Pluie.jpg

ونحن في فصل الشتاء تذكرت قوله عليه السلام في ما أثر عنه عندما يهطل المطر الغزير وخوفا من الهلاك يدعو و يقول: “اللهم حوالينا و لا علينا، اللهم على الآكام والظِراب وبطون الأودية ومنابت الشجر” (متفق عليه) وبما أن نزول البركات وأمطار التغيير السياسي قد حلَّت ضيفا على جارتنا تونس الخضراء فطهّرت الأرض من دنس المستبدين، فما عسانا إلا أن ندعو: اللهم لا حوالينا بل علينا، علينا لأنّ المستبدين قد طغوا علينا… وأكثروا في الأرض فسادا وأهلكوا الحرث والنسل، علينا لأنّ الأفواه قد كُمِمت والبطون قد جُوّعت، والعقول قد هُجِّرت، وأصحاب المروءة قد سُجنت، فلِمَ لا تكون عدوى انتفاضة الشعوب مطلبا مُلحًّا لذوي الحقوق المسلوبة؟ لقد آن للشعوب العربية أن تنتفض بعد سباتها العميق، وأراها قد وعت الدرس فها هي تتحرك في قاهرة المعز بعد أن سَحقت أنف جلادها في قيروان عقبة، وتناست الأحقاد التي أريد لها أن تتسرب في جسم الأمة بعد الأحداث الكروية الأخيرة فها هي القاهرة تقوم لقيام تونس والجزائر في تلاحم شعبي دون معارك أم درمان الواهية أو موقعة ستاد القاهرة المشؤومة، إنَّ الحَراك الحقيقي ليس أبدا حَراكا كُرويا إنما هي يقظة الأمة المتلاحمة في معارك أرضية وتتخذ من الشوارع ملاعب لها يقودها أبطال شعبيين، ويسجل التاريخ أسماءهم في دفتره على الطريقة البوعزيزية.

إنَّ مقاتلي الصحراء الحقيقيين هم أولئك الذين وقفوا صفوفا كأسنان المُشط في وجوه قوات اللاأمن القامعة في الساحات العربية، لا الذين سلبوا أموال الأمة من أجل كرة يتقاذفونها هنا وهناك، وأحقاد يزرعونها في كل ملعب حلّوا فيه، حتى انتهكت المقدسات وديس بالأقدام على الرايات، واستُبيحت الأعراض وتَكلم كل ناعق وركب الموجة من لا أخلاق لهم، واستُدعيت المحطات التاريخية بحلوها ومُرِّها ،كل هذا والمستبد يجلس فوق الجميع يتفرج على التراهات ويصب الزيت على النارِ فيكرم هذا ويتحدث ذاك عن السيادة الوطنية ويغدق أصحاب النوادي الرياضية بالملايير، فما بالها الجماهير اليوم تنتفض على سيدها؟ وأين هي تلك الشعارات البرّاقة أن الجيش والشعب معك يا زعيم! إنَّ زمن الديناصورات ولَّى بلا رجعة، وأنَّ نسبة 99 بالمائة لم تعد فكرة تنطلي على الحركات السياسية فضلاً على عوام الأمة، وأنّ فكرة الجمهوريات الملكية لم تعد تستسيغها الأمة العربية.

“معاك يا الخضرة ديري حالة”، شعارٌ رفعته الجزائر لأزيد من سنة كاملة (ويقصدون به الفريق الوطني الجزائري الذي يرتدي الحُلة الخضراء) ودندنت القنوات ترانيمه ليل نهار حتى غدا تسبيحا على كل لسان، وأصبح هذا الشعار يُردد على كل فاه تنويما  لذوي الهمم، حتى انتفضت تونس الخضراء و(دارت حالة) حقًّا وانتصرت في معركة تونس انتصارا باهرًا رغم خسارة فريقها الذي بدا ضعيفا ولم يلتحق بكأس العالم لكنه التحق بركب بالأحرار يقتفي آثارهم وينسج على منوالهم ويتربع على مِنصةِ المُغيرين الشرفاء، إنَّ شحذ هِمم الشبابِ لا يكون على حِساب حُرِيتهم الضائِعة ومستقبلهم الضائع، لقد أنفقت أموال الأمة في ما لا طائل وراءه، وذهبت الجهود أدراج الرياح في بلاد تضرب الأمية فيها أطنابها وتنتشر فيها بلاد الصفيح هنا وهناك، لقد آن للشباب وهم قلب الأمة النابض أن يكسروا الأغلال التي في أيديهم، وينفضوا غبار النوم عن وجوههم، ويهُبَّوا في وجوه جلاديهم، الذين أبوا أن ينهضوا من فوق رقابهم “ما أريكم إلا ما أرى  وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”، هكذا وبهذه الجرأة يتحدى الطاغية أتباعه، يسومهم سوء العذاب تحت مرأى ومسمع الجميع، فتراه يطِّبعُ مع العدو المحتلّ وترى الآخر يغلق الحدود في وجه جيرانه بحجج واهية خيوطها كبيت العنكبوت، لا لشيء إلا حاجة في نفس يعقوب، سيسجل التاريخ أسماء المستبدين بأحرف الخزي والعَار في كِتابهِ الذي تتلوهُ الأجيالُ اللاحِقة… ويبقى ذكرُهم وصمة عار تلاحقهم في الدنيا والآخرة، بعد أن أخرجت وثيقة بحث الأنتربول (الشرطة الدولية) تطلب إلقاء القبض عليهم أينما تواجدوا، حقا وكأننا نحلم اليوم، من كان يتصوّر أنّ الوضع التونسي سيؤول إلى الوضع الذي هو عليه اليوم؟ لكنه استبسال الشباب المضربين والثبات على مطالبهم، واستمرارية المطالبة الذكية التي لم تحمل سلاحا حتى لا تتّهم باليافطة الجاهزة “الإرهاب”، وصرخات الأحرار التي كانت تنبعث من حناجر المقهورين، أملنا كبير في احترافية المضربين التي أبانت جاهزية عظمى للتغيير، جعلت العالم مذهول لصنائعهم المشكورة، نأمل أن تكتمل فرحتهم، وألا يسرق انتصارهم بقايا النظام البائد، وأن تعمّ العدوى الأقطار العربية، حتى يفرّ الحاكم من الشعوب فراره من أسد، عندها سينجلي صبح الحرية للبعيد والقريب… أليس الصبح بقريب؟

مراد شكري
30 يناير 2011

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    la pauvrete
    تقدم أيها العربي شوطا نحو الحرية فإن أمامك العيش الرغيدا
    تحي الحرية و يسقط الأستبداد، القهر و الفقر و الفساد
    القهر و الفساد و الفقر
    القهر و الفساد و الفقر
    القهر و الفساد و الفقر
    يسقد هذا الثلاثي القاتل للحياة
    و المدمر للأوطان، و المدمر لمستقبل الشباب،
    القهر، الفساد، الفقر

Exit mobile version