كيف تتوقع أن تتطور الأمور في الجزائر، وهل تعتقد أن الجزائريين سيكونون ضمن الملتحقين بالمربع الثوري الذهبي؟ سؤالان لا شك أن كثيرا من الجزائريين قد سمعاهما أو طرحاهما على بعضهم البعض والإجابات كانت طبعا متباينة. إجابتي أنا أنني متفائل أن الجزائر لن تتخلف عن الركب أبدا، لكني منذ يومين ازددت يقينا أن ذلك سيكون قريبا جدا أو لنقل (في أقرب الآجال)، والذي زرع في نفسي هذا اليقين هو التصريح الذي أدلى به معالي وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي لإذاعة فرنسية واستبعد فيه وصول العدوى التونسية والمصرية إلى الجزائر فقال إن الجزائر ليست تونس، الجزائر ليست مصر وزاد عليها من شدة حماسه أن (الجزائر ليست الجزائر)!

أعلم أن معالي الوزير لم يقل شيئا جديدا يبعث على التفاؤل واليقين بقرب دنو أجل النظام الغاصب في الجزائر، فقد سبقه إلى التأكيد على أن الجزائر ليست مصر وليست تونس مسؤولون ورسميون آخرون، فما الفرق في أن يقولها عبد العزيز بلخادم وزير الدولة والممثل الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو ميسوم صبيح سفير الجزائر في باريس أو لويزة حنون زعيمة حزب العمال (المعارض) والناطقة الجديدة والمقتدرة باسم الحكومة والنظام أجمع أو أن يقولها مراد مدلسي؟ انتابني هذا الشعور المتفائل وأنا أستمع إلى وزير الخارجية الجزائري يتكلم فقفزت إلى ذهني مباشرة صورة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط وهو يقول ويؤكد قبل أقل من شهر أن أي حديث عن احتمال انتقال شرارة الثورة التونسية إلى مصر هو (كلام فارغ)، هنالك قلت لعل الله أراد بالجزائريين خيرا فأنطق وزير خارجيتهم بمثل ذلك الكلام، مضيفا إليه أن تهديدات منظمي مسيرة يوم 12 شباط (فبراير) المجهضة بمعاودة الكرّة وجعل كل أيام السبت موعدا للتظاهر والاحتجاج ليس فيها ما يدعو إلى التحرج أو الخوف لأن أعداد المستجيبين لمثل هذه النداءات في تناقص.

غادر الحياء وجه وزير الخارجية ووجوه كثير من الذين قالوا وكتبوا عن إخفاق مسيرة يوم 12 شباط (فبراير) تماما مثلما قالوا إن مسيرة يوم 22 كانون الثاني (يناير) التي دعا إليها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية كانت فاشلة ولم تلق استجابة إلا من بضع عشرات. ماذا كان ينتظر هؤلاء من مسيرة منعتها السلطات وجندت لقمعها الآلاف من عناصر الشرطة المعلومة والمتسترة وصورها التلفزيون ووسائل الإعلام التي لا تستحي على أنها مسيرة عنصرية وفوضوية الهدف منها تخريب البلد ورزع البلبلة والدمار فيه؟ الشرطة حاصرت جميع مداخل العاصمة وأغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى ميدان انطلاق المسيرة التظاهرية الأولى والثانية، واقتيد العشرات من الذكور والإناث إلى مخافر البوليس وضُرب من ضرب وأهين من أهين بعضهم أمام أبنائهم وبناتهم، وبعد ذلك يخرج علينا من يقول إن المسيرة فشلت وإن الداعين إليها لم يكونوا يمثلون إلا أنفسهم! لا أدعي أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي لن يغفر له أحد مواقفه الداعمة للفتنة الأهلية التي عصفت بالبلد ولا تزال هو حزب جماهيري، كما أنني لست مخولا للقول إن جمعيات حقوق الإنسان والتنظيمات النقابية التي بادرت بتنظيم مسيرة يوم السبت الماضي تتمتع بشعبية واسعة في أوساط الجزائريين، لكن فلتكن في قلب السلطات ذرة من الشجاعة ولتترك هؤلاء ينظمون تظاهراتهم بحرية، ولا نطلب أن يسمح لهم باستغلال وسائل الإعلام العمومية لإبلاغ رأيهم، فقط اتركوهم يستعملون الوسائل المتاحة لهم ولا تقمعوهم وبعد ذلك قولوا ما أردتم، عندها قولوا إن هؤلاء لا يتمتعون بأية شعبية وان الجزائريين ملتفون حول قيادتهم الرشيدة وراضون بالذل المسلط عليهم، وقد أفلح التلفزيون في العثور على شاب قالها بصريح العبارة، قال إنه بطال ولا يملك سكنا يؤويه لكنه راض بحاله وانه يفضل ذلك على التظاهر من أجل عيش كريم، قال بالعامية الجزائرية (ما عندنا والو، بصّح رانا الحمد لله!)، لا أدرى هل نسأل له الله أن يزيده مما هو راض عنه أم نقول له خسئت أم نلتمس له العذر؟ فالنظام الجزائري استثمر كثيرا في إعماء بصائر الناس وتجهيلهم وزاد على ذلك طغيانا عندما صوّر كل من يتحرك من أجل رفع صوته ضد النظام خائنا وعميلا للخارج أو إرهابيا أو مناضلا من أجل العبث باستقرار البلد وأمنه وإعادته إلى عشرية الدمار والحرب الأهلية، وعندما يسمع إنسان جزائري متواضع الثقافة والوعي مثل هذا التخويف والترهيب لا يملك إلا أن يلعن كل من يسعى للتغيير وأن يعلن دعمه للنظام وهو يعلم علم اليقين أنه فاسد وأنه لا يريد الخير لا للوطن ولا لأبنائه.

هل سمع الجزائريون أحدا من منظمي مسيرات الاحتجاج يدعو الجماهير للمشاركة ويحثهم على أن يحملوا معهم العصي والسيوف وما خف من الأسلحة النارية والأحزمة الناسفة لتحويل شوارع العاصمة والمدن الأخرى إلى ميادين للحرب؟ هل قال منظمو مسيرات الاحتجاج إنهم يريدون أن تعم الفوضى في البلد؟ وهل في الدعوة إلى محاربة الفساد وإلى إعادة الكرامة للشعب الجزائري المهان إخلال بالنظام العام والأمن في البلد؟ وهل في المناداة بإلغاء الأحكام العرفية وقانون الطوارئ ووقف التلاعب بإرادة الشعب في اختيار من يريد لحكمه وتسيير شؤونه على كل المستويات وفتح الفضاء الإعلامي والسياسي للناس جميعا دون وصاية ولا إقصاء، هل في هذا دليل على العمالة للخارج والخيانة؟ كلام وزير الخارجية ومن سبقه إلى ذلك لم يأت في الحقيقة من فراغ، فالقوم مطمئنون إلى أنهم نجحوا في بث الفتنة والفرقة بين الجزائريين وهم الآن مرتاحون يراقبون الجزائريين يتقاتلون ويتنازعون في ما بينهم بينما هم ينعمون بالسكينة في صالوناتهم الفاخرة داخل المنطقة الخضراء. نعم الجزائر سبقت أهل بغداد والحاكم الأمريكي بول بريمر إلى تسييج منطقة ساحلية راقية غرب العاصمة جعلتها مأوى آمنا لأهل الحكم الراشد في البلد وكثير من أزلامهم ومنهم سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. منطقة لا يقربها بقايا الشعب وترصد لها ميزانية ضخمة حتى ينعم نزلاؤها بالراحة والاطمئنان وأتوقع أن تكون من أولى المناطق التي ستستعيدها الإرادة الشعبية إذا كتب للجزائر أن تصاب بعدوى الفيروس التونسي والمصري ذات يوم.

قد تبدو هذه التساؤلات سخيفة لكني سأطرحها لأن الذي سمعناه وقرأناه غداة مسيرة 12 شباط (فبراير) يدعو فعلا للحيرة والغيظ، لماذا ننكر على الجزائريين أن يطالبوا برحيل نظام يعلم القاصي والداني أنه نظام فاسد راش ومرتش؟ لماذا نتهم بالعمالة والخيانة جزائريين يدعون إلى وضع حد لنظام تلاعب لعقود وعقود بإرادة الشعب وحرمه على مر الأجيال من التمتع بحريته وممارسة حقه في اختيار حكامه ومنهاجه؟ لماذا نقف ضد جزائريين مستائين لما بلغته بلادهم من هوان وذل بين الأمم؟ لماذا ننتقد جزائريين أرادوا أن يحولوا وطنهم من قاتل لروح المبادرة وطارد للكفاءات ومطارد للمهمشين إلى بلد يحتضن جميع أهله ويجعلهم جميعا يستفيدون من خيراته وثرواته بدل جعلها حكرا على فئة قليلة من الناس؟ أي عاقل يصدق أن أما أو زوجة أو أختا فقدت ابنها أو رفيق عمرها أو شقيقها في المأساة الكبرى التي عصفت بالجزائر، من يصدق أن هذه المرأة أو تلك تحولت إلى عميلة خائنة لوطنها لمجرد أنها استمرت تكافح وتناضل لسنوات طويلة من أجل أن تعرف مصير حبيبها الذي فقدته ومن الذي فعل فيه ما فعل؟ عائلات المفقودين كانت ضمن الداعين إلى مسيرات الحرية والكرامة، ومع ذلك نرى من بلغت بهم الجرأة إلى تصنيفها ضمن قوائم الخونة ومثيري الشغب والفوضى. بأي حق ننكر على هذه الأم المفجوعة أو الزوجة أو البنت أو الأخت حقها في معرفة الحقيقة عما جرى لعزيزها ومحاسبة المسؤولين عن ذلك؟

أعتقد أن هناك على الأقل قارئا واحدا أو اثنين أو ثلاثة من غير الجزائريين يقرأون هذه السطور، لذلك أرى من حقهم علي أن أشرح لهم قليلا من الأسرار التي جعلت جزائريين يقفون أمام إخوتهم يتهمونهم بالعمالة والخيانة لمجرد أنهم طالبوا بحقهم كمواطنين في الحرية والكرامة. هي ليست أسرارا بمعنى الكلمة لأنها ظاهرة مستفحلة في غالبية البلدان العربية وقد برزوا بشكل واضح في مصر تحت تسمية البلطجية. نعم، للنظام الجزائري أيضا بلطجيته لكنهم ليسوا كحال تونس متمركزين في جهاز الحزب الدستوري والبوليس السياسي ولا كحال مصر موزعين بين الحزب الوطني الديمقراطي ومجموعات جنود الاحتياط المتشردين في الشوارع ينتظرون من يعطيهم بضع جنيهات ليرتكبوا الجرائم باسمه. الجزائر تتميز عن تونس ومصر بتوسع قاعدة بلطجية النظام الحاكم فيها، فهم ليسوا فقط في الحزب الحاكم وليسوا أيضا ضمن الموجودين على هامش الحياة، بلطجية الجزائر يوجدون في الأحزاب الحاكمة مجتمعة وموجودون أيضا في البرلمان بغرفتيه ويوجدون كذلك في مختلف الجمعيات والتنظيمات الخيرية والمهنية والنقابية المعتمدة، لأن هناك تنظيمات وأحزابا لا ترضى بالبلطجة فيكون مصيرها المنع من النشاط والحرمان من أي حق من الحقوق التي يكفلها دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. أرض الجزائر تخرج ذهبا رفع البلد إلى مصاف البلدان الغنية لكن هذه الثروات استولى عليها النظام وجعلها حكرا على أزلامه. عشرات الآلاف من الجزائريين باعوا ذممهم ورضوا بأن يكونوا عبيدا للحاكم يأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه مقابل تأمين شامل على حياتهم وحياة أولادهم. عشرات الآلاف من الرجال والنساء من المتعلمين والجاهلين لو سألتهم عن عملهم لأجابوا إنهم مناضلون، مناضلون في الأحزاب المنبطحة ومناضلون في نقابة العمال الرسمية ومناضلون في جمعيات الشباب والكشافة وجمعيات التشغيل ورعاية الشباب والطفولة واتحاد النساء وجمعيات مكافحة الإرهاب وأبناء الشهداء وأبناء المجاهدين وأحفادهم وغيرها، عشرات الآلاف من الناس يتداولون على مناصب الوزارة والبرلمان وجمعيات الصداقة والتعاون يقبضون مكافآت ورواتب خيالية من دون أن يكون لهم في الحياة وظيفة أو عمل منتج، ولينظر أي جزائري حوله ليرى هذا المسؤول أو ذاك النقابي أو ذلك الشيخ المناضل في اتحاد الشبيبة الذين يتمرغون في نعيم مقيم، وإذا سألت أحدهم عن المناصب التي تولاها في الوظيفة لقال لك إن وظيفته الأولى والأخيرة هي النضال في هذا الحزب أو ذاك أو في هذه الجمعية أو تلك. هل تنتظرون من هؤلاء وأمثالهم الذين تغدق عليهم البقرة الحلوب من خيراتها بلا حساب أن ينتقدوا هذا النظام يوما أو يتعاطفوا مع الذين يسعون لإسقاطه؟ من هو هذا المجنون الذي يستيقظ من النوم متى شاء وينام متى شاء ويغرف من خزينة الدولة له ولأولاده ما شاء ويحصل على ما شاء من شقق وأراض فيخرج علينا يوما ينادي بسقوط النظام أو يندد بالفساد المستشري في البلد؟ ومع ذلك دعونا ندعو هؤلاء إلى لحظة استفاقة ووعي ولينظروا إلى مصير أقرانهم في تونس ومصر ليدركوا أن الباطل كان زهوقا وأن الحق سينتصر قريبا وسيسألون هنا أو هناك عما ارتكبوه من جرائم وعن الشهادة التي كتموها يوما بسبب منافع مادية ودنيوية أخذوها من حق الشعب بغير وجه حق مقابل الدفاع عن نظام فاسد ظالم، أما إذا كانت على قلوبهم أكنة فهم مطالبون على الأقل أن يستعدوا ليوم تنقلب فيه الطاولة عليهم.

خضير بوقايلة
15 فبراير 2011

المصدر: يومية القدس العربي

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    Erreur!!!!!!!!
    Je respecte l’auteur de cet article mais il faut signaler que le pouvoir algerien est le plus malin et le plus experimenté de tous de l’Atlantique jusqu’au golf persique. Il a engagé la contre- révolution avant meme qu’un quelconque mouvement ne se mette en branle. Ainsi on comprend le sens de la marche initiée par Said Sadi qui est une personalité plus que controversée . Le peuple algérien n’est pas dupe et quelque soit la misère des gens ils ne se laisseront jamais entrainer par ce personnage pour plusieurs raisons. Sans parler de sa doctrine politique que beaucoup d’algeriens rejettent , plus grave encore c’etait son soutien au coup d’etat des généraux qui a conduit aux massacres de populations par centaines de milliers , sans compter les disparus et les emprisonnés et tous les dégats moraux et sociaux qui s’en sont suivis. Rien d’etonnant de sa part pour ceux qui le connaissent bien. Il etait coherent avec lui meme quand il dit “je me suis trompé de peuple” d’un air méprisant suite à son échec cuisant aux éléctions . Pour lui l’Algérie utile c’etait ses compères beaux et intelligents. Ses connections avec les militaires ne sont un secret pour personne c’etait lui qu’on allait projetter chef du gouvernement sous Boudiaf. Le plan a changé . Depuis il ne cesse de changer le fusil d’epaule, mais le peuple lui s’en souvient.

Exit mobile version