شرعية تحت الصفر

لقد قامت قوات الأمن بقمع التلاميذ والتعرض لطفولتهم وصرخاتهم البريئة بالعصي والهراوات، على عكس ما يروج له إعلاميا بأن الشرطة تلقت أوامرا بعدم إستعمال العصي والضرب، فقد قمعوا بالحراش (ثانوية عبان رمضان – أحمد توفيق المدني – محمد هجرس) وتم منعهم بالقوة من الوصول لمفتشية التربية لشرق العاصمة الجزائر… إن هذا الذي حدث لدليل قاطع على فساد منظومة الحكم في الجزائر، فالحل الأمني للإرهاب باء بالفشل الذريع، والحل الأمني للبطالة عن طريق توظيف الشباب في أسلاك الشرطة والجيش والأمن والحرس البلدي وحتى في ما يعرف بجماعات الدفاع الذاتي، زاد الوضع تدهورا واثبت أن العنف والحرب الأهلية التي تضرب الجزائر ليست كما يحاول أن يروج لها من انها حربا بين الدولة والقاعدة، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما وما القاعدة إلا شعار أتخذ من طرف جهات داخلية وخارجية لتحقيق مآرب مختلفة بسطناها في دراستنا عن "تنظيم القاعدة في الجزائر: بين حسابات النظام وأطماع الأمريكان"… لكن أن يمتد الحل الأمني للمنظومة التربوية عن طريق قمع الأطفال وبالهراوات فذلك ما يزيد المؤسسات التشريعية إلا تفسخا، لأن ثورة المآزر هي في الأصل ثورة ضد ترسانة قوانين شرعتها الحكومة وباركها نواب البرلمان برفع الأيدي، مما يؤكد أن الأزمة في الواقع أزمة شرعية وليست أزمات عابرة تخلفها التحولات التي تشهدها كل الأمم خاصة تلك التي تعلن تحولها من الإشتراكية العابثة إلى الليبرالية المتوحشة، فلو كان النواب يتمتعون بالشرعية الكاملة فسوف يقفون إلى جانب خيارات الشعب وليس لجانب خيارات السلطة، ويكفي أن البرلمان الجزائري يمثل أقلية فقط، والدولة التي تشرع لها عصابة تمثل الأقلية لهي دولة تشرف على الزوال وستمحى حتما من خريطة العالم، لأن ابناءها قد يموتون جوعا وإرهابا وحرقة نحو الضفة الأخرى… فالنواب الذين تستنزف لأجلهم خزينة المال العام وبطريقة بشعة للغاية، حيث أن 389 نائب يلتهمون 387 مليار، تخيلوا أتاوى الهاتف 1 مليار سنتيم، وصيانة عتاد الإعلام الآلي وتدخل فيه لعب أبنائهم فاق 9 ملايير، ومصاريف المطعم 7 ملايير ونصف مليار سنتيم… الخ، على المستوى المحلي نجد الأميار قد أفسدوا في الأرض ومجرد إنتخابهم ينتهي إتصالهم بالناس ويتفرغون لخدمة أغراضهم الشخصية ومصالح الزمرة الفاسدة من أصحاب المال والأعمال الذين وقفوا لجنبهم وأوصلوهم لسدة المجلس البلدي أو الولائي، حتى يسيطروا على الميزانية ويستأثروا بالصفقات الضخمة، ويكفي أن العهدة التي مرت تمت متابعة 1178 منتخب وتم إدانة 400 منهم حسب وزير الداخلية يزيد زرهوني، وفي العاصمة الجزائرية وحدها حيث مركزية القرار والسلطة 22 من أميارها فتحت بشأنهم تحقيقات أمنية، ونسبة كبيرة من أميار العهدة السابقة تم ترشيحهم في الإنتخابات المحلية التي جرت في 29 نوفمبر 2007 فنجد 50 % من مترشحي حزب التجمع الوطني الديمقراطي تم ترشيحهم حسب ميلود شرفي القيادي في الحزب، وبالنسبة لحركة حمس جددت الثقة في جل المنتخبين السابقين حسب محمد جمعة المكلف بالإعلام، ويكفي آخر خبر وهو إدانة متصدر قائمة حزب سلطاني "حمس" بالعنصر ولاية جيجل بعام حبس غير نافذ وغرامة مالية قدرها 15 الف دينار جزائري وهذا بسبب تزوير شهادة عدم العمل لزوجة المير السابق لأجل تمكينها من إدراج ملف طالبي السكن الإجتماعي (صحيفة صوت الأحرار: 04/12/2007)، ونجد أيضا قريبة السعيد بوتفليقة (شقيق ومستشار الرئيس) بالرغم من أنها أدينت بعام حبس إلا أن ملفها للترشح قبل ببلدية عين البنيان "العاصمة" حسب ما صرح به كريم طابو السكرتير الأول لحزب الأفافاس (الخبر: 17/11/2007).

فمشكلة المحاولات القذرة التي تطبخ في الخفاء لأجل تسييس ثورة المآزر، لهي دليل قاطع على فشل وفساد الحكم في الجزائر، فساد في الحكومة التي برغم البحبوحة المالية التي تقترب من 100 مليار دولار تعج بها خزينة الدولة، لم تستطع إيجاد حلول ناجعة لواقع الشعب الجزائري الذي يقترب على تحطيم أرقام قياسية في نسبة الفقر، وطبعا عكس ما تروج له وزارة التضامن والتي غالبا ما تقوم بتزييف الحقائق حتى تعكس صورة مزركشة عن واقع مزري، فهذا الفقر قد نشر عدة آفات كالجريمة المنظمة والإرهاب والتشرد والضياع والحرقة والإنتحار وخطف الصغار والكبار والمخدرات والدعارة والعنوسة… الخ، ففي تقرير لوزارة التضامن سجلت منذ 2004 إلى غاية 1 سبتمبر 2007 عدد المتشردين بلغ 29148 من بينهم 3089 مختل عقليا و530 أم عزباء، الرجال المشردون 20816 والنساء 8332، المتزوجون بلغ 1720 والعزاب 19463، أكثر من ذلك أن 600 متشرد و173 متشردة بلغوا أقصى درجات الإدمان، وإن كنا نعلم مسبقا أن الوضع دائما اخطر بكثير مما تروج له الجهات الرسمية، ولكن في هذه النسبة ما ينذر بالخطر طبعا ويهدد بالإنفجار، إن زادتها إشتعالا أزمة غلاء الأسعار من بطاطا ولحوم وطماطم وزيت وغاز وكهرباء وسكن… الخ، وحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة من أن مليون ونصف مليون جزائري يعانون من سوء التغذية، وأيضا على صعيد آخر تعرف الجزائر تصاعدا في الجريمة المنظمة، ويكفي الإكتظاظ الذي تشهده السجون فاق حدود التخيل فمثلا سعة سجن الحراش القانونية لا تتجاوز 2000 سجين ولكن يوجد به أكثر من 4000 سجين، والقاعة التي تكون مخصصة لـ 30 سجينا تجد فيها حوالي 150 سجينا يتقاسمون عدد البلاط أثناء النوم… أيضا في 10 الأشهر الأخيرة من عام 2007 وحسب حصيلة رسمية صادرة عن مصالح الدرك أنه تم تسجيل 2207 قضية مخدرات فقط وأنه تم حجز 64900 قرص مهلوس، أيضا إنتشار الفساد الأخلاقي فقد تم إحصاء 21 الف طفل غير شرعي خلال الخمس سنوات الأخيرة حسب وزير التضامن جمال ولد عباس، سجل كذلك 150 الف جزائري مريض بإنفصام الشخصية حسبما كشفه الدكتور شاكلي محمد المختص في الأمراض العقلية، أيضا إنتشار الفساد والرشوة ونضرب مثالا فقط أن اللواء بوسطيلة قائد الدرك أكد فصل 5000 دركي وإحالة 1600 منهم على العدالة منذ سنة 2000 بتهم تعاطي الرشوة والتأخر والغياب… هذا بغض النظر عن قضايا الفساد والرشوة والمحسوبية والإختلاس التي تضرب العمق الجزائري، ففي كل يوم تطالعنا الصحف انباء عن فضائح تمس القطاعات الحساسة مرة في البنوك واخرى في وزارات وحتى في البرلمان نفسه فضائح عديدة… فيمكن لنا ان نؤكد بناء على الواقع وبعض التقارير المستقلة على أن الوضع الإجتماعي ينذر بالإنفجار الذي لا يمكن تجاوزه أبدا، دفع الأمر بعض الدوائر في السلطة إلى التخوف من عودة أحداث أكتوبر أخرى في ظل هذا الوضع الإجتماعي المزري والمتعفن، فريع النفط الذي شارف ثمن البرميل 100 دولار جعل الخزينة العمومية تسيل اللعاب، قارب إحتياطي الصرف 100 مليار دولار، وقد كان عام 1999 قد بلغ 4,4 مليار دولار، ويكفي الهجمة الشرسة الغربية على ذلك كما جرى مع فرنسا حيث إستطاع نيكولا ساركوزي أن يفتك أكثر من 5 مليارات في صفقات ستعود بالفائدة على جيوب المفسدين وما أكثرهم في السلطة الجزائرية، ومنه 43 مليار دولار في الخزينة الأمريكية حسب تقرير معهد باترسون الصادر في أوت 2007، بالرغم من كل ذلك فالحكومة والنظام برمته لم يستطع التحكم وترشيد هذه الثروة التي تضيع بين صفقات مشبوهة وإختلاسات منظمة وديون متعمدة لصالح وجوه محسوبة على وزراء وجنرالات ومشاريع وهمية أو مزورة… ليبقى الشعب يئن تحت وطأة الفقر وغلاء المعيشة والجوع وإن هب أحدهم للدفاع عنه فإما تلفق له تهما تتعلق بالإرهاب أو الخيانة أو العمالة للخارج… ونشير هنا أن الجزائر تخسر سنويا ما بين 500 مليون و800 مليون دولار بسبب التعاملات التجارية بالأورو والصادرات بالدولار.

إن عجز الطبقة السياسية وما يسمى تجاوزا بالأحزاب التي ما صار همها سوى تطبيق برنامج الرئيس بوتفليقة، إن كان له برنامجا أصلا عدا تلك المصالحة المزيفة التي ما زادت الوضع الأمني إلا تعفنا، وكأنها أحزاب تشكلت لهذا الغرض وكان الحري بها والأفضل لحفظ ماء وجهها أن تسمي نفسها جمعيات مساندة أو خيرية بالرغم من أنه لا خير يرجى منها، وطبعا هذا لا يجعلنا ننفي دور بعض الأحزاب التي ظلت غصة في حلق السلطة، ولكن الإنتهازيين المتواجدين في كل مكان يرضخون لمؤامرات تنسجها السلطة ويدعمها زرهوني بإدارته فتقع فريسة لما يسمى بالحركات التصحيحية، كما جرى لحركة الإصلاح الوطني وزعيمها عبدالله جاب الله الذي سبق أن طرد من حركة النهضة التي أسسها وصارت مجرد بوق لا صوت بعد رحيله منها في إنقلاب صنعته السلطة، وأيضا ما جرى من قبل لحزب جبهة التحرير الوطني عندما تم الإنقلاب على زعيمه عبدالحميد مهري بسبب المصالحة والحوار وهو ما رجعت له السلطة في ما بعد كحل وحيد لتجاوز عقدة الشرعية التي تلاحقها فضلا من طي ملفات مقلقة وثقيلة تتعلق بحقوق الإنسان، وكذلك الإنقلاب على علي بن فليس لما حاول أن يخرج الحزب من جبة الرئيس بوتفليقة… الخ، فزعماء هذه التشكيلات التي لا قاعدة لها سوى اولئك الذين يلعقون من عير الغنائم التي تدرها سرايا السلطة على الأحزاب الممجدة لسياستها، أما الشعب الفقير المغلوب على أمره الذي أصبح يسدد أتاوات على التنفس فلا مكان لهم في برامج هؤلاء سوى عند مواعيد الإنتخابات حينها يخرجون من جحورهم المتمركزة بقصور محميات أمنية تستنزف الملايير أيضا من المال العام، هذا العجز يعود أساسا للإرتماء غير المشروط في مشاريع السلطة حتى ما صرنا نرى معارضة يمكن أن يلجأ لها لتمرير الخطاب الآخر والمتذمر لأغلبية الشعب الجزائري، فالأحزاب لما تخلت عن دورها وصارت تسابق الريح لأجل الظفر بمقاعد في الحكومة وحتى في البرلمان على حساب الأغلبية الساحقة، وإقصاء الوجوه التي لها مكانتها ومصداقيتها ومؤهلة لإدارة دفة المعارضة المشروعة والحقيقية للسلطة النائمة في العسل، تلك كلها حيثيات جعلت من الطبقة السياسية عاجزة على إيجاد مخرج مشرف لها في ظل السقوط الحر للمنظومة السياسية في الجزائر، وهو طبعا ما يخدم النظام الحاكم الذي يطيل عمره مستنقع سياسي لا تجد فيه إلا نقيق الضفادع ولا يطفو على سطحه إلا الخز ولا تفوح منه إلا رائحة التعفن…

 
 
1 2 3

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version