بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل في كتابه العزيز "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" الروم5،  والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل في الحديث الصحيح "لا يمنعنّ أحدكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو رآه، فإنه لا يباعد من رزق ولا يقرب من أجل" وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأخيرا أعلن رئيس الجمهورية عن تعديل جزئي للدستور أثناء افتتاح السنة القضائية 2008-2009 وذكر بعض مبررات تأخر تعديل الدستور بشكل أعمق وعن طريق الاستفتاء وهي مبررات غير مقنعة لكل متابع للشأن السياسي الجزائري لأن السبب الوحيد في هذا التأخير مردّه للخطوط للحمراء التي وضعت له من أصحاب السلطة الفعلية التي جاءت به من بعيد وأوصلته إلى سدة الحكم وجعلت منه "رجل الإجماع" بدليل ما صرّح به صنيعة المخابرات أحمد أويحي الذي صرّح في بهو المحكمة العليا بابن عكنون إلى أن قرار التعديل فصل فيه على مستويات عليا ولم يبق بشأنه أي خلاف بين مراكز القوى في هرم السلطة، والسؤال المطروح، من هم أصحاب القرار في هرم السلطة؟!!! ولا شك أن هذا كلام خطير يدل على أن الرئيس لا يتمتع بكامل صلاحياته وهذا فعلا ما ظل الرئيس يشكو منه في كل مناسبة منذ 1999، والحاصل أن مبررات التأخير أو التراجع مرده إلى أصحاب القرار الفعلي ومراكز القوى، ولا شك أنهم قادة العسكر في طقارة وبن عكنون، أما الرئيس فلا يملك إلاّ المظاهر الخداعة، ألم يقل رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام "أنا والرئيس علي كافي كنا خضرة فوق عشاء" وما زلت أذكر أن الرئيس الحالي عندما صرح في 2001 أن ما حدث في الجزائر هو حرب أهلية، خرج أحمد أويحي ليذكر رئيس الجمهورية بالخطوط الحمراء، وأمام هذا التطور الخطير لا نملك إلا أن نقول بكل صراحة ووضوح وفي نقاط مختصرة مركزا على ما يلي، ليكون الرأي العام في الداخل والخارج على بصيرة، فأهل مكة أدرى بشعابها.

1- عموم الشعب الجزائري – فضلا عن قادة الرأي والفكر- يدرك أن جميع دساتير البلاد منذ 1962 لم تحترم ولم تطبق بل تم التلاعب بها حسب الأهواء والأمزجة كما فعل بالدستور 1996، هذا الدستور الإقصائي ولذلك سمي بدستور أزمة وهذا ما قاله رئيس المجلس الدستوري السابق بن حبيلس "المشكلة في تطبيق الدساتير وليس في تغييرها".

2- لقد حاول الرئيس جاهدا في التعمية عن الهدف الأساسي من التعديل الجزئي للدستور والمتمثل في تعديل المادة 74، التي تمهد للرئيس بالترشح لعهدة ثالثة رغم أن الرئيس لم يعلن رسميا عن ذلك ولكن كل القرائن تدل على رغبته في الترشح. أما ذكر حماية رموز الثورة والتدقيق في الصلاحيات، تخصيص مادة ترمي إلى ترقية الحقوق السياسية للمرأة كل ما ذكر إنما هو من باب التضليل وذر الرماد في العيون. أما حماية رموز الثورة فهناك مواد في قانون العقوبات تكفي لردع من يمس برموز الثورة اللهم إلا إذا كان المقصد منحهم ميزة إلهية لممارسة الوصاية على الشعب وتقديم الشرعية الثورية على الشرعية الشعبية كما حدث في 1992 واستقدام بوضياف بحكم أنه أحد مفجري ثورة نوفمبر، فما المقصود برموز الثورة؟! أما التدقيق في الصلاحيات فهذا كلام فارغ لأن السلطة الفعلية صانعة الرؤساء والأحزاب والجمعيات هي التي تحدد لكل سلطة حدودها ولذلك سوف يمر التعديل ويوافق عليه المجلس الحكومي والمجلس الدستوري والبرلمان بغرفتيه وأحزاب الإعتلاف، لأن هؤلاء مجرد موظفين. أما موضوع المرأة وحقوقها السياسية فهي خدعة للمرأة، فالمرأة في الجزائر لها كامل حقوقها بل جارت حتى على حقوق الرجال والميدان خير دليل فمن حق المرأة ممارسة حقوقها السياسية بينما هناك شريحة واسعة من الرجال ممنوعون من حقوقهم السياسية والمدنية!

والحاصل أن بيت القصيد من التعديل هو المادة 74 والبقية، إنما هي حيلة وخدعة واغتصاب للإرادة الشعبية بقفاز من حرير لا يقل خطورة عن الانقلاب على اختيار الشعب في 1992، هذا بالعنف والقوة والقمع وذاك بالحيلة والمكر والدهاء على طريقة الدبلوماسية والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول "المكر والخديعة في النار" أي صاحبها في النار. ومادة 74 لا يجوز تعديلها إلا عن طريق الاستفتاء لأنها تمس بجوهر الدستور الذي لا تشمله المادة 176.

3- نرفض رفضا قاطعا أن يعدل الدستور من أجل التمديد لشخص مهما كان هذا الشخص لأن الدساتير توضع لصالح الشعوب وليس للتمكين لشخص – بغض النظر عن هذا الشخص- يريد الاستفراد بالحكم والتغول على سائر السلطات وتقوية السلطة التنفيذية على غيرها.

4- المتابع للمشهد السياسي في الجزائر منذ 1999 يدرك أن الرئيس الحالي له نزعة انفرادية للحكم ويريد جميع مكونات الدولة ورجالها مجرد موظفين عنده والويل كل الويل لمن ظهر منه طموح سياسي مشروع وهذا ما حدث مع بن فليس عندما قال "بوتفليقة جردني من صلاحياتي وساومني في الرئاسيات" مما دفع ببن حمودة بوعلام إلى القول "إن بوتفليقة يريد إدخال البلاد في فوضى للبقاء في الحكم" في 7 جانفي 2004 وهذا ما حدث مع رئيس الحكومة بن بيتور مما اضطره إلى الاستقالة مصرحا أن "الرئيس خرق الدستور" وخطط لإسقاط كريم يونس من رئاسة المجلس الوطني الشعبي لأنه وقف إلى صف بن فليس وخطط عن طريق المجلس الدستوري غير المستقل للإطاحة برئيس مجلس الأمة البشير بومعزة مما جعله يقول "بوتفليقة فرعون زمانه". وهناك إطارات سامية في الدولة أزيحوا من مناصبهم لأنهم لم يساندوه في العهدة الثانية.

5- لا شك أن التعديل عن طريق البرلمان الحالي سوف يتسم بالبطلان لأنه برلمان فاقد للشرعية الشعبية فضلا على أنه مرتشي وهو برلمان سخر نفسه لخدمة السلطة الفاسدة عوض خدمة مصالح الشعب باستثناء بعض الأصوات الجادة ولكنها تمثل الأقلية لا تملك إلا المعارضة.

6- يجب أن نقول أن الطريقة الماكرة التي سوف يتم بها التعديل والتي تقصد إلى الالتفاف على الإرادة الشعبية واغتصاب حقها في الاختبار الحر سوف تكون لها أثارا وخيمة لا تحمد عقباها لأن غلق أبواب التغيير السياسي السلمي يدعو إلى ثورة عارمة تطيح برموز الاستبداد والفساد بجميع أنواعه لاسيما ونحن في شهر الثورة ثورة نوفمبر المجيدة والجزائر تحتاج إلى رئيس قوي الشكيمة صادق العزم وافر الصحة والعافية غير خاضع لمراكز القوى المتصارعة يتخذ قرارات ثورية جذرية لإصلاح أوضاع البلاد ولا يهاب أن سقط على الموت أو سقط الموت عليه كما يقول الإمام علي (رضي الله عنه).

7- لا شك أننا سوف نزيد الأمر وضوحا وبيانا عندما يعلن الرئيس عن ترشحه الرسمي للعهدة الثالثة وعندما نطلع على الصياغة الرسمية للتعديل الدستوري الجزئي حتى لا نرجم بالغيب والله ولي التوفيق.   

علي بن حاج
نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ
الجزائر : 03 ذو القعدة 1429 هـ
الموافق لـ: 02 نوفمبر 2008 م

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version