بقدر ما كانت هبة الشعب الجزائري مفاجئة و مباغتة ومربكة، بقدر ما كانت متميزة و متفردة، بقدر ما كانت مقلقة و مخيفة، بقدر ما صارت محل اهتمام القوى المتفردة بقرار الفيتو، و خصوصا فرنسا، أمريكا وروسيا ! بقدر ما تحوّلت إلى أمل متجدد لكل الشعوب المسحوقة، ومحل تقدير في الوقت ذاته. لكن الذي حيّر جل المراقبين في الداخل و الخارج، وكذلك المحللين على مستوى دوائر القرار، هو عدم قدرة هؤلاء وأولئك على فك شفرة سؤال القيادة. هل يعقل حسب طرحهم و تخمينهم تنظيم مثل هذا الحراك من دون وجود قيادة؟ 

وراحت تزايد بعض الوجوه على أن حراكا من دون قيادة مآله الفشل، بدعوى حاجة أي هبة شعبية بهذا الحجم إلى نخبة تقودها إلى هدفها. و لربما كان و ما زال الدافع الأساسي وراء مثل هذا الادعاء هو أن هؤلاء المحللين والمتتبعين راهنوا كثيرا على فشل حركة الشعوب في ربيع ٢٠١١، خصوصا بعد الانقلاب الغادر على الشرعية داخل حدود مصر، و الإجماع تقريبا على دعم ذلك التوجه من دول فاعلة في المشهد الدولي مثل أمريكا، روسيا، بريطانيا، الصين، وحتى إيران، ناهيك عن الدعم اللافت من طرف السعودية والإمارات. ولم يخرج عن القاعدة سوى تركيا وقطر. 

و من دون شك فإن الأنظمة المستبدة، وفي مقدمتها النظام الجزائري بات مهتما بالبحث عن كبش فداء، مثلما فعلوا من قبل، وتحسروا كثيرا بسبب تخلي بعض الأطراف عن لغة العنف والتهديد ورفع شعار المواجهة بين الجزائريين! 

و من دون شك فإن دوائر الاستخبارات العالمية مهتمة كثيرا بهذا السؤال، لكنها تراهن، من جهة على عامل الوقت، ومن جهة ثانية على إمكانية تحريف مسار الثورة الشعبية الذي بات متجذرا في سلميته كثيرا . 

* وهل البديل هو السلمية؟ 

بطبيعة الحال، وأكثر من ذلك فهو اختيار مبني على عقيدة راسخة، وفكرة ناضجة، وثقة بالغة، ورؤية واضحة، وتجارب مريرة . 

و من المفيد لنا وللإنسانية جميعا الاعتماد على الصبر، فهو الكفيل بطي صفحة الخيبات التي دفعت شعوبنا ثمنها بلحمها ودمها و عظمها. 

*و هل يجب الاستغناء عن العنف نهائيا؟ 

بطبيعة الحال هذا خيار شعبي، وسيتحوّل تدريجيا إلى سلاح نوعي بالغ الفعالية بيد كل الشعوب في وجه حكامها المستبدين. وكل صوت باتجاه العنف والمواجهة هو عمالة مكشوفة ومأجورة لا تخدم سوى عصابات الفساد . 

* وماذا عن شعب فلسطين؟ 

لم تكن مشكلة الشعب الفلسطيني مع ياسر عرفات رحمه الله، ولا مع أي من قادتها، مشكلة الفلسطينيين مع كيان غريب، اغتصب منهم الأرض وزهق الأرواح وقطع الأرزاق. لم يقم السؤال في أي وقت من الأوقات بخصوص من يحكم الفلسطينيين، بل كان السؤال من يحرر فلسطين؟ وكان الجواب الطبيعي أن يثور الفلسطينيون عن بكرة أبيهم في وجه الاحتلال، ولم يكن هناك بديلا عن السلاح، لأن العدو لا يمكن أن يفهم سوى لغة السلاح ولغة القوة، وقوة الفلسطينيين إلى يوم الدين هي المقاومة، وليس سوى المقاومة، لأن كيان الصهاينة قام أساسا على قوة السلاح . 

* ملاحظة : 

الشعب الجزائري بشيوخه وكهوله وشبابه وأطفاله، منشغلون كثيرا في مدرستهم هذه الأيام، يتعلم بعضهم من بعض، ويتمرنون كثيرا، ويكابدون إلى أبعد الحدود في الحفاظ على الأمانة التي ضحى من أجلها الشهداء وصانها الأوفياء من جميع الشرائح، فيطرحون البدائل من أجل الحوار في سبيل طي صفحة العصابة  .  ويراهنون على أن القوة في السلمية، والسلمية تقتضي بالضرورة أن تكون المؤسسة العسكرية صمام أمان يصون كرامة الإنسان و يساعد على العبور إلى شط الأمان من أجل بناء دولة المواطنة التي يسعد فيها كل الجزائريين. واعلم أن سؤال القيادة هو سؤال يتصل بحكمة الجزائريين المتطلعين إلى فجر الحرية . 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version