لدي أسئلة بسيطة أطرحها على كل من اجتهد بعد تقييمه للوضع واعتبر أن المشاركة في أجهزة ومجالس “النظام” هو قرار صائب وأمر إيجابي، وموقف بناء وعقلاني، لأنه كفيل بتحقيق أشياء، وتغيير تدريجي، بدل سياسة الكرسي الشاغر العقيمة، التي “تناضل” على الهامش والأوهام. أسأل من تبنى هذا الخيار، انطلاقا من حسن الظن فيه وافتراض صدق التوجه عموما في الناس، ما لم يثب العكس، إثباتات موّثقا لا تخمينا أو اختزالا، مع تجنب بطبيعة الحال كيل التهم والأحكام المسبقة، ناهيك عن طامة التخوين او “التكفير السياسي”، لان ذلك يظل اختلاف وجهات النظر والاجتهادات، طالما بقي في هذا الحيز، اختلاف مقبول ومشروع بل ومحبذ، في مجال مسار التعلم المستمر والاستماع إلى الغير.

أسئلتي تقتصر على هذه الفئة التي تروم حقا الإصلاح ما استطاعت، ولو كان بمسار يخالف مسار غيرها، ولا أقصد في سؤالي: الذين امتهنوا مشاركة موائد السلطة قبل التعددية من 62 إلى89، في ظل الحزب الواحد والرؤية الواحدة، فهؤلاء امرهم خاص ويختلف بين جماعة وأخرى، ولكلٍ وجهته ومبرراته وهو مسؤول على مواقفه وأعماله أمام ضميره وخالقه؛ كما أنني لا اوجه أسئلتي إلى الذين شاركوا النظام مباشرة بعد انقلاب 12 يناير 1992، وانضموا صراحة وعلنا مثلما توضحه تصريحاتهم دون لبس، إلى هياكل النظام الانقلابي لمواجه الشعب وخياره، بحجة إنقاذ الجمهورية والدولة ومحاربة الإرهاب (يقصدون الذين فازوا بانتخابات 26 ديسمبر 1991)، فهؤلاء قد اختاروا معسكرهم قبل حتى هذا الانضمام ومواقفهم وتوجهاهم معروفة، ولا مجال هنا للتطرق إليهم، لقد ركبوا الدبابة وأحيانا دعوا إليها، لأن اهدافهم معروفة وطموح اتهم مكشوفة، وكتابتهم الحاقدة والمحرضة لا تزال تدوّنها صفحات إعلام الاستئصال إلى يومنا هذا؛ولا اسأل أيضا من يشارك السلطة مجالسها ليقين منه، أنه لن يحصل على موقع أو منصب خارج ظل وحماية وتعيين السلطة لقاء مشاركتها معاركها ضد الشعب، فهؤلاء يعلمون حجمهم وسمعتهم، ولا يبحثون سوى عن حظ للنفس، ومن ثم لا جدوى من شملهم بالسؤال؛ وأخيرا لا أسأل فئة التحقت متأخرة جدا بخريطة طريق النظام في محاولة منها المشاركة بنصيب داخل دهاليز النظام بمبررات لا تنسجم مع أطروحاتهم أصلا، وكأنهم طال عليه الأمد، بعد أن كانوا من أشد المطالبين بالتغيير الجذري خارج نطاق النظام “الفاسد”، ثم نراهم بعد 30 سنة، ينجرون ليلتحقوا بفريق المشاركة العقلانية، وكأنهم يريدون استدراك ما فاتهم.

أعود لسؤالي إلى الفئة التي انخرطت في أجهزة السلطة مباشرة بعد تنصيب المجلس الانتقاليCNT أي في 1994 ثم شاركوا النظام جل مجالسه وحكوماته وبرلماناته إلى يومنا هذا، من اجل التغيير من الداخل، باعتباره الحل الأكثر أمنا وسلامة وفعالية وواقعية، لقد مرت فترة زمنية معتبرة، وعدد كبير من الفرص والمناسبات والمواعيد الكافية، التي تسمح للجميع (وهمْ قبل غيرهم) بتقييم اجتهادهم ومواقفهم وقراراتهم، بموضوعية ونزاهة، ليطرحوا على أنفسهم السؤال: هل حققوا ما كانوا يصبون إليه، أقصد التغيير الذي كان يفترض أن يسهم في انتشال البلاد من وضعها المأسوي، أم أن الوضع زاد تأزما، ولعل أكبر دليل على ذلك، الوضع الذي نعيشه اليوم، إلى درجة أنه أخرج الشعب قاطبة إلى الشارع يوم 22 فبراير، وأقر النظام نفسه بان الدولة تحكمها عصابات. ألا يكفي ذلك ليجعل هذه الفئة تقر بان اجتهادها لم يحقق ما كانت تسعى إليه، رغم تكرارها المحاولات طيلة عقيدين ونصف من الزمن، ومن ثم تبحث لها عن طريق غيره؟ وعلى ذكر مشاركتهم من اجل التغيير والتأثير في مجريات تسيير الحكم، اسألهم:

– هل استطاعوا ولو مرة واحدة، إجهاض أي مخطط وضعه النظام لخدمة عصبه، هل تمكنوا من وقفه وفرض رأيهم …من الداخل؟

– ألم يعترضوا على الكثير من القوانين والقرارات والإجراءات الإجرامية، لكنها مرت مع ذلك داخل قبة البرلمان رغم “لاءاتهم” بل وبفضل لاءتهم التي منحت للقرارات صبغة ونكهة شرعية يبحث عنها النظام الغير شرعي، مستخدما الهيكلة التي يعتمدها والتي تسمح له دائما بتمرير قراراته، رغم اعتراض “المشاركين لمعارضين”، أم يقولون لنا “لقد حاولنا، والمحاولة خير من البقاء جانبا”، لكن المحالة تكون اجتهادا صائبا ومتفهما عندما يقيّم صاحبها نتائجها ويخلص إلى قرار موضوعي مستقل، يجعله لا يكرر المكرر خاصة إذا أصبح إدمانا ويتجرع نتائجه البائسة ثم يعود لنفس المحاولة.

– ألم يمرر بوتفليقة من خلال فتح عدد العهدات في 24 ساعة، وقرار تنصيب نفسه ملكا في جمهورية عائلية بوليسية، بما يتعارض مع كل القوانين ودستور البلاد رغم اعتراضهم؛

– ألم يعاد انتخاب بوتفليقة للمرة الثانية والثالثة حتى وهو شبه جثة، دون ان يستطيعوا توقيف المهازل الإجرامية في حق الشعب والدولة؛- ثم ألم يكن بوتفليقة قاب قوسين او أدني من ان يعاد انتخابه جثته محنطة للمرة الخامسة، دون أن يستطيعوا توقيف ذلك، ولولا الحراك لكنا اليوم نعيش في عهد بوتفليقة الخامس بمشاركة “لاءاتهم” التي لم تزده سوى شرعية “ديموقراطية”، وعلى كل الجرائم؟

– ألم تكن السلطة هي في الواقع التي استفادت من “معارضتهم” ولاءاتهم، لتبدوا أمام العالم ديمقراطية تعددية؟أسئلة بسيطة، حري بكل مجتهد صادق أن يطرحها على نفسه، دون مكابرة أو مخادعة للنفس، ويستخلص الدرس، لاستدراك الوضع والإقرار بأن الشعب وحده، خارج دهاليز السلطة غير الشرعية، هو من يستطع قلب الأمور، وقد برهن على ذلك في حراكه ل22 فبراير بحيث انجز ما عجز عنه الجميع، ولا ينفي ذلك إلا جاحد، وكما اجتهدوا في محاولاتهم السابقة وتبين عقم ذلك، فليلتحقوا، باعتبارهم مواطنين جزائريين يهمهم مصير البلاد مثل غيرهم، بهبة الشعب السلمية الحضارية الوحيدة الكفيلة بوقف النزيف والدمار والانجراف نحو الاندثار، فيعودوا إلى صف الشعب الذي يريد كل المخلصين خدمته، يعودوا إلى صفوف الحراك المبارك، اللهم إلا إذا كانوا لا يؤمنون مطلقا بتغيير من الشارع، ففي هذه لحالة، أسحب أسئلتي وأستسمحهم.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version