لا شك أن موضوع الدولة المدنية أثار لغطا كبيرا (غير بريء) ونقاشات حادة وأحيانا اتهامات وتجريم، مصدره في معظم الأحيان أطرافٌ مغرضة ذات مصلحة، تعلم حقيقة الدولة المدنية ويفزعها الحديث عن إقامة مثل هذه الدولة، إدراكا من هذه الأطراف (أشخاصا كانوا أو أحزابا في السلطة او خارجها أو حتى شخصيات سياسية أو ثقافية أو إعلامية)، معنى الدولة المدنية عمليا، باعتبار تحقيق هذا المطلب سيضع حدا لمنظومة الاستخبارات والبوليس السياسي، وينهي مصالح كل من يدين لهذه المنظومة بالوجود ويستفيد من امتيازاتها غير المشروعة، لكن إلى جانب هذا الطرف الأساسي، المتمثل في السلطة ومن يحيط بها، هناك أيضا جهات متنوعة، اختلط عليها الأمر، عن حسن ظن، والتبس عليها هذا المفهوم من شدة ما تعرضت له من تضليل، فاعتبروه تارة مفهوما غربيا دخيلا، أو أنه يحمل مبادئ علمانية تتنافى مع دين وقيم وحضارة الشعب الجزائري، أو أنه يهدد أركان البلاد ويضع فئات الشعب ضد بعضها البعض.

توضيحا لكل ذلك، فمن المهم تبيان بهدوء وموضوعية ما الذي يقصد به عمليا ومعرفيا بالدولة المدنية، ومن ثم رفع اللثام عن السبب الحقيقي (غير المروج له إعلاميا) وراء الحرب التي تشنها العصابة في الحكم على كل من يطالب بالدولة المدنية، بل وأنها صاغت قوانين على المقاس، تجعل من هذا المطلب، يرقى لتهمة الإرهاب التي يُعاقب عليها قانون العصابة، مثلما يتضح من لوائح الاتهام الموّجهة إلى الغالبية العظمى من الحراكيين المعتقلين أو الذين سلط عليه سيف الرقابة القضائية.

نعيد طرح تساءل المتوجسين، هل لدولة المدنية حقا كفرا وغريبة عن منظومتنا الثقافية الحضارية، وهل هي غربية بالأساس، وهل الدولة المدنية هي دولة “أيديولوجية” محددة التوجه الفكري؟  سنبين بكل وضوح أن الدولة المدنية محددة بمبادئ وأركان ودعائم لا لون لها ولا جنسية ولا حدود تحدها، ويتضح مما يلي أنه لا يمكن ولا يعقل أن يدرج أي بند منها لا في خانة التهم الإرهاب والعنف، أو الاغتراب الحضاري أو الارتهان للخارج، مثلما يستطيع كل ملاحظ مستقل نزيه أن يتأكد من خلال هذه النقط التي جمعها أخونا الدكتور يوسف بجاوي وتطرق إليها الكثير غيره، ما هي إذن الدولة المدنية؟

– الدولة المدنية تعني أن السياسي المدني المنتخب هو من يتحكم في الجيش وليس العكس؛
– الدولة المدنية تعني أن الرئيس المدني المنتخب هو القائد الاعلى للقوات المسلحة؛
– الدولة المدنية تعني أن الحكومة المدنية المنتخبة هي التي تقرر ميزانية وزارة الدفاع وليس الجنرالات؛
– الدولة المدنية تعني ان البرلمان له الحق في مسائلة وزير الدفاع عن كيفية صرف الميزانية، وعن العقود المبرمة بين وزارة الدفاع وشركاء اقتصاديين او امنيين او عسكريين، وعن السياسات العسكرية والامنية والتكوينية الخ؛
– الدولة المدنية تعني ان قرار السلم والحرب هو قرار الرئيس المنتخب بعد مشاورة البرلمان والمجلس الاعلى للامن الذي يسود فيه مدنيين منتخبين واخصائيين في المسائل الامنية والاستراتيجية؛
– الدولة المدنية تعني تفكيك كل الاجهزة الاستخباراتية والامنية (drs, dss, rg) التي تراقب المدنيين من ناشطين واحزاب وصحافة ونقابات وقضاة ورجال الدين ومقاولين الخ، والتي توظف البعض منهم لهندسة مشهد سياسي اصطناعي يخدم اغراض القيادة العسكرية الظرفية؛
– الدولة المدنية تعني ان البرلمان المنتخب له صلاحية مسائلة كل قادة الاجهزة الامنية والاستخباراتية عن صرف ميزانيتهم وعن انشطتهم وعن انتهاكات حقوق المواطنين؛
– الدولة المدنية تعني ان القضاء مستقل وله السلطة لمتابعة وسجن اي ضابط واي قائد من قادة الاجهزة الامنية والاستخباراتية في كل ما يخص انتهاكات حقوق الانسان والفساد وسوء التسيير الخ؛
– الدولة المدنية تعني ان عقيدة الامن القومي التي تدرس في الاكاديميات العسكرية والامنية والاستخبتراتية لا تعتبر الشعب كخطر على الامن القومي كما هو الحال الان، هذه عقيدة الجيوش الاستعمارية، عقيدة مبنية على التحكم الداخلي. في الدولة المدنية الخطر والتهديد هو خارجي والجيش مهمته التركيز على التهديد الخارجي؛
– الدولة المدنية تعني ان قادة الاجهزة الامنية والاستخباراتية هم مدنيون تعينهم الحكومة المنتخبة. اما جهاز امن الجيش (dcsa حاليا) فقائده عسكري؛

– الدولة المدنية تعني أن النشاط السياسي مكفول لكل مواطن، وتشكيل الأحزاب يتم بمجرد الإخطار وليس بموافقة الأجهزة الأمنية والعسكرية، واي خلل محتمل من طرف هذه الأحزاب، يحل بالقانون، وليس بالحل الإداري البوليسي… هل مثل هذه البنود (التي يطالب بها الحراك، وبسببها يُعتقل المئات) لها أدنى علاقة بالإرهاب والعنف، وبتوّجه أيديولوجي بعينه، وهل هي منافية لمنظمة حكم راشد عادل؟ وهل هي حقا مستمد من محيط حضاري أجنبي يتنافى مع مقومات الجزائر وشعبه المقاوم التواق إلى الحرية والعدل؟؟؟ أسئلة على كل من يساوره الشك أن يجيب عنها.


رشيد زياني الشريف

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version