بدأت التحذيرات التي أطلقتها عبر مقالاتي التي نشرتها منذ اندلاع الأزمة بليبيا، تتجسد في المنطقة بشكل جلي، بل وتُدعّمها تصريحات كبار القادة العسكريين الأمريكيين، وحتى رئيس جمهورية تشاد إدريس دبي، فقد حذّرت وبشدة من أن العدوان الاستعماري الصليبي على ليبيا، سيؤثر على كامل دول المنطقة، وشمال إفريقيا، بل وقد يصل إلى تهديد الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، والعالم ككل، وقلت بأن هذا ما سيجبر أمريكا والغرب على مراجعة الحسابات، وتغيير التكتيكات لا محالة.

وفي المقام نفسه نبّهت إخواننا في المُقاومة بلبنان، بأن التحرش بليبيا وسوريا يستهدفهم بالدرجة الأولى، وهو ما تضمنه مقالي المنشور يوم 25 مارس 2011، عبر العديد من المواقع الإلكترونية تحت عنوان، ” من تونس إلى مصر مرورا بليبيا فاليمن وسوريا والأردن فلبنان والجزائر،

أي تغيير تُريده قوى الاستعمار الجديد للشعوب العربية؟”، حيث قلت بالحرف الواحد ” كما أنبه هنا كذلك كل قوى المقاومة وبالأخص في لبنان، بأن حجم المؤامرة الجديدة، سيلتهم الجميع، فحقيقة أن هنالك حسابات بين المقاومة والقائد معمر القذافي، لكن هذا لا يُجيز لها أن تسمح بنحر الشعب الليبي ككل للانتقام لواقعة مضت عليها السنين، لأن هذه المُقاومة التي باتت تستعمل مصطلح “قوات التحالف” عوض “قوات الاحتلال”، في خطاباتها وعبر فضائياتها، هي المستهدفة الأولى من التآمر على سوريا بالدرجة الأولى.”

كانت هذه بعض التحذيرات التي أطلقتها في حينها، وأشرت بشكل ضمني، إلى أن الضغط على الزعيم القذافي قد يدفع به إلى التحالف مع القاعدة، وجاء ذلك في مقال نشرته يوم 02 مارس 2011، تحت عنوان “مع صحوة ضمير نتانياهو القذافي يستعد لعناق القاعدة”، وبصراحة كنت على يقين بأن الزعيم القذافي، لم يكن يُهدّد الغرب بالقاعدة، بقدر ما كان يُحذّر من مخاطر ركوب القاعدة لموجة العنف التي ألمّت بليبيا.

والظاهر أن الولايات المتحدة الأمريكية، كانت قد أعدّت إستراتيجيتها، ليس فقط لتنفيذ العدوان على ليبيا، وإنما كذلك، لتوظيف ورقة تنظيم القاعدة بما يخدم مصالحها الحيوية، فنهار يوم الثلاثاء 29 مارس، خرج الأميرال جيمس ستافريدس القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا وقائد القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية، ليُصرح أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، “إن معلومات المخابرات الواردة من داخل المعارضة المسلحة التي تقاتل قوات الزعيم الليبي معمر القذافي أظهرت “دلائل” على وجود تنظيم القاعدة أو جماعة حزب الله، إلا انه لم تتضح بعد صورة تفصيلية للمعارضة الليبية الناشئة”، فهذا التصريح وبرغم أنه مقتضب وقصير، إلا أنه يُؤسس لإستراتيجية براغماتية أمريكية، لن تسمح حتى للمتمرّدين الليبيين، في حال وصولهم إلى الاستيلاء على السُّلطة في ليبيا، بأخذ المسار الذي يُريدونه، لأن أمريكا أعدّت ملصقات جاهزة لاتهام أيّ كان منهم بأنه ينتمي لتنظيم القاعدة، وبذلك تضمن أمريكا ولاء وعمالة من تُسمّيهم اليوم ب “الثُّوار”، وسأسمح لنفسي أن أذهب أبعد من ذلك، بالقول إن أمريكا تسعى اليوم وبذكاء مكيافيلي، إلى توريط الغرب المُتحالف معها، وتوريط منطقة شمال إفريقيا ككل، في مستنقع أمني أكثر خطورة وفداحة من المُستنقع الأفغاني، باستعمال ورقة “القاعدة”، بالشكل الذي يضمن دوام حالة اللاأمن في هذه المنطقة البعيدة عنها جغرافيا، ويُنعش بالتالي صناعتها الحربية، لأن الاقتصاد الأمريكي المُنهار حاليا، كان يرتكز على الدّوام في انتعاشه بإنعاش واختلاق الحروب في العالم، فالاقتصاد الأمريكي هو اقتصاد حرب بامتياز، وبالنظر إلى توسيع رُقعة التحالف في العدوان الصليبي الاستعماري الجديد، والذي اشترطت أمريكا مُسبقا اقتسام أعبائه بين دُول التحالف، فلا أظن أن أمريكا ستترك فرصة العُمر هذه تفلُت من بين يديها، بتقصير عُمر الأزمة الليبية، وهذا ما انساقت إليه الدُّول الأوروبية المُشاركة في العُدوان على ليبيا، والدُّول الخليجية النفطية، التي ستجد نفسها مجبرة على تمويل ليس فقط العُدوان على ليبيا، وإنّما الحرب الجديدة على القاعدة في المنطقة ككل، وهي الحرب التي لمّح لبعض ملامحها الرئيس التشادي إدريس دبي، في حواره مع مجلة “جون أفريك” بقوله: ”مقاتلو القاعدة استغلوا نهب مخازن الأسلحة في مناطق التمرد للتزود بأسلحة، بما فيها صواريخ أرض – جو، نقلت لاحقا إلى معاقلهم في تينيري، صحراء التشاد”. وأضاف أنه ”من الخطير جدا أن تنظيم القاعدة يكاد يتحول إلى جيش حقيقي من أفضل الجيوش تجهيزا في المنطقة”، مضيفا أنه ”متأكد 100 بالمائة من معلوماته”. فكلام من هذا القبيل، يعني أن الملاحة الجوية أصبحت في خطر، بعدما حوّل الصوماليون الملاحة البحرية إلى مُجازفة حقيقية، لا تنتهي في غالب الأحيان إلا بدفع الفديات، فرفع الخطر عن الملاحة الجوية لن يقتضي دفع الفدية، وإنما توفير تواجد دائم وكبير لسلاح الجو الأمريكي في منطقة البحر الأبيض المُتوسط ودول الساحل الإفريقي، وهذا ما سيرفع من فاتورة الأعباء المالية على الدّول الخليجية التي طالبتها أمريكا عند اندلاع الأزمة المالية العالمية، بمُضاعفة الاستهلاك لإنعاش الاقتصاد العالمي، وهي اليوم ستدفع أكثر ممّا طُلب منها، ليس لشراء المواد الغذائية والمُعدّات، بل لضمان أمنها وسلامتها لا غير، وأعود في هذا الصدد إلى ما سبق أن نبهت منه بخصوص انعكاسات العدوان الصليبي الجديد على ليبيا، على المقاومة اللبنانية، فكلام الأميرال الأمريكي جيمس ستافريدس، أشار بوضوح إلى احتمال تورط عناصر من حزب الله إلى جانب المُتمرّدين في ليبيا، وتصريح كهذا، أدلى به الأميرال أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، يجب أخذه بجدية كبيرة للغاية، لأنه سيُستعمل في أي وقت لإضافة ملف جديد للمُقاومة اللبنانية، التي لم تتخلّص بعد من تبعات اتهامها في قضية اغتيال رفيق الحريري، وأكثر من ذلك سيُهيئ الأرضية المُناسبة لربط علاقة بين حزب الله والقاعدة، وهو ما لم ينتبه له حزب الله، وحركة أمل، اللذان غيّبا العقل في التعامل مع الأزمة الليبية، وانساقا بغباء كبير وراء الرغبة الجامحة في الانتقام من القذافي الذي يتهمه أهلنا الشيعة، بالوقوف وراء اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا، وهذا التعامل مع الأزمة الليبية من قبل حزب الله وقنواته الإعلامية، وللأسف الشديد، تعكس مدى غياب الرّؤية الإستراتيجية لدى العرب والمسلمين كافة، فهم ينساقون دوما وراء عواطفهم وهذا ما يستغله الطرف الآخر المتربص بهم، وأتمنى أن ينتبه الجميع لذلك، لأن الاستهداف باسم “ثورة الربيع”، يبتغي تحطيم مُقوّمات السيادة في كل الدول العربية المُمانعة، وهذا ما يمكننا أن نستشفه في تركيز بعض القنوات العميلة كالعربية والجزيرة وأخواتهما، على تضخيم الأحداث في هذه الدول، وسكوتها عن مثيلاتها في الدُّول والدُّويلات المُقاولة للمخطط الصهيو أمريكي، والتي باتت تُدعم الحروب الصليبية على البلدان العربية والإسلامية، ظنّا منها أنها بمنأى عن خطر الاجتياح الصليبي.

جمال الدين حبيبي
29 مارس 2011

تعليق واحد

  1. Abdelkader DEHBI بتاريخ

    “”وإن تعجب فعجب قولهم….””
    نسأل الله عز وجلٌ لأمتنا المنتفضة ضدٌ حكامها اللصوص، القتلة، الخونة – من أمثال المجرم القدافي وغيره – المزيد من هذا النوع من “الغباء” – كما يصفه صاحب المقال – الذي مكٌن حزب الله من إلحاق أفظع الهزائم بالكيان الصهيوني، أثناء حرب تموز 2006 على لينا…. كما نسأله، تعالى جده، أن يٌلهم أيضا، بعض المحللين السياسيين، التحلٌي بالموضوعية … والتواضع … آمـــيـــن !!

Exit mobile version