابد من إماطة اللثام على فلسفة واشنطن في تعاملها مع البلاد العربية على هذا النحو، تعويلها على نفط هنا، و على معارض هناك، و على جنرال هنالك يثبت بأن هذه الإمبراطورية تلعب بكل الأوراق حسب جدواها، وتتبين جيدا كل الخيوط البيضاء من السوداء، ولا تضع كل بيضها في سلة واحدة كما كان يفعل السوفيات في الحرب الباردة.

ذلك أن الخليج مثلا من غير نفط، صحراء قاحلة لا قيمة لها، أما مصر فمن دون القوة العسكرية ليست أكثر من أفواه جائعة وعمران منكوب، وعليه يمكن الوقوف على حقيقة تساهلها نظريا حيال إسقاط دميتها في المحروسة (مبارك)، لأن عمره “الخياني” انتهى افتراضيا بعدما عصرته هي و “تل أبيب” على مدار ثلاثة عقود حتى لم تستبق منه شيئا كعصر “الليمونة”، وكانت تريد رميه رمي “الشيفونة”.  فجاءتها ثورة 25  جانفي “من الجنة والناس”.

لكن “الصهيوصليبية” التي تخلت عن “حسني باراك” ليس بوسعها التخلي عن مصر و ريادتها بالمنطقة و لا عن جيشها صاحب الدور المحوري داخليا وخارجيا.  فإذا كان انقلاب “ابن موزة” على والده – كما فعل هو بوالده- لا يعني شيئا في أجندة واشنطن لأنه مجرد تغيير اسم دونما تبدل مفهوم أو مهمة، فإن أي تغيير يطال الدول العربية والإسلامية ذات القوى العسكرية يعتبر جرس إنذار يرن في غرفة نوم الرئيس الأمريكي قبل أن يرن في أروقة البيت الأبغض. وإذا أمعنا التحميص في ملابسات انقلاب “السيسي” نجده يتطابق مع ملابسات انقلاب “برويز مشرف” في باكستان، لما للبلدين من دور إقليمي عربي بالنسبة لمصر وإسلامي بالنسبة لباكستان، و لأهمية القوتين العسكريتين، الكلاسيكية المصرية والنووية لباكستانية في تكريس هيمنة أمريكا في المنطقتين ومحاربة خصومها نيابة عنها من جهة، و الوقوف حائلا أمام ترجمة العداء الشعبي لأمريكا و إسرائيل إلى أفعال من جهة أخرى.

هذا هو وجه الشبه بين “السيسي” و “مشرف”، و بأمثالهما من الجنرالات الخونة تتغول أمريكا في بلاد العرب والمسلمين، وتقحمهم في فتن و احترابات داخلية بين الشعب وجيشه في إعادة استنساخ لتجربة الفرية الكبرى التي سميت بالثورة الكبرى والتي نجحت بها بريطانيا في تقويض أركان الخلافة العثمانية لإتاحة الفرصة لها لمد رجليها بالمنطقة العربية وزرع الغدة السرطانية الصهيونية بين ظهراني العرب.  و أمريكا اليوم تسعى بنفس الأسلوب و بالاستعانة بالجنرالات المرتزقة لترميم مكانتها و فك الخناقات المختلفة عن رقبتها و إتاحة فرصة من ذهب لحليفتها الصهيونية لتصبح القوة الوحيدة على جميع الأصعدة بعد تفتيت الدول الوطنية وتقليص حجمها ديمغرافيا وجغرافيا. لأن هذا فقط ما يتفوق فيه العرب على الصهاينة، فالحمد لله مازال بحوزتنا سلاحا منويا نجابه به سلاح إسرائيل النووي، وهو كل ما لدينا الآن إذا أردنا أن ننزع الأشواك بأيدينا. لأن جنرالات العرب لا يحملون هم الوطن و ما داموا كذلك فإنهم هم على الوطن.

في القرن الماضي قال الملك فيصل الهاشمي أنه موظف لدى التاج البريطاني برتبة ملك، و اليوم أصبح مصير العرب بأيدي مرتزقة لدى أمريكا برتب جنرالات. و عود على بدء نقول إن تل أبيب و واشنطن تعاملت مع مصر راهنا كتعامل أرباب الشركات الخاصة الذين يطردون آلاف العمال و يعوضونهم بعشرات فقط لتقليص حجم إنفاقهم على أن يقوم الواحد منهم بأكثر من مهمة. فواشنطن وجدت القمع العسكري، العمالة السافرة، التجييش الجماهيري و الإعلامي، عنفوان الشباب، زمام الأمور السياسية و العسكرية، رضا بقية عملائها، التغول على البؤساء في غزة، قطع الطريق على التيار الإسلامي و نسف المشروع الديموقراطي …. كل هذا جمع لـ”السيسي” و قد كان متفرقا بين “حسني باراك”، “عميير شلمون”، “أبو بردعة”، “أبو الغائط” و غيرهم.

عبد الله الرافعي
13 أوت 2013

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version