قضت الصحافية كنزة خاطو ليلتها محتجزة تحت النظر بعد أن تم اعتقالها وهي تقوم بعملها الصحفي في تغطية مظاهرات الجمعة، عمل دأبت على القيام به منذ فترة رفقة مجموعة قليلة من الصحافيين، هؤلاء تصنفهم السلطة ضمن المشاغبين، وهي لا تعترف بصفة صحافي لبعض منهم بسبب إصرارهم على إظهار الصورة التي تسعى هذه السلطة إلى تغييبها وتأمر وسائل الإعلام الواقعة تحت سلطتها (تضم عشرات الجرائد وكل قنوات الإذاعة والتلفزيون العمومية والخاصة فضلا عن عشرات المواقع الإلكترونية الإخبارية) بعدم عرضها للجمهور.

جاء اعتقال كنزة خاطو وزملائها في سياق عمل ممنهج لإسكات صوت الشارع وتغييب صورته، وقد بدأت هذه المعركة منذ السنة الأولى للسلمية، حيث سارعت الشرطة إلى نشر عناصرها في المواقع التي تعود الصحافيون على استعمالها كمنصات لتغطية المظاهرات كما هو الحال بالنسبة لشارع مصطفى بن بولعيد (المطل على شارع عسلة حسين)، أو للشرفات المطلة على شارع حسيبة بن بوعلي، وقد واصل الصحافيون عملهم رغم التضييق وكانوا في كل جمعة يقدمون الصورة المغيبة سواء من خلال سرد ما كان يجري على الأرض أو من خلال الفيديوهات والصور التي كانت كلها تثبت أن هناك وجها آخر للحقيقة لا يمكن أن يراه العالم في وسائل إعلام السلطة وزبائنها.

التحول في تعامل عناصر الشرطة مع الصحافيين حدث في جمعة السابع ماي التي شهدت تغييرا مفاجئا لمسار المظاهرات بعبورها نهج العقيد عميروش وتوجهها إلى بلوزداد عبر شارع حسيبة بن بوعلي، وقد أربكت هذه المفاجأة خطة حصار المتظاهرين وجرهم إلى فخ ديدوش مراد حيث مورس عليهم قمع شديد في الجمعة السابقة، وأهم ما حدث في جمعة السابع ماي كانت تلك اللقطات المشينة لرجال شرطة يتداولون على لكم وصفع شيخ أعزل بحضور ضابط لم يكترث لما كان يجري، لقد صور صحافي انترليني تلك اللقطة وبثها، وكان ذلك إنذارا بأن قمع المتظاهرين لن يجري في تعتيم كامل.

من الواضح أن احتجاز الصحافيين بشكل تعسفي ومنعهم من القيام بعملهم يوم الثلاثاء الذي تلى جمعة السابع ماي كان جزء من ترتيبات قمع المتظاهرين والسعي إلى إنهاء السلمية بالقوة، وجاءت الجمعة الأخيرة لتؤكد هذه الفرضية.

لم تعلق المديرية العامة للأمن الوطني على الاعتداء الذي تعرض له الشيخ ووثقته الصحافة بالصورة، ولم يفهم صمتها إلا لاحقا عندما بدأ التركيز على تغييب الصورة وطمس الأدلة لأن القمع تم اعتماده كخيار وسيتم تأكيده في الجمعة الموالية حيث تم احتجاز الصحافيين لساعات ومنعوا من ممارسة عملهم لمنع تصوير كيفية تعامل عناصر الشرطة مع المتظاهرين. لقد نسي من فكر في هذا الخيار أن التعتيم لم يعد ممكنا في عصر التكنولوجيا، وغياب الصحافيين لم يمنع مواطنا من تصوير مشهد من القمع الوحشي من بيته باستعمال هاتفه، لقد رأينا عناصر الشرطة يحاصرون مجموعة من المتظاهرين بينهم نساء ويوسعونهم ضربا، وبدا واضحا أن المهمة لم تكن منع المظاهرة بل ترويع من يشارك فيها بالضرب والإهانة.

كانت تلك صورة أخرى للدوس على القانون وكرامة متظاهرين سلميين، صورة أريد لها أن تغيب عن أعين الجزائريين بمنع الصحافيين من الالتفات إلى الوجه الموءود من الحقيقة، لكن الجزائري الذي لا يقبل بالظلم سيجد ألف طريقة لجعل التعتيم على القمع مستحيلا.

تسعى السلطة إلى التغطية على أخطائها بارتكاب مزيد من الخطايا وهي بذلك تضع نفسها في فخ محكم الإغلاق.

* الصحفي نجيب بلحيمر

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version