الحمد لله الذي أمر بالعدل في جميع الأحوال فقال جل جلاله "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (النحل، 90)، وقال تبارك وتعالى "وأمرت لأعدل بينكم" (الشورى، 15) وأمر بالعدل في القول والعمل مع الصديق والعدو "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة، 8)، الصلاة والسلام على أشرف المرسلين الذي أخبر في الحديث الصحيح أن من المنجيات "العدل في الغضب والرضا"، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كنا ننوي كتابة بيانات تكشف عيوب المخادعة الوطنية من الناحية الشرعية والدستورية والقانونية وعلى ضوء المواثيق الدولية وحقوق الإنسان لأن المرشح "المستقل" جعل من "المصالحة" الوطنية حجر الزاوية في الحصول على العهدة الثالثة وربما الرابعة ويجعل شعارها العفو الشامل الذي صرّح في ولاية تمنغاست بتاريخ 28 مارس 2009 "العفو الشامل لا يأتي إلا بعد أن يستسلم كل واحد من العناصر الإرهابية ويضع سلاحه " وقال "العفو الشامل غير المدروس يجرنا إلى حرب أهلية" وقال "إنّ العفو كلمة ثقيلة، ثقيلة، ثقيلة جدا…" والظاهر أنّ المرشح "المستقل" يريد "مصالحة" بالتقسيط، يطول أمدها إلى عشرات السنوات والغريب كيف سهل عليه إعطاء الحصانة لمن انقلبوا على الإرادة الشعبية وأدخلوا البلاد في أتون محرقة مهولة، ومارسوا التعذيب الممنهج والقتل والإعدام بوحشية خارج نطاق القانون واختطفوا المواطنين من منازلهم ومراكز أعمالهم وفي الطرق، أي مارسوا إرهاب الدولة بأتمّ معنى الكلمة، ورغم ذلك يصر بوتفليقة على أنه لو لا الجيش لانهارت الدولة، ووصف الذين اغتصبت حقوقهم السياسية بقوة الحديد والنار واضطرتهم حملة القمع والمطاردة بأنهم فعلوا بولاية عين الدفلى والشلف ما فعله الإمام علي بالكفار وهي لغة تحريضية تشويهية استئصالية، متجاهلا ما لحق الطرف الثاني من ظلم وحيف وقمع قل نضيره ورغم ذلك ساهم رجال منهم من ولاية عين الدفلى والشلف ممن حملوا السلاح دفاعا على أنفسهم في إنجاز الوئام المدني، والمصالحة الوطنية رغم أنه لم يتحقق منهما إلا 5% نعوذ بالله من الإجحاف وقلة الإنصاف ونكران الجميل ولغة الاستئصال رغم أنّ البنتاغون ألغى مصطلح محاربة الإرهاب لأنّ لغة المصالحة تختلف عن لغة المواجهة، فهل من معتبر؟!

رغم أنّ ميثاق السلم والمصالحة ينصّ على معاقبة كل من ينكأ جروح المأساة الوطنية، والمفروض طبقا لهذه المادة أن يعاقب المرشح "المستقل"، وهو يعرف أنّ قيادة الجيش هي سبب الأزمة بخروجها عن إطارها الدستوري والانقلاب على الإرادة الشعبية، ومنع من انتخبهم الشعب من حقوقهم بكل سهولة ويسر، فلا حول ولا قوة إلا بالله والله المستعان، كان الواجب على المرشح "المستقل" طلب الاعتذار من الإخوة الأفاضل الذي دفعهم ظلم السلطة وإرهاب الدولة للهجرة إلى الخارج وطلب اللجوء السياسي بدل أن يطالبهم بالاعتذار إلى الشعب كشرط للعودة إلى بلادهم، وفيهم كفاءات علمية مرموقة وإطارات ممتازة ولكن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذا يقول "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" أما من قاموا بحوادث 18 أفريل 2001 فهو يطلب منهم العفو في ولاية بجاية وتيزي وزو، مالكم كيف تحكمون؟!، غير أنّ ما صرح به المرشح "المستقل" في كل من ولاية بجاية بتاريخ 25 مارس 2009 حيث طلب العفو من البجاويين وترحمه على ضحايا 18 أفريل 2001 طالبا منهم فتح صفحة جديدة.

أما بتاريخ 27 مارس 2009 فقال في ولاية تيزي وزو كلاما خطيرا لا ينبغي أن يمر دون بيان وتوضيح يضع النقاط على الحروف وأهم ما جاء على لسانه وباللغة الفرنسية لغة المستعمر ولو تحدث معهم باللغة العربية أو الأمازيغية لكنا من الفرحين لأنها أصبحت لغة وطنية، نعوذ بالله من النفاق السياسي، "أصدقكم القول بأنه إلى اليوم ومن منصبي آنذاك أجهل من افتعل تلك التراجيديا، أي أحداث 18 أفريل 2001" وقال "أومن بشهداء منطقة القبائل الذين سقطوا في الثورة وأؤمن بشهداء تراجيديا 2001، بصفتي مواطنا جزائريا من جذور أمازيغية" وقال "ليس المهم إن كانوا غلطوا فيكم أو أغلطتوا فيهم، المهم هو أنكم جميعا جزائريون"، والحاصل من كلامه أنه يجهل من يقف وراء أحداث أفريل 2001 وأطلق عليهم لفظ الشهداء، كشهداء الثورة ولا يعنيه من أمر تلك الأحداث التي هزت البلاد من هو الظالم ومن هو المظلوم المهم أنّ الجميع أبناء الجزائر! والسؤال المطروح، هل فعلا يجهل من يقف وراء تلك الأحداث وقد حدثت وهو ريس الجمهورية؟

والأغرب من هذا وذاك أنه أطلق لسانه بالطعن والدعاء على أنصار الجبهة الإسلامية في ولاية تلمسان قائلا "هلكتوا البلاد، الله يهلكم" وحملهم المسؤولية الكاملة على ما حدث بعد مصادرة الاختيار الشعبي في 1992 رغم أنه لم يكن رئيسا للبلاد يومها وأصرّ على منع قادة وإطارات وأنصار الجبهة الإسلامية من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية، فلماذا هذا الكيل بمكيالين بين أبناء الوطن الواحد، "تلك قسمة ضيزى" الآية.

وحتى لا يتم تزوير التاريخ لا بد من التطرق إلى جملة من النقاط ويجب على قادة الفكر والرأي الصدع بكلمة الحق لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والقائل بالباطل شيطان ناطق ولا يجوز السكوت على تزوير الحقائق والتاريخ ويكفي أنهم زوروا تاريخ الثورة والثوار لأنهم أموات، فلا يجوز القبول بتزوير التاريخ ونحن أحياء شهداء على مرحلة عشناها عن كثب ومعاناة، ومازلنا نعاني من أثارها إلى يوم الناس هذا ولم تدخل بعد في ذمة التاريخ، بحكم أن أغلب صناعها من جميع الأطراف ما زالوا على قيد الحياة إلا من توفاه الله تعالى.

أولا

كلمة عن إضراب الجبهة الإسلامية للإنقاذ – شنّت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إضرابا سياسيا بتاريخ 25 ماي 1991 دام 15 يوما كان الهدف منه الاحتجاج على تقسيم الدوائر وقانون الانتخابات المجحف وهناك جماعة (7+1) نادت به من قبلنا لنفس لهدف ويكفي على أنه قانون مجحف أنّ وزير الخارجية سيد أحمد غزالي قدم استقالته احتجاجا على القانون في 1990 وقال بعد أن أصبح رئيس الحكومة أنّ سبب اندلاع الإضراب هو قانون الانتخابات وكانت المسيرات كلها سلمية لم تمس أيّ مؤسسة أمنية أو مدنية عامة أو خاصة وفي 29 ماي 1991، حددت أماكن الاعتصام بموافقة حمروش وحضر الجلسة إسماعيل العماري والرائد في المخابرات بوعزة، وبدأ تطور خطير في الأحداث يوم 1 جوان 1991 عندما سقطت صخرة على نقيب الدرك في ساحة أول ماي وفي 4 جوان 1991 حدث هجوم الدرك دون سبق إنذار كما ينصّ القانون، وتم ذلك ليلا على حين غرة واستعمل في الهجوم الماء الساخن والغازات والرصاص وكلنا يعلم أنّ رئيس الحكومة حمروش كان قد استقال في 2 جوان 1991، والسؤال المطروح، من هي الجهة التي أعطت الأمر بإطلاق الرصاص على المعتصمين؟!

تماما مثل ما حدث في أحداث أكتوبر 1988، وقال وزير الداخلية محمدي في 4 جوان 1991 "تركيبة المتظاهرين تغيرت جذريا منذ يومين" أي أن الأمور كانت تسير بطريقة سلمية على ما يرام إلى غاية يوم 2 جوان 1991، وفي يوم 5 جوان 1991 أعلن الرئيس الشاذلي حالة الحصار وفتح تحقيق في تطورات الأحداث، وخلال هذه المدة ظهرت سيارات مجهولة تطلق الرصاص وتختفي مثلما حدث في أحداث أكتوبر 1988، وقال وزير الداخلية عندما سئل عن القناصين الذين يطلقون الرصاص على المارة وعلى الشرطة في آن واحد، وهل هي نفس القوى التي ظهرت في أكتوبر 1988، قال "لم أكن وزيرا ساعتها، لكتها تعيد للأذهان نوعية التحالفات الدائرة حاليا" وأخطر التطورات تمت يوم 24 جوان 1991 عندما أعطيت الأوامر للجيش والدرك بنزع لافتات البلدية المكتوب عليها بلدية إسلامية، وهل يعقل أن يقتل الناس بالذخيرة الحية من أجل نزع لافتة بلدية إسلامية؟! ويوم 30 جوان 1991 ألقي القبض على نائب رئيس الجبهة الإسلامية بمقر التلفزة مع جماعة من إخوانه منهم الأخ الفاضل قمازي رئيس بلدية الجزائر العاصمة، ثم ألقي القبض على الشيخ عباسي وسائر الشيوخ الأفاضل بوخمخم وجدي وشيقارة وعمر عبد القادر حفظ الله الجميع، وأسفر كل ذلك على قتل أكثر من 31 تغمدهم الله جميعا بواسع رحمته وأكثر من 285 جرحى وعدد كبير من الموقوفين مع العلم أن الجبهة الإسلامية أعلنت على إيقاف الإضراب بتاريخ 7 جوان 1991 والاستعداد للانتخابات التشريعية، وتم الاتفاق مع رئيس الحكومة على :

1- تأجيل امتحانات الباكالوريا.

2- عودة العمال المطرودين من أعمالهم.

3- تعويض الضحايا الذين سقطوا غدرا وليلا دون سابق إنذار قانوني، وقد تمّ الإخلال والتملص من تعهدات السلطة والله المستعان.

هذا ملخص لما حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ أثناء الإضراب السياسي وهي حزب معتمد يطالب بحق سياسي مشروع وافقه عليه مجموعة (7+1) وكان سلميا ووطنيا طوال المدة إلا في الأيام الأخيرة عندما اتخذت إجراءات عنيفة سقط خلالها قتلى وجرحى والجبهة الإسلامية لم تدخل في الإضراب إلا بعد الإعذار مرارا وتكررا وقد أصدرتُ بيانا بهذا الشأن 12 أفريل 1991 احتجاجا على تقسيم الدوائر وقانون الانتخابات، ولذلك لما سأل قاضي المحكمة العسكرية بالبليدة رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي أثناء المحاكمة، التي رفض قادة الجبهة الإسلامية المثول أمامها لأنها محكمة عسكرية والقضية في جوهرها سياسية يجب أن تعالج سياسيا، هل الفيس مسؤول عن الأزمة؟ قال "ليس وحده المسؤول" وقال "إن الفيس لم يكن أول جهة مارست العنف" وما زلنا نصر على محاكمة شرعية أو وطنية حقيقية أو دولية عامة أو خاصة تحدد المسؤولية بشكل دقيق وعادل لأننا نرى أن المسؤولية يتحملها النظام الفاسد القمعي بالدرجة الأولى.

وأين ما أسفرت عليه ثورة الضواحي بفرنسا في 2005 على ما أسفر عليه الإضراب السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في 1991 الذي ساده الاحتجاج السلمي لأنّ قادة الجبهة الإسلامية حرصوا على سلمية الإضراب وعدم مواجهة قوات الأمن أو السقوط في فخ الاستفزاز، أما ثورة ضواحي فرنسا والتي دامت عشرة أيام بسبب مقتل شابين من طرف رجال الشرطة فقد جرح من قوات الأمن والدرك 2300 وتم إيقاف 1300 مواطن مشاغب وأحرق من السيارات 3500 وأحرقت مدرستين وتخريب 21 بلدية مما دفع بساركوزي للاعتذار وفتح جاك شيراك باب الحوار المباشر ومعالجة آثار الأزمة.
وكلنا يعلم ما أسفرت عليه ثورة الشباب في اليونان مهد الديمقراطية بعد مقتل شاب من طرف شرطي، أما ما أسفرت عليه ثورة السود في لوس أنجلوس بسبب ضرب شرطة بيض لرجل أسود وتمّ تبرئة ساحتهم، فحدث ولا حرج وكيف خربوا البلاد تخريبا لأن الإنسان عندهم أعظم من البناء المادي مهما كان راقيا، وينصّ شرعنا على أن حرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة وأعظم الإنجازات عند الشعوب الحرة هو كرامة الإنسان، أما الدول الطاغية المستبدة أعظم انجازاتها سياسة القمع والمنع والحط من كرامة الإنسان! والسبب في سرد هذا الملخص عن الإضراب السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في 25 جوان 1991 هو مقارنته بأحداث 18 أفريل 2001 ومسيرة العروش 14 جوان 2001 وكيف تعاملت السلطة مع حزب سياسي معتمد فاز مرتين بالانتخابات 1990 و 1992 وبالأغلبية وكيف عاملت قادة الحزب وإطاراته والمتعاطفين معه؟! وكيف تعاملت مع حركة غير معتمدة قانونيا وسياسيا؟!

ثانيا

سبب اندلاع أحداث 18 أفريل 2001 – بتاريخ 18 أفريل قُتل الشاب قرماح ماسينيسا بمقر الدرك الوطني، الذي نعته وزير الداخلية زرهوني بأوصاف لا تليق مما أجج التمرد والعصيان، تماما مثل ما قام به وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي عندما وصف سكان الضواحي بالحثالة، حيث أطلق عليه دركي ست طلقات من رشاش كلاشنكوف والذي أودع الحبس العسكري بالبليدة في 25 أفريل، هذه الحادثة الخطيرة كانت سببا في رد فعل عنيف تمثل في حملة ضد الدرك الوطني لم يسبق لها مثيل، وجُرد بعض رجال الدرك والأمن من أسلحتهم وطُعن بعضهم بالسلاح الأبيض وتعرضت مقرات الدرك للقذف بالحجارة والشتم ورمي المتظاهرون زجاجات حارقة ضد مقر أمن الدائرة وسرقة مخازن الخراطيش وجرح مقدم الدرك وتعرضت ابنة قائد الدرك إلى التنكيل مما أفقدها البصر وتعرض أكثر من 19 من أفراد عائلات الدرك لجروح خطيرة وأسفرت هذه الأحداث الأليمة على: مقتل دركي، مقتل شرطي، مقتل 126 من المواطنين، وعدد الجرحى من الدرك 181 ومن الشرطة 416، ومن المواطنين 300 واعتقال 500 مواطن وتم تخريب وتدمير مقر ولاية بجاية و 26 مقر دائرة و 29 بلدية و 5 مقرات شرطة و 47 مقر درك و 11 محكمة و 274 بناية عمومية و 29 بناية خاصة و 41 مقر حزب سياسي و 28 مؤسسة مالية و 258 سيارة و 10 شاحنات ومن الخسائر المالية 110 مليار، هذا ما أسفرت عليه أحداث 14 جوان 2001 حيث تم تحطيم مراكز اقتصادية وعامة ورغم ذلك ألتزمت قوات الأمن الحياد، ووصف النظام بأبشع النعوت وأنه نظام قتال، والسؤال المطروح، ماذا لو حدث عشر معشار ما حدث في تيزي وزو وبجاية في ولاية أخرى من ولايات القطر الوطني؟! غالب الظن – والله أعلم – لضربوا بالطائرات والأسلحة المحرمة دوليا ولقد رأينا كيف تقمع الاحتجاجات في الولايات الأخرى ورأينا كيف تعاملت السلطة مع عروش تيزي وزو وبجاية وعروش الجنوب والشاوية؟!

وماذا عن التعذيب والقتل الذي تعرّض له أنصار الجبهة الإسلامية في مراكز الاستنطاق خاصة عنتر وبن عكنون والحميز، ومراكز الدرك والمخابرات والأمن الحضري؟ وماذا عن الذين قُتلوا بصفة مقصودة داخل السجون مثل البرواقية، وسركاجي، حيث صفيت إطارات ودعاة وأئمة أمثال قاسم تاجوري والشيخ يخلف شراطي وغيرهما، وماذا عن 17 ألف جزائري تمّ نفيهم إلى صحراء الجزائر، إذا كان مقتل شاب واحد وراء تلك الأحداث كلها مما دفع بالسلطة إلى ترسيم الأمازيغية فكيف بالألوف الذين قُتلوا تحت التعذيب في مراكز الأجهزة الأمنية المختلفة وإلى اليوم تجهل أماكن دفنهم؟! مالكم كيف تحكمون؟!

ثالثا

أما قوله "أجهل لحد الساعة المتسببين في تراجيديا 2001" فهو قول ساقط يحط من قيمة أول قاضي في البلاد وفيه تهرب من المسؤولية بل تصريحه هذا متناقض مع تصريح له صدر عنه شخصيا في 20 جوان 2001 بقاعة متعددة الرياضات بولاية إليزي حيث قال "إنّ الجزائر مستهدفة من طرف قوة لم تستطع فرض هيمنتها عليها بعد قرن ونصف وسيتم التعامل مع الأيادي التي تعمل على ضرب البلاد وفق القوانين الدولية المتعارف عليها"، وهو اتهام لفرنسا بالضلوع في أحداث القبائل. بل صرّح أنّ الهدف الأساسي من الأحداث هو تقديم الاستقالة قبل نهاية العهدة وهو ما طالبته به بعض الصحف التي من ورائها جنرال فقال أنه لن يذهب وسوف يكمل عهدته وأنه رئيس منتخب من طرف الشعب ولا يحق لأي جماعة أن تضغط عليه.

وهذا وزير الداخلية يزيد زرهوني، إبن جهته، وهو رجل أثير عنده وله صلاحيات تفوق صلاحيات رئيس الحكومة أو الوزير الأول بعد تعديل الدستور وقد كان مرشحا لتولي وزارة الدفاع في 1999 وهو صاحب خلفية مخابرتية منذ العهد الاشتراكي وقد فشل المرشح "المستقل" في إيصاله إلى طقارة ولكن استطاع أن تكون له كلمة عبر خدمة الأمن الوطني واتساع نفوذه وتجهيزه تحهيزا جيدا بحيث أصبح هو الآخر قوة ضاربة، زرهوني هذا رغم ما تعرّض له من نقد وانتقاد على أكثر من صعيد هو نفسه في جلسة الأربعاء 20 جوان 2001 بالمجلس الوطني الشعبي اتّهم الأرسيدي بالدعوة إلى التمرد على الدولة وتحريض المتظاهرين عليها وهذا ردا على سؤال تقدم به النائب صالح براهيمي عن الأرسيدي وكان يلح على معرفة من أمر بإطلاق النار على المتظاهرين؟

وهو نفس السؤال الذي يُطرح في كل مرة. طُرح أثناء حوادث أكتوبر 1988 وعن هوية السيارات القاتلة وطرح أثناء إضراب جوان 1991 من أمر بإطلاق النار على المعتصمين ليلا بعد تحديد ساحات الاعتصام الأربعة بكل رسمي لاسيما ورئيس الحكومة حمروش قد قدم استقالته يوم 2 جوان 1991 لأنه رفض تدخل الجيش في القضايا السياسية وها هو نفس السؤال يطرح الآن في حوادث 18 أفريل 2001، وهو نفس السؤال الذي طُرح في محكمة أمن الدولة بالمدية، من الذي أعطى الأمر باقتحام منزل المرحوم مصطفى بويعلي ليلا مما دفعه إلى الالتحاق بالجبل دفاعا على نفسه خشية الاغتيال لاسيما والذي قاد عملية الاقتحام هو النقيب اسماعيل لعماري يومها مع مجموعة من رجاله، والجميع يعرف أنّ المرحوم مصطفى بويعلي رجل من المجاهدين المشهود له بالشجاعة أثناء الثورة، وكأنّ هناك جهة أمنية نائمة لا تستيقظ إلا في مثل هذه الحوادث الغامضة لتماس القتل بكل حرية خارج الأطر القانونية وهي شبيهة بكتائب الموت مجهولة الهوية التي تهدف إلى أمرين: الأمر الأول الحفاظ على السلطة والنفوذ والأمر الثاني حماية مصالحها ومصالح عملائها في الداخل والخارج فهي تعمل بعيدا عن كل رقابة سياسية أو قضائية. نعم لقد اتهم زرهوني الأرسيدي بالدعوة إلى العصيان المدني والتخريب والعنف في منطقة القبائل وقال أن حالات إطلاق الرصاص التي تمت كانت في إطار الدفاع الشرعي الذي ينص عليه قانون العقوبات في المواد 39/40/97 متجاهلا عن عمد أنّ الشاب قرماح أُطلق عليه النار وست رصاصات وهو في مقر الدرك وهو عمل فظيع يستحق الاحتجاج والاستنكار.

وكم تعجبني كلمة جون لوك "يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون أي عند انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين" وهو القائل "الشرطي الذي يتجاوز حدود سلطاته – أي كما فعل هذا الدركي وأمثاله من أجهزة الأمن في الأنظمة البوليسية – يتحوّل إلى لص أو قاطع طريق […]، كذلك من يتجاوز حدود السلطة المشروعة سواء أكان موظفا رفيعا أم وضيعا، ملكا أم شرطيا بل أن جرمه يكون أعظم إذا صدر عمن عظمت الأمانة التي عُهد بها إليه". وشأن الطغاة التضحية بالبلاد والعباد إذا سُلّمت لهم مصالحهم الخاصة ولذلك يقول مونتسكيو "موقف الطاغية هو موقف ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة". والحاصل أنّ زرهوني حدّد المسؤولية للأرسيدي! وجدّد زرهوني الاتهام لجبهة الأفافاس والعروش في 1 أكتوبر 2005 بزرع الفتنة وعدم الاستقرار! والسؤال المطروح هل أعلم وزير الداخلية المرشح "المستقل" بصاحب المسؤولية أم لا؟! وإذا كان قد أعلمه بذلك فكيف يقول في تجمّع تيزي وزو أنه يجهل من افتعل الأحداث لاسيما وقد اتّهم فرنسا بأنها من وراء الأحداث؟!

لقد عهد الرئيس للمحامي الشهير محند يسعد الذي عهد له من قبل بمهمة إصلاح العدالة وقد قام بالمهمة وقدم تقريرا لرئيس الجمهورية بهذا الشأن ولكن لا نعرف مصير التقرير!

قلنا عهد له بلجنة تحقيق في شأن أحداث 18 أفريل 2001 وقام بالمهمة ولكنه استبعد اليد الأجنبية خلافا لما قال الرئيس في إليزي واتّهم جهاز الدرك بالضلوع في تفجير ردود فعل عنيفة بالمنطقة من خلال أفعال عنيفة لبعض الدركيين بقصد القتل ولم يُعزل أيّ مسؤول من منصبه والأخطر في التقرير أنّ السلطة العليا لم تأخذ بقول المدير العام للأمن الذي حذر من أن تتحول الأحداث إلى عصيان! والحاصل فيما سبق ذكره هل يمكن أن نصدق أنّ رئيس الجمهورية يجهل من وراء الأحداث وهل رئيس بمثل هذا الجهل يصحّ أن نجدد له عهدة ثالثة وهو يتّسم بالعجز والجهل بما يحدث في بلاده أم أنّ الأمر ليس جهلا وإنما تجاهلا وتغطية على الفاعلين الحقيقيين لاسيما وقد تعهد لمن يدلي بالشهادة الحماية! وفي كلا الحالتين لا يصح أن نجدد له عهدة ثالثة!

لقد حمّل الأرسيدي المسؤولية الكاملة للسلطة القاتلة ووقف في صف المحتجين حيث حث على مقاطعة الدراسة وغلق المتاجر والاعتصام أمام مقر الدرك وهو يرمى بالحجارة وانسحب من السلطة وقال سعدي "لا يشارك في حكومة تطلق النار على الشعب" وهو الذي قال فيه المرشح "المستقل" ذات يوم "أنه قضى أحلى ساعات حياته مع سعيد سعدي".

والسؤال المطروح على وزير الداخلية لماذا لم يُتخذ إجراءات قانونية لحل حزب الأرسيدي بحجة الإخلال بالنظام العام وزعزعة استقرار البلاد ومحاولة المس بالوحدة الوطنية كما فعل الجنرال العربي بلخير في 1992 بعد مصادرة الإرادة الشعبية وتم حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولماذا لم يلق القبض على قيادة الأرسيدي وإحالتهم على المحكمة العسكرية بالبليدة فهل هؤلاء مواطنون من الدرجة الأولى والآخرين من الدرجة الثانية؟! هذا مجرد تساؤل يقتضيه الإنصاف بين المواطنين أمام القانون؟! أما نحن فلا نرغب في أن يسجن أيّ مواطن عادي فضلا عن قيادة حزب سياسي معتمد سواء أكانوا من منطقة القبائل أو غيرها وهم يمارسون حقوقهم السياسية في إطار القانون، وإنما نرفض ازدواجية المعايير والتمييز بين أفراد الشعب والكيل بمكيالين، مما يشعر أنّ لكل منطقة قانونها الخاص في التعامل.

رابعا

تعالت أصوات أثناء وبعد أحداث 18 أفريل 2001 تطالب الهيئات الدولية ومن قلب البرلمان الأوربي في بروكسل بدولة قبائلية ويراسلون وزير الخارجية الفرنسي بذلك وإعداد عريضة من أجل وضع خاص لبلاد القبائل وتحريرها من الاستعمار المؤسساتي وذلك في 5 جوان 2001 وهناك وزير صحة سابق وهو مساند للمرشح "المستقل" يرى ضرورة اعتماد النظام الفيدرالي، قال ذلك في ندوة صحفية 1 أكتوبر 2003، وهناك من قام بتجمّع للمطالبة بالاستقلال في 12 سبتمبر 2001 والسؤال المطروح لماذا لم يتعرّض زعماء الانفصال أو الدعوة إلى حكم ذاتي إلى مجرد استدعاء من الضبطية القضائية للأمن أو الدرك أو المخابرات رغم أنّ أفعالهم يجرّمها القانون لأنها مسّ بالوحدة الوطنية ومحاولة تقسيم البلاد شبيهة بأعمال البشمارقة الكردية ورغم ذلك يملكون جوازات السفر ويصولون ويجولون في العالم ويستقبلون بالترحاب في كبرى العواصم الغربية وبرلماناتها؟!

أما قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ فممنوعون من حقهم السياسي والمدني والاجتماعي والإعلامي والدعوي فها هو الأخ المجاهد عبد القادر بوخمخم، يُسحب منه جواز السفر لا لأنه نادى بالحكم الذاتي أو دعا إلى المسّ بالوحدة الوطنية وإنما لأنه وقف وقفة مناصرة مع غزّة وهو إلى الآن يخضع للرقابة القضائية وها هو الأخ الفاضل الدكتور أحمد بن محمد يُسحب منه جواز السفر ويخضع هو الآخر للرقابة القضائية والتحقيق والاستجواب في مخافر الشرطة، لأنه قال لا لِما يحدث لإخواننا بغزّة وها هو أخي الداعية كمال قمازي يُستدعى إلى التحقيق الأمني والقضائي ويوضع تحت الرقابة القضائية لأنه ألقى كلمة مناصرة لإخواننا في غزّة العزة والبطولة فلماذا دعاة الانفصال ينعمون بحقوقهم كاملة غير منقوصة أما دعاة الإسلام والوحدة الوطنية والثوابت فيُقمعون ويمنعون من أبسط حقوقهم وهو الحق في التظاهر والتعبير مناصرة للقضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟! وهل هؤلاء مواطنون من غير طينة هؤلاء؟! رغم أنه لو تعرّضت بلادنا للخطر لا سمح الله، لكانوا في طليعة المدافعين عنها رغم خلافهم مع النظام السياسي، والحاصل لماذا لم تُسحب جوازات دعاة الانفصال؟!

خامسا

لقد فتح النظام الحوار مع حركة العروش في عهد رئيس الحكومة السابق بن فليس بقيادة سليم عليلوش ثم مع رئيس الحكومة أحمد أويحي بقيادة عبريكا الذي رفض الحوار والنقاش على ما جاء في أرضية القصر لأنّ أرضية القصر للتنفيذ وليست للنقاش ورفض الدخول في حوار إلا بضمانات سياسية من السلطة، وأسفر الحوار المتواصل لعدة شهور إلى ما يلي:

– إدماج اللغة الأمازيغية في الدستور كلغة وطنية دون استفتاء عبر برلمان جاء بالتزوير، بدعوى أنّ المسائل المتعلقة بالهوية لا تحتاج إلى استفتاء وتجاهل هؤلاء أنّ تطبيق الشريعة من صلب الهوية لا من فروعها، بل تعرّض دعاة الدولة الإسلامية للتصفية الشاملة قضائيا وجسديا وسياسيا وإعلاميا واجتماعيا، رغم أنهم فازوا باختيار الشعب المسلم مرتين وكان الواجب النص دستوريا على أنّ الشريعة مصدر التشريع دستوريا دون استفتاء لأنها من صلب هوية الشعب الجزائري المسلم، مالكم كيف تحكمون؟! وشتان بين صلب الهوية ووسيلة المحافظة على الهوية.

– إعادة انتشار الدرك وإخراجهم من مدن منطقة القبائل وهي مسألة تتعلق بالسيادة.

– إطلاق 300 ممن خرجوا وإطلاق سراح الجميع وتوقيف المحاكمات والمتابعات وهكذا تحوّلت العدالة المريضة إلى جهاز لتزكية القرارات السياسية التي تأتي في الوقت الذي يراه الحاكم مناسبا، وهكذا أصبحت العدالة أداة طيّعة في يد السلطة السياسية!

– تعويض ضحايا الأحداث بـ 192 مليون ومعاشات شهرية 16 ألف دينار لعائلات الضحية.

– تنظيم دورة ثانية للباكالوريا.

– متابعة عناصر الأمن المتهمة بارتكاب تجاوزات أثناء مواجهة أعمال العنف والشغب.

– إلغاء الانتخابات المحلية وإعادة الانتخابات من جديد، وخضع زرهوني لهذا الطلب الذي كان يرفضه في البداية.

والسؤال المطروح، لماذا لبّت السلطة معظم مطالب العروش وبالغت في مدح حركة العروش وقد فعلوا ما فعلوا؟! وتمّ الإعفاء من دفع فواتير الكهرباء والغاز والضرائب؟! ولماذا تفاوضت وحاورت قيادة حركة العروش وهم ليسوا حزبا سياسيا معتمدا ولا جمعية وطنية أو محلية معتمدة؟! ماذا لو أنّ حركة العروش كانت حزبا معتمدا وفازت بالانتخابات المحلية والولائية والتشريعية ثم اغتُصب حقها كما فُعل بالجبهة الإسلامية للإنقاذ؟! ولماذا استبدلت السلطة حركة العروش وحققت لهم جلّ مطالبهم وأقصت الأحزاب العريقة المعتمدة؟! وكأنها تقول أنا لا أعترف إلا بمن يقوم بالفوضى والشغب و…و… ولماذا أخلّت السلطة بوعودها مع قيادة الجيش الإسلامي للإنقاذ منذ وضعهم للسلاح، لم يأخذوا حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية؟! لقد أخلّ النظام بوعوده مع المسلحين منذ الوئام الوطني وكذا منذ ميثاق السلم والمصالحة والمرشح "المستقل" يعرف هذا جيّدا! ورغم خلاف قادة جيش الإنقاذ معنا، فهذا لا يمنعنا من الدفاع عن حقوقهم وحقوقنا، بل وحقوق كل جزائري مهضوم الحقوق، والله الموفق لكل خير.

سادسا

لا شك أنّ المرشح "المستقل" بعد أن سيق وجُمع له الناس ترغيبا وترهيبا بواسطة الإدارة المحلية والولائية من الولايات المجاورة كما هي العادة في كل ولاية ينزلها ليلا أو نهارا أراد أن يتملق أصحاب المنطقة طمعا في المشاركة وذلك بتزوير الحقائق وتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي، ففي تلمسان تهجم على الجبهة الإسلامية للإنقاذ رغم أنها حزب سياسي معتمد فاز مرتين بالانتخابات، بكل نزاهة ونظافة ولكن في تيزي وزو مدح من قام بأحداث 18 أفريل 2001 وسمّى من سقط منهم قتيلا شهيدا، وكأن ضحايا المأساة 200 ألف عبارة عن حشرات أو همل، وهكذا جانب الصواب وقال منكرا من القول وزورا، وقلب الأمور وكال بمكيالين وطفف في المكيال فكان لازما من البيان والتوضيح وما سبق إنما هو قطرة من بحر وغيض من فيض ولدينا المزيد والله يقول "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى".

تنبيه هام

ليكن في علم الجميع أنه من حق أبناء كل ولاية من ولايات القطر الجزائري الواسع أن يطالبوا بجميع حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحافظ على خصوصية كل منطقة في حالة إذا ما تعرضت هذه الحقوق للهضم وأن يكون ذلك بالطرق السياسية السلمية ومنها العصيان المدني إذا اقتضى الأمر ذلك، بحكم أنه أحد الأساليب السلمية في التغيير الجذري إذا صمت السلطة أذانها وعلى النظام الراشد الصالح يحقق لكل المواطنين حقوقهم المشروعة على أساس العدل والمساواة بين جميع الولايات فليس هناك ولاية من الدرجة الأولى وأخرى ممن الدرجة الثانية أو الرابعة أو ولاية نعانقها ونُقبّلها وأخرى نعنّفها ونُقنبلها، وليس من حق النظام قمع الاحتجاجات خارج نطاق الشرع أو القانون أو التنكيل بزعماء المعارضة والزج بهم في السجون، فمن حق الأولاد أن يطالبوا من والدهم ما يحبون ولكن ليس من حق الوالد الجور في العطية، فيعطي هذا بلا حساب ولا عقاب ويمنع الآخر من حقه، فقد أمر الشارع الحكيم بالعدل في العطية والتقسيم بالسوية، لأنّ الجور يربي الأحقاد والأضغان بين الأولاد فالعدل العدل يا عباد الله وعدل ساعة خير من عبادة ستين سنة لأنّ العدل أساس الملك والظلم مؤذن بخراب العمران، وإنّ مرشحا يسلك مسلك الجور وقلب الحقائق والتفرقة بين المواطنين والولايات في التعامل يجب أن يقاطَع، لأنه جائر عن طريق الحق والعدل والمساواة، والله يقول "إن الله لا يصلح عمل المفسدين".

بن حاج علي
الجزائر في الثلاثاء 4 ربيع الثاني 1430هـ
الموافق لـ: 31 مارس 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version