كم هو محزن، و كم هو سيء، و كم هو مذل، أن تكون الألف كأفٍ، لقد كثر الحديث عن خرائط الطريق، خصوصا بعد استقالة السلطان المريض، وأكثر من ذلك، فقد تشابهت خرائطهم، لأنها تلونت جميعها بحبر الأخطبوط، كلها تقريبا تتباكى على الدستور، مثلما يتباكى الذئب مع الراعي، وكلاهما لا يرى في الحراك الوطني أكثر من قطيع، المصيبة أن الذئب الماكر ألصق تهمة مخالفة الدستور بالراعي الذي انطلت عليه الحيلة، فراح يتمسح بثياب السلطان راجيا عفوه باسم الدستور، هذه هي الصورة تقريبا، فكم من متكلم باسم القانون وكم من محلل سياسي، وكم من ناشط حقوقي، من الذين باتوا يتكلمون أكثر مما ينامون، وينامون أكثر مما يتفكرون، العامل المشترك بينهم جميعا، خصوصا ضيوف الفضائيات المأجورة التي التهمت ملايير شعيب الخديم، هو المراهنة على الحل الدستوري، وفي أحسن الأحوال يرددون مقولة المزج بين الدستوري والسياسي، و هؤلاء أكثر من غيرهم يقولون أن الأزمة سياسية، ولم يسألوا أنفسهم عن الحل المناسب لأزمة لم تكن في يوم من الأيام دستورية.

* المزج بين الدستوري والسياسي

سبق وأن تبين أن مأساة الجزائر والجزائريين، تاريخا و جغرافيا، قبل الاستقلال وبعده، كما هو الشأن في مصر، قبل الثورة وبعدها، وداخل حدود كل الوطن العربي، والبلاد الإسلامية، لم تكن في يوم من الأيام دستورية، المأساة كانت سياسية، حتى بالنسبة للإخوة بالجزيرة العربية والحجاز، وسوريا الشام، واليمن السعيد، و بلاد الرافدين، بسبب سياسيين مغامرين مستبدين فاسدين مارقين، أفسدوا السياسة، و سيّسوا العرق، والطائفة، والمذهب، واللغة، وحتى الدين، كل ذلك ليحكم السلطان ويمجد السلطان، هذه هي أسباب مآسينا، فكيف يأتي اليوم أشباه الأكادميين، والمتكلمين باسم الثقافة والمثقفين، يزايدون على الشعب باسم الحل الدستوري، أو المزج بينه وبين السياسي، وهم أعجز الناس عن الإتيان بأبسط دليل ، هؤلاء جميعا يدركون أن الحراك الوطني الجزائري، كما هو الحراك السوداني المبارك، يطالب بذهاب المفسدين، ويؤكد على ذهاب الباءات، والعينات – على شاكلة عبد الفتاح السيسي، و عبد الفتاح البرهان – ، عبد القادر بن صالح، بدوي، وبوشارب، وإن كان هذا الأخير لا يستحق كلمة “اذهب”، ذهاب الباءات يعني انتهاء فترة النقاهة بالنسبة للمتحدثين باسم الدستور الذي يبدو أنهم يغارون عليه أكثر مما يغارون على عرض الجزائر العذراء الطاهرة، فكيف بهؤلاء المتباكين، هل يستطيعون إحلال، كان من كان، أينما كان، و كيفما كان، مكان بن صالح باسم الدستور؟ للأسف هؤلاء وأولئك حالهم كحال الأجسام الطفيلية التي تتجدد ولا تتغير، تعرفهم بلحنهم في القول، لا يستطيعون الكلام من دون عبارة “أنا” او “نحن”، كقولهم: أنا، أو نحن، أول من قال، وأول من فعل، وأول ….، وأنتم أيها الأحرار تعرفون حالة إبليس الذي تفوّه بكلمة “أنا” حيث قال “أنا خير منه” وليته لم يقلها. المتطفلون يقولون أيضا لقد اتصلنا بفلان، وطرحنا على فلان، و …، هؤلاء الطفيليون، يجب أن يحترس منهم الجميع، ويتقي شرهم الجميع، نسأل الله أن يكفينا سوءهم. 

*هل سيفعلها الجيش؟ 

ما هو منتظر من الجيش، كما سبق التذكير، أن يتعلم ويعلم ، أن حل المأساة السياسية، ليس سوى سياسيا بحتا، وأن قيادة الجيش يجب أن تعلنها جهارا نهارا ، للجزائريين ولكل العالم، ليس أن تقول للشعب :” من أنتم؟”، كما قالها معمر القذافي، وليته لم يقلها، بل القول الفصل أن الجيش لا يتدخل في السياسة، وهو اليوم عاقد العزم على مرافقة السياسيين من أجل تأمين الطريق بغرض العبور إلى شط الأمان، في سبيل اختيار رئيس للبلاد و العباد، وليعلم الجميع أن مهمة الجيش هي حماية سيادة البلاد و العباد ضمن المهام الملقاة على عاتق مؤسسات الدولة النابعة من رحم سلطة الشعب في ظل سلطة القيم التي يمليها السلوك الحضاري الذي ينظم نشاط الحاكم والمحكوم في المجتمع على سبيل الإلزام، فتحية تقدير للشعب و لجيشه . 

*خارطة الطريق

لم يعد صعبا اليوم، من بعد أن برهن الشعب الجزائري عن وعيه البديل الذي تحرر إلى حد بعيد من قيود الصراع الفكري البغيض، وبرهن الجيش الوطني الشعبي عن روحه الطيبة وعزمه المتفرد، لم يعد صعبا رسم معالم الطريق، وذلك من خلال عقد لقاء بين قيادة الأركان وممثلين عن الحراك الشعبي من دون منازع، شخصيتان، إحداهما من صميم الحراك، و هو السيد مصطفى بوشاشي، و الثانية من صميم مأساة الجزائريين، شخصية بقيت صامدة و ثابتة رفقة الرجل الحر السيد عبد الحميد مهري إلى آخر رمق في وجه الانقلابيين، و هو السيد حمروش، كنواة للهيأة السياسية التي يقع على عاتقها تفعيل الحل السياسي، من بعد اللقاء التشاوري سيهتدي الطرفان المدني، والعسكري المرافق، إلى أهمية توسيع الهيئة السياسية المدنية وفق متطلبات المهام المتصلة بالتحضير لاستحقاق اختيار الرئيس الذي سيسهر على إدارة شؤون البلاد والعباد، الهيئة السياسية المدنية هي من تعين وزيرا أولا و حكومة مصغرة تستجيب لإدارة المرحلة الانتقالية، وكبادرة حسن نية تجاه الشعب في حراكه المبارك يمكن تكليف السيد علي بن محمد وزير التربية السابق الذي كان أول ضحية للانقلابيين، أما بقية الخطوات فهي مجرد تفاصيل .

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version