اكثر من نصف قرن من العمل الإسلامي على مختلف الجبهات

حوار مع الأكاديمي عبد الحميد بوزوزو، نجل العلامة الشيخ محمود بوزوزو ، حول تاريخ والده والدعوة في الغرب

Cheikh Mahmoud Bouzouzou, biographie et carrière de l’imam et le professeur d’université en Occident :
plus d’un demi-siècle de travail islamique sur différents fronts
Entretien avec l’universitaire Abdelhamid Bouzouzou, fils du Cheikh Mahmoud Bouzouzou, sur l’itinéraire de son père et la Da3wa en Occident
******
حاوره بمقر جمعية الشيخ بوزوزو بجنيف: محمد مصطفى حابس

أخي الكريم أستاذ سي عبد الحميد، مرحبا بكم في حوار مع مجلة ” الشاب المسلم” بالفرنسية، مع ترجمة بالعربية لجريدة البصائر التي كان والدكم- شيخنا العلامة سيدي محمود بوزوزو- من ألمع أقلامها قبل الثورة .. وبهذا اللقاء الودي الاخوي نحاول الدخول من خلاله الى بيت شيخنا العلامة محمود بوزوزو لنعرف القارئ الكريم لأول مرة – عن طريق أحد أبنائه – بالشيخ الجليل محمود بوزوزو الأب و الإمام و المعلم و المجاهد الوطني وسفير الاسلام في الغرب..
كما أشكرك على تلبية الدعوة، علما أنك من زمان، تحاول التملص من هذا العبء.. جزاكم الله خيرا و نفع بكم..
و قبل الشروع في سرد الاسئلة، أحب أن أقدم بمقدمة لأهمية الموضوع و حساسيته، لأنها ستكون بحول الله سلسلة حوارات متوالية مع او عن شخصيات اسلامية جزائرية و عربية، تركت بصماتها في ديار الغرب، وقد لب دعوتنا بعض المشايخ ، ندعو الله أن ييسر لنا زيارتهم في أوروبا و أمريكا، ورحب بالمشروع وشجعنا على المضي فيه رفقاء الشيخ محمود بوزوزو – حفظهم الله-، نخص بالذكر منهم شيخنا الدكتور العربي كشاط (فرنسا) و شيخنا الدكتور الطيب برغوث (النرويج)،و آخرين .. و بالله التوفيق
أهمية الموضوع تتمثل فيما يلي:
• شهادتنا أنا و أنت و غيرنا من خلال هذا الحوار، على والدنا وأستاذنا العلامة الشيخ محمود بوززوز، كأحد رواد العمل الإسلامي في الغرب، بتدشينه أول مركز إسلامي في سويسرا، شهادة عن رجل يجسد العالمية الاسلامية المتوازنة، من خلال ما قدمه في حياته للأمة الإسلامية خاصة والوجود الإسلامي في الغرب عامة، لذلك فهو ليس محليا يخص جمعية العلماء المسلمين فحسب و أحد تلاميذ ابن باديس و الابراهيمي، أو أي تنظيم يسعى لخدمة الجزائر و العالم الاسلامي.. إنه نموذج للإنسان الرسالي الذي أينما وقع نفع، فلما كان داخل الجزائر ، كان قلما ولسانا إعلاميا و أستاذا و مربيا و مترجما و إماما وفقيها، و مرشدا عاما للكشافة الاسلامية و لما خرج للخارج، لم يتخلى عن مهامه الرسالية، رغم مكائد الاستعمار الفرنسي الذي كان يحاصره، حتى وهو خارج الجزائر في المنفى !!.
• إنه لمن حق أجيال الصحوة علينا أن نعرفهم بهذه الشخصية الفذة المتميزة في معرفتها وتاريخها ومنهجها ومساهمتها الرائدة، من خلال انتمائه لهذه الحركة الكبيرة في مسيرة البناء والترشيد و استقلال الجزائر.. و ما بعد استقلال الجزائر !! أليس من حق هذه الأجيال أن تعرف حقيقة هذه التجربة كما هي لا كما يصورها منافسوها أو خصومها أو الجهلة بها ؟ أليست جزءا أصيلا من هذه الصحوة العالمية المباركة؟ كيف تعرف الصحوة الإسلامية ذلك وتقدره، وتضيفه إلى رصيدها المعرفي والحركي والتاريخي الملهم، وتستفيد منه الاجيال، وتعتز به، وتدافع عنه، وتدعوا بالخير للمساهمين فيه أمثال المرحوم محمود بوزوزو؟
• هل يُعقل أن تزهد أجيال الحركة في كل هذا الخير وتغفل عنه، أو تفرط فيه تحت أي ظرف من الظروف، أو بأية حجة من الحجج ؟ أليس من حق أجيال هذه الأمة التي تنتمي إليها هذه الحركة، وعملت وتعمل من أجل انبعاث وتجديد مجدها الحضاري، أن تعرف هذه التجربة، وتستفيد مما فيها من صواب وخيرية، وتساهم في تقويم ما فيها من قصور ونقص وخطأ لأنه عمل بشري، لا غير..
• من حق أجيال الإنسانية عامة، علينا في معرفة طبيعة تجربة الكشافة الإسلامية وجمعية العلماء و رموزهما، و ليس المتطفلين عليهما و ما اكثرهم في المدة الاخيرة، ومساهماتهم في خدمة هذه الإنسانية ولو في مجالاتها الوطنية أو العربية المحدودة ؟
• إن صدى الحركة الاصلاحية الجزائرية و في العالم أصبح يتردد في مراكز أبحاث كثيرة، وجامعات ووسائل إعلام مختلفة في العالم، لكن لا يعرف إلا القليل عن رموزها و إنجازاتهم و تضحياتهم.. لكن في المدة الأخيرة أراد بعض اراذل القوم في بعض الدوائر السياسية خاصة في عالمنا العربي و الغربي، وصمها تارة بالإسلام السياسي و تارة أخرى بالإرهاب و التطرف.

لذلك نحن مشروعنا من خلال حواراتنا هذه مع رموز العمل ، هو أداء “للأمانة” وإماطة اللثام عما لا يدرك كثير من الناس حقيقته وجوهره، و لو بسلسلة دراسات وحوارات، مع رموز العمل الاسلامي، و قد كتبنا فيما مضى عن عدد منهم، و نحن ننوي بحول الله جمعها في كتاب خاص، أو سلسلة كتيبات، إن يسر الله لنا ذلك قريبا ان شاء الله.. . وهذا بعض ما جال في خاطر فريقنا من أسئلة:

بداية:، كيف يقدم الأستاذ عبد الحميد نفسه للقراء ؟ من هو؟ كيف جئتم لبلاد الغرب و الاقامة فيها؟
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسوله الله… بادئ ذي بدء، يجب أن أحييكم والقراء الأكارم وأشكركم على دعوتكم الكريمة هذه.. كما سعدني أن أحاول الإجابة على أسئلتكم
علما انكم – أستاذ مصطفى – من أنجب طلبة الشيخ ، و قد تكونون أدرى مني في بعض الأمور- لا علينا، العبد لله، ولد في البليدة عام 1952، سميت على اسم الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كان والدي طالبًا عنده في قسنطينة. أما أخي الأكبر عبد الكريم من مواليد 1951، سمي على اسم المقاوم المغربي المعروف عبد الكريم الخطابي ، وأختي خديجة من مواليد 1953 والأخ الثالث هاشمي، مواليد المغرب عام 1957. أنا أرمل وأب لبنت وصبي، متقاعد وأنا أعيش في جنيف سويسرا منذ 60 عامًا !!

وما قصة الأقدار التي القت بكم و بوالديكم في صرح عالم الدعوة الفسيح في الغرب؟ و أقمتم فيها منذ عقود ؟

والدي- رحمه الله – من مواليد العاشر من جمادى الأولى لعام 1336 للهجرة الموافق لـ 22 فبراير 1918، من عائلة عريقة في بجاية. فهو نجل قاضٍ معروف، كان متجهًا إلى القضاء، لكنه اختار التدريس، مع الاهتمام بتعليم الناس الذين كانوا آنذاك – في عهد الاستعمار البغيض – غارقين في الأمية. لذلك أصبح أصغر معلم في البلاد بعد دراسات عربية و فرنسية معمقة – كان فعلا طالبا موهوبًا دائمًا على رأس فصله – ثم أسس صحيفة المنار عام 1951 التي هاجم فيها الاستعمار، مما أدى إلى أن حكم عليه عام 1956، بعد سجنه من قبل السلطات الفرنسية، إلى نفيه من العاصمة الجزائرية و ضواحيها. تمكنا كعائلة من الفرار من الجزائر إلى المغرب الشقيق، ثم فررنا عام 1958 من المغرب – اين كان والدي مهددا بالخطف أو القتل – إلى “كو” في سويسرا قرب مدينة “مونترو ” السياحية، المعروفة بموسيقى الجاز الى اليوم- عند العرب و العجم.
انجذب والدي إلى المؤسسة الدولية المعروفة بـ”إعادة التسلح الأخلاقي”
le Réarmement moral-Caux
حيث مقرها هناك. هذه الحركة، والتي أسسها القس الأمريكي فرانك بوكمان عام 1938 ، تهدف إلى المصالحة بين الشعوب من خلال العمل من أجل التسامح والتفاهم المتبادل. وبهذه المناسبة كتب سيرته الذاتية القصيرة بعنوان “من سجنين إلى الحرية”، التي نشرتم قطوفا منها في أحد مقالاتكم، بيومية الزمان اللندنية، منذ عقود، إن لم تخني الذاكرة!!. ثم ذهبنا إلى برلين في ألمانيا عام 1961 ، قبل أن نعود إلى سويسرا في جنيف عام 1962، والتي لم نغادرها أبدًان من ذلك التاريخ، أي مع بداية افتتاح المركز الإسلامي الأول في جنيف، بل قل في أوروبا، أين بدأ الشيخ في الخطابة باللغتين في هذا المسجد الذي كان يأتيه المصلون من كل المقاطعات السويسرية و حتى من خارجها أي من فرنسا و إيطاليا.
من كانت هي زوجة الشيخ والدتكم رحمها الله ؟
والدتي يمينة عمورة ولدت عام 1924 – رحمة الله عليها – من دلس، ابنة مؤذن، سليل عائلة الحماديين بن عبد المؤمن، لما كانت بجاية عاصمة الحماديين ، وقد تعلمت الوالدة القراءة والكتابة باللغة الفرنسية، وهو أمر نادر في عصرها، خاصة بالنسبة لفتاة من جيلها و أبوه رجل ملتزم!!

ما قصة الأقدار التي جعلت الشيخ محمود بوزوزو على رأس الجالية المسلمة في جنيف إمامًا وكاتبًا ومعلمًا وقائدًا لمؤسسة وواجهة معتبرة في صرح عالم الدعوة الواسع في أوروبا.. أي المركز الإسلامي ثم المسجد الكبير في جنيف؟ ما هي الأنشطة التي قام بها ونفذها؟ باختصار.. غيض من فيض، لو سمحت؟.
نعم، تلك هي مشيئة الله، تسوق عباده وفق عناية الواحد القهار سبحانه إلى أوروبا ، بينما كانت رغبته الشخصية العيش بين أهله في وطنه الأم وخدمتهم، بشكل أساسي كمعلم و مربي و مرشد، كما فعل طيلة حياته في منفاه في الغرب.
كان الشيخ يود العودة إلى الجزائر لاستئناف نشاطه هناك كمحرر في إحدى الصحف أو إعادة بعث جريدته ” المنار”، كما هو مدون في مراسلاته مع أقرانه في الجزائر، لكن الوضع السياسي بعد الاستقلال لاحظ فيه تلك المناوشات بين الاخوة الاشقاء على هرم السلطة، مع تحييد لرموز العمل الإسلامي الأصيل كرجال جمعية العلماء و جمعية القيم، و مع غياب حرية التعبير التي كافح من أجلها من خلال مشاركته في الصحافة والكشافة، تلك هي بعض الأسباب التي حالت دونه والعودة للعمل داخل التراب الوطني، رغم ذلك كان ينزل ضيفا من سنة لأخرى على ملتقى الفكر الإسلامي، حيث كانت تأتيه دعوات من وزارة الشؤون الدينية في عهد زميليه الوزير مولود قاسم والوزير عبد الرحمان شيبان، رحمهما الله ..
طبعا عمله الإصلاحي في الخارج كان يصب تحديدا في نفس القالب، أي ما تربى عليه من ثوابت الأمة، أيام صباه في الجامع الأخضر عند الامام بن باديس، فقد عاش فعلا هو أيضا بطريقته “للإسلام والجزائر” ولو عن بعد، كما يبين ذلك بوضوح شديد في مقولته للكشافة، حول فلسفة الحياة، رافعا شعار” نعيش لله والوطن والإنسانية”، وهي نفس الشعار الذي رفعه شيخه العلامة ابن باديس، التي يقول فيها، ” أعيش للإسلام و الجزائر”!!.
( أنظر: مجلة الشاب المسلم، عدد 50 / لسنة 2023 ، ص:6/11)
ولما وصل الشيخ إلى جنيف كان همه منصبا خصوصا على إيجاد أرضية يرتكز منها لانطلاق دعوته و تعليم الجالية، وتلك كانت سنة الرسول (ص)، في بداية عهده بالرسالة الخاتمة أي في “بناء المسجد”، فكان إنشاء المركز الإسلامي بجنيف الأول في أوروبا، الذي أسسه عام 1961 سعيد رمضان – رحمه الله – رفقة كوكبة من الدعاة العاملين من العالم الإسلامي. وأصبح الشيخ إمامه الأول وخطيبه لمدة سنوات، إلى جانب هذه الوظيفة، كان أستاذاً للغة العربية في كلية الترجمة والترجمة الفورية بجامعة جنيف، و مقر الأمم المتحدة بجنيف..
ولما أُنشئت “المؤسسة الثقافية الإسلامية” في جنيف ومسجدها الكبير عام 1978 (من طرف المملكة العربية السعودية)، وهي أكبر بكثير من المركز الاسلامي دعي الشيخ بوزوزو ليكون إمامها الأول. حيث ركز نشاطه الدعوي والإصلاحي، بتدريس اللغة العربية ودورات في تفسير القرآن و الفقه والسنة المطهرة لجالياتنا. أما خارج المسجد فكان أيضًا رائدًا في الحوار بين الأديان داخل اللجنة السويسرية الاستشارية للأديان، التي أنشأها زميله القس هنري بابل، حيث صارت تلك اللجنة أرضية لممثلي الطوائف المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية. كما شارك في حصص عبر قنوات البث الإذاعي والتلفزيوني السويسري ، وأجريت معه مقابلات مع الصحافة، ودعي لحضور المؤتمرات ، ولا سيما في ” لقاءات جنيف الدولية”، عام 1983ساهم بعد ذلك، في تأسيس معهد قرطبة للسلام بجنيف، المستوحى من المدينة الأندلسية العريقة التي كانت مركزا للحوار بين الأديان في القرون الوسطى وهو مركز حديث للحوار الدولي والتبادلات بين الشعوب لا زال ينشط لحد الساعة متخذا جنيف مقرا له..

من المشاريع الإعلامية الكبيرة في خمسينات و ستينات القرن الماضي في العالم الإسلامي و التي عرف
بها قلم الشيخ بوزوز و في الجزائر، جريدة “المنار” (1951- 1954) و في سويسرا مجلة ” المسلمون”(1961- 1972) بالمركز الإسلامي بجنيف، التي كانت بحق صوت معبر عن الاسلام و المسلمين و كانت مواكبة لبداية استقلال الجزائر، لما لا و هناك أرقى الاقلام الاسلامية الدولية التي كانت تنشر فيها زبدة أفكارهم، أمثال العلامة البشير الابراهيمي و ابو الحسن الندوي و أبو الاعلى المودودي و محمد حميد الله و بهاء الدين الأميري و سيد قطب و مالك بن نبي و على الطنطاوي و محمد شيت خطاب والفاضل بن عاشور و محمود ابو السعود و محمود بوزوزو ، و غيرهم كثير …و كان رئيس تحريرها الدكتور سعيد رمضان، رحمه الله، و لما توفي الدكتور سعيد رمضان توقفت عن الصدور.. بعدها راجت اخبار عن عودتها، هذه عقود مرت، ولكن “لا حياة لمن تنادي” .. آخر الأخبار من باب” ما لا يدرك كله لا يترك جله”، تقول أن المركز الاسلامي أخذ على عاتقه إعادة طبع هذا الكنز للأجيال، في مجالدات و تسويقها أو توزيعها.. أين وصل هذا المشروع الرسالي؟
ماذا تقول عن وسيلتي الإعلام هاتين، ” المنار” و ” المسلمون”؟
بالتأكيد، لقد ساهمت المجلتان في جعل صوت المسلمين يتردد صداه بطريقة بليغة لا غنى عنها. ومن المؤسف أنها اضطرت إلى التوقف عن النشر في وقت من تاريخ العالم الإسلامي كان في أمس الحاجة إليه. اليوم ، وضع الصحافة في عدد معتبر من البلدان الإسلامية مقلق ، لكن يمكن التعبير عن صوت الإسلام هناك خارج هذه المناطق، ولا سيما في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، الوسائل التكنولوجية التي تتاح لها الآن تبليغ الأصوات المختلفة بطريقة أخرى. وهذا من الآثار الإيجابية لوجود المسلمين في الغرب.. من جهتنا – تعميما للفائدة و للأجيال – هناك مشروع طموح لجمع و ترجمة ما تيسر من هذه المجهودات التي تركها الوالد رحمه الله، قريبا بحول الله!!.

الشيخ بوزوزو رب أسرة و قائد جالية و إمامها الأكبر:
أستاذ عبد الحميد أنت، إبن الشيخ محمود بوزوزو، كنت مدرسًا وأمين المكتبة الجامعية بجنيف وبالتالي فأنت جزء من حركة الشيخ التي همها التعليم والكتابة و الاصلاح، وقد كانت للشيخ مكتبة ضخمة يعلمها العام والخاص، و قد تبرع بثلثيها للجامعة السويسرية. ضف إلى ذلك هذا المثل المغاربي الذي يقول: “قبل أن تسأل المرأة عن زوجها، اسأل أولاً هي ابنة من؟ و كيف كان والدك لهذه السيدة المجاهدة – رحمها الله- في بضع نقاط ؟
والدي رحمهما الله، تزوجا في دلس عام 1943، ولا يسعني إلا أن أقول إنه طيلة مسيرته كان زوجًا صالحًا، وكان عموما رجلاً مصلحًا ومستقيمًا ومتسامحًا، مع أهله وأقربائه وجيرانه !!

الشيخ محمود بوزوزو الأب المربي ؟:
كان أبًا حنونًا للغاية، ولم يكن صارمًا مع أطفاله !!

الشيخ محمود بوزوزو ، المعلم المترجم ؟ :
كان إتقانه للغات العربية والفرنسية ممتازًا. إذ تم تعيينه مترجمًا رسميًا محلفًا لدولة مقاطعة جنيف. التي حرصت من جهتها إلى ترجمة الوثائق الإدارية و وثائق رسمية أخرى.. كما أن الشيخ من جهته قام بتدريب عددا لا بأس به من المترجمين والمترجمين الفوريين ، كما ساعد الطلاب والباحثين في عملهم الجامعي و أشرف على رسائل وأبحاث بعضهم الاخر، ولا سيما ريتو بيزولا في أطروحته حول “أصول وتشكيل أدب البلاط في الغرب”، و ساعد جان لوي ميشون عن أطروحته حول “المغاربي الصوفي ابن عجيبة” ، كما ساعد لوسي بولنس عن أطروحتها حول “الزراعة العربية الأندلسية” ، و ساعد مارسيل أندريه بوازار عن كتابه عن “إنسانية الإسلام”.

الشيخ محمود بوزوزو الإمام العالم ؟:
كانت معرفته بالقرآن والتفسير و الفقه والحديث رائعة. بالإضافة إلى ذلك، فسر الأحلام وكان على دراية بالشعر العربي الكلاسيكي. وقد كتب كتيباً للكشافة الإسلامية عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بعنوان “آخر الرسل”، كم نشر سلسلة روايات في مجلة ” المسلمون”، محاكاة للسيرة العطرة للرسول و أصحابه (رضي الله عنهم) و بعض المصلحين كالشيخ عبد الرحمان الجيلاني !!.
كان لديه ثقافة مزدوجة استثنائية. كان لديه فضول حول كل شيء، وكان لديه شغف بالقراءة بكلتا اللغتين. كان موسوعة حية متحركة. لقد حفظ مئات الأبيات لشعراء عرب وفرنسيين وكانت ذاكرته استثنائية. أتذكر أنه قبل وفاته بوقت قصير، عن عمر يناهز 88 عامًا ، استعرض لي عن ظهر قلب”الباتروس (القطرس)” لتشارلز بودلير !!. لقد جمع آلاف الكتب في مكتبه في مجالات مختلفة من المعرفة، و أهدى جزء كبيرا منها لمدينة جنيف وكانت لدي مهمة فهرستها لمكتبة الجامعة. و الآن يمكن للقارئ الاستفادة منها في مكتبة مدينة جنيف الرئيسية…
كإمام ، كان أيضا الشيخ يستقبل و يوجه معتنقي الإسلام الجدد الأوروبيون ، على سبيل المثال لا الحصر المفكر الفرنسي روجيه غارودي ، الذي أشهر إسلامه بين يديه !!

ما هي آخر الذكريات التي بقيت عالقة في ذهنك؟ وصيته للأسرة، وعلاقاته ، وأحداث أخرى في حياته ، مثل معاملة الإمام لزوجته وإخوته ووالديه ، وكيف تحمل صعوبات ارتداء هذه القبعات الكثيرة من مسؤوليات شتى، أحيانا متضاربة، كيف استطاع التوفيق بينها؟
مهامه – رحمه الله – متعددة وثقيلة، خاصة في بلاد المنفى، لم يكن لينجزها بدون المساعدة الإلهية التي كان يعتمد عليها باستمرار، كمسلم مثالي، متواضع ومؤمن بعمق. على الرغم من الصعوبات العديدة والمتنوعة، ظل هادئًا ومتوازنا. لقد كان مثالاً على الخضوع للإرادة الإلهية. علاقاته ليس فقط مع أفراد الأسرة ولكن أيضًا مع الناس عامة. كان يحب الناس ويحبه الناس من المسلمين وغير المسلمين.

ما علاقة الإمام برجال مسجد جنيف والشباب خصوصا؟ هل يمكنك ذكر بعض أسماء من يترددون على الإمام بوزوزو في تلك المرحلة؟
في المسجد الكبير يأتيه كثير من الناس لتلقي النصيحة أو الفتوى في أي مجال، لأنه كان يحظى بالاحترام والتقدير لحكمته. عمله صار بمثابة المرشد الروحي للشباب والكبار. ومن بين الشخصيات التي ترددت عليه و اشتغلت تحت توجيهاته أذكر الشيخ الإمام يحيى باسلامة (سعودي) والشيخ الإمام يوسف إبرام (مغربي). و هناك العديد العديد، من رجال السلك الديبلوماسي، و الكتاب و ممثلي الجمعيات الخيرية و الإنسانية و يعد بالنسبة للبعض مؤسس المكتبة العربية الوحيدة بجنيف، و هو ما يشهد به اليوم، المشرف عليها المسيحي آلان بيطار “، حيث كان الشيخ هو من يعطيه قائمة ما يجب اقتناؤه من كتب عربية و اسلامية و غربية، لأن صاحب المكتبة حينها لا يعرف اللغة العربية مطلقا !!
ذكرياتي الأخيرة ، على الرغم من محنة المرض الصعبة التي عايشها في آخر عمره، وجهه المضيء ، وخضوعه التام والمثالي للإرادة الإلهية، ولا يشتكي أبدًا رغم الآلام، ويقول لنا: “الله يحبنا، لما يبتلينا، أنشكر أم نكفر” !!
من تتذكر من بين الشخصيات التي اعتاد الشيخ محمود بوزوزو الارتباط بها في العالم الإسلامي، في الجزائر وأخيراً في سويسرا؟
في العالم الإسلامي ، لا أستطيع تسمية أسماء الشخصيات، لكن علماء كثر من دول المشرق و المغرب، أمثال علماء رابطة العالم الإسلامي و الأزهر و الزيتونة و القرويين وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة و غيرها ، جل المفكرين و الكتاب من أبناء جيله من مالك بن نبي الى الصواف الى الدكتور توفيق الشاوي صاحب ( نصف قرن من العمل الإسلامي)، الى العلامة محمد المبارك و شقيقيه في سوريا ( أصلهم من دلس- بالجزائر)، … كما أتذكر أنه التقى بالباحث الهندي محمد حميد الله والجزائري رشيد بن عيسى والشيخ العربي كشاط بباريس والشيخ عصام العطار بألمانيا… و من الجزائر زميله عبد الحميد مهري الذي تعرف عليه في الكشافة في أربعينيات القرن الماضي، والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الذي قال عن الشيخ إنه نظرًا لثقافته المزدوجة الهائلة ، “كان من الممكن أن يكون وزيرًا في حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة “، ومولود قاسم آيت بلقاسم و عبد الرحمان شيبان، من وزارة الشؤون الدينية، اين دعي الشيخ للمشاركة في ملتقى الفكر الإسلامي الذي نظم عام 1983 في قسنطينة و في مدن أخرى.
وفي سويسرا كان يزوره المفكر حيدر بامات، وكذا المناضل الجزائري حسين آيت أحمد ، الذي تربطه بنا علاقة عائلية، والسيد عبد القادر واقواق ، الديبلوماسي محمد لبجاوي ، محمد لعشوبي ، والدكتور زيدان مريبوط، والتونسي الشاذلي فيتوري ، والطبيب المصري علي زكي ، مؤلف الكتاب المثير للاهتمام للغاية “هؤلاء هم البيض” و سعيد رمضان مؤسس المركز الإسلامي بجنيف والصحفي والكاتب السويسري الذي اعتنق الإسلام روجيه دو باسكيي، وشخصيات عديدة بجنيف كونها مقر العديد من المنظمات الدولية والإنسانية.. كما التقى به العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين من العالم الإسلامي و الغربي. كان مكتبه مفتوحًا للجميع وزاره عدد كبير من المشرق والمغرب، لا استحضر كل الأسماء !!..
كيف كان يقضي الشيخ محمود بوزوزو أيامه في سويسرا قبل مرضه الأخير؟
بعد وفاة الوالدة كان يعيش مع ابنته خديجة، لأنه لم يعد بإمكانه أن يكون مستقلاً، مضطرًا للتنقل على كرسي متحرك. ورغم هذا العائق لم تفوته صلاة جمعة واحدة!!

ملخص مسيرة رجل مصلح :

في ظل كل هذا، ما هي خلاصة و زبدة تجربة الشيخ محمود بوزوزو قصد إيصالها للأجيال؟
من شيمه رحمه الله، كثرة التواضع، والخضوع التام لقدرة الله سبحانه، والتوكل على الرحمة الإلهية، عملا بقوله تعالى : ” إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” “( هود / 88)، و هو الشعار الذي جعله منهج حياته، و هو ذات الشعار الذي تحمله جمعيتنا بعد رحيله اليوم !!.
وأتذكر أنه كان يحبنا حبا جما، و يذكرنا بأن الدنيا “دنيا”، أي في الأسفل حسب الكلمة الإلهية، سريعة الزوال و الانقراض و يبقى وجه ربنا ذو الجلال و الاكرام، ولكن مطلوب منا أن ننجز مهمة الإصلاح التي أكلنا وكلفنا بها معتمدين عليه سبحانه بإخلاص لله وحده لا شريك له!!

ما سر ثباته رغم الشدائد والصعوبات التي مر بها؟
كما قلت لكم، بفضل إيمانه الراسخ بالرحمة الإلهية والخير، مرتكزا على ثنائية عجيبة، قوتي الصلاة والذكر، اللتين لا نجاح لصاحبهما إلا بتوفيق من الله و لطفه بعباده!!

وما هو دور الأم والأبناء في تلك المسيرة، لأن المثل يقول “وراء كل رجل عظيم امرأة” ؟
كان لوالدتي الكثير من الشجاعة والتحمل، لأن الوالدة عاشت المنفى عندما كانت صغيرة مع أطفال صغار لتربيتهم في المغرب الشقيق، وأحيانًا بمفردها لأن الوالد كان كثير السفر و التنقلات أثناء الثورة. أما بعدل الاستقلال، فيجب أن تعلم أنه في الستينيات، كان المسلمون والجزائريون قليلو العدد في سويسرا وكان الأمر أكثر صعوبة. كانت الوالدة رائعة ودعمت الشيخ قدر استطاعتها!!

وكيف استطاعت الأم أن تسافر في هذا الطريق الطويل والشاق والمتعرج معه؟
من خلال إيمانها وتقواها، استطاعت أن ترافق زوجها وأولادها في رحلة حياة غير عادية. أستطيع أن أقول إن لديّ أبوين استثنائيين و الحمد لله !!

كيف سيكون شعور الإمام الشيخ محمود بوزوز وزوجته لو كانا على قيد الحياة بيننا اليوم ، عندما أتى الربيع العربي بزعماء إسلاميين إلى السلطة في تونس و مصر ، والمسلمون على رأس المنظمات و الهيئات في أوروبا والدول العربية ، الامر الذي جعل أن عدد المسلمين في ازدياد كبير و كذا عدد المساجد بشكل ملحوظ منذ عقود بعد وصولهم إلى سويسرا؟
سيكونون بالتأكيد سعداء للغاية، حيث تتحقق رغبتهم في تعزيز حضور الإسلام كماً ونوعاً. أتذكر أنه في الستينيات من القرن الماضي، لم تكن غرفة الصلاة في المركز الإسلامي بجنيف ممتلئة أبدًا لأداء صلاة الجمعة، عددنا بضعة عشرات، بينما توجد اليوم صلاتان متتاليتان أو ثلاث من أجل الاستجابة للحشود الكبيرة في مسجد واحد على تعدد المساجد اليوم. وأيضًا لأن المزيد والمزيد من الغربيين يعتنقون آخر دين موحى به كل يوم و كل جمعة و علنا ليس سرا ، مثل ايام زمان!!

فرنسا والمعاملة غير العادلة للدعاة والمسلمين :

على ذكر تعدد المساجد في جنيف، يعاني الدعاة من حصار جائر من عدة جهات في أوروبا، مما يحرم الكثير منا من الاستمتاع بالمؤتمرات والأنشطة خارج سويسرا. حتى فرنسا المجاورة منعت الدعاة المسالمين من التحدث علانية على أراضيها.. ما تعليقك؟
أعتقد أنه من الخطأ محاولة منع أصحاب النوايا الحسنة والسلام من التحدث والتدريس لجاليتنا. فالفطرة السليمة تملي علينا سماعهم ومعرفة آرائهم إذا أردنا خيرا للبلاد والعباد. وفي فرنسا، الوضع خاص و استثنائي بسبب السوابق الاستعمارية للبلاد وخاصة تجاه دول شمال إفريقيا، وخاصة الجزائريين، كما هو معاش مع كل أسف لحد الساعة !!..

لا يمكننا الحديث عن سويسرا دون الحديث عن الإسلام والمسلمين فيها، وقضية منع المآذن، التي صارت وصمة عار في جباه السويسريين. ماذا تقولون؟
نعم، صحيح حظر بناء المآذن ينم عن سوء فهم كامل لوجود الإسلام و رسالته في الغرب. إنها مسألة رحمة إلهية من أجل تقديم طريقة للخلاص لمجتمع منغمس تمامًا في المادية ومبتور حتى عن المسيحية إلى حد كبير. و التاريخ يعلمنا أن هذا الدين استطاع أن يستقر أكثر فأكثر في الغرب، ولم يكن غائبًا تمامًا – فلنتذكر الفتوحات الإسلامية في أوروبا – و على رأسها، إسبانيا من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر ومنطقة البلقان من القرن السادس عشر – فهي صفحات و صفعات تساعد الرجال والنساء في البحث عن معنى في حياتهم وفي حب الروحانيات لتلبية تطلعاتهم. والدليل على ذلك هو العدد المتزايد لمعتنقي الإسلام في العالم بشكل عام وفي العالم الغربي بشكل خاص.
يخشى بعض المتدينين من غير المسلمين من هذا الوجود ، فهم حرفيون كارهون للإسلام. أقول لهم إنه بدلاً من الخوف من المسلمين و الاسلام، عليهم عكس ذلك، أن يكونوا سعداء لأن المؤمنين المسلمين يؤدون الصلاة كل يوم، وهي نعمة للجميع. و على حد تعبير الكاردينال الغيني روبرت سارة، هذه العبارة ، قوله: “ما يمكن لي أن استنباطه من الإسلام هو قدسية الصلاة ووقتها!!. عندما كنت كاهنًا شابًا، لما اسمع نداء المؤذن في الساعة الرابعة صباحًا، أقول لنفسي:” ولكن هل ما زلت نائم؟ لذلك أعتقد أن الإسلام يمكن أن يذكرنا بأنه لا يمكن رفض عناية الله في المجتمع، يجب أن يكون حاضرًا ويجب أن يوقظنا كل صباح !!”.
تحت ذريعة التجاوزات التي يرتكبها البعض ممن يدعون الإسلام، وصلنا إلى إدانة الغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون بشكل طبيعي وسلمي، وكثير منهم مواطنون ويشاركون في حياة المجتمع بإيجابية و تضحية منقطعة النظير !!.”

جمعيتكم، جمعية الشيخ بوزوزو التي أنت رئيسها الحالي، هل يمكنك تقديمها إلينا في بضع كلمات، وكذلك مشاريعكم؟
من الأهداف الأساسية مرحليا لجمعية الشيخ محمود بوزوزو هو جمع آثار و تراث الشيخ، من بينها كتاباته وجميع الوثائق المتعلقة به في شكل نصوص وتسجيلات صوتية ومرئية، منها ما هو لدى هيئات إذاعة وتلفزيون سويسرا الدولية والمحلية، الدروس التي كان يقدمها عبرها في مواسم الأعياد و رمضان و مناسبة دولية و محلية أخرى ..
و نظمت أيضا جمعيتنا، منذ سنوات الى اليوم ، مؤتمرات و ندوات تتعلق بشخص الوالد والإسلام والدعوة في الغرب عموما، قصد تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، كما تعمل جمعيتنا على مساعدة الشباب في دراستهم، ولهذا فتحت مركزًا متواضعا يسمح للطلاب بالاستفادة من دروس الدعم الخصوصية !!
كما نتمنى بحول الله قريبا نشر ما تيسر لنا – إن شاء الله – من سلسلة كتيبات حول تراث ومنشورات الشيخ باللغتين العربية والفرنسية إن أمكن هذا العام، حتى و لو إن كانت مواردنا المالية شحيحة ومحدودة !!

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version