خرجت المواجهة إلى العلن، بين سوريا وحلفائها، ودويلات الأعراب ومن يحرّكها كأمريكا والغرب وإسرائيل، وبات الحديث شبه مؤكد عن أن البحر الأبيض المتوسط سيتحول إلى ساحة مواجهة لا مثيل لها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد تحريك كلّ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لبوارجهما وحاملات طائراتها إلى المنطقة، وتأكيد الجانب الروسي على تزويده لسوريا بأحدث منظومة للدفاع الجوي، بما فيها صواريخ “أس 300” المُرعبة، وصواريخ ياخونت القادرة على تدمير البوارج الحربية وحاملات الطائرات.

دخول أكبر قوّتين عسكريتين في العالم على خطّ المواجهة في سوريا، إنما يُبرز أن الصراع القائم في المنطقة لا يمكن اختزاله في حماية المدنيين كما يدّعي الغرب وأمريكا وحلفاؤهما من الأعراب، ولا في حماية النظام السوري كما تروّج له بعض الجهات المُعادية لسوريا، وإنّما يكشف بأنّ العالم قد تغيّر، وأنّ مرحلة انحصار القوة الروسية بعد انهيار الإتحاد السوفييتي قد ولّى، وأكثر من ذلك، يؤكّد هذا الصراع، بأنّ أمريكا والغرب، وفي ظلّ حالة الإفلاس الاقتصادي والمالي التي يعيشانها حاليا، وصلا إلى قناعة وحيدة، بإمكانها إخراجهما من نفق الإفلاس، وهي ضرورة العودة إلى النظام العالمي السابق، الذي مكّن الغرب من استعمار دول العالم الثالث، ونهب ثرواتها وخيراتها، وهو السيناريو الذي نعيشه اليوم وبأشكال متعدّدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وغيرها، لأنه بدون التحكم في ثروات العالم الثالث، وفي أقرب وقت، ستنهار أمريكا ومعها العديد من بلدان أوروبا، وهذا ما سيفسح المجال، لاستخلافها من قبل القوى الصاعدة أو التي استفاقت من غفوتها، كروسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا…

وبالتالي، فإنّ الغرب وأمريكا، يقومون حاليا بأخطر مغامرة، بل وأكبر مُقامرة، للحفاظ على الهيمنة على العالم والتي استمرت لعقود من الزمن، لأنه لا خيار لهذه الدول سوى لعب ما تبقّى لها من أوراق، وهي بالفعل تقوم بذلك، لكنّها ولأوّل مرّة تذهب إلى ساحة المواجهة وهي في أبشع حالات الهون والضعف، الأمر الذي يُنبئ بفشلها لا محالة، عكس روسيا، التي تمكّنت اليوم، من اللعب براحة كبيرة، لأن منطقة اللعب الحالية قريبة منها، وتُسيطر عليها دول موالية لها ويُحسب لها ألف حساب، ونعني بها إيران القادرة على ضرب العديد من العواصم الغربية، وغلق مضيق هرمز، وسوريا التي بإمكانها توجيه ضربات موجعة لإسرائيل، بل وغلق هوامش التحرّك في كامل المنطقة، بمعنى فصل الشرق الأوسط عن أوروبا، ومن ثمّة تكون روسيا قد نجحت في قلب المُعادلة التي كانت ترمي إلى غلق البحر الأبيض المتوسط في وجهها، وبالنظر إلى حجم هذا الصراع، وما يُمكن أن تترتّب عنه من كوارث للعالم ككلّ، فلا يمكن أن نصل إلا إلى قراءة وحيدة، وهي أنّ كلا القطبين، يُحاول ممارسة أكبر ضغط ممكن، للوصول إلى تسوية تحفظ مصالحه لا غير، فمن المستحيل اليوم، أن تُغامر أمريكا بالدخول في مواجهة مسلّحة مع روسيا وإيران وسوريا وحتى حزب الله، لأنها وبالكاد نجحت في الهروب من المستنقع العراقي، وتستعد للهروب من المستنقع الأفغاني كذلك، وحالتها المادية لن تُمكّنها من الصمود كثيرا أمام روسيا وحلفائها، فيكفي أن نشير إلى أن أمريكا خسرت 4 تريليونات من الدولارات في العراق لوحده، وهي مدينة بأكثر من 14 تريليون دولار، في حين أنّ روسيا والصين باتتا تمتلكان اليوم أكبر ثروة في العالم.

وبذلك فإنّ الطريق الوحيد الذي ستسلكه أمريكا وحلفاؤها في الصراع السوري، سيكون طريق المفاوضات، لأنه حتى في مجلس الأمن، باتت أمريكا تعلم أنّ روسيا والصين قد تحالفتا من خلال الفيتو المزدوج في القضية السورية، وبالتالي لا يمكنها التعويل عليه، وفي خضمّ كلّ هذا الصراع الذي يتمّ فوق أرض عربية، وبسببها، نرى أن جامعة الدول العربية، ارتضت لنفسها أن تلعب دور البيدق للأمريكيين والغرب، ولم تنتبه دُولها إلى أن الصراع الحالي هو صراع استراتيجي سيغيّر كلّ قواعد اللعب، بل وبات يتهدّد الأمن القومي العربي ككل، خاصة بعد تنامي نفوذ قطر، على حساب الدور التقليدي الذي كانت تلعبه المملكة العربية السعودية، والتي نجحت في أوقات عدّة في خلق توازنات عدة في المنطقة العربية، وحالت دون نشوب صراعات وحروب بين بعض الدول العربية. الأمر الذي يستدعي بنظري عودة الدور السعودي إلى الطليعة قبل فوات الأوان، لأنّ السياسة التي تُمارسها دولة قطر وأمراؤها، هي سياسة مُراهقة بأتمّ ما للكلمة من معنى، تبتغي الظهور والبروز بحجم أكبر منها، ولو كلّفها ذلك تدمير العديد من البلدان العربية، وبرأيي أنه لو استمرّ الحال على ما هو عليه، فإنّ الخاسر الأكبر في معادلة الصراع الجديدة، سيكون وبلا أدنى شكّ، الدول العربية التي تحاملت على سوريا، وتوهّمت بأنها قادرة على الإطاحة بنظامها كما أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي، في حين ستخرج سوريا وحلفاؤها من الصراع أكثر قوة من ذي قبل، ولا أظنّ في هذه الحالة أنّ سوريا ستنسى من حاول تدميرها والتنكيل بشعبها، وفي كلّ الحالات، فإنّ أكبر خاسر على الإطلاق، سيكون هو تركيا، التي لفظها الغرب في السابق، وفتحت لها سوريا ممرّات عديدة إلى العالم العربي، مكّنتها من تطوير اقتصادها، وتحقيق قفزات تنموية كبيرة، قفزات ستكون بعد حسم المواجهة، نحو الهاوية لا غير.

جمال الدين حبيبي
2 نوفمبر 2011

تعليق واحد

  1. Abdelkader Dehbi بتاريخ

    RE: سوريا أكبر ساحة للمواجهة بين القوى العظمى في غياب العرب
    [rtl] “”ولا أظنّ في هذه الحالة أنّ سوريا ستنسى من حاول تدميرها والتنكيل بشعبها””… من المؤسف جدٌا أن ينتهي تحليل معقول إلي حدٌ ما، إلي خلاصة واهية.
    بربك يا هذا، من الذي يدمٌر سوريا منذ شهور وينكل يشعبها ؟[/rtl]

Exit mobile version