دون وازع ديني أصيل مصحوب بعقاب صارم للجناة والبغاة، فلن تفرخ مجتمعاتنا الا أجيالا من قطاع الطرق وسفاكي الدماء !!
محمد مصطفى حابس: جينيف / سويسرا
ظاهرة اختطاف الأطفال وقتلهم وخاصة البنات منهم، أسالت الكثير من اللعاب والحبر من طرف المختصين في بلاد الشرق كما في الغرب، وأولت لها الدول اهتماما كبيرا، كما اهتمت بها الجمعيات والهيئات الدولية والإنسانية، وسخرت لها ميزانيات وفضاءات اجتماعية وترسانات قانونية وندوات ومحاضرات، كما تعتبر من الجرائم المعروفة عبر التاريخ، التي تعاني من آثارها وسلبياتها النفسية والاجتماعية والقانونية، فالكثير من الدول الغربية اليوم، نظرا لضعف الوازع الديني في الغرب تدفع ثمن ذلك باهضا، أما في دولنا النامية فهو راجع لعدة أغراض مشبوهة وغير مشروعة، كالمتاجرة بالأعضاء البشرية، والسحر والشعوذة والاستغلال الجنسي..
وفعلا فقد أصبحت هذه الظاهرة تخيف اليوم جل العائلات المسلمة، وتستغل من طرف البعض لكهربة الأجواء بين أبناء البلد الواحد، مع أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق العائلات ذاتها، التي يجب أن تتحلى بروح المسؤولية وتقوم بمراقبة فلذات أكبادها، ومتابعتهم حتى في المراحل الجامعية وعدم السماح لأطفالهم بالخروج دون متابعة ورعاية، ورصد حركاتهم وعدم إرسالهم للتسوق أو اللعب في الأماكن المشبوهة وفي أوقات غير مناسبة. إنها مسؤولية ثقيلة والكل معني بها من العائلة الى المحيط، فالمدرسة فالدولة فالمجتمع برمته !!..
و قد شرحنا بإطناب لمن أراد الاستزادة، في مقال مطول سابق بالفرنسية بجريدة ” الشاب المسلم” الجزائرية بالفرنسية (مارس/ أفريل 2021 / رقم41 – ص : 26-31)، تحت عنوان:
« Les femmes et le phénomène du célibat dans nos sociétés », paru dans Le Jeune Musulman, N°41, p. 26-31
وكذا مقالنا في البصائر ويومية ” العمق المغربي” بتاريخ 14 مارس 2017 بعنوان
“اليوم العالمي للمرأة و واقع العنوسة في مجتمعاتنا ..أرقام مفزعة و بالملايين ؟”
إن الله يزَع بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن:
وقد جاءت الشرائع السماوية بالحفاظ على الضرورات الخمس: وهي الدين والعقل والنفس والعرض والمال، ومما يحفظها إقامة العقوبات الشرعية في حق الجناة والبغاة، ممن خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من أتاكم وأمرُكُم جَمِيْعٌ على رجل واحد، يُريد أن يَشُقَّ عَصَاكُم، أو يُفَرِّقَ جَمَاَعَتَكُم، فاقتُلُوهُ”؛ رواه مسلم.
وإن من وظائف الدولة الإسلامية ومهماتها وواجبات الولاة ومسؤولياتهم إقامة حدود الله وحفظ الأمن: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزَع بالسلطان ما لا يزَع بالقرآن، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمر، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات)؛ (الحسبة: 45).
وإذا أُقيمت الحدود الشرعية، فإن لذلك أثره الإيجابي على المجتمع، فيَسْتَتِبُّ الأمن، ويأمن الناس على أنفسهم، وأعراضهم وأموالهم.
الفضائح الجنسية لكبار مسؤولي الدولة والكنيسة في الغرب:
المثل العربي المعروف ” حاميها حراميها “، قد يكون أبلغ لمّا يكون، الراعي والقدوة والمثل، هو صاحب الجريمة، وقد عايشنا وسمعنا في المدة الأخيرة، الفضائح الجنسية لكبار مسؤولي الدولة الفرنسيين، التي اهتزت بعدها الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية بفضائح الاستغلال الجنسي المقرف للأطفال داخل الكنيسة الفرنسية، نعم داخل ” بيت الله”، كما يقولها بالفرنسية بعض الأولياء والضحايا، حيث اعتدى رجال الدين الفرنسيون على الأطفال جنسيا منذ عام 1950، الى يوم الناس هذا !!
ولحد الساعة، تزداد الدراما سوءًا، لأن الكنيسة الكاثوليكية هي في قلب الفضيحة، وحتى الوزير المسؤول (جيرار موسى دارمانين، وزير الداخلية والدين) من أصول جزائرية، يُحاكم بتهمة الاغتصاب.. كما تشير الإحصاءات العامة إلى أن ما بين 2900 و3200 من أعضاء الكنيسة مدانين بالتحرش في هذه المؤسسة الدينية منذ 70 عامًا، وفقًا للهيئة المستقلة المعنية بالاعتداء الجنسي في الكنيسة بفرنسا.
Aujourd’hui le drame s’aggrave, vu que l’Eglise catholique est au cœur du scandale et même le ministre de tutelle (Gérard Moussa Darmanin, Ministre de l’Intérieur et des Cultes), est poursuivi pour viol. Des statistiques publiques disent qu’entre 2900 et 3200 pédocriminels membres de l’église ont sévi en 70 ans dans l’institution, selon la Commission indépendante sur les abus sexuels dans l’Eglise (Ciase) (3), depuis 1950.
فضائح كبار المسؤولين في أوساط اليهود المتدينين في إسرائيل ؟؟
في نفس الفترة، اهتزت أيضا في أوساط اليهود المتدينين في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة لعام 2021 أخبار فضائح واعتداءات جنسية غير مسبوقة تواجه بحملة شجب ورفض مشابهة لحملة “مي تو” (أنا أيضا) العالمية، وشعارها “لن تسكت؟”. وقد انتحر كاتب قصص الأطفال المشهور حاييم والدر في ديسمبر قبل الماضي، الذي كان أيضا حاخاما بارزا في إسرائيل، بعد أن نشرت صحيفة “هآرتس” اليسارية مقالا اتهمته فيه بالاعتداء الجنسي على حوالي عشرين شخصا بينهم أطفال.. ونفى والدر ذلك، وانتحر في وقت لاحق. وكانت الصحيفة ذاتها أفادت في مارس بأن مؤسس جمعية “زكا” الخيرية يهودا ميشي- زحاف الفائز بـ”جائزة إسرائيل” التي تعتبر أرفع جائزة فخرية في البلاد، اعتدى جنسيا على فتية وفتيات ونساء.. وحاول ميشي- زحاف الذي رفض هذه المزاعم واعتبرها حملة “أكاذيب”.. لكنه لم يستطع المقاومة بالمراوغة، فجعل نهاية لنفسه بالانتحار شنقا في شقته في أبريل قبل الماضي قبل بث قناة “إن 12″ الإسرائيلية اتهامات جديدة ضده..
قضية «الجنس مقابل النقاط» تدنس الحرم الجامعي في العالم الاسلامي

أما في العالم الإسلامي فقد أثارت، هذا الاسبوع، قضية «الجنس مقابل النقاط» الرأي العام في المغرب الشقيق والجالية المغاربية في أوروبا، بعد التفاصيل المثيرة في إحدى الجامعات المغربية وتم الحكم على أستاذ جامعي بالسجن سنتين في ابتزاز طالباته جنسيا، لتظهر بعدها تفاصيل جديدة وروايات أخرى من طالبات أخريات في جامعات مغربية أخرى تعرضن لنفس الموقف ليستمر اشتعال فتيل الأزمة..
وكشف موقع هيسبرس المغربي أن بداية قصة التحرش الجامعي كانت من مدينة سطات من جامعة الحسن الأول ثم دخلت جامعة وجدة وطنجة تحت الاضواء، حيث بدأت القصة بتناقل طلبة بمواقع التواصل الاجتماعي رسائل منسوبة إلى أستاذ بشعبة القانون العام، مع إحدى الطالبات، يراودها فيها عن نفسها مقابل منحها نقطا في الامتحان، لتنتشر الرسائل بين الطلبة كالنار في الهشيم، وصارت حديث الجميع، حيث بدأت الطالبات بجامعة الحسن الأول يخرجن عن صمتهن، ويروين قصصا عديدة، لتنفجر فضائح جديدة، لأستاذ بالجامعة نفسها، عبارة عن فيديو يوثق ممارسة جنسية مع طالبة داخل شقة بالدار البيضاء، وعدها بالتدخل للحصول على نقطة جيدة في بحث نيل شهادة الإجازة.
وفي شهادة أخرى مماثلة لاحدى الطالبات، كانت بداية التحرش، عند إجراء الامتحان، حيث وجدت نفسها في مواجهة مع أستاذها الذي اتهمها بالغش وأخرجها رفقة زميلة لها من القاعة، بعد سحب ورقة الامتحان وبطاقة الطالب منهما، بدعوى أنهما لا يتابعان الدراسة في فصله !!
وحسب الطالبة – نقلا عن الصحافة المغربية ذاتها – فإن خطوة الأستاذ كانت مجرد خيط لجرها صوبه، إذ طلب منها الحضور إلى مكتبه، ليعبر عن رغبته في إقامة علاقة معها، على أن يقدم لها المساعدة في مختلف مراحل مسارها الدراسي.
وتردف الطالبة، التي تقدمت بشكواها كمطالبة بالحق المدني أمام القضاء بسطات المغربية، بأن هذه هي المرة الأولى التي يتم التحرش بها من الأستاذ المتهم، مشيرة إلى أنه طردها رفقة زميلتها “لعدم مسايرته في رغباته”، مذكرة بقولها أن: “الإدارة لم تدعمنا وظلت تطلب منا أن نستجديه لسحب محضر الغش الذي حرره في حقنا.”
بينما يستمر ملف “الجنس مقابل النقاط” في الكشف عن فضائح بهذه الجامعة أو تلك، فإن هيئات حقوقية ترى في ذلك أمرا إيجابيا حطم أمورًا مسكوت عنها في مجتمعات مسلمة محافظة.
وقد أكد أحد النشطاء المغاربة أن “هذه القضية أعطت الفرصة للطلبة في مختلف المواقع الجامعية للخروج إلى العلن وفضح المبتزين في مثل هذه القضايا اللاأخلاقية التي تضرب مبدأ العطاء العلمي في الجامعات في بلد إسلامي”، وأن “هذا الملف الذي تنظر فيه المحكمة مصيري في تكسير هذا الطابو، وصارت بفضل ذلك جرأة للطالبات للتعبير عما يطالهن من ظلم وابتزاز من اجل النجاح في مسارهن التكويني”..
ومع تزايد الشكاوى من هذا النوع في العديد من الجامعات المغربية، قررت ” وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار” المعنية، اعتماد لجنة ثابتة للتحقيق في مثل هذه الملفات المشينة، ويُتداول في جامعات أخرى مغربية كالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، منذ فترة، أخبار عن وجود حالات من التحرش الجنسي بالطالبات، ومُقايضتهن بممارسة الجنس مقابل الحُصول على النقاط!!
وفي هذا الصدد، نددت رئاسة جامعة محمد الأول في وجدة، بكل ما من شأنه المساس بكرامة الطالبات في مثل هذه الحالات إذا ثبتت صحتها، وأكدت في بيان لها، أنها “لن تدخر أي جهد لضمان حقوق أي طالبة لتوفير شروط الدراسة السليمة. كما أن الجامعة بكافة مكوناتها تستنكر هذا السلوك البهيمي، وتستنكر كل ما من شأنه أن يسيء إلى سمعة الجامعة.” وبدورها شكلت ذات الجامعة لجنة للاستماع، مكونة من أستاذات متخصصات وطبيبة نفسانية، وذلك للعمل على تقديم المساعدة والمواكبة القضائية عند الحاجة.”
وفي السياق ذاته، خصصت الجامعة رقما هاتفيا وبريداً إلكترونياً قصد التواصل والإبلاغ عن مثل هذه الحالات الشاذة، بحسب وصفها.
نهضة المجتمع تمر عبر الجامعة
و تبقى كل هذه الاجتهادات الردعية الشكلية لطواقم الجامعات كشبه مسكنات فقط لوباء مستشري في الحرم الجامعي المغربي والعربي منذ سنوات، ولم يطفو الى السطح الا أخيرا، إذا لم يكن هنالك وازع ديني وعقابي صارم، “يتمثل أضعفه في الطرد النهائي للأستاذ الجاني من سلك التعليم مهما كان وزنه و”معارفه” ويأخذ حقه بالسجن سنوات، إذا ثبت عنه ذلك”، على حد تعبير أحد الأولياء المغاربة، وهنا يعجبني ما كتبه في صفحته أستاذنا البروفيسور عبد الحميد الشريف من جامعة باتنة، مبينا قيمة الجامعة وقدسيتها، تحت عنوان:” نهضة المجتمع تمر عبر الجامعة “، حيث كتب يقول – حفظه الله – : حُرمة الجامعة لا تُمنح بمراسيم بل تُكتسب باستحقاق، مبينا أن حُرمة الجامعة بعيدة كل البعد أن تختصر فقط على قوانين وضعية قابلة للتغيير تمنع دخول الشرطة أو قوات الأمن لمحيط الجامعة، بل هناك شروط أساسية ومفاهيم أولية مرتبطة بجوهر رسالة الجامعة، إذ أن حرمة الجامعة هي على وجه الخصوص ذِمّتها ومحترميتها، أي جَدارتها على كسب ونيل الإحترام وتتعدى هذه الذمة والمحترمية أسوار وجدران الجامعة بل وحتى حدود الوطن .. لأن مصداقية الجامعة من مصداقية الوطن وصورة الجامعة لدى المواطن تنعكس مباشرة على احترامه وحبه لوطنه وإتقانه لعمله وأداءه للأمانة على أحسن وجه، فالجامعة المُحترَمة هي تبجيل للعلم وأهله وهي دعوة للفضيلة ولأخلقة الحياة السياسية وأخلقة الإدارة ومن ثم هي منصة للنهضة الحضارية. وهذه الدعوات تكون كلها مستجابة من طرف الجميع إذا توّفرت شروطها. والصورة المشرقة للجامعة ضرورة حتمية لبناء جسور التواصل البَنَاء مع القطاع الاقتصادي لأنها تُقوِّي وتدعِّم ثقة المجتمع في نفسه وتحفزه على رفع التحديات. تماما كالثقات الفردية لا تكفي لبناء الثقة الجماعية بينما غياب هذه الأخيرة يؤثر سلبا على معنويات الفرد وأدائه مهما كانت مهاراته الفردية. وبالإيمان بقدرات شعوبها طلبة وأساتذة وبمنظومتها التربوية تمكنت دول بقيادات راشدة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا وتركيا بالنهوض بمجتمعاتها كما فعلت ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.. و( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد 11

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version