لجأ الطغاة عبر العصور، إضافة إلى احتكارهم وسائل العنف، إلى آليات التضليل والبروبغندا، للتحكم في الشعوب. وقد تميز غوبلز في هذا المجال، وتفوّق على غيره، إلى درجة أصبحت إستراتيجيته تدرس في المعاهد. وحتى إن أصبحت هذه الآليات عتيقة نوعا ما في زمننا، إلا أن بعضها لا يزال، للأسف ساري المفعول بل استفادت من التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل، وهذا ما نشهده بالتحديد عندنا في الجزائر، خاصة منذ انطلاق حراك الشعب في هبته المباركة من أجل وضع حد للاستبداد واستعادة الكرامة المسلوبة. في سياق هذه الإستراتيجية، القائمة على التضليل والبروبغندا، يقولون…

أن الجماهير المحتشدة كل جمعة وثلاثاء هي صنيعة التوفيق وشبكاته وأنها من بقايا الدولة العميقة أو على الأقل موجهة من قبلها.

مثل هذا الزعم يتضمن، أولا ازدراء للشعب والانتقاص من شأنه، وهو سلوك تنتهجه كل الأنظمة التي ألفت احتقار شعوبها واعتبارها عاجزة بالفطرة، لا حولا لها ولا قوة، لتزرع فيها الشعور بالصَغار والهوان، وتقتل فيها كل بذرة من بذور التفكير في الثورة على استبدادها. أصحاب هذا الزعم يعتبرون الشعب غير مؤهل من تلقاء نفسه، للثورة ضد الطغيان، وأن هبته  النوعية يوم 22 فبراير، حبكتها جهات أشباح، تعمل وراء الستار، داخل البلاد وخارجه. إذا سلمنا بهذا الزعم، ألا يعني ذلك تلقائيا أن كل حركات التحرر من الاستبداد المحلي والخارجي، هي مناورات لجهات مشبوهة توظف الشعوب المغلوب على أمرها وعديمة القدرة؟

ثانيا، إذا كانت هذه الهبة الشعبية من صنع توفيق وشبكاته، فمعنى ذلك أن صورة الأسطورة التي شاعت عن توفيق كونه داهية ومتحكم في جميع شبكات الدولة، هي صورة زائفة وعملاق من ورق، بل أنه قد بلغ من الغباء مرتبة سحيقة تدخله في سجل غينس، لأنه بـ”إطلاق” الحراك، يكون قد سمح للجني من الخروج من الزجاجة ويكون هو (توفيق) من أوائل ضحايا صنيعه، ليوقع بنفسه في الشباك، حيث يرزح اليوم مع مقربيه في السجن.

وثالثا، حتى لو افترضنا أن هبة 22 فبراير كانت بإيعاز من توفيق وشبكاته، مباشرة أو بشكل غير مباشر، تأييدا منهم أو دعما أو مباركة، فقد اثبت الشعب أنه أذكى وأقوى من توفيق وشلته، لأنه حقق بذلك مطلبه وهو مستمر في حراكه، في حين لم يتحقق مطلب توفيق، بل الخناق يضيق يوم بعد يوم بكل المفسدين من فصيلته.

رابعا، يقولون أن الحراك يخدم توفيق والدولة العميقة، وهذا ما يفنده الشارع والواقع، تفنيدا قاطعا، حيث تصر الجماهير على إقامة دولة القانون والمؤسسات والتسيير الشفاف لدواليب الحكم، مطالبين بدولة مدنية، لا عسكرية ولا مخابرتية ولا بوليسية، ولا يمكن لأحد الادعاء أن هذه من مطالب منظومة توفيق، وهو الذي عمل طيلة تحكمه على القضاء المبرم على كل صوت حر أبي، فكيف يغامر بذلك وهو مكبل اليدين وراء القضبان.

  • يقولون أن فئات عريضة من ضحايا توفيق سابقا، بلغوا قدرا كبيرا من السذاجة بوقوفهم في صفٍ واحدٍ مع جلاديهم، بينما المسار والمبادئ التي يتحلى بها من يُتهَمون بالسذاجة تؤكد أنهم لا يقفون إلى جانب الجلاد بل يعارضون الاستبداد كيفما كان وأيا كان الشعار المرفوع ولا يريدون أن تتكرر المأساة بفاعلين آخرين، ولا يريدون أن يعيش الشعب مراحل أخرى من الاستبداد وسلب الإرادة، قهرا وتضليلا، وكونهم كانوا ضحايا استبداد اليناريين، قد فتح بصيرتهم وضمائرهم وجعلهم أكثر حرصا وإدراكا، لرفض أن تتكرر العملية، بأي حجة أو ذريعة و وبصرف النظر عن هوية الجلاد  أو الضحية.
  • يقولون، أن الحراك انحرف عن مساره الأصلي ووقع رهينة بين أيدي الأقلية العلمانية الاستئصالية. لكن، كيف لشعب تحرر من حكم العصابات المتغلبة ورفض استبدادها الغاشم، بما تملكه من وسال قهر وقمع وتضليل، أن يقع في حكم أقلية منبوذة، يعلم العام والخاص أنها صنيعة الاستبداد أصلا ولا وجود لها على أرض الواقع، وهي أقلية مجهرية تضخمها وسائل الإعلام في الداخل والخارج، وكانت ستتلاشى “طبيعيا” لولى حماية الأجهزة الأمنية والعسكرية ورعايتها لها، مثلما تبينه العشرية الدموية، عندما وظِفت مخلبا من قبل الانقلابيين، لإضفاء طابع مدني حدثي للنظام العسكري الانقلابي.
  • يقولون أن الدولة المدنية معناها دولة علمانية (ربما كان ذلك صحيحا في عهد النظم الإقطاعية في ظل استحكام الكنيسة في شؤون الناس لإطلاق يد الملوك ليتحكموا في رقاب العباد)، لكن مفهوم المدنية المعتمد اليوم هو رفض الدولة العسكرية، ورفض استحكام  مجموعة من الضباط في شؤون الدولة، بلا حسيب ولا رقيب،  بما يتعارض مع الإرادة الشعبية ومقتضيات الدستور، أما مشروع المجتمع، علماني كان أو غيره، فليس من حق أحد، أن يفرضه على الشعب، بما يتعارض مع قناعته مرورا بصناديق الاقتراع متى توفرت الظروف، ومن نافلة القول أن الشعب الجزائري في معظمه متشبع بقيم حضارته الإسلامية وغير مستعد لمقايضتها بأخرى، لكن، بالمقابل، لا يعني ذلك أنه سيقبل بحكام يدعون التأييد من السماء، ويقررون نيابة عن الخالق، دون محاسبة أو رقابة، بل الحكم السياسي تجربة بشرية، لا تعرف العصمة، تزكي من يحقق مطالبها وتقصى من فشل في ذلك أو ثبت فساد ذمته وخيب أمالها.
  • يقولون أن قيادة الجيش ترافق الحراك وتحميه، في حين الواقع يبين العكس تماما، لأنها لو أرادت حقا مرافقته، فلا يعقل أن تضّيق عليه السبل وتضلل مساره وتفرض عليه خطتها، ناهيك عن اعتقال العشرات ممن يعارض خططها، فتلبس لهم التهم الباطلة التي عاف عليها الزمن. إننا نعيش عصرا لم يعد المواطن يقبل فيه ترك مصيره بين أيدي غيره يحدد له معالمه، ويرفض تخويل الجيش (أو جهة أخرى) صلاحيات ليست من حقه، مثلما لا زالت مجموعة من الجنرالات، تفعل حتى يومنا هذا، في تعيين الرؤساء والحكومات، بل ومخاطبة المواطنين من الثكنات، و”استدعاء” الهيئة الناخبة. لو أرادوا مرافقة الحراك فعلا وصدقا، يكفيهم فقط ألا يطعنوه في الصدر أو الظهر على غرار ما فعله زملاؤهم اليناريون.
  • يستهجنون، كيف يقف ضحايا انقلاب يناير 92 إلى جانب طابو وبوشاشي وغيرهم، في إشارة إلى علمانيتهم، وكأن الاختلاف في الرأي والمنهج والتوجه، خط أحمر، يحرم الاتفاق حول أرضية مبادئ مشتركة، كحد أدنى يشمل الجميع بصفتهم مواطنين؛ أليسوا جميعهم جزائريين كاملي المواطنة؛ أليس من حق الجميع أن يعرض ما يؤمن به ثم يعود للمواطن وحده الحق في الفصل واختيار من يقرب ومن يُبْعِد؟ العقول المتحجرة هي التي تضيق بالاختلاف، أما الجزائر الفسيحة الرحبة لا تضيق بأي فئة من فئاتها؛ ثم هل سنقضي على كل من يخالفنا الرأي؟ أليست هذه العقلية هي التي تبناها الاستئصاليون لقتل وتشريد وتعذيب واختطاف الآلاف من المواطنين؟ هل يريد القوم أن نحذو حذو المجرمين؟ لا يمكن وليس من حق أحد أن ينكر وجود أو تجاهل أي فئة موجودة، ناهيك عن إقصائها بطرق غير شرعية؛ دولة القانون التي ننشدها تتيح للجميع حق تقديم أطروحاتهم وبرامجهم، بطريقة سلمية حضارية، أمام الصناديق ليقول الشعب كلمته فيها، إما تزكية أو إقصاء شرعي دون حيف أو تعسف.
  • يقولون أن فئات عريضة من الشعب لا زالت غير ناضجة وغير مستعدة للإنصات إلى بعضها البعض وتقبل اختلافاتها، وان العسكر هم وحدهم أهل لذلك، ويشكلون القوة المنظمة الوحيدة القادرة على حماية بيضة الجزائر. أولا لو كان الأمر كذلك، نسأل إذن من أينا جاءنا الدمار الذي نعيشه اليوم، علما أن الجزائر يحكمها فعلا وواقعا العسكر بالمطلق منذ استقلال البلد، ثانيا، إذا اعتبرنا الجيش القوة المنظمة الوحيدة، فتلك ليست تزكية تُحسب له، بل نقيصة يتحمل المسؤولية عنها، لأنه باحتكاره السلطة منذ 62 قضى بشكل منهجي على كل القوى الأخرى، سياسية واجتماعية وثقافية، إما بإبعادها أو اختراقها أو تفجيرها من الداخل، لكي يضل وحده الماسك بزمام الأمر، والنموذج الأبرز على ذلك، استيلاء جهاز توفيق (مديرية الاستعلامات والأمن DRS ، وقبله الأمن العسكري SM) وشبكاته على كافة مراكز القرار في الدولة، المنهج الذي يستمر العمل به إلى يومنا من قبل البوليس السياسي التابع للقيادة العسكرية الحالية. أما عن استحالة اجتماع فئات الشعب بمختلف مشاربها السياسية، فذلك ممكن عكس ما يدعونه، ويبرهن عليه العقد الوطني في 1995 عندما التقت أبرز الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية في روما، حول أرضية من أجل وقف النزيف وإخراج البلاد من أزمتها، ولم يكن آنذاك عدد الضحايا تجاوز 40 ألف، لكن نظرا لتعنت السلطة الانقلابية ورفضها “جملة وتفصيلا” (على لسان وزير الخارجية آنذاك احمد عطاف)، ارتفع عدد ضحايا المأساة ليتجاوز ربع مليون قتيل وزهاء 20 ألف مختطف، وهو ما يثبت أنه باستطاعة فئات الشعب التلاحم مع بعضها رغم اختلافاتها حول حد أدنى وطني، ويؤكده اليوم تماسكها في الحراك المبارك، رغم المناورات والعقبات والدسائس المنتشرة لنسفه بشتى الطرق.

لكن هذه طبيعة المستبد، إنه يضيق بل ولا يطمئن لاجتماع كلمة المواطنين، بل يبذل قصارى جهده لكي لا يحدث ذلك. ما فتئت مختلف العصب المتحكمة عندنا تؤسس حكمها على زرع الموانع لتحول دون تفاهم الجزائريين فيما بينهم، تارة بإذكاء النعرات الطائفية والأيديولوجية لإثارة العداوات بين الأطراف وتارة أخرى بتضخيم الفوارق ومنع التحادث المباشر بينها، وفي مساعيهم لمنع أي تغيير حقيقي يزيلهم عن سدة الحكم وينهي استبدادهم ويعيد السيادة إلى أهلها، إلى الشعب الجزائري، لا زالوا يقولون…

5 تعليقات

  1. هي محطة من محطات التميز وسط ساحات التدافع ، و فرصة تاريخية أمام أحرار الجزائر على مستوى الشمال الإفريقي من أجل التأكيد على مسار متميز في مقارعة الاستبداد و الفساد ، و هو نوع من أرقى دوائر الشهادة التي دل عليها قول الله سبحانه و تعالى في قوله عز وجل : ” و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا ” . و من دون ريب فإن هبة الشعب الجزائري منذ ٢٢ فبراير ٢٠١٩ هي حلقة ضمن سلسلة مباركة من تاريخ الجزائر على خط التحرر . أخي رشيد ، العصابة غيرت جلدها و حافظت على جوهرها ، لذلك فإنها ، هذه الأيام ، تجتهد في فرز أوراق جهاز الديراس ، لأنها لا تحسن غير ذلك ، تبحث في أرشيفه من أجل إلحاق مزيد من الأذى بأحرار الجزائر . لن أطيل عليكم فالصورة واضحة ، فقط انتبهوا ، لقد أصدروا أوامرهم لبعض الوجوه المشبوهة ، و هي لا تختلف كثيرا عن عملاء سنوات الانقلاب على اختار الشعب إبان تسعينيات القرن الماضي ، و قبل ذلك بقليل أيام التعددية ، أمثال مراني ، قشي ، كرار ، و …، اليوم أخي رشيد يعواون على بعض العملاء الذين سربوهم داخل جسم الحراك ، من جهة لكسب ثقة الشباب من خلال حماسة مصطنعة و مبرمجة ( يرفعون بعض الشعارات ، و يتصلون بالمغاربية فيظهرون بصورة النشطاء المعارضين ) ، و من جهة أخرى يراقبون المشهد و يتجسسون ، و منهم من ستعتقله العصابة و تضعه رفقة النشطاء المعتقلين الحقيقيين أمثال كريم طابو ، إنهم يحضرون مثل هذه العناصر للمستقبل القريب ، إذ يمكن أن يعتمدوا عليهم في خلط الأوراق في الوقت المناسب ، و أعطيكم علامة ، بعضهم كان يتردد على قناة الشروق ( صوت الشعب ) الذي لم يصمد طويلا حتى تعرى و انكشف أمره ، و أكثر من ذلك فقد كانت لهم جلسات مشبوهة ، و كلمة مشبوهة تعني الكثير ، هؤلاء من يجب الحذر منهم اليوم و غدا . و لكم أن تجتهدوا قليلا حتى تدركوا المقصود .

  2. كريم طابو ، مصطفى بوشاشي ،صالح دبوز ،علامات بارزة في سجل الوفاء على خط الحرية ، العصابة باتت ترتعد من أمثال هذه النماذج المتفردة ، لذلك و لذلك فقط سيلجأون إلى المخادعة من أجل تمييع و تعويم ساحة الحراك ببعض العناصر العميلة المسربة ، و منهم من ستظهره وسائل إعلامهم المأجورة على أنهم من نشطاء الحراك ، و أكثر من ذلك تعلن خبر اعتقالهم من طرف السلطة . هدف السلطة قطع الطريق على الناشطين الحقيقيين و عرقلة مسارهم .

  3. اعتقال فضيل بومالة استجابة من طرف العصابة، المتسلطة و المرتهنة لمقدرات جيشنا ، لرغبة الحاقدين على الشعب الذي رفضهم و وقف ضد أطماعهم ، منهم من لم يسعه حزبه ، وانكشف خبثه ، و زاد جشعه ، خصوصا أولئك الذين طلبت منهم السلطة مغادرة إقامات الدولة بموريتي ، فتمرغوا عند نعالها يرجون ودها، و يطلبون خدمتها ، فغضت عنهم الطرف . إن فضيل بومالة واحد من كفاءات الجزائر و أمثلتها في رجاحة الرؤية و وضوح المسلك و عفة المقصد ، لم يتأخر عن إعلان موقفه من حراك شعبه ، الحراك الذي سيتحول في المستقبل القريب إلى ثورة ، و ليعلم الأدعياء أن الثورة ستزلزل عروش المستبدين و تدك قلاع المفسدين ، و لن يكون ذلك سوى بسلميتها التي ستخيب ظنونهم و تربكهم أيما ارتباك ، يومها فقط يدرك الأحرار معاني الصبر و الوفاء و الطهارة على طريق الحرية و الكرامة .

  4. علامة من علامات تميز ثورة الجزائريين السلمية ، سبحان الله ، كم هي زكية و سخية جزائرنا ، و كم هي طيبة ، فكأنها لا تقبل إلا طيبا ، و لكأنها تريد أن تعلن بنفسها عن بعض وجوه قيادتها الملتحمة مع رجل الشعب بعيدا عن صالونات العصابة و جحورها ، و هي من دون ريب ترجمة لمسار الحرية و الكرامة على خط الحكم الراشد الذي تتطلع إليه جزائرنا الحبيبة بشوق . لخضر بورقعة، كريم طابو ، فضيل بومالة ، صالح دبوز ، مصطفى بوشاشي ، إن عبروا فإنما يعبرون عن ضمير الأحرار ، يذكروننا برسالة تداولتها الأجيال حينا بعد حين ، و قرأها المتميزون و أجادوا نشيدها الخالد . من نتذكر اليوم بربكم!؟ بكل تأكيد : مفدي زكرياء ، غادر إلى جوار خالقه و هو في المنفى ، عبد الحميد مهري ، هو الآخر اختار طريق الغرباء ، و من قبل ، الشيخ أحمد سحنون نزيل بيت الأرقم ، و قبله الأسد الجريح البشير الإبراهيمي صاحب الإقامة الجبرية في عز أيام الاستقلال ، هؤلاء الأحرار عاشوا غرباء و ماتوا غرباء بعيدا عن أجواء العصابة و صخبها ، فهل تستطيع بقايا العصابة ثني الجزائريين اليوم عن التمسك بمسار الأحرار !؟

  5. يقولون :
    * يقولون أن بن فليس سحب الاستمارات بنية الترشح للانتخابات الرئاسية ، فيندهش البعض ، غير أن الذي حدث هو ما كان منتظرا ، لأن بن فليس لم يكن في يوم من الأيام صاحب وجهة نظر خاصة به، أو رأي يحسب له ، ببساطة بن فليس سريع الاستجابة لأوامر الجنرالات ، هم الذين دفعوا به إلى محيط الرئيس بوتفليقة ظنا منهم أن المحامي قادر على كبح حركة الرئيس دستوريا عن قرب انطلاقا من الوزارة الأولى ، و أكثر من ذلك فهم الذين دفعوه فيما بعد للترشح للرئاسيات من أجل إزاحة بوتفليقة ، هذا الأخير الذي أخلط أوراقهم و استفرد دونهم بتأييد و دعم القوى الخارجية ، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا ، الصين ، و كذلك الأنظمة العربية المعروفة مثل السعودية و الإمارات ، كلهم راهنوا من أجل مصالحهم على بوتفليقة ، و ذلك الذي كسر شوكة الجنرال محمد العماري ، و بعد ذلك العربي بلخير ، خالد نزار ، توفيق . أما بخصوص قايد صالح فلم يكن محبوبا و لا مقبلا داخل محيط الجنرالات المذكورين آنفا ، و كان يعلم ذلك ، الأمر الذي ساعد بوتفليقة على استمالته واستخدامه ضد خصومه . و اليوم عاد قايد صالح و من يقف وراءه إلى الأرشيف بحثا عن ( شخصية ) يرشحونها لمنصب الرئيس و يسهل التحكم فيها ، فوقع الاختيار على بن فليس ، و للعلم فإن بعض قدامى الأفلان الذين خاضوا تجربة ، ولهم خبرة ، بخصوص الانتخابات في كل الأوقات ، هم من سارع إلى تسلم الاستمارات الخاصة ببن فليس على مستوى الولايات ، بطبيعة الحال من أجل القيام بالمهمة المعروفة . و على هذا الأساس سيكون المرشح الأوفر حظا بالنسبة لسلطة العسكر هو بن فليس .
    * يقولون أن عبد القادر بن قرينة سحب هو الآخر استمارات الترشح ، وهو المعروف بتوجهه الإخواني منذ كان في صفوف حركة الشيخ نحناح رحمه الله ( حماس ) ، اليوم ( حمس ) ، و هو واليوم يتزعم حزب أو حركة البناء . استغرب البعض الاستجابة السريعة لبن قرينة ، مما يوحي أن سلطة العسكر تفضل عند الاقتضاء مثل هذه الوجوه ، و قد سبق أن سهلت رئاسة سليمان شنين للبرلمان منذ مدة ، و عليه فقد باتت المكاسب التي تحصل عليها هؤلاء الناس ابتداء من تاريخ الانقلاب على اختيار الشعب ١٩٩٢، عاملا مؤثرا في مواقفهم، خصوصا لما يتعلق الشأن بالمال و السلطان ( صورة من صور تنافس الدنيا ) بطبيعة الحال .
    *يقولون أن مقري و عبد الله جاب الله سيحددان موقفهما من الرئاسيات خلال الأسبوع الجاري ، و ربما سيتأخر قليلا ، السبب أن هؤلاء يحبذون ذلك ، فقط هم يتخوفون من مفاجآت الحراك ، يخافون من الثورة الشعبية و في نفس الوقت لا يقاومون تفويت فرصة استرضاء السلطة ، فهم يخافون غضبها . للعلم فإن مثل هذه الأحزاب معروفة بعدم استقرارها على الموقف ، يوم كان الرجل الحر ، وزير التربية علي بن محمد ، يرفع شعار المدرسة الوطنية الأصيلة و يستميت في التذكير و التوعية ، و يجمع التوقيعات ، سارعوا إلى مزاحمته ، و أقول مزاحمة ، لأن القوم حين شددت السلطة حينها الحصار على بن مكمد ، غيروا موقفهم دون رجعة .
    * يقولون أن مسيرات العاصمة باتت مقتصرة على القبائل ، الحمد لله ، الجمعة ٣١ خيبتهم إلى أبعد الحدود ، و أكثر من ذلك فإن القادم أعظم بحول الله عز وجل .

Exit mobile version