ظاهرة الاختفاءات القسرية في الجزائر ليست جديدة، فقد تواصلت لأكثر من عقد من زمن، حتى بلغ عدد المختفين أو ما صار يعرف بالمفقودين أكثر من 7000 مفقود، وتذهب مصادر أخرى إلى أن عددهم بلغ 20 ألف مفقود، ولقد حاولت السلطات الجزائرية طي هذا الملف عن طريق ميثاق السلم والمصالحة، إلا أنه ظل يراوح مكانه، لأن عائلات الضحايا متيقنين بدور الأجهزة الأمنية ومديرية الاستعلامات والأمن "المخابرات" في اختطاف ذويهم وتصفيتهم – طبعا – خارج أطر القانون، بل أن السلطات ظلت تتلاعب في الأرقام حيث أعلنت في البداية أن عدد المفقودين هو 6146 حالة، وبعد فترة يعلن أن عددهم هو 3000 حالة، وقد التحقوا جميعا بمعاقل الجماعات المسلحة… الموضوع شائك ومعقد للغاية وما يزيده تعقيدا هو تواصل هذا الأمر لحد الآن، بالرغم من إنكار السلطات الرسمية لكل ما يروج له إعلاميا ومن طرف المنظمات غير الحكومية خاصة، التي ظلت تقرع أجراس الخطر عن هذه الظاهرة الخطيرة المتفشية، والتي تتنافى مع كل المواثيق الدولية التي وقعت عليها الجزائر، وإن كانت الظاهرة عرفت انتشارا واسع النطاق خلال التسعينيات كما أشرنا، إلا أن الجهات الحكومية ظلت تنكر وجودها الآن على الأقل، بل أكثر من ذلك راحت تنفي قضية السجون السرية التي أكدت المصادر المختلفة على وجودها وانتشارها في عدة مناطق بالجزائر كالجنوب والوسط…

تسجل يوميا حالات اختطاف واختفاء قسري إلا أنها لا تصل للمنظمات الحقوقية، وتحاول المصالح المعنية بمنع وصولها، وغالبا عن طريق الضغط على أسر الضحايا وذويهم وبشتى طرق الترهيب، حتى لا يلجأون إلى الشكوى أو مراسلة المنظمات والهيئات الدولية، بل توجد عائلات تفضل السكوت عله يكون ذلك في صالح ابنهم المختفي، وربما يدفع ذلك نحو إثارة عواطفهم ويعلمونهم بمكان تواجده، إلا أن مصالح الأمن والمخابرات ظلت تواصل عملية اختطاف المواطنين ومن دون أن يعرفوا أسباب ذلك ولا حتى ذويهم على علم بمكان الاعتقال، وبطرق تتنافى مع القانون ولا يراعى أي ميثاق في ذلك، وهناك من أخبرنا أنهم تلقوا تهديدات في حال بلوغ أي شيء لـ "جهات أجنبية" ويقصد بها – طبعا – نشطاء حقوق الإنسان، وإن فعلوا ذلك سيسبب الموت المحتوم والتصفية الجسدية للمختطف…

وعلى سبيل المثال لا الحصر وبالرغم من أن الحالات التي تسجل كثيرة، نتحدث اليوم عن حالة جديدة للغاية وصلتنا، حيث تم تسجيلها في 26 ماي الماضي فقط، وتتعلق بالمواطن الجزائري عادل ساكر، الذي تم استدعاءه لمركز أمني فلب الطلب لمعرفة الأسباب، ومن ذلك الحين لا أثر له بالرغم من محاولات العائلة للبحث عنه لدى الجهات الرسمية التي تنصلت من كامل المسؤولية، بل تعامل معاملة تتراوح بين الإهانات والطرد والشتم والسب…

ساكر عادل من مواليد 28 يناير / جانفي/ 1977 بولاية سكيكدة، والده كمال وأمه ساكر زينة، له مستوى جامعي، حالته الاجتماعية متزوج ولا يوجد لديه أطفال، يقطن حاليا بدائرة تمالوس ولاية سكيكدة (الشرق الجزائري)، تعرض للاعتقال أول مرة عام 1994 في سن الأحداث متهما بقضايا تتعلق بما يسمى بالإرهاب، حيث قضى ثلاث سنوات كاملة، ثم أعيد اعتقاله عام 1998 و 2001 وفي كل مرة يقضي سنة كاملة، وظلت ملاحقته دوما بالتهم نفسها… مل الاعتقالات والمضايقات المختلفة وتلفيق التهم والمتابعات فعزم أمره عام 2003 ليلتحق بسوريا للدراسة، مكث سنة ونصف ظل أعوان المخابرات يقتفون أثره، ليتم اختطافه في 26 فيفري 2005 من طرف المخابرات السورية وبإيعاز من أجهزة الأمن الجزائرية، وهو في مقهى انترنيت ظل يتردد عليه دوما حيث يتواصل مع أهله في الجزائر، وقد زعموا أنه مسؤول إعلامي لمواقع جهادية تابعة لـ "لقاعدة"، بل ذهبت مصادر إعلامية إلى اعتباره وسيطا بين التنظيم الجزائري و"تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وزعيمه حينها "أبومصعب الزرقاوي"، تعرض خلال الاعتقال بمركز أمني سوري لأبشع أنواع التعذيب، حيث أعتبر غنيمة كبرى تقدمها دمشق لواشنطن في إطار حربها على ما يسمى بالإرهاب، غير أن أمريكا لم تهتم بعادل لأنه غير معروف لديهم ولا هو مسجل في تقاريرهم الاستخباراتية، فاضطرت السلطات السورية لترحيله قسريا للجزائر على متن طائرة خاصة، مقيد اليدين معصوب العينين وفي حال يرثى لها، ولما وصل مطار هواري بومدين الدولي بالدار البيضاء (الجزائر العاصمة) تم استلامه من طرف ضباط الاستعلامات والأمن (المخابرات)، ليتم نقله إلى مركز ثكنة عنتر (حيدرة)، ويعرف لدى كل من مر عليه بـ "غوانتانامو الجزائر"، وفيه تعرض لأبشع أنواع التعذيب والاضطهاد والقهر على مدار عام كامل، ومن دون أن يتصل به أهله ولا أحد يدري بما جرى له، لولا اعتقال أخويه ساكر عمار وهو طبيب والآخر ساكر زهير، وتم إيداعهما سجن سركاجي ولم يفرج عنهما إلا في 05 مارس 2006، وفي السجن علما من خلال مساجين بتواجد شقيقهما عادل في ثكنة حيدرة ، ونقل بعض المساجين أنه من شدة التعذيب كان لا يستطيع الوقوف ولا حتى التكلم، وكاد أن يفقد ذاكرته نهائيا… بعد سنة كاملة من الاعتقال في مركز سري لا تصله المنظمات الحقوقية ولا حتى القضاء الجزائري، تم تقديمه لدى نيابة محكمة عبان رمضان بالجزائر العاصمة، وقد تلاعبوا في تواريخ القبض حتى تتماشى مع القانون، ومن ثمة أفرجت عنه المحكمة لعدم ثبوت أي أدلة عليه في فيفري 2006، بالرغم من زعم وسائل الإعلام أن الجزائر تسلمت الأصولي أبو ياسر سياف، الذي روجت الأخبار الإعلامية الأمنية التي تقف وراءها الأجهزة الاستعلاماتية الجزائرية، من أن المكنى "أبو ياسر سياف" ناشط إعلامي كبير وهو الذي أنشأ موقع الجماعة السلفية الجزائرية، وأنه ينشط ضمن شبكة المصري أبو جهاد المحكوم عليه بـ 15 عاما برفقة آخرين جزائريين بينهم لحمر عواد ونعاس الذي حكم عليهما بالمؤبد في 19/11/2007، بتهمة تجنيد الجزائريين للقتال في العراق، وقد أصدرت الجماعة السلفية بيانا في 16 نوفمبر 2004 بيانا ناشدت فيه من سمتهم "المسلمين الغيورين على دينهم وإخوانهم" للالتحاق بتنظيم الزرقاوي في الفلوجة والعراق، وقد كان من توقيع المسمى أبو ياسر سياف الذي زعمت مصالح الاستخبارات أنه عادل ساكر، بالرغم من نفيه لذلك ولا علاقة له بهذا الاسم أصلا…

تتواصل المضايقات في حق عادل بعد الإفراج عنه، فكل مرة يستدعى لدى مصالح الأمن ليقضي ساعات تحت طائلة التحقيق والمعاملات المستفزة، وظلت الضغوطات عليه في صور لا يمكن وصفها، حتى صار يعتقد أن المخابرات تحاول إجباره عن طريق الترهيب وبث الإشاعات والضغط، على الفرار نحو معاقل الجماعات المسلحة،إلا أنه ظل صابرا ومتجاوزا كل ما يحدث له… إلى أن استدعي يوم الاثنين 26 مايو 2008 من طرف ضابط الشرطة لأمن دائرة تمالوس بوعبدالله رضا، وقد حمل الاستدعاء للبيت العون علي موسى، بعدها توجه عادل ساكر مباشرة إلى مركز الأمن للاستفسار عن سبب تلك الاستدعاء، وقد كان يعتقد أنه تحقيق روتيني كالمرات السابقة، وحسب مصادرنا فقد وجد ضباط مخابرات في انتظاره، ليختفي منذ ذلك الحين ولا أثر له، عائلته التي حيرها غيابه الذي بدأ يطول وطرح لديهم الكثير من الشكوك وإن كان إجماعهم أنه وقع تحت طائلة الاعتقال، لجأت لمركز الأمن الذي أستدعي عادل له، ولم يخبروهم بشيء عنه وكأنه لم يدخل بنايتهم أصلا، وتم تبليغ الجهات المختصة كوكيل الجمهورية والنائب العام لدى مجلس قضاء سكيكدة، ولكن من دون فائدة ولا جواب يشفي غليل الأسرة المفجوعة في اختفاء ابنها…

على إثر هذا الاختطاف القسري تقدمت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان المتواجد مقرها بجنيف، بشكوى عاجلة للسيد ستوفان توب رئيس فريق العمل للاختفاء القسري لدى الأمم المتحدة، وذلك مساء يوم الاثنين 30 جوان 2008، وشكوى مماثلة إلى السيد مانفراد نواك المقرر الخاص بالتعذيب لدى الهيئة الأممية نفسها، حيث طالبت بتمكين المختفي عادل ساكر من كل حقوقه القانونية وفق ما تفرضه المواثيق الدولية والإفراج عنه في أقرب وقت ممكن في حال عدم ثبوت أي شيء يدينه أو تقديمه للقضاء، وفي السياق نفسه اتصلت منظمة الكرامة بلجنة مناهضة التعذيب واللجنة المعنية بحقوق الإنسان من أجل التذكير بالتوصيات التي صدرت في نوفمبر 2007 وماي 2008، والتأكيد على أن الجزائر لم تأخذ هذه التوصيات بعين الاعتبار، وقد أنكرت الحكومة الجزائرية من خلال ممثليها أو من خلال وزير خارجيتها مراد مدلسي خلال وقائع المجلس الأممي لحقوق الإنسان، وجود المراكز السرية غير أن الواقع وما يجري ومن خلال الكم الكبير من الوقائع الذي سجلته المنظمة الحقوقية يفيد بعكس ما يحاول النظام إنكاره… فترى هل سيعود عادل ساكر لأهله هذه المرة أم سيعلن أنه إلتح بمعاقل ما يعرف "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" كما يجري عادة مع كل مختطف أو أن سيبقى في عداد المفقودين لسنوات…؟

أنور مالك
1 جويلية 2008

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version