هي رسالة واحدة،  استشف ملامحها أستاذ الحضارة و مهندس الثقافة، مالك بن نبي، و عبر عن لحظتها التاريخية وسط الزخم المتحرك الذي ميز نهاية القرن العشرين، كانت بعض ملامحها الدالة على الحمل الثقيل من تلك الإفرازات خلال التسعينات وبداية أيام القرن الجديد، دائما بين مقاوم و مساوم، محتل غاصب غارق في أوهامه، و شعب يتطلع إلى إستكمال استقلاله. بالرغم من كثرة المشككين والمناوئين و المنهزمين، لاح في أفق جزائرنا الحبيبة مولود جديد، هو ثلة من ثلة، و كان أفضل من رافق الميلاد العسير، ثالث ثلاثة، إذ هم في الوطنية عنوان، الثلاثة هم بمثابة شهود حق، لم يغرهم المال و لا السلطان، كل واحد برز على مستوى جبهته، له أفكاره و رؤاه، لكن الذي جمعهم هو واحد، كانت الجزائر الثورة والمقاومة هي معامل وجهتهم، وشعبها هو مرئاتهم، اختلفوا قليلا، غير أن الذي جمعهم في موقفهم وفي كلمتهم كان هو الغالب: السادة آيت أحمد، عبد الحميد مهري، وعباسي مدني، رحمهم الله جميعا، فكأن هؤلاء الثلاثة تواعدوا على الموقف والكلمة والرحيل، كتبوا رسالتهم وأوصوا بتراث الثلة التي ميزها أحد أبناء هذه الأمة، الذي كان رجلا أمة، الشهيد العربي بن مهيدي الذي شهد العدو قبل الصديق على تفرده التاريخي والأخلاقي، قالها بيجار، جنرال فرنسا المكر والمساومة ” لو أن لي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لفتحت العالم”.

و الشعب الجزائري اليوم أراه بمثابة أمة، كما كان يحلو للشيخ عبد الحميد ابن باديس وصفه، ولن يكون كذلك إلا إذا تمسك برسالة الثلة جيلا بعد جيل و ثورة بعد ثورة .

* أبعاد الرسالة

هي الرسالة أو الدور الذي ينتظر أحفاد المقراني و الأمير عبد القادر و لالة فاطمة نسومر والكاهنة وابن باديس والإبراهيمي و مصالي الحاج وعميروش و بن مهيدي و بن بولعيد …، على عتبة العشرية الثالثة من قرننا الجديد الذي أرادوه ” قرن صفقة ” وأرادته الشعوب المقاومة “قرن ثورة “، وشتان بين الصفقة و الثورة، و بين المساوم و المقاوم. إننا اليوم على موعد مع التاريخ، مهما كنا، وكيفما كنا، و أينما كنا، فليختر كل واحد منا مع من يصطف، كل ذلك في خضم الزخم اللافت من الأحداث المتشابهة كثيرا والضاغطة أكثر، فيها من الفرص ما هو ثمين، ومن المخاطر ما هو مخيف و رهيب، فإما أن نُفعِل الفرص لصالحنا، فيزداد المساومون حسرة، وإما أن نكون سببا من بين أسباب تفعيل المخاطر، فيزداد بأسنا بيننا، ونجني المزيد من الخيبات. و على هذا الأساس نحن بين موقفين وخيارين، إما أن نقدر اللحظة التاريخية تقديرا إيجابيا من داخل عقولنا، و من صميم خزاننا الفكري الذي لم يعد خافيا على أحد، العدو و الصديق في آن واحد، خصوصا ما تعلق بآثار الغزو الفكري، الذي يزداد حدة هذه الأيام، يجند ويصرف لأجله الكثير. و إما أن ننساق وننجر داخل النفق فنبتعد عن القيمة الحقيقية للحظة التاريخية، ونضل الطريق. 

 * من صميم مقاربة حركة رشاد على طريق الحكم الراشد

المقاربة من صميم الفهم السليم لقيمة اللحظة التاريخية، الحمد لله على نعمة الصبر و التبصر، لقد سبقت الحركة إلى التأكيد على مبدأ اللاعنف، و منهج السلمية، الواجب التمسك به في ساحات التدافع، وخصوصا على مستوى الجسد الواحد، الذي لا ينفع معه سوى التمسك بروح رسالة الشهادة “و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” . إن المجتمعات والدول والأمم التي تحدد رؤية سننية كلية متوازنة تتفق مع طبيعة اللحظة التاريخية من خلال نهج متماسك يتجاوز التناقضات الداخلية والرؤى المجهرية والمواقف الانهزامية وأي قلق غير مبرر، تكون قادرة على رسم مسارها الذي يمكنها من القوة اللازمة للعبور بسلام إلى شط الأمان من أجل بناء مستقبل يفرح الأصدقاء ويغيض الأعداء. أما تلك الجماعات والشعوب والدول والمجتمعات التي تنشغل بتفعيل تناقضاتها وتحولها و تتحول بها إلى صراعات مفتعلة تنفيذا لإملاءات المساومين والمغامرين والمارقين ضمن دوائر الاستبداد والفساد وأصحاب الصفقات المشبوهة، ستكون أبعد ما يكون عن فهم و إدراك قيمة اللحظة التاريخية ومتطلباتها، وستتحول إلى معاول هدم وعوائق في طريق مسيرة التاريخ يمكن أن تشغل وتشمل حياة أجيال لقرون من الزمن. ولعل الأزمات التي تتوالد و تتزايد في أيام الناس هذه، هي جزء لا يتجزأ من الآلام المصاحبة للحظة التاريخية الخطيرة التي يمكن أن ترانا جميعا وتشملنا جميعا، لكننا لسنا سواء في تقديرها و البناء على منوالها، المقام لا يسمح بالاسترسال أكثر، خصوصا أن القراء والمهتمين بالشأن الفكري و التاريخي مهمومون بما يحدث هذه الأيام داخل حدود جزائرنا الحبيبة، وبات يشكل حملا ثقيلا على البلاد و العباد، أما و نحن كذلك، فإن خير ما نتواصى به هو الصبر و المصابرة، و قبل كل شيء التوكل على الله، لكننا في أمس الحاجة أن نذكر بأهمية الدور والرسالة الملقاة على كاهلنا ونحن نعيش معركة، من أشرس المعارك مع دوائر الفساد، فقط هي معركة يمكن أن تليها معارك، وأهم سلاح بين أيدي الفاسدين المقامرين هو سياسة “فرق تسد” التي تبحث عن مادتها ضمن الشعارات التي حفظوها، وهم اليوم يجيدون شحنها وتوظيفها لبث الفرقة والشقاق من داخل صف الحراك المبارك. يجب أن يحذر أصحاب العواطف الجياشة من الذين ناموا طويلا وأهملوا كثيرا من الفرص بعيدا عن الفهم الواجب لمثل هذه اللحظات التاريخية الخطيرة، فيكفوا عن كل ما من شأنه أن يفرق و لا يجمع، ويهدم و لا يبني، وليحتفظوا، إن شاؤوا بشعاراتهم إلى أن يكون الشعب على موعد لاختيار قادته وممثليه بكل حرية و سيادة، حينها فقط سيكون الشعب قادرا على تمييز الغث من السمين، ويوم الامتحان يكرم المرء أو يهان. وخلاصة القول فإن رسالة الشعب الجزائري المقاوم هي من صميم ما تتطلع إليه شعوبنا جميعا، الثائرة أو هي على طريق الثورة لكسر شوكة كل الصفقات المشبوهة، و منها صفقة القرن .

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version