Egypt.jpg

ما لفت انتباهي خلال تتبّعي للأحداث الجارية هذه الأيام، التي تعتبر من المنعرجات التاريخية في منحى التغيير المعاصر، ظهور أصوات تحت عباءات دينية وأخرى علمانية، تُلوي أعناق النصوص لياً لتتوافق مع أغراضها الدنيئة وتنصّب نفسها محاميا لوليّ أمر اتضح جبروته وظلمه لشعبه. إنّ هذه الأصوات تدعو الشعوب إلى التلاحم وعدم التهوّر وإغراق البلاد في حمامات الدماء ونهب الثروات العامة نتيجة الانفلات الأمني، وهي من باب كلمة حق أريد بها باطل. صحيح أنّ مصر خسرت في كل يوم من أيام الثورة 20 مليار جنيه مصري، لكن ثروة مبارك حسب صحيفة “ذي جارديان” البريطانية ما بين 40 و 70 مليار دولار، ليتصدّر لائحة أغنى أغنياء العالم، ويتقدّم على المكسيكي كارلوس والأمريكي بيل غيتس اللذين تصل ثروتهما إلى 54 و 53 مليار دولار على التوالي. صحيح كذلك أنّ بعض المرافق الحيوية قد تعطّلت لبعض الوقت، لكن ما يضيرنا إن تعطّلت مصالحنا بعض الوقت لنكسب كل الوقت…

إنّ الأمية قد ضربت أطنابها بما يقارب 27,04% من الشعب المصري، والأمي عندنا من لا يحسن القراءة والكتابة، في الوقت الذي تقيس الأمم المتقدّمة الأمية بمعيار آخرا وهو عدم استعمال الحاسوب والفارق بعيد!

أما عن البطالة فقد صرّح تقرير رسمي أنّ نسبتها بلغت في الفئة العمرية من 20 إلى 24 سنة 51.1%، تليها الفئة العمرية 25 إلى 29 سنة بنسبة 22% ثم الفئة العمرية من 15 إلى 19 سنة 18.4%،كما أظهر البحث الذي أجراه الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء أنّ أعلى معدل للبطالة سجّل للخريجين من حملة المؤهلات المتوسطة بنسبة 55%.

وعن العُنوسة حدّث ولا حرج، فحسب الإحصائيات الرسمية يوجد في مصر 13 مليون شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 سنة لم يتزوّجوا بعد.

كل هذا الدمار الحاصل ناهيك عن قمع الصوت الحُر، حتى أصبح المواطن لا يفتح فاه إلا عند طبيب الأسنان، والزج بالأحرار في غياهب السجون، والعمالة الواضحة للعدو الصهيوني، وتجويع إخواننا في غزة، وإمداد المستدمر اليهودي بالغاز الطبيعي، كل هذا ويطلع علينا بلا حياء من يعطينا درسا في الوطنية، ويلزمنا أن نتعقّل وأن نتكاتف ونحاور أولياء الأمور.

إنّ الحوار لا يكون إلا مع من خولناه أن يحكمنا، وارتضيناه لنا حاكما، أما وقد سامونا سوء العذاب وأكثروا في الأرض الفساد، فلا نسلّط عليهم إلا سوط عذاب وإنّ ربك لبالمرصاد…

إنَّ الشعوب لا تخسر دينارا ولا درهما في هذه الثورة، بالعكس فإنها تحفظ ثروتها بثورتها، وتحفظ ماء وجهها عند ذهاب ماء وجه حاكمها الذي لا يخجل ويطلع على الشاشات ليُثبّت نفسه على العرش بلا حياء ولا استحياء، والكل يصرخ بكل ما أوتي من حبال صوتية أن ارحل، يا أخي ارحل! بأيّ لغة يتوجّب على هذه الشعوب أن تخاطب مستبدّيها؟ إنّ الدكتاتوريات من المحيط إلى الخليج لا تفهم إلا لغة القمع والضرب بيد من حديد، لأجل هذا نراها قد عجزت مع من لم يحمل في وجهها رشاشا ولا مدفعا، الأمر الذي يدعها تجنح إلى اللغة التي تربت عليها، فتراها تمارسها حتى مع من يصرّح أنه لا يمارس أيّ شكل من أشكال العنف.

إنّ شباب الفايسبوك أو أبطال الكيبورد (كما يحلو لي أن أسميهم في أحاديثي اليومية) نهجوا منهجا مُغايرا تماما لا يُحسنه أتباع فرعون وزبانيته، وقد أبدعوا في ذلك الأمر الذي جعل زبانية فرعون يتأبّطون شراً، ويركبوا ظهور بغالهم وحميرهم وجمالهم كما حدث في موقعة الجمل الأخيرة، ويشقّوا صفوف أبطال الكيبورد بأسماء مستعارة، فتهاووا على الأرض تركلهم الأرجل وتلطمهم الأيادي التي تفكّ أعتى البرامج المشفرة والتحصينات الأمنية لأقوى المواقع الإلكترونية.. إنّ الذين ركبوا ظهور الجمال ليس لديهم موقع بريدي واحد على الأرجح! و إلا لما امتطوا ظهور من يتحمّل المشاق في الفيافي والصحاري والآفاق… نعم لمثل هؤلاء تُقشر العِصي، ليُلقَنوا درسا بليغا في مساندة من قال لا أحكمكم إلا بما أرى، وإن طالبتم بالرحيل فارحلوا أنتم إني وأتباعي هاهنا قاعدون.. هاهنا قامعون.. هاهنا قابعون.. فلا نحن نرحل وأنتم دوما ً تحزنون!

يُذكرني هذا المقام بمن قال كلمة حق عند سلطان جائر التابعي سعيد بن جُبير لما أنكر على الحجاج صنيعه فبم احتج الحجاج وهو من هو في سفكه للدماء وضرب مكة بالمنجنيق لما تحصّن فيها من خرج عليه، لقد صرّح بقوله: ألم أفتح بلاد السند؟ ألم.. ألم..؟ فبِما أجابه سعيد بن جبير: ولكنك سفاك للدماء والله تعالى يقول: “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”.

لقد عمد الحكام على ترويض شعوبهم لعقود طويلة وقد آن للشعوب أن تنتفض على مستبديها وتركل مشؤومها وتطرد شينها وتقذف إلى الهاوية قاذفها والحبل على الجرار. إنّ أنفلونزا التغيير لم يجد الحكام لها دواء، والكل سيكتوي بنارِها وستلفعه نارُها. لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُ به، إلا الثورات أعيت من يداويها. ها هي الثورات التغييرية قد شرّقت وآن لها أن تغرب قليلا لتتنفس الشعوب كثيرا، فقد بلغ السيل الزُبى وفاض الكأس وتقصّم ظهر البعير بالقشة الثقيلة، نعم لن تخسر الشعوب شيئا رغم تهديد حكامها وها نحن اليوم يطلع علينا الابن الضال من سُمي بسيف الإسلام وهو يتلعثم وعلامات الدهشة ظاهرة على مُحياه فبدأ يُهدد ويتوعّد الأمة بلا حياء، و يخبرنا أنّ العم سام لن يقبل التغيير الشعبي بأيّ حال وأنّ الاستثمارات ستهرب إلى الخارج وأنّ الرغيف سيصبح مثل الذهب وأنّ سيف الحجاج علينا قد سُلَّ، وإن تعجب فاعجب لأبيه القائد الذي يحمل رتبة مجنون كيف يصف الثوار بأنهم مخمورون وحشاشون يتعاطون حبوب مهلوسة ووصفهم بأقذر الأوصاف الذي جلبها من قاموس النذالة وهو الذي لم يمدح شعبه إطلاقا بل ما فتئ يستهزئ بهم ويصفهم بأنهم لا يفهمون فكره الثوري، ثم ها هو يهذي أمام الملأ ولم يصدّق ما يحدث في بنغازي وصرّح بأنها عين أصابت المدينة وأنّ شبابها تحركهم أياد أجنبية، لكن رغم سكرتهم فإنهم يقودون دبابات عسكرية تجوب شوارع بنغازي ومصراته وغيرها من المدن الليبية! فإما القبول به كمجنون يعتلي سدة الحكم وإما الاحتكام إلى السلاح إلى آخر قطرة! يا له من غباء مفضوح على الهواء مباشرة.. إنه لم يترحّم على الذين سقطوا في ميدان الشرف، وكأنهم ليسوا أبناء الشعب، رخيصة ٌهي دماء المواطنين عندهم، إنّ مجنون ليبيا لا يتوانى عن ضرب شعبه بالنووي لو كان يملكه، لقد أصيب بداء العظمة الذي لا يُرجى شفاؤه وسيلجأ إلى خيار شمشوم في آخر المطاف (عليّ وعلى أعدائي).

تحتل ليبيا المرتبة 17 في العالم من ناحية كبر المساحة رغم أنّ عدد السكان لا يتجاوز7 ملايين نسمة ورغم الخيرات الطبيعية ترسو ليبيا على بقعةٍ كبيرة من النفط ولها ساحل بحري من 1955كلم وخيرات معدنية وخامية عظيمة لم تستخرج أو تكتشف إلى حد الساعة، وترى مجنونها يغدق بالمال كل الثورات التحريرية في العالم، لكن حبل الثورة اشتد هذه المرة على عُنقه، وتراه يزداد اشتدادا لحين كتابة هذه الكلمات، ليلفظ أنفاسه من طرف شعب أبيّ أبى إلا أن يقذفه هو وزبانيته الظالمة، آن للشعب أن يقول كلمته ويكتشف قوته.. ولا بد من رحيل المجنون وزبانيته.. سيلفظهم الشعب إلى مزبلة التاريخ لأنهم لم يدرسوا سُنن التاريخ ولو قلّبوا صفحاته لعلموا أنّ للظالم صولة وللشعوب صولات وأنَّ الظلم إلى الزوال مصيره، وستبقى أسماؤهم وصمة عار على جبينهم إلى يوم يُبعثون يوم لا ينفع لا سوط ولا سلطة ولا كتاب أخضر أو أحمر ولا حركات بهلوانية. إنَّ الذي يترفّع عن الشعوب وينظر للآخرين نظرات دونية تركله الأرجل وتلعنه الألسن، وسيضحك كثيرًا من يضحك أخيرًا… 

مراد شكري، عضو حركة رشاد
23 فبراير 2011

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version