أكاد أجزم اليوم وأنا أتابع ما تبثه بعض الفضائيات وعلى رأسها قناة الجزيرة، أنّ السيناريو نفسه الذي اعتمد في التحضير لغزو العراق، يكاد يتكرّر، مع بعض المُحسّنات والروتوشات، في ليبيا، فكلّما فتحتُ هذه القنوات، أُصاب بالرعب لهول ما تُصنّعه وتبثّه من مشاهد، تصبّ كلّها في اتجاه التأثير على خانة “اللاشعور” عند المُتلقّي العادي، الذي لا يعرف شيئا عن تقنيات المؤثرات من صور وأصوات، في مجال الاتصال، والذي يُمثّل لقمة صائغة، للمخابر الجهنمية الأمريكية والصهيونية التي برعت في تحضير وصفة “الفوضى الخلاقة”.

 

اليوم قرّرت أن أكون مباشرا في خطابي، لأنّ ما يحدث وما يُحاك من مؤامرات على ليبيا وبلدان الشمال الإفريقي بالخصوص، وبلدان العالم العربي والإسلامي بشكل عام، يُجبرني على اتخاذ موقف صريح، ليس للدفاع عن أيّ أحد، وإنما للدفاع عن وجودنا وكرامتنا وسيادتنا كعرب ومسلمين قبل كل شيء، فمنذ مدّة وأنا أتابع ما تيسّر بثه من قِبل الفضائيات التي تُقاول للمخابر التي أنتجت “الفوضى الخلاقة” عندنا، حول المظاهرات التي شهدها وما يزال يشهدها العراق المُحتل، ورأيت كيف أنّ القنوات الفضائية المأجورة، تمرّ مرور الكرام على ما يجري في العراق، بل وتُحاول تقزيم مطالب الثوّار العراقيين، في تحسين ظروفهم المعيشية، وتحسين تزويدهم بالكهرباء، علما هنا وهذا هو بيت القصيد، أنّ الغزو الأمريكي للعراق، تمّ التأسيس له على أن مسعاه هو إقامة الديمقراطية في هذا البلد، وتحسين معيشة أهله، لكن الذي حدث هو أنّ أهل العراق، باتوا يواجَهون اليوم بالرصاص والقمع، عند خروجهم في مظاهرات سلمية، وهذا ما يتطلّب من كلّ عاقل أن يقف عنده مليا، ويتساءل، كيف أنّ أمريكا نجحت في غزو هذا البلد، وفشلت وبعد مرور عدة سنوات في إقامة الديمقراطية، وتحسين أوضاع العراقيين المعيشية؟ أظن أنني سوف لن أكون مجبرا على تقديم الإجابة، لأنّ الجميع يعرف حجم مأساة العراقيين اليوم، فقد أعادهم الاحتلال إلى عصر القبلية، والمرجعيات الدينية، وغيرها من الممارسات التي كاد نظام الرئيس الراحل صدام حسين أن يُقبرها وإلى الأبد.

واليوم في ليبيا، نعيش ملامح هذه المؤامرة، فشخصيا أرى أنّ الشعب الليبي الذي تجاوز، ولعقود من الزمن، النعرات والصراعات القبلية، يُراد له اليوم أن يعود إليها، من خلال تركيز أدوات مخابر الفوضى الخلاقة، من أمثال الجزيرة وأخواتها، على الأخبار والإشاعات التي تقول بتأييد هذه القبيلة أو تلك للنظام الليبي أو لمعارضيه، فالحديث عن دور القبائل في ليبيا كان سابقا للحديث عنه في العراق، وهذا ما يُنبئ بأنّ المؤامرة التي تمّ إعدادها لليبيا أخطر من تلك التي ذهب العراق ضحية لها، وما دمت كجزائري قبل كل شيء، أعرف أن هنالك نقاط تقاطع كبيرة ومتعددة بين الشعبين الجزائري والليبي، دونما أن أتحدّث عن نقاط التقاطع بين الليبيين والتونسيين، والليبيين والمصريين، يمكنني أن أجزم، بأنّ مخابر الفوضى الخلاقة، لا تستهدف ليبيا لوحدها، بل إنها تستهدف بالدرجة الأولى، كلا من الثورتين المصرية والتونسية بدرجة أقل، والشعبين الليبي والجزائري بدرجة أعلى، فمن جهة، فإن إذكاء النّعرات القبلية، سوف ينعكس على مستقبل ما سُمّي بالثورتين المصرية والتونسية، اللتين لم تتمكّنا ليومنا هذا من تحديد معالم وملامح ما يجب أن تكون عليه الدّولتان المصرية والتونسية مستقبلا، وبحسب ما سمعته من تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فهو مرتاح لما سمّاه بالثورات في المنطقة والتي تخدم مصالح أمريكا وإسرائيل، وما دام أقرّ بذلك، فلا أظن أنّ مصر وتونس سوف تخرجان عن هذه القاعدة.

لكن فيما يتعلّق بليبيا، فإنّ مخابر “الفوضى الخلاقة”، تريد من خلال إثارة الفتنة فيها، ليس فقط ضمان ولائها للشيطان الأمريكي والصهيوني، وإنما تريد من خلال مخططاتها الجهنمية، إقامة جدار عازل، بين شمال إفريقيا وجنوبها، فقد روّجت أدوات وأبواق هذه المخابر اللعينة، بأنّ النظام الليبي استعان بـ “مرتزقة أفارقة” لمجابهة معارضيه، وفي حال “لا قدّر الله” وصل المعارضون الليبيون، الذين تمّ تكوينهم على شاكلة المعارضين العراقيين، في الصالونات الأمريكية والغربية، وبتمويل منهما، فلا أستبعد على الإطلاق، أن تقوم هذه “المعارضة المرتزقة”، بمنع كل من يقدم إلى ليبيا من ذوي البشرة السوداء، من دخول أراضيها، وفي حال امتداد مخطط المؤامرة إلى الجزائر والمغرب، تكون أمريكا وأوروبا قد نجحتا في إقامة جدار عزل متقدّم، لصدّ موجات نزوح ملايين الأفارقة الهاربين من الفقر والجوع، وهذا برأيي ما شجّع الدول الغربية بالأساس، على الانضمام بل والانخراط في مرامي وأهداف “مخابر الفوضى الخلاقة الأمريكية والصهيونية”، ما دامت تخدم استراتيجياتها المناهضة لشعوب الجنوب، والتي بدأت منذ سنين تثور على القوى الاستعمارية التي نهبت ثرواتها وزجّت بها في الحضيض بل وفي الكارثة.

اليوم أرى أنه ليس على ليبيا وحدها مواجهة هذه المؤامرة، بل على الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية، الوقوف في صفّ واحد لمواجهة هذا الشكل الاستعماري الجديد، الذي أتانا لابسا رداء الديمقراطية، هذه الديمقراطية التي تُريدنا أن ننسلخ من أصولنا القومية، ومن أمتنا الإسلامية، ونتحوّل إلى مجمعات قبلية، تسهل السيطرة عليها، وتوجيهها إلى الوجهة التي تُريدها لها المخابر الغربية، والأمريكو صهيونية، التي باتت تدفع ضعفاء النفوس إلى التباكي على ما صوّرته لنا، على أنه مجازر بحق الأبرياء في ليبيا، بالشكل الذي صوّرته لنا أثناء غزو العراق، وأفغانستان والصومال، وقبل تقسيم السودان، وقبل الانقلاب على تشاوسيسكو، الذي فبركت له مجازر بحق شعبه، ليتبين بعدها أنهم نجحوا ليس في تحويل رومانيا إلى الديمقراطية، بل إلى أكبر دولة فقيرة وعاهرة ومصدرة للعاهرات في أوروبا، لا أظن شخصيا أنّ هنالك أيّ ليبي، أو عربي يريد لبلده أن تتحوّل إلى عراق جديد أو رومانيا جديدة، أو غيرها من البلدان التي نجحت فيها مخططات ومؤامرات “مخابر الفوضى الخلاقة”، وبالمقابل، أقول، أنه بمقدورنا كعرب ومسلمين، أن نُطوّر أدوات الحكم عندنا بما يستجيب لطموحات شعوبنا، دونما حاجة لوصفات من استعمرونا لقرون، ووضعونا على سكّة التخلف والجهالة، وهم اليوم يريدون لنا أن نتحوّل إلى دول عاهرة، تُقاول لهم، ورجالاتها يرضون بتأجير أجساد نسائهم على الطريقة الرومانية.

جمال الدين حبيبي
5 مارس 2011

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    Génération de l’echec qu’a-t-elle à dire
    Salam aux lecteurs de Hoggar.
    Ce terme “Génération de l’echec” est un terme que j’ai entendu chez Farouk Al Baz qui parle de sa génération dont il constate à juste titre , n’a pas assumé ses résponsabilités et ses devoirs . Au contraire de celà, elle a retourné les pays nouvellement libérés aux prix du sang et de la souffrance dans l’emprise de la servitude coloniale. Dérnier témoin , le massacre de de Gaza qui s’est opéré au vu et au su du monde entier sans que personne ne bouge le petit doigt. Pire, on a vu et entendu les tetes grisailleuses de cette génération maudite apporter leur soutien aux criminels. Ya Habibi, si vous etes pris de vitesse par l’histoire vous pouvez vous consoler par autre chose que de parler de cette meme histoire qui se fait avec détérmination et courage par cette jeunesse que vous sous éstimez mais qui vous dépasse de loin. On a bien vu la clairevoyance de la jeunesse en Egypte face à la manoeuvre de dialogue vers laquelle toute la panoplie de viellards de l’opposition s’est ruée. Si ce n’etait la vigilance de cette jeunesse le voyou aurait raison de peuple avec la complicité de cette opposition de viellards d’esprit grabataire.

Exit mobile version