ببالغ الحزن والأسى وتسليم بقضاء الله وقدره تلقت الجالية الجزائرية والإسلامية في أوروبا، يوم الجمعة 3 ماي الموافق لـ 27 شعبان 1440 هجرية، نبأ وفاة، أستاذنا الكبير الدكتور عبد اللطيف عبادة، الأستاذ ألأسبق بجامعة قسنطينة، عن عمر ناهز 73 سنة.

والبروفيسور عبادة  من الشخصيات العلمية والثقافية والفكرية والأكاديمية الكبيرة في الجزائر ومن المقربين الذين تعلموا وعاصروا المفكر الإسلامي مالك بن نبي رحمه الله، وعملوا بأفكاره و نهجه .. وعلى الرغم من قلة حضوره الإعلامي بسبب مرضه المزمن في السنوات الأخيرة،  إلا أن الدكتور عبادة  الذي يصف نفسه بمفكر صاحب “قلم مقل”، أثرى المكتبة الإسلامية بتأليفه ومصنّفاته النفيسة والتي تصل إلى الثلاثين أو تزيد، حيث كتب في حقول علمية وفكرية متعددة، من هذه الكتب منها المطبوع ومنها ما هو قيد الطبع، وفيها ما هو مخطوط ينتظر دوره في الطبع والنشر، الأمر الذي يدلّ على أصالة وعمق في البحث والاستقصاء لمفكر جاد أصيل كالدكتور عبادة، ومن هذه المؤلفات والدراسات القيمة في مجال الفكر الإسلامي : (صفحات مشرقة من فكر مالك بن نبي)، و(فقه التغيير في فكر مالك بن نبي)، و(دراسة في فكر الشيخ مبارك الميلي)، و(أزمة الفكر العربي المعاصر) و(إسلامية المعرفة الفلسفية)، فضلًا عن كتابات ومساهمات كثيرة في الصحافة الجزائرية والعربية و ما ترجم  منها للغات عالمية أخرى.

 تعرفنا على المرحوم في لقاءات عابرة في ملتقيات الفكر الإسلامي، كما تعرفنا عليه أكثر يوم استضفناه في منتصف ثمانينات القرن الماضي في مسجد جامعة الجزائر المركزية، بمناسبة ندوة حول “فكر و آثار مالك بن نبي” حينها كانت معارض الكتاب الإسلامي تفرض نفسها بقوة كنشاط كبير متميز وحيد في الجامعات الجزائرية يأتيها طلبة العلم من كل حدب وصوب، كما استضافت الطالبات أيامها الأستاذة مريم عبادة ام قدس التي تعد من أول المحجبات في الجزائر، أذكر انها صححت لنا بعض تواريخ وأسماء في إحدى لفتات المعرض، أظن أنه صححت أسماء مؤسسي جمعية القيم بعد الاستقلال، أو شيء من هذا القبيل. والأستاذة مريم عبادة ام قدس، عرفت بعد ذلك من بعض أساتذتنا أنها زوجة الأستاذ عبد الحميد عبادة مدير فرع سونلغاز و الذي أصبح رئيس بلدية قسنطينة في عهد التعددية، وهو بن عم المرحوم الدكتور عبد اللطيف عبادة .. 

كما أذكر أننا التقينا مرة أخرى المرحوم  الدكتور عبد اللطيف عبادة  مطولا في جامعة قسنطينة، في ندوة “إسلامية المعرفة ” التي نظمت بالاشتراك مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن والذي كان يشرف عليه المرحوم الدكتور طه جابر العلواني العراقي، و حضرها ممثلا عنه المرحوم الدكتور جمال الدين عطية، و الدكتور محمد عمار من مصر، والدكتور محمد أمزيان من المغرب و عديد من أساتذتنا من الجزائر لا تحضرني كل الأسماء، منها أظن، الدكتور عمار طالبي والطيب برغوث و عمار طسطاس وغيرهم، رحم الله من مات و ثبت من بقى على درب العطاء والتضحية..

ومثل ما كنت قد كتبت في مقالات سابقة عن رحيل بعضهم، أمثال المفكر طه جابر العلواني العراقي، و المفكر جمال الدين عطية، رحمة الله عليهم .. فعلا أصبح يقيني أن العظماء والعلماء والمجددون والأئمة الاعلام يعيشون للناس والأمم و لا يعيشون لذواتهم رغم المحن و الصعاب و حتى الأمراض، يرتفعون بأقلامهم و أفكارهم إلى ثريا المطالب ويرتقون إلى معالي الغايات. يكبر فكرهم فينير الدروب، وتعظم قلوبهم فيحبهم الخلق، وتعم أفضالهم فتشمل الجميع، وتلك من نعم الله على عباده الاصفياء الانقياء الاتقياء..

 بهذه الكلمات لا أريد أن أتزيد في القول عما قيل وكتب هذا الاسبوع عن رحيل الدكتور عبد اللطيف عبادة رحمه الله، فقط أحببت بهذه المناسبة الأليمة أن أتضرع إلى الله تعالى، بأن يجزل للدكتور عبد اللطيف عبادة المثوبة، ويجزيه عمّا قدّم في سبيل العلم وإصلاح المجتمع خير جزاء، وأن يعوّض الأمة من بعده رجالًا مخلصين يأخذون بيد أبنائها إلى ما فيه رفعتها وعزتها، مبتهلين إلى الله بأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يفسح له في جنته، ويلحقه بعباده الصالحين، وأن يرزق ذويه الصبر والسلوان، والحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ، و”إنا لله و إنا إليه راجعون.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version