وقع بين يدي وأنا أتأمل رفوف مكتبة كتاب صغير الحجم معتمد كمرجع لمادة التاريخ في الصف الإبتدائي في إحدى الدول الأوروبية. و ما افتتحت به مقدمة الكتاب ما يلي : ” إن تدريس التاريخ الوطني في المدرسة الابتدائية في بلدنا الديمقراطي أمر ضروري. ويستوجب على من يغادر المدرسة معرفة تاريخ بلده، وإلا فسيكون إعداده كمواطن منقوصا”. فمعرفة تاريخ البلد الذي ننتسب إليه هو الرباط الذي يرسخ الولاء له ويوطّد الانتماء الحضاري ويؤسّس للنظرة المستقبلية الصائبة.

والتاريخ المقصود هو طبعا الذي يقوم بتدوينه أصحاب المهارة والنزاهة والمهنية، الذين يتمتعون بالحرية ويلتزمون بالضبط والتمحيص والتخريج والجرح والتعديل. ويشترط في هؤلاء كذلك ذكر وتبيان مراجعهم وتمتعهم بحرية تامة تجاه أية سلطة سياسية أو عسكرية أو مالية.

ومتى فهمنا أهية هذا الموضوع بدا لنا انحراف النظام الحاكم في الجزائر، منذ عشية الاستقلال، في تعامله مع الحقائق التاريخية. بل أنه عمد إلى حجب الحقائق تارة أو تزويرها تارة أو تزهيد الجزائريين في الخوض فيها تارة أخرى. ونتيجة ذلك أن المواطن الجزائري يكاد يكون في معظمه جاهلا بتاريخه، قديمه وحديثه! فتاريخ الثورة الجزائرية مثلا عانى من سعي السلطة لتدليسه وقلب حقائقه خدمة لمصالح سياسية ضيقة هدفها الوحيد تمجيد المتسلط على زمام الحكم والتشهير أو الانتقاص من كل من عارضه أو يعارضه. وكاد هذا الانحراف الذي لا يمكن إلا أن يوصف بالجريمة في حق ذاكرة الأمة ومقوماتها يجعل من البطل خائنا ومن المتخلف أو الخائن بطلا!

ويبقى النظام الحالي ملتزما نفس الإنحراف. وهذا يتجلى من حيث حرصه على تضخيم دور رئيسه إبان ثورة نوفمبر 1954، بيد أن الحقائق التاريخية الثابتة تجعله على أسحن تقدير في خانة “المؤلفة قلوبهم” الذين هرعوا للسطو على الحكم من قواعدهم في المغرب… ومن ناحية أخرى نجد نفس النظام “يقنّن” كتابة التاريخ. ففي ما سمي بـ “ميثاق السلم والمصالحة” لشهر فيفري 2006، نجد قراءة الانقلابيين لما انجر من جرائم عقب اقلاب 1992 قد فرضت على الأمة التي دعيت صراحة لـنسيان الماضي مع الترويج لمقولة “عفا الله عما سلف” والغاية طبعا هي ضمان الإفلات من العقاب لكبار الضباط والمسؤولين المتسببن في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من تعذيب واختطاف وقتل خارج إطار القانون. أما في التعديل الدستوري الهزيل (نوفمبر 2008) الذي فتح الباب للرئاسة على مدى الحياة لبوتفليقة وأقحم الدستور في أمر لا يمكن اعتباره إلا مناورة جديدة لفرض “حقائق” الزمرة الحاكمة على الأجيال القادمة حيث جاءت المادة 62 تحث الدولة على “ترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة”! فمتى كان من مهام الدولة كتابة التاريخ؟

ورغم هذا الوضع المزري فنجد، ولله الحمد، أن المكتبة الجزائرية تتوفر على مراجع محترمة في التاريخ الجزائري سواءً لمؤرخين كالشيخ مبارك الميلي أو الأساتذة محمد حربي أو محفوظ قداش أوشهادات ساسيين نزهاء كفرحات عباس وبن يوسف بن خدة وسعد دحلب. ولا يسعنا إلا أن نشجع الجزائريين والجزائريين على مطالعة هذه المراجع القيمة التي تزيل قناع الغش والتزوير عن الكثير من “الوصوليين”.

إن النظام القائم اليوم عمل في الماضي ولا يزال على صد الجزائريين عن هذه المراجع ناهيك عن تشجيع اعتمادها لدى تلاميذ المدارس أو المواطنين عامة. إن هذا النظام فرض نفسه قهراً على الشعب بالتدليس وقلب الحقائق فأنّى له أن يعمل على مد الجزائريين بوسائل المعرفة والحقيقة التي تبني الشخصية الجزائرية الحرة الواعية بتاريخها، الحريصة على سيادتها واستقلالها.

إن نظاما كالذي ابتلينا به يعمل ليل نهار على تمجيد رئيسه ووصفه بالرجل الفذ، وحيد دهره حسب زعمهم، ونتيجة  ذلك أن الشاب الجزائري الذي ييأس من فراغ هذا النظام وفشله الذريع ولم يكن للأسف – بفعل التخطيط الماكر – ذو صلة بتاريخه ومقوماته، يكون مآله الإنتحار بشتى الطرق، إن في بحر لجّيّ أو في تفجير أعمى أو في نهب لإخوانه أو نيل من دمائهم وأعراضهم لأتفه الأسباب… إنه فعلا ذلك “المواطن المنقوص” الذي حذر منه مؤلفو كتب التاريخ في الأمم الواعية والحريصة على مصلحة البلاد والعباد. فعلينا أن نعي أهمية مراجعنا التاريخية ونقف في وجه تزييف الحقائق التي تمهّد للطامات والحكم المنحرف.

افتتاحية لحركة رشاد

Source: www.rachad.org

تعليق واحد

  1. غير معروف بتاريخ

    L’Etat ne doit en aucune manière s’ingérer dans l’écriture de l’histoire de la Nation, ce n’est pas dans ses attributions. L’Algérie n’est cependant pas un cas particulier.

    Nous constatons malheureusement la survivance d’un complexe vis-à-vis de l’ancien colonisateur. Celui-ci dure et perdure bien que la France ne soit pas un modèle à suivre. La cinquième République depuis De Gaulle jusqu’à Sarkozy (1958-2009), et malgré l’alternance, démocratie oblige, a changé certes de discours mais l’esprit de la lettre y est toujours bien ancré.

    Les crimes commis pendant la guerre d’Algérie ont bénéficié de pas moins de cinq amnisties par les présidents qui se sont relayés à la tête de la Nation qui, par sa Révolution, a enfanté les droits de l’homme (laissant l’historien pantois). Que peut d’ailleurs l’historien honnête face à la dictature de la pensée (et celle-ci n’est pas uniquement géopolitiquement située). Et puis, n’est-il pas imprudent de confier l’histoire aux seuls historiens ? Il est certain que nombreuses sont les disciplines scientifiques et littéraires qui pourraient contribuer à cette reconstruction d’un passé négligé et d’une mémoire collective fragmentée, dépouillée, refoulée mais néanmoins récupérable.

    Le Front de Libération National n’avait plus de raison une fois la libération obtenue, tout comme l’OTAN, après la chute du mur de Berlin. Leurs persistances ont bouleversé l’Algérie pour le premier, la paix dans le monde pour le second.

    Nul n’est étern

Exit mobile version