تعيش الجزائر هذه الأيام مظاهرات عارمة يقودها طلاب السنة الثالثة ثانوي وبدعم من أقسام أخرى، الذين تحدوا قوانين منع المسيرات التي تفرضها الحكومة في إطار حالة الطوارئ السارية المفعول منذ سنوات، وطبعا القانون يمس المسيرات التي تناهض سياستها أما تلك التي تؤيد مشاريع السلطة فهي لا تحتاج لترخيص، لأنها غالبا ما توصف بالمسيرات العفوية، فقد وقعت مسيرات لإستقبال الرئيس بوتفليقة لما عاد من مستشفى فال دوغراس العسكري في جانفي 2006، ومسيرات أخرى جابت أصقاع الوطن بعد تفجيرات 11 افريل 2007 التي إستهدفت قصر الحكومة، وقد قادها الوزراء وزعماء ما يسمى تجاوزا بالأحزاب ونقابة بقايا العمال، لتندد بالعمليات الإرهابية وتعلن مساندتها للرئيس في ما يسمى بمسعاه للمصالحة الوطنية، وخرج أيضا الكثيرون في مسيرات وصفت طبعا كعادتها بالعفوية للتنديد بعملية إستهداف بوتفليقة في باتنة من طرف إنتحاري قيل أنه يحمل كيسا مشبوها أراد به إغتيال الرئيس في 06 سبتمبر 2007…


ثورة خارج مجال التغطية

ثورة المآزر البيضاء جاءت كرد فعل على كثافة الدروس المفروضة على تلاميذ الأقسام النهائية، وفي عهد من صار يكنى بعميد الوزراء في الجزائر، والذي قضى أكثر من عقد من الزمن وهو في الحكومة، بالرغم من الفضائح المختلفة التي مست قطاع التربية، إلا أنه لا أحد إستطاع أن يزحزحه أو يتحدى مشاريعه التي ظل يتبجح بأنها مشاريع إصلاحية تعيد البكارة للمنظومة التربوية التي طالما أتهمت بأنها تصنع ما يسمى بالإرهاب في البلد، فقد وقعت أخطاء في البكالوريا وبتر النشيد الوطني وفي كل مرة يدفع الثمن بسطاء ساقتهم أقدارهم بأن يتحملوا تنفيذ أوامر فوقية تشرعها إدارة هذا الوزير المدعوم من جهات عسكرية نافذة، وفضائح كتب التاريخ الخاصة بالسنة الخامسة والرابعة إبتدائي التي فيها تمجيد للإستعمار، لكنها أيضا دفنت مع أخواتها في دهاليز النسيان والتجاوز… لمن لا يعرف أن بوبكر بن بوزيد يتحدر من مدينة الضلعة ولاية أم البواقي (الشرق الجزائري) ووالده من بشاغات فرنسا في المنطقة، تحصل على الدكتوراه في الإلكترونيات سنة 1985 من جامعة موسكو، التحق بالحكومة عام 1993 كوزير منتدب للجامعات والبحث العلمي، ثم عين عام 1994 وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي وبقي في منصبه لغاية 1997 ليعين وزيرا للتربية الوطنية والذي لا يزال يشغله لحد الساعة بالرغم من تعاقب عدة رؤساء حكومات على مدار هذه السنوات كلها، أمر آخر أنه متزوج من روسية وهي شقيقة لجنرال في قيادة قوات الدفاع الجوي الروسية، والذي تربطه علاقات واسعة بالمؤسسة العسكرية الجزائرية وخاصة أن أغلب قادتها تكونوا في الكليات الحربية الروسية ولهم به علاقات نافذة سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى صفقات التسليح الضخمة من رادارات ووسائل مضادة للطيران سواء من المدفعية أو مراقبة العمليات الجوية أو الصواريخ بيتشورا، والذي يلعب طبعا الجنرال الروسي الدور المهم في كل تلك الصفقات والأموال المبذرة يمينا وشمالا في أجهزة وأسلحة وتقنيات عفى عنها الزمن وتجاوزتها الأيام، للوزير بنت وحيدة اسمها نادية وتدرس في لندن متخصصة في البنوك، وحسب مصادر مطلعة أن الوزير بن بوزيد يستثمر في الفلاحة بالجنوب الجزائري مع دكتور سوفي متخصص في الفيزياء ومتخرج من روسيا أيضا، وطبعا ليس لوحده من تزوج بأجنبية فزميله رشيد بن عيسى وزير التنمية الريفية زوجته من أصل بولوني…

لقد حاولت بعض الجهات تسييس ثورة المآزر البيضاء وإعطاءها الطابع التحريضي، بل مصادرة براءة هؤلاء التلاميذ الذين هبوا لتنفيذ تهديداتهم في مسيرات سلمية، فالوزير راح يدعي أن جهات ما سياسية تقف وراءهم، بل مصادر إعلامية أخرى راحت تنشر ما يفيد أن نشطاء في جبهة القوى الإشتراكية التي يتزعمها الزعيم الثوري التاريخي حسين آيت أحمد، وبمعية آخرين من الحركة التروتسكية وأطراف أخرى نقابية، هي التي حرضت على هذه الثورة، كما ادعى وزير التربية أنه تم مصادرة منشورات وقعها مجهول اسمه "حمزة" الجمعة 18 جانفي الجاري تدعو للتمرد والتصعيد…

طبعا بينهم من يريد التشويش على العهدة الثالثة التي صارت هم الحكومة ومن يسير في فلكها، بل أولى الأولويات في هذا الوقت الذي يعيش فيه الشعب الجزائري الظروف المزرية، وآخر يريد إثبات وجوده في الساحة من خلال هذه المسيرات التي يمكن إحتواءها في أي لحظة وبقرارات وزارية لا تتعدى توقيعا شخصيا من الوزير بن بوزيد، ونجد في الخفاء من يحاول إجبار الوزارة الوصية على التنازلات في ما يتعلق بالرواتب الجديدة والقانون الأساسي للأساتذة… نعم إختلفت التحليلات والكل يحاول أن يبتعد عن الحقيقة الثابتة والمشروعة والتي تتعلق بحق هؤلاء التلاميذ في التظاهر للدفاع عن أنفسهم، فهم أدرى الناس بما يعانونه من كثافة الدروس واعاجيب المنظومة التربوية التي تثبت دوما فشلها على مدار عقود طويلة، الأمر الذي يمكن ان نشير إليه أن بعض المصادر الإعلامية قد سربت عن بعض المناطق التي رفع فيها التلاميذ شعارات ترفض العهدة الثالثة لبوتفليقة، وهو حادث إن وقع بالفعل كما روج له، وإن لم يكن مجرد مزايدات إعلامية ليس إلا يراد منها تثبيط الأولياء والتلاميذ أساسا لتكسير شوكة هذه الإنتفاضة المشروعة، لأن الكل يعلم بمصير من يقف في وجه تيار جارف تقوده السلطة الخفية وبدعم من جنرالات لهم نفوذهم وسطوتهم، فهي سابقة بعينها في ظل التطبيل ورقص الإنتهازيين والمفسدين والنفعيين واللصوص والمرتشين والمنحلين والمزمرين لعهدة ما تزيدهم إلا نفعا وثراء وما تزيد الشعب إلا فقرا وتدهورا وغرقا في الجوع، نضرب مثالا بسيطا أن وزير الفلاحة سعيد بركات يترأس مجلس إدارة "الشركة العامة للإمتياز الفلاحي" تورطت في فضيحة تبديد أموال عمومية تجاوزت 2000 مليار سنتيم من ميزانية حديقة الحيوانات والتسلية أو التي تعرف بحديقة الوئام المدني… حقيقة أنه لا يمكن أن يحدث في دول تحترم دساتيرها وقوانينها، أن تأتي قناة التلفزيون اليتيمة وتروج لتصريحات نفعية طماعة وصادرة من طرف أناس شبعوا من ريع السلطة حتى النخاع، ويطالبون الرئيس بوتفليقة من أن يترشح لعهدة ثالثة وبالأحرى يطالبونه بالرفس والتغوط على الدستور ورميه في سلة المهملات، فمثل هذه الدعوة المروج لها من قبل تلفزيون حمراوي حبيب شوقي هي دعوة للتمرد على الدستور والتي وجب أن يعاقب عليها القانون، لا أن يصفق لها من طرف أبواق السلطة التي بحتها التخمة في محميات نادي الصنوبر وموريتي، فتخيلوا لو أن أحدا ممن تنصروا صرح من ان المسيحية دين الدولة وهو ما يخالف الدستور، أو أن آخر لم يعجبه نشيد قسما وراح يطالب الرئيس بأن تعزف قصيدة جزائرنا يا بلاد الجدود في المناسبات التاريخية والرسمية بدل نشيد مفدي زكريا، فكيف سيكون مصيره؟ طبعا سيقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتعدي على الدستور كما حدث لمفتشين ضحت بهم وزارة بن بوزيد في قضية بتر النشيد الوطني، المبتور أصلا في كثير من مستندات الوزارة الوصية، فالدعوة باطلة أصلا من الناحية الدستورية، فعلى الأقل كان يجب أن تكون لتعديل الدستور وليس لأجل العهدة الأخرى فقط وإنما لكثير من الأمور التي وجب أن تتم مراجعتها لإحداث التوازن الفعلي بين مؤسسات الدولة والهيئات والسلطات، فأن تصرف الأموال وتبذر لأجل تغيير مادة دستورية إنتخب عليها الشعب بـ "سيادة" كما زعموا حينها في عهد الرئيس الأسبق اليمين زروال، ولأجل أن يبقى فلان أو علان في السلطة مهما كانت عبقريته ومهما كانت إنجازاته، هو تطاول على الأمة وتطاول على قيمها الحضارية بلا شك، وليس هذا موضوعنا الآن، وبالرغم من أن الجميع يدركون أسباب تعديل الدستور في عهد الرئيس اليمين زروال، حيث طبخ من أجل إنهاء قضية جبهة الإنقاذ التي حلت من طرف العسكر، ليمنع الدستور تأسيس أحزاب على أساس ديني أو جهوي، وهو إدعاء باطل اثبتته بعض الأحزاب كحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية البربري، فكل مرة يعدل الدستور لمصلحة الحاكم فهذا يعني أنه لن تقوم للدولة قائمة أبدا مادام الحكام يفكرون بهذه الطريقة القذرة، فالواجب على الجميع هو الخضوع للدستور الذي لا يبدل ولا يغير مهما كان الأمر، أما أن يأتي كل من هب ودب ويحوله إلى غرف الإنشاء والمحاولات فذلك دليل على سقوط هذه الأنظمة وفسادها… نعم… نحن مع تعديل الدستور وإعادة النظر فيه لأنه لا يساير بالفعل كثيرا من متطلبات العصر، وأيضا أنه كيف وفق أهواء من سبق من الرؤساء، لكن أن نعدله لأجل هوى الرئيس بوتفليقة حتى يتمكن من الخلود في الحكم فذلك هو ما لا نقبله أبدا، ومهما كانت معجزات الحاكم فلا يبيح له أبدا أن يغير دستور بلاده لأجل الأبدية في الكرسي، هذا طبعا لا يجعل للدولة والقيم الدستورية أي هيبة، وقد يأتي يوم ويحكمنا متنصر قد يجعل المسيحية دين الدولة والعربية ليست لغتها، حينها نقرأ على أمتنا فاتحة الكتاب.

1 2 3

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version