يجب سماع أصوات الناشطين أولاً حول تكتيكات الاحتجاج.

إيريكا تشينويثو ماريا ج. ستيفان

18 ديسمبر 2019

في مقاله “العنف في بعض الأحيان هو الحل“، يرى كاي تالر بأن أي أن استخدام المحتجين للعنف ضروري أحيانًا، لا سيما في مواجهة عنف النظام العدواني، وينتقد أولئك الذين ينصحون من خارج دائرة الأحداث “بمقاومة غير عنيفة”. وبالطبع هذه انتقادات مألوفة.

نحن نتفق مع عدد من نقاط تالر. أولاً، هو محق في التشكيك في الذين يوجدوا خارج مسرح الأحداث، ثم يُملون على الناشطين ما يجب عليهم فعله أو يُقدمون المشورة الاستراتيجية أو التكتيكية. إن النشطاء المحليين يعرفون سياقهم أكثر، ويمكن لبعض تعليمات الفاعلين الخارجيين أن تُعرّض الناشطين لخطر كبير. وكثيراً ما يقول الذين يناضلون في ظروف كهذه بأنهم يكتسبون أكبر قدر من الحنكة من خلال التواصل مع الناشطين الآخرين. ولكن عندما يطلب النشطاء من الباحثين أو الممارسين معلومات أو مراجع، فمن الأهمية بمكان ضمان وضع مجموعة واسعة من التجارب والأدلة بين يدي الجمهور بحيث يمكنهم الوصول إليها. وكان هذا هو الغرض من حدث استضافه مؤخراً معهد الولايات المتحدة للسلام، وفيه تم عرض وجهات نظر علمية وأخرى لناشطين حول كيفية استجابة الحركات الاحتجاجية للقمع.

ثانياً، نحن نقدر كيف يسلط المقال الضوء على فعالية دور البشر في الكفاح ضد الاستبداد وأشكال القمع الأخرى. إذ توفر المقاومة المدنية طريقة للمجموعات المهمشة والمستبعدة لشن النضال باستخدام مجموعة واسعة من تكتيكات العمل المباشر التي يمكن استخدامها لإرباك ضروب الظلم ولتحدي الوضع الراهن. وهي أكثر من مجرد تفضيل مثالي أو معياري. ونحن ندرك أيضًا أنه عندما يسعى النشطاء للحصول على الدعم أو المعلومات، فإنهم يقررون بأنفسهم ما إذا كانت المعلومات ذات صلة بسياقهم أم كان عليهم تجاهلها.

ثالثًا، نشاركه في إدانته لعنف الدولة القمعي الذي يستهدف المعارضين المدنيين العزل. إنها لحقيقة مؤسفة أن تلجأ تلك الدول في غالب الأحيان، إلى استخدام القمع العنيف ردا على الذين يتحدون سلطة الدولة، بغض النظر عن أساليب المقاومة التي يستخدمونها. وينبغي ألا يتم أبداً اعتبار عنف الدولة أمرا طبيعيا، وألا يقبل استخدام المقارنات الأخلاقية الخاطئة أو السرديات من نوع “كلا الطرفين”. ويجب على الجهات الفاعلة الخارجية أن تتضامن مع من يحاربون الاضطهاد وأن تعطي الأولوية للإجراءات التي تحمي حقوق الإنسان الأساسية وتخفف من العنف الذي يستهدف المحتجين العزل.

إلا أننا نختلف معه في نقاط أخرى مهمة. أولاً، كثيراً ما يزعم المنتقدون أن اللاعنف هو جزء من خطاب الهيمنة الغربي الذي يعزز شرعية عنف الدولة بينما يشجع في الوقت نفسه الأشخاص المضطهدين على تحمل العبء الجائر المتمثل في التزام السلوك الحسن حتى في ظل ظروف ساحقة. بيد أن الخطابات الداعية للمقاومة اللاعنفية هي ليست المهيمنة بأي حال من الأحوال، كما أنها ليست غربية في الأصل. فعلى مدى آلاف السنين، بررت الدول والجماعات غير الحكومية اللجوء إلى العنف على أساس الضرورة، واستخدمت النسبية الثقافية كوسيلة لمنع نقد العنف، واضطهدت، وسجنت ، وأعدمت أولئك الذين دافعوا عن مناهج اللاعنف والتي تهدد خطابين مهيمنين، ألا وهما احتكار الدولة للسلطة، وطبيعية العنف وضرورته.

وقد ظلت المقاومة اللاعنفية تشكل قوة مضادة للهيمنة في تحديها لهذين الخطابين المهيمنين. وقد طور الأشخاص الذين يعيشون في ظل الأنظمة الاستعمارية هذا الأسلوب وتبنوه في المناطق الجنوبية من العالم  وكذلك تبنته المجتمعات المهمشة والمضطهدة في الغرب. فعلى الرغم من اعتقادهم بأن العنف أفضل من السلبية، فقد رأى الممارسون من مثل المهندس غاندي (مهاتما غاندي) وبادشاه خان بأن المقاومة المدنية الجماعية هي السبيل الوحيد لهم لتحدي عنف الإمبريالية الغربية على أسس براغماتية. وعلى مدار القرن الماضي، انتشر هذا الأسلوب، من الشطر الجنوبي في العالم إلى الولايات المتحدة وأوروبا، حيث قدر الأشخاص الذين يكافحون العنصرية والتمييز الجنسي والفقر والحرب والسلطوية وعدم المساواة الاقتصادية، القيمة الإستراتيجية لمحاربة العنف الهيكلي من خلال بناء قوة شاملة من الأسفل وممارستها باستخدام المقاومة اللاعنفية.

ويواصل الناشطون من جميع أنحاء العالم تقديم البراهين حول الفائدة الإستراتيجية للمقاومة اللاعنفية، دون الحاجة إلى حث من الغربيين أو الباحثين الغربيين. فقد حاول المحتجون في بغداد والذين يواجهون حملة قمع واسعة الحفاظ على انضباط اللاعنف من خلال الصراخ “سلمية! سلمية!” وهم يواجهون نيران قوات الأمن. كما نظمت النساء في لبنان سلاسل بشرية للحفاظ على انضباط اللاعنف في الحراك المستمر هناك، والذي اصبح الآن يمر بمرحلة حساسة للغاية. كما أصرّ المعارضون المرتبطون بالثورة السودانية على الحفاظ على مستوى ملحوظ من انضباط اللاعنف، على الرغم من الإجراءات القمعية الدامية التي تحاول دفع المرحلة الانتقالية إلى حالة من الفوضى. وفي الجزائر، بقي الحراك المتواصل هناك مربكاً بالنسبة للسلطة وسلميّاً بنفس الوقت.

ويقدم كتابنا،  لماذا تؤتي المقاومة المدنية ثمارها؟  دليلاً على أن المشاركة الجماهيرية ذات القاعدة العريضة هي أمرٌ حاسمٌ لنجاح الحراك وأن الحركات التي تعتمد بشكل أساسي على تكتيكات اللاعنف تميل إلى جلب مشاركة أكثر تنوعًا، والتي تنتج بدورها عددًا من المزايا السياسية للحملة. وتؤكد التحليلات المحدثة هذه النتائج السابقة، كما تساعد البحوث الأخرى على تحليل هذه الديناميات على مستوى التفاصيل الدقيقة.

غالبًا ما تنجح الحركات اللاعنفية المنظمة على الرغم من وجود الأجنحة العنيفة، وليس بسببها.

ويبدو أن كلّاً من الباحثين  والناشطين  قد أجمعوا على أن استخدام التكتيكات العنيفة قد يحقق مكاسب قصيرة الأجل مثل زيادة الروح المعنوية أو الفوز في معارك الشوارع أو الحصول على اهتمام كبير من وسائل الإعلام أو الانتقام من الضرر الذي لحق بهم. ونعلم من البحوث الحديثة، أن الحملات الكبيرة المنظمة جيدًا يمكن أن تتعايش أحيانًا مع الأجنحة العنيفة. ولكنه ليس واضحاً إن كان قيام المحتجين بالعنف على مستوى منخفض يزيد من فعالية الحملات على المدى الطويل.

وبصفتنا أشخاصًا شاركوا في المقاومة اللاعنفية وعملنا عن كثب مع الناشطين الذين واجهوا بعضًا من أكثر الأنظمة التي يمكن تخيلها وحشية، فإننا نتعاطف مع رغبة المحتجين في الدفاع عن أنفسهم وزملائهم المحتجين من عنف الدولة. وقد يكون ذلك مبرّرَاً أخلاقيا تماماً.

بيدَ أن استخدام العنف المضاد ينطوي على مخاطر كبيرة على المحتجين، وهو الأمر الذي لا يدركه أولئك الذين يؤيدون هذه الأساليب أو يدافعون عنها. قد تكون المعارك في الشوارع مُربكة لقوات النظام القائم، لكنها عموماً لا تعطي للنظام الإشارة بأن الحراك له قدرة على الاستمرار على المدى الطويل. كما أن مثل هذه الأنشطة عادة ما  تُثبط الإقبال على الحراك، وتزيد من حدة القمع واسع النطاق تجاه المعارضين ومؤيديهم المشتبه بهم، بالإضافة إلى أنها توحد قوات الأمن وأنصار الخصم بدلاً من تقسيمها، بل وتجعل الخصومَ أقل تسامحا مع الحراك.

فقط قلة قليلة من الأدلة تشير إلى عكس ذلك. فقد توصلت إحدى الدراسات  إلى أن حركات الاحتجاج التي تستخدم العنف غير المسلح (مثل إلقاء زجاجات المولوتوف، ورمي الحجارة، والمعارك في الشوارع) تميل إلى أن تؤدي إلى إرساء الديمقراطية في كثير من الأحيان أكثر من الحركات التي تستخدم أساليب غير عنيفة وحدها. كما بينت دراسةٌ أخرى  أن الحركات يمكن أن تنجح في بعض الأحيان على الرغم من العنف الهامشي، ولكن فقط عندما تكون الحركات منظمة تنظيما جيدا، وتمتلك هيكل قيادة مركزية مع تسلسل هرمي، على عكس العديد من حركات اليوم. إلا أن الغالبية العظمى من الدراسات خلصت إلى أن الحركات اللاعنفية المنظمة تنجح في أغلب الأحيان على الرغم من الأجنحة العنيفة،وليس بسببها.

عادة ما يتبع إدخال العنف من قبل المحتجين تصعيد وتكثيف عنف الدولة.

 وبينما يجعل الانضباط اللاعنفي من السهل على الحركة الحفاظ على المشاركة المتنوعة والشاملة ضد السلطة الراسخة، فإن عنف المحتجين يُمكِّن الشباب أشداء البنية دونَ غيرهم. توجد استثناءات بالتأكيد، ولكن يميل الأطفال وكبار السن والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة والسكان المهمشين أو الضعفاء عموماً إلى التنحي جانباً كلما تصاعد عنف المحتجين. وبدأت هذه العملية في هونغ كونغ، حيث لاحظت إحدى الناشطات مؤخرًا أنه قد تم تهميش النساء من الأدوار القيادية على نحو كبير بعدما بدأ المحتجون في استخدام المزيد من العنف خلال الاحتجاجات. كما أن التوجه نحو تبني عنف المحتجين يُقصي الأشخاص الذين قد تختلف توجهاتهم مع ذلك النهج، كما أنها تجلب التعاطف لخصومهم بين المراقبين.

وأهم من ذلك كله هو أن هنالك إجماعاً علمياً ساحقاً يشير إلى أن إدخال العنف من قبل المحتجين، عادة ما يكون متبوعا بتصعيد وزيادة عنف من طرف الدولة. يكاد قمع الدولة يستهدف دائما المحتجين بشكل عشوائي، دون أن يفرّق بين المشاركين السلميين والعنيفين. وتبين الاستبيانات في الهند وإسرائيل والأرجنتين إلى وجود دعم شعبي لمثل هذا القمع، مما قد يشير إلى أن عنف المحتجين، في السياقات المحلية، يميل إلى الحيلولة دون جلب الدعم الواسع بدلاً من جذبه. وثمة مؤشرات تدل على أن الحكومات عادة ما تقوم بنشر عملاء محرضين في محاولة لإثارة عنف المحتجين، في سعيها إلى تدمير الحراك من الداخل أو شلّ مفعوله .

وعلى المدى الطويل، حتى لو نجحت الحركات ذات الأجنحة العنيفة، فمن المرجح أن تزيد من الاستقطاب وتمكين القوى السياسية القمعية، كما أنها تزيد من احتمالية احتدام النزاع والتحوّل إلى حرب أهلية شاملة، حتى عندما يتم استئصال العوامل السياقية الضمنية التي تجعل البلدان عرضة للنزاع المسلح.

إن الإشارة إلى هذه الاتجاهات المستخلصة من التجارب المختلفة لا تهدف إلى تصوير عنف المحتجين على أنه معادلٌ أخلاقياً لعنف الدولة، بل تهدف إلى الإقرار بالمخاطر السياسية والإنسانية المعروفة التي ينطوي عليها تبني هذا الأسلوب أو المبالغة في تقدير جدواه. وكما أوضح العالم السياسي ايفان بيركوسكي،  فإن الدعوة إلى العنف أو الاعتذار عنه دون الإشارة علنًا إلى مخاطره، هو عمل غير مسؤول تماما، مثله مثل تأييد العمل اللاعنفي دون الإشارة إلى مخاطره.

فعلى سبيل المثال، من المهم عدم المبالغة في تصوير الاحتجاجات في الشوارع باعتبارها الخيار الأول والأخير للنضال الشعبي الشامل. فالاحتجاجات في الشوارع هي ليست سوى تكتيك واحد من بين آلاف أنواع التكتيكات المختلفة المتاحة للاحتجاج والتي تجعل من الصعب استنفاد جميع الخيارات اللاعنفية. وتنطوي بعض أقوى الأساليب اللاعنفية، مثل الإضرابات العمالية ومقاطعة المستهلكين، على عدم انصياع جماعي وارباك جماعي لا يعتمدان على المواجهات المباشرة مع قوات الأمن. وغالبًا ما يكون العمل الهادئ المتمثل في التنظيم وبناء التحالفات وحل النزاعات الداخلية هو المفتاح لاستمرار الحركات في الحفاظ على مرونتها وزخمها.

إنه لأمر صحي وطبيعي أن يتناقض الأشخاص داخل حركة ما، ويتجادلوا حول الاستراتيجيات والتكتيكات الأنسب. ويجب أن يمكنوا من ذلك دون تدخل من أشخاص، يوجدون خارج مسرح الأحداث، الذين لن تتأثر حياتهم وسبل عيشهم بقرارات يمكن أن تكون بمثابة قضية حياة أو موت بالنسبة للنشطاء ومجتمعاتهم. إلا أنه عندما يحاول الباحثون والممارسون “الاستماع إلى الأشخاص في مسرح الأحداث” لفهم نضالهم وإيصال صوتهم بأي طريقة ممكنة، فمن الأهمية بمكان أن يعرفوا ما هي الأصوات في الجبهات الأممية التي يتم تمثيلها في الخارج، وما هي الأصوات التي يتم إسكاتها داخل أوطانها.

لا يوجد حراك متجانس، إذ أن معظم الحركات الجماهيرية التي تواجه الحكومات القمعية تواجه أيضاً صراعات داخلية فيما يتعلق بالمسار الأكثر استراتيجية للمضي قدماً في الحراك. وعندما يزعم بعض النشطاء أن العنف هو الحل الوحيد، فينبغي على المراقبين ألا يقفزوا إلى الاستنتاج بأن جميع الناشطين في الميدان – أو حتى غالبيتهم – يتبنون هذا الموقف. فهنالك دائماً معارضون يجادلون بحماس وقوة من أجل المقاومة اللاعنفية داخل حركاتهم. ويمكن أن يقوم الأشخاص في خارج مسرح الأحداث بزيادة تهميشهم دون قصد من خلال عدم رؤيتهم أو تجاهلهم.

بقلم إيريكا تشينويث برفسورة بيرثولد بيتز في حقوق الإنسان والشؤون الدولية بجامعة هارفارد.

وماريا ج. ستيفان هي مديرة برنامج العمل اللاعنفي في معهد الولايات المتحدة للسلام.

ترجمة لمقال من مجلة فورين بولسي، يمكن مطالعة النسخة الأصلية على الرابط التالي

5 تعليقات

  1. خلال العشرية الدامية ، التي كانت سوداء قاتمة بسبب أفكار و أفعال النظام البوليسي الماكر ، الذي جند المجتمع ضد نفسه ، وجد أكثر من ناشط معارض للنظام ، نفسه وجها لوجه مع نفسه ، و لا يعدو أن يتحول إلى أداة هدم ، ليس للباطل ، و لكن للحق ، للأسف الشديد ، لأن الباطل تمكن من تحصين ذاته في وقت مبكر ( سلطة الظل ) داخل حيز ضيق ، استثنى و حيد الغالبية ، بمن فيهم أكثر من واجهة سياسية باتت في وقتها لا تفهم ما يحدث بالذات ، حتى بعض الرؤساء ، مثل السيد زروال الذي اضطر إلى ترك مكانه و الهروب بجلده ، و كان مصير بوضياف القتل على يد ذات السلطة ! و قبل ذلك تمت السيطرة على الرئيس الشادلي قبل و بعد انقلاب 1992 . و لم يكن بإمكان رجال أفذاذ بمنزلة السيد عبد الحميد مهري مفكرا و قائدا سياسيا ، فعل شيء في وجه سلطة الظل ، و لم يشفع له وجوده على رأس الحزب العتيد ! و لا وجود قيادات ثورية على شاكلة يوسف الخطيب و علي محساس! ببساطة لأن البوليس الحقيقي الذي يتصل في حبله الفكري و العقائدي بفرنسا هو الذي بات مهيمنا، يحرسه، للأسف الشديد أبناء الشعب داخل الثكانت و خارجها ، و ينفذون الأوامر بكل حزم ! فلم ينجو منهم ، لا مهري ، ولا بوضياف ، ولا آيت أحمد ، ولا كل الأحرار الذين وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق !
    في جو العنف لن يستفيد سوى النظام البوليسي ، الذي يمكن أن يسترجع أنفاسه كاملة ، و يستحوذ من جديد على مقاليد الأمر و النهي . لذلك وجب الحذر كل الحذر من دعاة العنف ، مهما كانوا ، كيفما كانوا ، و أينما كانوا .
    و بالمقابل ، وجب الاجتهاد من أجل تفويت الفرصة على الدائرة المعادية للشعب و للبلاد ، و الاستثمار في كل ما من شأنه الزيادة من وعي الجزائريين . ولا بأس التفكير في بدائل تذليل العوائق التي تحول دون استجابة السلطة للمطالب المشروعة .

  2. الحراك الشعبي السلمي هو من صميم النصح للحاكم ، و من صميم عملية التقويم المشروعة عرفا ، شرعا ، و قانونا . فماذا إذا استشرى الفساد ، نهبا للمال العام ، و هدما للقطاع العام ، و بيعا لمستقبل الأجيال ، و تحرشا بالشعب الأعزل ! ؟ ليس هذا خروجا ، ولا شذوذا ، و لا خيانة في حق البلاد و العباد . و ما دام الأمر كذلك، فإن الحراك الشعبي السلمي هو خيار مجتمعي استراتيجي على خط التحرر من دائرة الخطر الذي بات يتهددنا جميعا ، إلا فرنسا الرسمية الماكرة و المخادعة. السلمية ضرورة اجتماعية و مكسب حضاري و اختيار استراتيجي مشروع ، عضوا عليها بالنواجذ .

  3. الحراك الشعبي السلمي هو استجابة مجتمع على خط تغيير المنكر ، و هي وسط بين حدين ، و التغيير باللسان أقرب ما يكون من إسداء النصح ، خصوصا إذا تعلق الشأن بالحاكم ، لأن التغيير باليد يدخل على مستوى المجتمع ، من دون ريب ، تحت طائلة السياسة الشرعية أو أحكام الإمامة ، فالسلطة القضائية في حدود الدولة المدنية هي التي تتصدى لسؤال تغيير المنكر ، و يجب أن يتساوى أمامها الحاكم و المحكوم . و هذا الأساس غائب بسبب غياب الشرعية الشعبية مصدر السلطات . و في حالات عدم الاستطاعة ، نكون أقرب إلى التغيير بالقلب و هو أضعف الإيمان ، و لا عذر أمامها لأي كان ، مهما كان ، كيفما كان ، و أينما كان .
    اليوم الحراك الشعبي على مستوى المجتمع الواحد ، و داخل حدود الكيان السياسي ، أو الدولة الواحدة ، استجاب شرعا و عرفا و قانونا لتغيير المنكر ، و هو ما عبر عنه بالسلمية ، و وجب أن يستجيب الجميع لنداء الأمة من أجل حسم سؤال الشرعية _ معركة الداخل _ و أم المعارك التي تتوقف عليها نتائج كل استحقاق ، و من دون ذلك ستبقى دار لقمان على حالها . و إذا كان من مبرر جعل شريحة محددة قد تخلفت عن الركب و راهنت على ورقة سلطة الأمر الواقع بخصوص الانتخابات ، فإن الفرصة قائمة اليوم لأجل دفع السلطة للاستجابة إلى مطلب الشرعية كضرورة شرعية و خيار شعبي و مكسب حضاري من أجل تجاوز معضلة الاستبداد و الفساد و تخييب ظنون فرنسا الرسمية . أما و أن الشعب استجاب سلميا ، يجب التقرب إلى الله بالطاعات و خصوصا الصدقات و الدعاء ، أما الصلاة فهي عماد الدين .

  4. لا بديل عن الحراك السلمي ، أو ثورة المجتمع السلمية ، التي تميز بها الجزائريون ، و صارت خيارا شرعيا ( النصح للحاكم ) بدرجة تغيير المنكر باللسان – قول كلمة حق السلطان جائر – ، و خيارا مجتمعيا ( الهدم ليس سوى ضرورة من ضرورات البناء ) في سبيل استرجاع الشرعية الشعبية و فك الارتباط مع الاستبداد ، و نقلة تاريخية من أجل الاستجابة لتطلعات شعوب المغرب الإسلامي ، و شعوب الشمال الإفريقي ، قصد المساهمة في إحياء نواة مشروع الأفرو آسيوية الكفيل بإقامة توازن على مستوى المجتمع و القانون الدوليين . و على هذا الأساس بات ضروريا مراجعة المواقف و المواقع و الأفكار ، سواء تعلق الأمر بالنخبة المثقفة ، أو الطبقة السياسية و الحزبية ، أو الفضاء النقابي و الجمعوي . الثورة السلمية لن تنتظر طويلا ، خصوصا على مستوى عالم الأفكار .

  5. و بخصوص بروز بعض الشعارات و الأصوات المريبة داخل حدود الحراك ، فهو علامة صحية على خط التعافي المجتمعي ، لأنه كالبحر يغسل نفسه بنفسه ، بعيد عن الوصاية الأجنبية التي لا تختلف عن الأجسام الملوثة الحاملة للعدوى فكريا و اجتماعيا . و لن تصمد طويلا بعض الطفيليات التي ستلفظ أنفاسها تلقائيا أمام لحمة السلمية و قوتها .

Exit mobile version