نشهد منذ فترة، حربا شرسة ضد رشاد، والملفت أن الجهة أو الجهات التي تشن هذه الحرب القذرة، تسوق تهم جاهزة دون أي دليل بل وترقى إلى التشهير الذي يعاقب عليه القانون، وكأن مجرد نقل التهمة كافي لإثباتها، لاسيما بالنظر إلى ما تكنه هذه الأطراف من عداء لرشاد لأسباب معروفة، بالإضافة إلى سجل هذه الجهات الحافل بالجرائم في حق الشعب خاصة عقب انقلاب يناير 92 وطيلة الحرب القذرة. والجدير بالإشارة أن الأمر لا تقتصر على السلطة وتوابعها، بل يضم أيضا أحزاب وشخصيات وأقلام وصحف تدعي المعارضة وفي تصريحاتها وأدبياتها، في حين شاركتها في الواقع كافة الحكومات والمجالس والنوادي، على مر عقود. وما يلفت النظر أكثر، أن نفس البعبع “الإسلامي” (على وجه الخصوص)  المستعمل من طرف السلطة ودكاكينها وقنواتها، خلال الأسابيع الأولى من الحراك لإحداث شرخ بين الموطنين، عاد من جديد إلى الواجهة هذه المرة، لترفعه هذه “المعارضة” لعلها تنجز ما عجزت عنه تحقيقه السلطة.

التحذير هذه المرة من رشاد، ورميها  بكل التهم، ليس أقلها، محاولة الاستيلاء على الحراك وتوجيه دفته، دون حاجة إلى إثبات ما تدعيه ولم تكلف نفسها أصلا البحث عن الدليل، وهي المعروفة في أوّج مأساة العشرية، باستنساخ بيانات مديرية الأمن الاستعلامات DRS، وديباجتها في تقارير صحفية، تحيل فيها جرائم مهولة إلى “إرهابيين تم القضاء عليهم في معارك مع قوى الأمن” في حين، لم يكن هؤلاء الإرهابيين المزعومين سوى مواطنين قضوا تحت التعذيب على طاولات تشريح مراكز عنتر وغيرها. نفس هذه الأوساط تكرر اليوم ما اقترفته قبل 28 سنوات، دون أن تعير أدنى اعتبار لتصريحات رشاد ومواقفها المتكررة منذ بدء الحراك، أكدت فيها أن الحراك هو حراك الشعب بكل أطيافه، وليس لأحد الفضل فيه أكثر من غيره، بل وأن ذلك هو ما منحه قوته وتماسكه، وحفظه من الاختراق والانحراف.

لكن، لا تكترث محاكم التفتيش بما تصرح به رشاد وتفند به تلك التهم، وزادت في حملة التشهير، لأنه أصبح يفزعها  وعي جماهير المواطنين الذي أفشل كل الحيل الرامية إلى وقف الحراك أو حرف مساره، بفضل محافظتاهم على وحدتهم في التنوع، واخلطوا أوراق كل الجهات المناوئة له، أصابوها بالإحباط، فلم يجدوا بدا من العودة إلى تجديد مناخ الرعب والترويع ما قبل الانقلاب، عبر النفخ في بوق الحقد والكراهية، مركزين هذه المرة على رشاد. قد يسأل سائل لماذا رشاد تحديدا؟ قبل محاولة الإجابة على هذا التساؤل، أذكر بالتالي:.

أولا، رشاد حركة سياسية تأسست في عام 2007 وتنشط منذ ذلك الحين، وهي “قوة للحشد والتغيير وتعتبر أيضا أداة للتعبئة الشعبية من أجل إحداث تغيير سياسي جذري وديمقراطي يسمح للجزائريين والجزائريات بالعيش في بلد حر في دولة القانون والحكم الراشد يجعل من التداول على السلطة مبدأ دستوريا غير قابل للتفاوض فيه” كما جاء في قانونها الأساسي. وتضم الحركة مواطنين من مختلف التوجهات والانتماءات السياسة، تجمع بينهم أرضية واضحة المعالم، تروم إقامة دولة مدنية، بطرق سلمية، ومن أبجديات النزاهة والأمانة أن تعرف رشاد نفسها بنفسها، من خلال مواثيقها وتصريحات قادتها، ويؤكد ذلك أو يناقضه مواقفها الموثقة، وليس أن يعرف بها خصومها.

ليس سرا أن ما يزعج خصوم رشاد وأعداءها، سواء في السلطة أو في معارضة المخابر، أن الحركة منذ تأسيسها في 2007 كشفت أركان منظومة الحكم، من خلال عملها المنهجي التنويري الأكاديمي، حيث عملت على تفكيك كل عناصر هذه المنظومة من خداع وحيل وأكاذيب نسجتها وأقامت حكمها عليها. لقد ساهمت رشاد، إلى جانب العديد من الشرفاء الآخرين، في تبيان مكمن الداء السائد في البلد وتبيان جوهر الخلل، وبينت أنه يتجاوز الوجوه المتداولة على السلطة الواجهة، وأن الحل ليس في تغييرها، والدليل أننا انتقلنا من رئاسة بن بلا إلى بومدين، إلى الشادلي، إلى زروال وبوتفليقة، بل وحتى بعد الإطاحة ببوتفليقة، ومع ذلك ظل نظام الحكم على حاله، مما يثبت أنه من العبث التحايل على المواطنين من خلال تغيير الواجهات السياسية، في انتخابات صورية، لتكريس نظام عسكري فعلي بواجهة مدنية.

نعود ونجيب عن الجريمة التي “ارتكبتها” رشاد ولا يمكن أن تغفرها لها عصابة الحكم والمنتفعين معها:

  • كشفت رشاد، بوضوح وشفافية، أن الشعب ليس له مشكلة مع المؤسسة العسكرية في إطار مهامهما الدستورية، ولا مع قيادتها مثلما تروّج له السلطة من خلال اتهام كل من يعارضها بأنه ضد مؤسسة الجيش، فبينت رشاد أن المشكلة تكمن في توريط هذه المؤسسة في الشؤون السياسية وهيمنتها على شؤون الدولة والاستحواذ على الجزء الكبير من الميزانية على حساب قطاعات حساسة، مثل الصحة والتعليم، دون مراقبة طرق الإنفاق أو حجم الصفقات وطريقة إبرامها والتهرب من المساءلة أمام هيئة منتخبة من قبل الشعب؛
  • كشفت رشاد أن المشكلة ليست في تنوّع فئات الشعب واختلاف أيديولوجياتهم، بل المشكلة في حرمانهم من التعبير الحر والسلمي عن هذه الطموحات والتوجهات والتنافس على أساسها ليقول الشعب كلمته في كل طرف، والمشكلة أيضا في حرمانهم من المساهمة معا لبناء الوطن، مع افتعال خصومات من أجل  استعداء فئة ضد أخرى، والترويج لاستحالة اجتماع الجزائريين مع بعضهم البعض، مثلما فعلت من قبل حتى جاء لقاء روما سنة 1995 وجمع مختلف مكونات الشعب حول أرضية مشتركة لإخراج البلاد من أزمتها، فألبت هذه السلطة المواطنين لرفض تلك الوثيقة، ونعلم ما نتج عن ذلك القرار الإجرامي من السلطة، في مواصلة المأساة وارتفاع عدد الضحايا ليبلغ ربع مليون، فقط لتبقى متمسكة بالسلطة؛
  • كشفت رشاد أن “التطرف” (المحظور من منظور السلطة)، ليس تطرف الأفكار والمواقف، بل هو (مثل الإرهاب) صفة هي من يحدد معناه، ويقتصر فقط على منْ يرفض الانصياع للأمر والواقع وقواعدها، فيُتهم المرء بالتطرف والإرهاب، حتى عندما يكون أكثر الناس اعتدالا ووسطية، في حين لم تضيق ذرعا بالأكثر تطرفا بين العلمانيين مثل خليدة تومي وسعيد سعدي، أو أكثر “سلفية” كمراني وغيره ، فقط لأنها استطاعت احتوائهم وضمهم إلى طاولتها؛
  • كشفت رشاد أن الحل ليس في الاحتجاجات المطلبية الفئوية المجزأة، لأن السلطة تستطع الانفراد بفئات مجتمعية وكسر حركة الشعب لتحول دون تحقيق هبة وطنية شاملة تعيد للجزائر مكانتها وتضع حدا لحكم العصابات، وهو ما يفعله اليوم الشعب في حراك 22 فبراير؛
  • كشفت رشاد أن ممارسة السياسة ليست جريمة ولا خطيئة، تدخِل صاحبها إما السجن أو لنار جهنم (نتذكر كيف كان يُتهم كل معارض بأنه يمارس “السياسة”)، وشددت رشاد على أن ممارسة السياسة واجب وحق، غير مطلوب من صاحبه أن يسأل الصفح عنه، وهذا ما أعاد الثقة في صفوف المواطنين ليستعيدوا دورهم ومكانتهم في التغيير، مما تجسد بفضل الأحرار في الحراك؛
  • كشفت رشاد حيلة تعمد الخلط بين السلطة الحاكمة والدولة، وبينت أنه من حق المواطن انتقاد  المسؤولين والفرق بين الانتقاد السياسي وبين التشهير الذي يعاقب عليه بالقانون، وأبطلت حيل السلطة في تكميم أفواه المواطنين بحجة التشهير؛ وشرعية مساءلة كل مسؤول ومراقبة ميزانية الدولة ومعرفة كيف تصرف ميزانية كافة المؤسسات بما في ذلك الجيش؛
  • كشفت منذ تأسيسها أن العنف أقوى سلاح تستخدمه السلطة وأكسجينها الذي يطيل عمرها، وأن استعماله لا يقتصر على قمع المواطنين، بل أيضا وبدرجة أكثر حساسية وخبث، لدفع المواطنين إلى استعماله لتبرير كسر كل هبة شعبية مهما كانت مشروعة، بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار ومحاربة العنف والفوضى، ورشاد بثباتها على سلميتها  كإستراتيجية والدعوة إلى تبني هذه الإستراتيجية، أبطلت هذه الخدعة وعرت سوءة السلطة وحرمتها من سلاحها المفضل، مثلما أثبته الشعب بحضارية منقطعة النظر طيلة قرابة 13 شهرا في حراكه المبارك؛
  • وكشفت أن الصراع الحقيقي لم يكن يوما بين فئات الشعب المتنوعة والثرية وإنما بين سلطة غاشمة مستبدة غير شرعية من جهة، وبين شعب يتوق إلى الحرية واستكمال استقلاله من جهة أخرى؛
  • كشفت أن الأولوية للإطاحة بدولة الاستبداد العسكرية، وإقامة دولة الحق والقانون، قبل أي منافسة أيديولوجية، لأن الجميع “محتل” من طرف نظام العصابات، ومن العبث خوض حروب هامشية منهكة، لن تسفر إلا في إضعاف الجميع وتكريس حكم العصابات؛
  • كشفت ضرورة تنظيم صفوف المواطنين ونجاعة النضال المنهجي المنظم في إطار وحدة المطالب الجامعة التي تشترك فيها كافة فئات الشعب، لأن محاربة عصابات منظمة في دولة، يقتضي نضال منظم وليس نظام جماعات أو أفراد متنافرين؛
  • كشفت عبثية محاولة التغيير من داخل بوتقة السلطة وترميمها لأن هذا النظام قائم على الاحتواء وقد برهن على قدرته في تدجين وإفساد كل من احتك به وشاركه مهما كانت نيته وصلاحه، إما عن طريق توريطه في الرشوة والابتزاز والترهيب، وذلك منذ أن ركب هذه الجهات دباباته بعد انقلاب يناير 92 وشاركوه في “مؤسساته” من المجلس الوطني الانتقالي إلى الحكومات المتتالية والمجالس المنتخبة المتعاقبة، وإلى اليوم في حواراته المزيفة، حتى أصبحت هذه الأطراف جزء لا يتجزأ من منظومة الحكم نفسه بل وتدافع عنه بشراسة حفاظا على بقائه واستمراره وحصانته وحماية لنفسها من المتابعة؛
  • كشفت زيف كل ما نظمته من حوارات ومصالحات ونقاشات، تزعم أنها من أجل إدخال إصلاحات، وتحتفظ لنفسها بالسيطرة الكاملة على القرار من خلال مشاركة فلكلورية لأطراف هامشية، مع رفض كل مبادرة لا تخضع لهيمنتها المطلقة، مثل ما يحصل منذ انطلاقة حراك 22 فبراير، من عشرات المبادرات المقدمة من أجل انتشال البلاد من محنته، كما كشفت رشاد أن رفض النظام مرحلة انتقالية، لا علاقة له بالحجج المقدمة، كحجة فتح باب المخاطر، وإنما رفض السلطة سببه أن مرحلة انتقالية مثلما يطالب بها المواطنون، تشترط مشاركة الجميع في الحل ولا تحصر القرار في يدا لنظام المطالب بتغييره تغيرا شاملا جذريا؛
  • كشفت أن الشعب يملك القوة والإرادة المجمدتين، وأن تنوعه لا يتناقض مع وحدته وأن سلميته ليست ضعفا ولا سلبية بل سلاحا حضاريا فتاكا ينزع من السلطة قوتها الضاربة، ويكسر استبدادها دون الانجرار إلى فخها، وأن سلميته نوع فعال من المقاومة الواعية، وقادرة على استمالة نفوس قوى الأمن وكسب تعاطفهم وتحويل مفعولهم القمعي إلى قوة أمن تحمي المواطن، وتحويلهم من خصم للشعب يوظفه النظام المستبد إلى حامي للمواطن، وبينت أن النهج السلمي يوسع دائرة النضال ويشجع المتفرجين على الالتحاق بالمناضلين من أجل الحرية؛
  • كشفت أن التغيير لا يمكن تحقيقه من الداخل لأن الفساد ليس في الأجزاء ولا في بعض الأجهزة ولا في بعض القوانين ولا في بعض المسؤولين، وإنما في منظومة الحكم ككل، التي تشكل البؤرة التي تفرخ الفساد وتوزعه على كافة أركان النظام ولا يمكن إصلاحه إلا من الجذور؛
  • كشفت أن الجزائريين يستطيعون العيش والعمل معا مع اختلافهم بل وتوحيد جهودهم لتحقيق المشترك بينهم، في انتظار إقامة دولة القانون التي تمكن الجميع من التعبير والعمل بحرية وفق قناعاتهم، وأنهم يستطيعون العمل في إطار جامع من أجل تحقيق هذا الهدف، وما تركيبة رشاد، بمختلف مكوناتها إلا دليل على قابلية تحقيق هذه الهدف، وهي بذلك تكشف زيف السلطة التي أقامت عرشها على تفتيت نسيج المجتمع واستعداء فئاته وتأليبهم ضد بعضهم البعض والادعاء بأن الجزائريين لا يطيقون بعضهم البعض ولا يستطيعون الجلوس حول طاولة واحدة؛
  • كشفت خبث السلطة في نشر الشعور بالعجز والفشل والهزيمة في نفوس المواطنين، مثلما نتذكره في بداية حراك فبراير، عندما صرح أويحيى ساخرا من الحراك “الريح في الشبك” مستهترا بهبة الشعب ومحتقرا لهم، وقد عزز الشرفاء تقوية ثقة المواطنين ورسخوا شعور القدرة وأعطوا لشعار  Yes we can معناه على أرض الواقع؛
  • كشفت رشاد كذب السلطة في تحجيم دور الشعب، وبينت فاعليته مما أكسبه الثقة في النفس التي عملت السلطة على قهرها وتغييبها، من خلال استعانتها بمثقفي المهام الخاصة، الذين أبدعوا في إنتاج “البراهين والحجج العلمية” المكرسة للإحباط بين المواطنين وتسخيف نضالهم وتوقهم إلى الحرية والسيادة.

هذه جرائم رشاد وكل الشرفاء، الجرائم التي لا تغفرها السلطة، وجندت كافة ترسانتها، بمختلف الطيف الأيديولوجي، لمحاربتها.

تعليق واحد

  1. ببساطة لأن الحركة ولدت من صميم رحم معانات المجتمع بكل أطيافه ، و لو كان ذلك خارج حدود أرض الوطن ( المهجر ) ، الذي لم يكن اختيارا من باب الأفضلية ، بقدر ما كان محطة تاريخية مكنت ثلة من أبناء الجزائر المحسنين أن يعبروا بما أتاهم الله من قوة فكر و روح عن حقيقة تطلعات الجزائريين إلى التخلص من وباء الاستبداد و الفساد الذي زرعت بذوره قوى الاستعمار البغيض التي فشلت فشلا ذريعا في احتواء التاريخ و الجغرافيا على حد سواء ! و بحمد الله فقد كان التعبير حضاريا ، أعطى الفكرة مدلولاتها و دلالاتها ، و تجاوز الخلط و الغموض و التضارب الذي ميز أكثر من حزب سياسي، أو توجه إيديولوجي ، انكشفت عوراته، و تهاوت شعاراته ، و ثبتت أضراره ! نعم ، كيف لا ، وهي حركة المقاومة و المواءمة و المداومة على خط الصحوة الاجتماعية المباركة التي استشرف بخصوص بوادرها الأولى قادة الحركة قبل هبة ٢٢ فبراير ٢٠١٩ بسنوات . و من دون ريب فإن مسار السلمية في أبعاده الثقافية و الفكرية واحد من ميزاتها التي أكدت عليها مرارا و تكرارا ، و هي ، و لا ريب، الضمانة الحضارية التي يحتاجها الجزائريون بغض النظر عن كل الاعتبارات لتجاوز معضلة الاستبداد على خط بناء دولة مدنية تسع كل الجزائريين و زيادة .

Exit mobile version