الخروج عن الحاكم، سؤال ضمن تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحديد دور ورسالة كل منهما شرعا وعدلا وقانونا؛ ولا مناص بالنسبة للمسلم من اعتبار العدل والقانون من مقتضيات الترجمة الواقعية الملائمة تاريخيا وحضاريا للشرع باعتباره المؤطر والموجه والمحدد لأسس و منطلقات علاقة الإنسان بأخيه الإنسان؛ ولن تكون أمور الدنيا على النقيض من تلك التوجيهات الدينية الدال عليها كتاب الله وسنة خاتم أنبيائه ورسله عليهم جميعا سلام الله . لكن يجب الأخذ في الحسبان أن الغاية مما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة بخصوص عدم الخروج على الحاكم هو حقوق الأمة على الحاكم والمحكوم في آن واحد؛ فإذا كان الحاكم غير مطيع، وتجلى ذلك في سلوكه الخاص، وكذلك في تسيير شؤون المحكومين، كان المعتبر هو حقوق الناس وأمنهم وأمانهم، لأن العبرة ليست من زاوية مصلحة خاصة أو امتياز فردي أو فئوي، وإنما العبرة بأمن الناس وأمانهم في عمومهم ككيان اجتماعي واحد، مثل الجسد الواحد في مناعته وسلامته وعافيته؛ وعليه جاءت الأحاديث مؤكدة على خطورة كل سلوك يمكن أن ينتج عنه ضرر بحق هذا الكيان الواحد الذي لا غنى لأحد أعضائه عن سلامته واستقراره؛ والمتأمل في روح الأحاديث، يجب أن يقدر هذا البعد في سلوك الناس سلبا أو إيجابا وفق ما يخدم سلامة الجسد الواحد؛ وعليه فمن غير المقبول قيام طرف من الأطراف، شخصا طبيعيا أو معنويا بما من شأنه تأييد ودعم الحاكم غير المطيع، ناهيك عن المستبد الفاسد، مما يفيد أهمية امتناع هذا الطرف عن كل ما من شأنه تحفيز الحاكم من أجل التمادي في سلوكه المخالف للشرع والعدل والقانون، كأن يمتنع عن الانتخاب من دون الحاجة إلى الجهر بذلك وهو حالة أضعف الإيمان، ليتحقق معه عدم الخروج في صورة من صوره، وفي شكل من أشكاله المنسجمة مع غاياته ومقاصده. و أما أن يتقدم طرف من الأطراف فينصب نفسه مدافعا عن الحاكم المستبد المجاهر بالفساد، فإن ذلك هو عين المفارقة للجماعة، لأن موقفه يزيد من فساد الحاكم ومن ضعف ومعاناة المحكوم، وهو من صميم مناقضة روح الشرع و مقتضيات العدل و القانون.

إذا كان ولا بد من الالتزام بروح الأحاديث النبوية الشريفة فإن التمعن والتدبر في كل كلمة وكل جملة ليست مهمة بسيطة، بقدر ما هي من أهم الأسئلة والدروس التي يجب بحثها والتأكد من أبعادها وفق غاياتها من باب دور ورسالة  الإنسان المسلم مع بداية العقد الثالث من القرن الجديد . 

لكن،   هل ميزنا، أو وصلنا إلى التمييز بين حالتين أو صنفين من الخروج؛   الخروج عن الحاكم، والخروج على الحاكم ! ؟ أيهما المحذور، وأيهما المطلوب ؟ هذا هو الأهم، الخروج عن الحاكم هو المطلوب لأنه يتحقق معه المحافظة على المجتمع والدولة مما يترتب عن انحراف الحاكم وفساده في ظل نظام استبدادي أو نظام عصابات فساد، حيث يمتنع المحكوم عن كل ما من شأنه إطالة عمر هذا النظام، و يصل الأمر إلى حد العصيان المدني المؤطر والموجه، متى كان فاعلا و نافعا . و يحتاج هذا الامتناع أو الخروج إلى وعي جماعي يرفع لواءه الشباب في حركة مقاومة متميزة ذات مرجعية وطنية متفردة تتجاوز حدود الأحزاب والنقابات والجمعيات في هبة وطنية راقية ثقافيا و حضاريا أقرب إلى النقلة التاريخية الفاصلة . 

وعلى هذا الأساس يكون الخروج عن الحاكم واجبا، وهو الخروج الذي يأخذ في الحسبان عدم الانقياد إلى العنف حفاظا على الكيان الواحد من الصراعات المفتعلة أو المصطنعة. وفي هذا المضمار بالذات أكد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني على اعتبار “الخروج عن الحاكم” واجبا ، وفرق بينه و بين ” الخروج على الحاكم “، ببساطة لأن الخروج على الحاكم يقوم على العنف والمواجهة مما يترتب عنه زعزعة استقرار الجماعة أو المجتمع أو الدولة، والذي نعبر عنه بـ” مفارقة الجماعة ” مثل كل تلك الصور التي شهدها عالمنا العربي، على وجه الخصوص، في ظل الصراعات المفتعلة التي تم الاحتكام فيها إلى لغة السلاح، وترتب عنها خراب و دمار بحق الجسد الواحد، وكان المستفيد الوحيد هو قوى الاستبداد والفساد على اختلاف صورها و مشاربها . 

ولمن يريد الاستفادة، الرجوع إلى مداخلة الشيخ الألباني تحت عنوان: “شروط الخروج على الحاكم ” حيث يميز بين الخروج عنه، و الخروج عليه. 

والشيخ رحمه الله، معروف بوزنه العلمي والتاريخي ووسطيته في ظل الحركة الإسلامية المعاصرة . 

إن كثيرا من الأسئلة العالقة على خط البناء الحضاري تحتاج إلى مقاربة من لدن حركات المقاومة الفاعلة في حركة التاريخ، و لن يكون ذلك ممكنا في حدود الرؤى المحدودة أو القاصرة التي يصدق في حقها ” سكت دهرا و نطق كفرا ” . هذه مجرد إثارة خاطفة لمثل هذا السؤال الذي يحتاج إلى مقاربة أوسع و أشمل

تعليق واحد

  1. مبررات الخروج عن الحاكم باتت قائمة بقوة أكثر من أي وقت مضى ؛ لكن وجب التأكيد على أن المقصود و المطلوب هو الخروج عن الحاكم و ليس الخروج عليه ، فإذا كان الشعب قد التزم طيلة سنة كاملة بمسار السلمية ، و عبر عن ذلك بصورة حضارية راقية ، و أخلاقية متفردة ، فإن الجهة الوحيدة التي بقيت غير متناغمة مع الحراك في سلميته هي سلطة الأمر الواقع التي فصلت لنفسها واجهة ، استعاضت عن رئيس مريض مقعد ، حكم لأربع عهدات خارج الأطر الديمقراطية، و في غياب سلطة الشعب و سيادته ، عرض البلاد لأكبر عملية سطو على المال العام ، و تمييع و تعويم القواعد الصلبة للمجتمع ، من مدرسة ، و اقتصاد ، و قضاء ، برئيس فرضته السلطة الفعلية باسم انتخابات صورية كرست سياسة الهروب إلى الأمام التي تجاهلت كل المبادرات الوطنية من أجل الوصول إلى توافق وطني بخصوص أنجع السبل للخروج من النفق المظلم .
    و الدليل على غياب أي نية من لدن السلطة الفعلية بخصوص الاستجابة لمطالب الشعب الثائر هو استمرارها في سياسة التجاهل و التضييق على الحريات و عدم إطلاق سراح أحرار الحراك ، ناهيك عن غلق الساحة السياسية أمام المعارضة الحقيقية ؛ ولا دلالة على ذلك أكثر من اللجوء بشكل انفرادي و من طرف واحد ، إلى عرض مسودة الدستور ( دستور السلطة ) ، بنفس الطريقة التي اعتادت عليها السلطة الفعلية من أجل ربح الوقت و فرض الأمر الواقع .
    و على هذا الأساس وجب التذكير بأهمية الاستجابة لمسار الحراك الوطني من أجل وضع حد لهذه السياسة الفاشلة ، و يكون ذلك برفض سؤال المسودة جملة و تفصيلا ، لأن المشكلة ليست في وثيقة الدستور ، و لا في طبيعة صياغتها ، أو محتواها ، بقدر ما هي في أسلوب سلطة الأمر الواقع التي لم تعتبر و لم تأخذ في حسابها حرية الشعب و كرامته و سيادته ؛ لذلك وجب الاستجابة لمسار الخروج عن هذه السلطة المستبدة ، و ليكن ذلك في جو السلمية ، و في كنف الوحدة الوطنية ، و الحق في الامتناع عن مشاركة سلطة الأمر الواقع هذه المهزلة تحت أي مسمى ، و هو ما تقتضيه مصلحة البلاد و العباد، و ليكن الامتناع من خلال مقاطعة موعد الاستفتاء المزعوم حول تعديل الدستور ؛ إن كل حزب يشارك في ذلك ، من قريب أو بعيد ، يكون مشاركا في تمديد عمر الاستبداد و الفساد ، و هو في ميزان الشرع و العرف و الأخلاق و المروءة و الشهامة و الوعي ، لا غبار عليه، ناهيك عن التضحيات الجسام للجزائريات و الجزائريين على مر العصور ، و حق الجزائر من أجل أن تحلب في إنائها لأجل نهضتها و أمنها و استقرارها .
    إن هذا الموقف يحتاج إلى كل جزائري و جزائرية ، مهما كان ، كيفما كان ، و أينما كان ، من أجل السلم و السلمية و الحرية و الكرامة الإنسانية .
    و أؤكد أن أي حزب ، مهما كان ، كيفما كان ، و أينما كان ، يشارك في مناقشة وثيقة تعديل الدستور ، يعتبر شهادة لصالح الاستبداد و الفساد و موافقة على كل السياسات التي ستنتهجها سلطة الأمر الواقع في غياب سيادة الشعب . و ما ينطبق على الأحزاب ينطبق على الأفراد ، و ليكن ذلك في جو التآخي بين كل الجزائريين ، المحسن منهم ، و المسيء ؛ الغاية تجاوز معضلة الاستبداد و الفساد .

Exit mobile version