تعيش الجزائر هذه الأيام منافسة متواضعة بين المترشحين للانتخابات الرئاسية هدف كل واحد منهم الوصول إلى أعلى منصب في الدولة الجزائرية. وهم في سبيل تحقيق هدفهم يعملون على استمالة المواطنين بكل الوسائل أهمها سياسة الوعود المادية (وعد بتخصيص دخل للبطالين وللمرأة الماكثة بالبيت، وعد بتقديم مشاريع للولايات، وعلى العموم وعد بالتوزيع العادل للثروة…).

 لكن ما يلاحظ هو الفوارق في القدرات الشخصية والمالية بين المترشحين، فالمترشح المستقل عبد العزيز بوتفليقة يحوز على إمكانيات ضخمة سواء بشرية أو مادية مقارنة بالباقين فهو يقود حملته بصفته رئيس للجمهورية وليس مترشحا حرا. كما أن المقارنة البسيطة بينهم تؤكد عدم وجود منافس يهدد بوتفليقة في منصبه الحالي. إلا أن الملاحظة الأساسية أو الرئيسة هو أن الخطر الوحيد الذي يتهددهم هو مقاطعة الانتخاب من قبل الأغلبية الصامتة فالجميع يسعى لتحقيق أكبر نسبة من المشاركة في الانتخابات وذلك لإعطاء مصداقية لها وإعطاء الشرعية للرئيس المنتخب وهي ذات الشرعية التي يفتقدها البرلمان المنتخب. لكن المسألة المهمة هي لماذا يعزف الشعب الجزائري عن الانتخاب؟

لقد اجتهد وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني في تفسير هذا العزوف بتغيير محل الإقامة وقام بمراسلة المواطنين للاستفسار عن عزوفهم ولكن بأحكام مسبقة تتعلق بتغيير السكن وهو نفس المبرر الذي قدمه في ندوته الصحافية الأخيرة قبل مباشرة الحملة الانتخابية مقدما بعض الأرقام الإحصائية الصماء. لكنه لم يحاول تقديم مبررات عقلانية تفيد أن الانتخاب لم يغير من حال الجزائريين ووضعهم المادي والمعنوي فلماذا إهدار الوقت والمال والجهد في شيء لا يعود بالنفع العام. إن الأموال المقدمة للمترشحين والمبذرة في الحملة الانتخابية يمكنها  انتشال العديد من العوائل من شبح الفقر كما يمكنها إنقاذ العديد من الشباب من خطر الحرقة (الهجرة غير الشرعية) إضافة إلى التقليل من الإجرام الذي استفحل في المجتمع واحتل مكان الإرهاب سواء في الواقع المعيش أو على صفحات الجرائد أو الدراسات والملتقيات العلمية (ملتقيات وطنية ودولية حول العنف والمجتمع، الحرقة، المخدرات، أطفال الشوارع…). فلماذا لم يتساءل الوزير عن السبب الحقيقي للعزوف عن الانتخاب؟ ولماذا لم يتهم الوزير الدولة بالتقصير في حق الشعب؟ لماذا ربط المشكل بمحل الإقامة رغم أن الكل يعرف أن الجزائر تعاني من أزمة سكن مزمنة؟ لماذا لم ينتبه إلى أن المسألة تتعلق بالبطالة وبالفقر وبالاحتياجات الأساسية في الغالب وبأن الدولة لم تستطع إل الآن تهيئة ظروف الانطلاق السليم بمعالجة القضايا من جذورها وليس بالتعامل مع نتائج سياساتها السابقة بطريقة ظرفية وآنية؟

إن السعي لإنجاح الانتخابات بتكثيف نسبة المشاركة وجعلها الشغل الشاغل هو ذر للرماد في العيون حتى لو استعملت المساجد وجنّد الأئمة لإقناع الشعب بأن الانتخاب فرض عين وليس كفاية. لأن الكل يعلم أنه إذا حضر الماء غاب التيمم وبأن الأصل في العبادات التحريم وفي المعاملات الإباحة فلماذا كل هذا التجاهل للحقائق؟

إن مشكلتنا اليوم ليست في التوزيع العادل للثروة بل في خلق الثروة بالعمل المنتج والمتقن وبالعمل الجاد والمخلص وليس بالاعتماد على الثروة الباطنية أو برصيد بنكي في الخارج الله وحد يعلم إن كان باستطاعة الجزائر استرجاعه على حاله على الأقل، كما أن مشكلتنا أيضا تتعلق بالرجال الذين يمتلكون نظرة مستقبلية واستشرافية وليس تكنوقراطيون وبيروقراطيون ينفذون سياسات عرجاء وليس لهم ملكة التقدير والتوقع.

نعيم بن محمد
29 مارس 2009

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version