من طبيعة الإنسان الشعور بالراحة والاطمئنان عندما يكون على الصواب وغيره على خطأ، ومن هنا نجد تلك النشوة التي يطلقها في اتجاه مخالفه عندما “تعزِز” الوقائعُ وجهة نظره أو موقفه، أو هكذا يبدو له الأمر، فيطلق صرخات من قبيل “قولنا لكم”، و”حذرناكم” وما إلى ذلك.

سبب إشارتي إلى هذه الظاهرة، ما نسمعه ونقرأه منذ فترة، وخاصة بعد تصريحات من فقاعة تطلق على نفسها اسم “الحزب من أجل اللائكية والديمقراطية”PLD ، أعقبتها بعض أصوات التقريع من إخواننا وأصدقائنا (وقدر من التشفي، لست أدري ما مبرر التشفي، وممن؟)، وراحوا يذكروننا بتحذيراتهم الاستشرافية المتبصرة، عن خطأ بل وجريمة اقترفناها عندما “تحالفنا” حسب قولهم مع الاستئصاليين ضد السلطة والنوفمبرية. وتدليلا على قوة حجتهم، أصبحوا يكررون على مسامعنا تلك التصريحات الحاقدة الصادرة عن بعض رموز الاستئصال، التي تصب جام حقدها على كل ما هو عربي إسلامي، والعودة إلى وظيفتهم الأصلية التي وجدوا من أجلها، بل وزادوا تحريضا لنظام على “أعداء الديمقراطية (أي الإسلاميين)، تماما مثلما فعلوا من قبل وخاصة قبيل انقلاب يناير 92 وطيلة العشرية الدامية. يذكرنا أصحابنا بهؤلاء، وكأن موقف هذه الأقلية الوظيفية، أمر جديد وليد اليوم، ومن ثم يلوموننا على ما يعتبرونه تحالفنا معهم، ويذكروننا بغفلتنا وسذاجتنا وفقدان بصيرتنا بل وأحيانا يرموننا بالانقلاب على مبادئنا وقيمنا، فيشيرون إلى “غدر” هؤلاء الذين ينهشون لحمنا اليوم، لكن، الحقيقة التي يبدو أن أصحابنا إما يجهلونها أو يغفلونها أو يتجاهلونها، أبعد وأعمق من ذلك، وتوضيحا للموضوع، أذكر بالنقط التالية:

أولا: هؤلاء الاستئصاليون، سواء في الحزيبPLD  أو ضمن بعض الصحافيين والمثقفين والكتاب والسياسيين، لم يغيروا لا اليوم ولا البارحة، موقفهم ولم ينقلبوا (ليس علينا بل على الشعب وطموحاته)، لأنهم ببساطة لم يكونوا يوما مع الشعب، حتى ينقلبوا عليه، وكانوا دائما إلى جانب الدبابة، التي لولاها ما وجدوا وما رأوا النور، وتم فقط تضخيم حجمهم الهزيل، ومراجعة عابرة لمواقفهم وتموْقعهم على مدى عقود من الزمن تؤكد أنهم لم ينفصلوا يوما عن منظومة الحكم، سواء في شقها السلطوي التنفيذي في كافة المراكز والمستويات، أو في فقاعات معارضة الدكاكين؛

ثانيا: لم تنخرط هذه الفقاعات الاستئصالية في الحراك انطلاقا من قناعة تشترك فيها مع الشعب في تغيير منظومة الحكم، لسبب بسيط، لأنها تدرك تمام الإدراك أنها خارج منظومة الحكم، لن تقوم لها قائمة، وقد خبرت التجربة المريرة في انتخابات 90 و91، وكفرت منذ ذلك الحين في أي عملية شفافة ونزيهة، يعبر خلالها الشعب عن رأيه، وهو ما يفسر محاربتها المطلقة لصوت الشعب ودولة القانون، لذا لا يعقل أن يكون وجودها العابر في الحراك تأييدا (ولو مرحليا) للشعب وخياره؛

ثالثا: وجودها في الحراك، لم يكن من أجل الديمقراطية والقانون، وإنما تموْقع إلى جانب جزء من العصابة (جناح توفيق) في صراعه مع الجناح الأخر (قيادة الأركان)، ومثلما لم يحارب قائد الأركان خصومه في جهاز توفيق تحقيقا لدولة الحق والقانون واستجابة لمطالب الشعب، وإنما من باب تصفية حساباته مع خصومه من الجناح الأخر، لم يكن تموقع الاستئصاليين في الحراك إلا لدعم عرابهم توفيق وجهاز الاستخبارات القديم دولة DRS، في مواجهة الجزء المقابل من العصابة في السلطة القائمة، ومن ثم كان واضحا أن وجودها تكتيكي وعرضي ليس إلا؛

راعا: لم نتحالف لا معهم ولامع غيرهم  بل وجودنا في الحراك وجود مبادئي، يقوم على دعم الشعب في مطالبه حتى ولو وجد في صفوفه مثل هؤلاء الاستئصاليين، لأن خيارنا مدروس قائم  على تحليل موضوعي يرى جوهر الإشكالية في منظومة الحكم المستبدة، وأن الحل يكمن في إنهائها وتفكيك هياكلها، وبتحقيق ذلك، تنتهي كل العِلل التي لحقت بها أو استفادت منها أو انتهزتها أو تنموا في ظلها، وعكس موقف من قام بدعم السلطة بحجة تبنيها النوفمبرية، قبل أن تنكشف الحقيقة، اخترنا أن يكون موقفنا مبدئي، في صف الشعب، وآثرنا معالجة الإشكالية في جوهرها، حتى مع تحمل بعض مخلفاتها وعقباتها، إدراكا منا أن الأصل مقدم على الفروع؛

خامسا: لم نشك يوما أنه مع مواصلة معركة التغيير، في إطار الحراك المبارك، تنكشف كل الخدع والمخادعين، وتندثر كل الدعوات الملفقة، ولن يبقى في مسرح الصراع،  بثبات من أجل دولة الحق والقانون، إلا الذين يؤمنون بها فعلا ومستعدون لدفع الثمن من أجلها، وفعلا شهدنا أسبوعا بعد أسبوع تساقط المزيفين، كأوراق الخريف النخرة، منهم من زعم أن الحراك فشل، فقط لأنه فشل هو في توظيفه لصالحه وإضفاء عليه الصبغة التي تريحه، واليوم تنهار بقايا هياكل الاستئصال التي كنا نتوقع سقوطها بفعل قدرة الحراك الذاتية على التخلص من كل المزيفين، لهذا السبب ليس صحيحا أنهم انقلبوا علينا أو على الشعب بل عادوا فقط إلى طبعهم ومربعهم الذي صنعهم ورعاهم، إلى أحضان دولة العسكر التي لم ينفصلوا عنها يوما، لأنهم يشكلون مخلب من مخالبها ترعب به الشعب كلما استعصى عليها ترويضه؛

سادسا: موقفنا لم يكن متحالفا مع أي طرف أو جناح أو توّجه بل كان إلى جانب الشعب وخياره، وبقاؤنا إلى اليوم، أكبر دليل على وفائنا لهذا العهد واستماتتا في دعم ومناصرة صف الشعب؛

سابعا: فقاعة PLD مثلها مثل فقاعة لجنة إنقاذ الجزائر المقبورة CNSA، ليست أكثر من مخلب بيد السلطة الحاكمة، تارة تشغلّها لإضفاء واجهة مدنية سياسية للتستر على شرعيتها المفقودة، مثلما فعلت مع لجنة إنقاذ الجزائر عقب انقلاب 92، وتارة أخرى تستعملها مخلبا لترهيب الشعب وتشتيت شمله من خلال زرع بذور الشك والتنازع، مثلما تفعل اليوم مع التلويح بفزاعة PLD. ومن الجدير التبنية إلى أن لجنة إنفاذ الجزائر سابقا، وPLD  اليوم، يدركان وزنهما الحقيقي، كونهما لا يشكلان سوى هياكل خاوية مشكلة من نفر لا يملؤون قاعة متوسطة الحجم، في حين يحظون بتغطية إعلامية تنفخ في حجمهم وأثارهم، لتوهم الناس بأنهم يشكلون قطبا يعتد به، والسلطة من جهتها تعلم ذلك وتوظفه، لأنها هي صانعتهم، وكل منهما يقوم بدور متفق عليه، ويأخذ مقابلا له، ولهذا السبب تدرك هذه الجهات أن وجودها مرتبط ارتباطا وثيقا بدولة الاستبداد ونظام الحصص وان أي عملية ديمقراطية شفافة ونزيهة، ستكشف ضحالتهم مثلما كشفت انتخابات 90 و91 حجمهم الحقيقي؛

في الأخير، هل كان يريد أصحابنا، أن نخذل الحراك وننسحب منه، بحجة وجود مثل هذه الفقاعات/المخالب؟ لو فعلنا ذلك افتراضا، ولو انفض الحراك وانتهي، ما كانت السلطة لتجد نفسها مجبرة على إنهاء مملكة بوتفايقة أصلا، وكنا الآن سنعيش في ظل عهدة خامسة فعلية وليست ضمنية، وكان بدوي سيتفاخر كالطاووس بجمعه 6 ملايين توقيع لصالح فخامته دون أن يعترض عليه أحد، وكان سيستمر في منصبه، بل ويرّقى، وكنا سنعيش ولايات أخرى مديدة من حكومة أويحيى الذي ما كان سيلقى به هو وسلال في السجن، وما كان لِيعتقل توفيق وطرطاق، لأن لولا الحراك لما تصدع جدار العصابات بالشكل الذي نشاهده اليوم، ودفعهم إلى تصفية حساباتهم،لأنهم كانوا سيواصلون التعايش في ظل تفاهم ضمني يحفظ لكل الجهات مصالحها دون ان تخرج خلافاتهم  إلى العلن، مثلما حافظوا على هذه التوافقات عقودا طويلة، وكان سيستمر حداد وربراب وكوينف وطحكوت وغيرهم من رجال نهب المال في مشاريعهم بكل صلف وتجبر، وما كانت السلطة ستكلف نفسها مجرد التظاهر بالاستجابة إلى بعض مطالب الشعب الشكلية (مثلما تحاول اليوم) بل كانت ستواصل بكل ازدراء وغطرسة احتقارها للشعب قاطبة، ومن جهة ثانية، لولا الحراك، لما شعر الشعب الجزائري من جديد بالكرامة وبأمل في تغيير مصير بلده، وفي ثقته في النفس على رفع صوته وإسماع مطالبه، ولَما استطاع كل محتج أن يجمع عشر نفر للتنديد بما يعاني من مظالم؛ هل كان أصحابنا يريدون أن نعيش حياة ما قبل 22 فبراير،  فقط لأن كمشة من الاستئصاليين اختارت أن تنتشر وسط الحراك فتحقق كل أهدافها الدنيئة وتجهض أكبر هدف للشعب، أي العمل من أجل التغير الشامل؟ إذا كان ذلك خيارهم، لقد اخترنا غيره ونتحمل عواقبه ومصاعبه لأن لا طريق سواه.

6 تعليقات

  1. تساءلوا : هل فشل الحراك ، و منهم من تمنى فشله ، و انتظروا ذلك بفارغ الصبر ! لم تفلح سياسة فرق تسد، و ملء الفراغ بفراغ ، لسبب بسيط هو أن سلطة الأمر الواقع ليس بين يديها سوى العنف ، مثل التحرش بواسطة البلطجية ، و الاعتقال و الحبس ، و تعنيف المتظاهرين ، و التضييق الإعلامي ، و محاولات تعطيل حركة المواطنين باتجاه العاصمة يوم الجمعة خاصة ، و غير ذلك من أساليب التشويش بواسطة الذباب الإلكتروني، و تهمة الزواف ، و العمالة للخارج .
    و راهنوا على انتخابات ١٢ ديسمبر ، و انتظروا كثيرا ، لكن لا شيء لاح في الأفق ، خصوصا الوعود التي أطلقوها، و منها :
    * إعطاء الأولوية لللغة الانجليزية بدل الفرنسية !
    * التخلص من الوصاية الفرنسية !
    * إعطاء البعد الباديسي و النوفمبري حقه !
    * مواصلة المتابعات القضائية لفلول العصابة !
    *الاستجابة للمطالب الشعبية !
    لا شيء تحقق ، و أكثر من ذلك فقد ساد شعور عام بأن السلطة نجحت في تغيير جلدها ، كون الرئيس تبون هو كيان تسكنه روح بوتفليقة ! و الوزير الأول جراد هو أويحي في بداية مشواره ! و السياسة هي ذاتها ، فلا حديث سوى عن برنامج الرئيس ، و لا بأس من تفصيل ثوب جديد للدستور ، وفق ذوق الرئيس !
    و الغريب هو أنه بدل أن يعترف الحالمون بعهد جديد على خط السلطان بخيبة أملهم و انقضاء شهر العسل ، راحوا يصوبون جام غضبهم على أبناء الحراك !
    و قالوا : هل حان أوان تفكك التحالف بين الإسلاميين و الديمقراط؟
    و أكثر من ذلك توجهوا لأبناء الحراك الشرعيين بالقول : لأننا حذرناكم و لم ترتدعوا، و قلنا لكم مرارا و تكرارا أن الذئاب أبدا لن تتحول إلى حملان وديعة ، ها قد بدأت فصول الخديعة الكبرى تنجلي ، و يظهر ما كان خافيا عن الغافلين و المغفلين.
    و الحقيقة هي أن هؤلاء و أولئك الذين راهنوا على فشل الحراك ، وانتظروا الكثير من سلطة الأمر الواقع ، قد أصيبوا فعلا بخيبة أمل ! و كأن ضمائرهم هي من أخذت الكلمة بدلهم، و توجهت إليهم باللوم و التأنيب، و بدل الاعتراف ، راحوا ينقلون الخطاب إلى وجهة الحراك الشعبي ! في حالة من الهستيريا و الاضطراب ، و كأنهم يريدون القول ، أبدا ليس هذا هو اختيارنا ، المتسبب في نتيجة الانتخابات هو الشعب الذي قاطع الانتخابات ، و فوت علينا فرصة اختيار رئيسنا ، و هو اعتراف ضمني بالفشل ، يخفونه، و لا يريدون الإفصاح عن خيبة أملهم في الرئيس الذي اختار وزيرا أولا ، و وزراء ، على غير مبتغاهم و أمانيهم، حتى أن جريدة الشروق في عددها 6393 ليوم الاثنين ٢٧ جانفي ٢٠٢٠ ، استغربت تحت عنوان: أين سيادتنا يا سادة ! ! و سبب الاستغراب بدرجة خيبة الأمل ، كون المنظمين داخل القاعة التي احتظنت منتدى الأعمال الجزائري التركي، استخدموا اللغة الفرنسية إلى جانب اللغة التركية في الجدارية الكبيرة خلف المنصة ، و أهملوا اللغة العربية ، للأسف الشديد !
    و نسي هؤلاء و أولئك أن الحراك الشعبي السلمي منذ ٢٢ فبراير ٢٠١٩ لم يقص أحدا ، و لم يطالب سوى باسترجاع الشرعية المختطفة منذ ١٩٦٢ !
    و أكثر من ذلك فإن الحراك بريء من كل التشنجات من أي طرف كان. و يعرف أن الأصوات المنادية بدولة إسلامية ، أو رفع رايات غير العلم الوطني ، لا تعنيه في شيء . لأنها تخدم سلطة الأمر الواقع التي انقلبت على اختيار الشعب في ١٩٩٢ . ببساطة الحراك الشعبي السلمي واضح في مطالبه، الشرعية الشعبية فقط . أما الاستحقاقات ، مهما كانت ، و كيفما كانت ، الطريق الوحيد هو سيادة الشعب بعيدا عن إملاءات الأقليات الاستئصالية الإقصائية مهما كانت طبيعتها و تحت أي شعار كان .
    و لهذا السبب ، اطمئن أستاذنا زياني ، و لا تذهب نفسك عليهم حسرات .
    فئة الأحرار الذين يقفون مع الشعب في حراكه السلمي ، ليست لهم أطماع ، ولا ينتظرون من سلطة الأمر الواقع منصبا و لا مالا ، ولو أرادت !

  2. الحراك الشعبي السلمي هو صحوة اجتماعية على خط التحرر ، بعيدا عن الرؤى الاستئصالية العنصرية الإقصائية ، مهما كانت ، كيفما كانت ، و أينما كانت . و خط مقاوم أمام اخطبوط الاستبداد و الفساد ، الذي يعتمد نزعة و نزوة ” الغاية تبرر الوسيلة ” يستخدم الشاة القاصية تحت أي مسمى ، و أي شعار ، و الشاة القاصية ، يمكن أن تتجسد في فرد من الأفراد ، أو حزب من الأحزاب ، تستهويه المناصب و المال على خط السلطان ، علمانيا كان ، أو إسلاميا ، عمارة بن يونس ، أحمد مراني، خير مثال ، كلاهما استوزر، و استأثر ، و زايد في حق الشعب الغلبان ! و على هذا الأساس ، و من هذا المنطلق ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتذرع زيد أو عمر أو سعيد أو سعدان ، بأفعال و أقوال دوائر العنصرية و الإقصاء و الاستئصال ، و يغالي أو يساوم أو يتحجج بها في وجه الشعب الثائر هذه الأيام ! هذه قناعة و منهج حياة كل حر على خط التحرر من أجل كرامة الإنسان .

  3. خيبة الأمل ، من دون ريب ، هي هزيمة فكرية ، بعيدا عما هو عقائدي . و حينما ينهزم المرء فكريا ، يكون ضحية من بين ضحايا الصراع الفكري، و ينتقل من دائرة الأفكار إلى دائرة الوثنية مغشيا عليه ، تشتم منه ، لمسافات ،رائحة الإقصاء و الاستئصال و العنصرية ، فبدل أن يقابل الفكرة بالفكرة ، و الحجة بالحجة ، يلجأ فقط إلى السب و الشتم و الاتهام ( زواف _ إرهابي…) و القائمة معروفة . مساحات كبيرة شغلتها الوثنية قديما و حديثا ، و ميزتها العنصرية و الاستئصال و الإقصاء ، حتى و إن خرجت من بيت كنسي، أو معبد يهودي ، أو زاوية طرقية، كثيرا ما يلجأ إليها الحاكم أو السلطان ، و الوزير ، و الوالي ، الوثني ! لذلك وجب على كل عاقل أن يراجع نفسه من باب التأسي بالعلماء أمثال سعيد بن جبير ، إبراهيم النخعي ، سفيان الثوري ، و آخرين ، كيف عبروا نفق الوثنية بسلام .

  4. إنك ، من باب المسئولية ، إن جمعت كل العلمانيين من جهة ، و الإسلاميين جميعا من جهة ، و طلبت من كل فريق اختيار ناطق رسمي يمثله ، ما استطاعوا و ما اتفقوا ! الحمد لله ، الحراك الشعبي السلمي حسم المسألة منذ ٢٢ فبراير و أعلنها بعيدا عن ساحة الوثنية ، مطالبا بالاصطفاف على خط استرجاع الشرعية الشعبية المغتصبة ، معلنا على خط الأفكار ، أن أي استحقاق ، مهما كان ، كيفما كان ، يجب أن ينبع من اختيار الشعب من خلال ممثليه في ظل دولة القانون التي تستند إلى دستور يختار تفاصيله و أبعاده الشعب من خلال ممثليه ، و لن يختار سوى علماء أمناء قادرين على تحمل الأمانة .

  5. و اعلموا أن الشرعية الشعبية داخل حدود قارة الجزائر ، الغائبة و المغيبة عمدا ، إذا استعادها الشعب الثائر سلميا ، بعيدا عن أي انقلاب أو أي سلوك عنفي، فإن الشعب هو من يحتضن و يعيش من أجل رسالة الشهادة ، و يعرف كيف يجسد دور المسلم المؤمن الموحد المتحضر في ظل دولة المواطنة و العدل القانون ، بعيدا عن أي إقصاء أو انتقام أو استئصال ، ضمن دائرة الإحسان التي تنصف الإنسان ، ظالما أو مظلوما ، مهما كان معتقده ، و عرقه ، جنسه ، و لونه ، و لسانه ! نعم هي كذلك أجواء الشرعية الشعبية ، بخلاف أجواء الاستبداد و الفساد التي تنبت في ظلها كل الطفيليات التي لا تعرف سوى لغة الإقصاء و الاستئصال ، مثلها مثل الأجواء التي قسمت المجتمع الواحد إلى طوائف يقطع بعضها رقاب البعض الآخر ، و لو كان باسم الدين ! القاتل و المقتول ، في الغالب، ضحايا و أدوات عمليات الهدم و الاستئصال ، ذات الأجواء التي تستدرج الشباب الفقير من السودان و مصر و تونس و المغرب و الجزائر و باكستان ، و اندونيسيا و أفغانستان ، و مالي و نيجيريا و تشاد ، تحت غطاء العمالة باسم بعض الشركات ، فتحولهم إلى ميادين القتال داخل ليبيا و سوريا و اليمن و الصومال ، من أجل تكريس منظور نتنياهو و ترمب و بن زايد الغارقين في محيط من الأوهام ! بين خطين ، و مسارين ، مسار ثورة القرن ، و مسار صفقة القرن ، ليس إلا .

  6. و لمثل هذه الأسباب عاش بن نبي مالك غريبا بين أهله ، و في حدود عمقه الحضاري ، أما هو فقد عاش حيا ، و أما الأهل فقد كانوا نياما !

Exit mobile version