*  سقوط الرئيس 

مجيء عبد العزيز بوتفليقة سنة ١٩٩٩، لم يكن خيارا جزائريا، ولا اختيارا شعبيا، لأن الذين استقدموه و فرضوا ورقته بالقوة، هم اليوم الذين يراقبون المشهد الوطني عن قرب، وكان غرضهم تحديدا إنزال العقاب بالذاكرة الجزائرية، كان بالإمكان الاحتفاظ باليامين زروال رئيسا ، خصوصا بعد تجاوز صاحب المقولة التاريخية “الديمقراطية التي تحرسها الدبابة هي ديمقراطية مريضة”، أو كما قال رحمه الله، بطبيعة الحال، السيد زروال غادر بيت الرئاسة كمن لم يدخله أصلا، لم يفهم ماذا حدث بالذات، وظن قبل ذلك أن السيد عبد الحميد مهري عارض ترشيحه، هذا الذي أقنعوه به من وراء ستار، وصوروا مهري بالخطر التاريخي الذي يستهدف جبهة التحرير و الدولة الجزائرية في آن واحد، ببساطة ذهاب زروال كان مبرمجا، لأن هذا الأخير لم يكن ليملأ الفراغ الذي أحدثوه منذ ١٩٦٢ عموما، و بداية من ١٩٩٢ خصوصا، و بمعنى آخر ، فإن فرنسا و حلفاؤها، هم من اختار عبد العزيز بوتفليقة لتنفيذ المهمة، وهي إلحاق الأذى بالذاكرة الجزائرية، كما وعدهم بذلك الجنرال ديغول ذات يوم، والمهمة برمجت منذ أن بدأ الحديث عن اتفاقيات إيفيان. وعلى هذا الأساس سرّعوا رحيل زروال، من بعد أن نجحوا في التشويش على ذاكرة الجزائريين جميعا، بمن فيهم قادة الجيش آنذاك، والدليل تلك المجازر في حق الأبرياء، التي ارتكبت على مقربة ثكنات الجيش التي كانت خارج مجال التغطية، إذ لم يفهم جنودها وضباطها شيئا مما كان يحدث و يدور، انطلت الحيلة على الجميع تقريبا، حتى المنفذين أنفسهم. وعلى هذا الأساس جيء ببوتفليقة رئيسا مفوضا فوق العادة إذا صح التعبير، هذا الأخير كان مشحونا كفاية لتنفيذ المهمة عن آخرها، عكس ما كان عليه يوم رحل مُكْرهًا، وغادر الجزائر بداية ثمانينيات القرن الماضي. وفعلا فقد تم ملء الفراغ لصالح من راهنوا على إلحاق الأذى (العقاب) بذاكرة الجزائريين، لكن من بعد عشرين سنة بالتمام التي استغرقتها العهدات الأربعة، تجدد الخوف المتصل بسيكولوجية الاستعمار، وزاد هلعهم من إمكانية عدم قدرتهم على ملء الفراغ، السبب هو عجز الرئيس السلطان، وتجدد العصيان من قبل ذات الشعب الغلبان، فجن جنون فرنسا و حلفاؤها، وارتفعت درجة غضبهم من العصابة، خصوصا توفيق والسعيد شقيق الرئيس الذين فقدا القدرة على الحركة و المناورة، وبات وضععهما مخيفا بالنسبة لفرنسا تحديدا ، و قوى الدمار الأخرى التي أشهرت سيفها أيضا من أجل العقاب ، إذ بات العنوان الذي يجمعهم اليوم، هو عنوان شفاف للغاية: أعداء ذاكرة العرب والمسلمين بمختلف أعراقهم و ألوانهم وألسنتهم .

*  مخرجات الخطة

لم تعد فرنسا وحلفاؤها تثق فيما تبقى من عصابتها، خصوصا بعد رحيل حراسا من الوزن الثقيل، أمثال العربي بلخير، اسماعيل العماري، رضا مالك، و آخرين، و مما زادهم هما، أن توفيق( محمد مدين)، عثمان طرطاق، والسعيد بوتفليقة، لم يعودوا فاعلين كفاية، و أكثر من ذلك تأكدت الجماعة أن ضررهم بات أكبر من نفعهم كثيرا، وعلى هذا الأساس انصب الرهان على قيادة الأركان عموما، وقايد صالح على وجه الخصوص، من دون نسيان الجنرال خالد نزار بطبيعة الحال، الذي حذروه كثيرا، وأوصوه كثيرا، بمعنى أنهم أوصوه خيرا بقائد الأركان، وحذروه من مغبة سوى ذلك. وبناء على ما سبق ذكره اقتضت الخطة إخراج التوفيق وطرطاق والسعيد، مع إمكانية استبعاد وإخراج عبد القادر بن صالح و بدوي لاحقا، فقط هم يراهنون على عامل الزمن الذي يمكن أن يضعف الحراك، كمن يريد اصطياد عصفورين بحجر واحد، من جهة تمكين العصابة المستنزفة من الإفلات من خلال محاكمات شكلية، ومن جهة ثانية وضع الحراك أمام الأمر الواقع، وذلك من خلال ما تم تحضيره من أدوار، سياسيا وإعلاميا وأمنيا، دون إهمال الجانب الاجتماعي بطبيعة الحال، خصوصا ما تعلق بالتضييق المعيشي على المواطنين، و المراهنة على شراء الذمم بواسطة المال الخليجي الذي كان دائما حاضرا. هذا باختصار، لأن الباقي هو مجرد تفاصيل تخضع للمتغيرات والمستجدات. 

 سؤال

من صميم أسئلة الناس: هل كان فعلا، السعيد بوتفليقة، عثمان طرطاق، ومحمد مدين، يريدون تنحية قائد الأركان؟ نعم هم كذلك، لقد كانوا مصممين على الإطاحة به فعلا. و هل كانوا يراهنون على الحل الأمني في مواجهة الحراك؟ نعم. فقط وجب أن تعلموا أن فرنسا وحلفاءها، هم الذين اختاروا الرهان على قيادة الأركان، و هم من وضع حدا للجناح الأول، الوجه المرئي للعصابة. 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version