هل من عقل يفسر لنا كيف تعاني العديد من المناطق في الجزائر من عزلة تامة، غطتها الثلوج وهي مقطوعة عن العالم الخارجي منذ أيام، لا غاز للتدفئة والطبيخ ولا إمدادات بالمؤونة ونقص مريع في الأدوية، موتى ومرضى وجوعى ومعزولون ومحاصرون بموجة البرد القارس وانقطاع عن الدراسة وناس أتت الأمطار والثلوج على بيوتهم الهشة، في بلد يصنف في المرتبة الثانية في تصدير الغاز إلى أوروبا، في حين تنشغل السلطة بتحضير الانتخابات البرلمانية في مايو القادم وكأنّ شيئًا لم يكن؟ بلد الغاز يدفئ أوروبا، وتُحرم فئات كثيرة من شعبه في عز البرد وتساقط الثلوج بكميات غير مسبوقة، وإمعانا في المهانة والإذلال والاحتقار يُدعى هذا الشعب للانتخاب!

وكشف عدد من المحتجين أنهم قضوا قرابة 10 ساعات كاملة في طوابير طويلة للحصول على قارورة غاز، قبل أن يتفاجأوا بمطالبتهم بالتنقل إلى مناطق أخرى لانتظار الشاحنات المخصصة لهذا الغرض. وأفاد شهود عيان من دائرة معزولة أنّ العديد من الشبان تطوّعوا لإقامة سلاسل بشرية تمتد لمسافات طويلة، من أجل إيصال مواد غذائية إلى أسر معزولة بالكامل عن العالم الخارجي، وفتح الطرق نحو مساكنها في غياب كامل للسلطات الحكومية.

وهكذا تضخ أنابيب الغاز كميات كبيرة منه نحو أوروبا، والجزائر ثاني مزود لدول الإتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي بعد روسيا، والثالثة في النفط، وهي في هذا أمينة ووفية وحريصة على إيصال الغاز بأوروبا في وقته وبالكميات المتّفق عليها، بينما مناطق من هذا البلد الغني بالموارد لا همّ لها هذه الأيام سوى توفير قارورة الغاز وبأسعار جنونية في غياب شبه كامل للسلطات في بعض المدن، فما أسرعها في إرسال قوات مكافحة الشغب لإخماد احتجاجات اجتماعية وما أبطأها في إرسال كاسحات الثلوج لإعادة الحياة للمناطق المعزولة.

لم يخرج على الجزائريين أحد من كبار المسؤولين ليعزّيهم في ضحايا ليس الثلوج، حاشاه، ولكن هجران النظام للمسحوقين من هذا الشعب، فما دامت الجيوب والمخازن عامرة، حيث بلغت قيمة صادرات المحروقات الجزائرية 71.5 مليار دولار سنة 2011 مقابل 56.1 مليار دولار في 2010 بزيادة 27%، فليهلك المهمّشون والمغيّبون وما أكثرهم، فكلما زادت صادرات الجزائر من النفط والغاز ازداد الشعب فقرًا وحرمانًا.

النظام غارق في التخطيط لتنظيم انتخابات برلمانية بما يضمن هيمنة أجهزة السيطرة على مواقع التأثير، قد تجاري (الانتخابات القادمة) “الربيع العربي” في التغيرات التي قد تطرأ على نسب الفائزين في البرلمان القادم لكنه سيرمي بثقله لئلا تقترب من أعماق السلطة وأحشائها، من مواقع القرار فيها، فالاستئثار بالقرار والحكم عنده وضمان السيطرة على مقدرات البلد مقدّمة على كل شيء.

نعم تستحق إيطاليا وإسبانيا وأوروبا والولايات المتحدة أن تنعم بدفء الغاز الجزائري، أما المنسيون من الشعب فعليهم الصبر والانتظار إلى أن يصل إليهم الفتات، لأنهم ليسوا أكثر من عبء وعالة، لا همّ لهم إلا التباكي والشكوى والشغب، ولولا مخافة “الفضيحة” الخارجية وتأنيب ساركوزي وعتب هيلاري لتُركوا للصقيع أن يخنق أنفاسهم.

مراد شكري، عضو حركة رشاد
16 فبراير 2012

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version