المتهمون، وفق موقف الشاعر محمد جربوعة، باتوا أطرافا ثلاثة على أقل تقدير .

*المتهم الأول: وفق محمد جربوعة، تصريحا لا تلميحا، هو الأفافاس، أي جبهة القوى الاشتراكية التي تزعمها السيد أيت أحمد رحمه الله طويلا، والجبهة أو الحزب معروف بمعارضته للنظام منذ الاستقلال، وإلى يوم الناس هذا، من دون أن نغفل مشاركته في الانتخابات التشريعية، ونشاطه داخل حدود أكبر المدن الجزائرية على وجه الخصوص. يتساءل الشاعر محمد جربوعة بالقول، من خلال تسجيله المصور: ” لماذا يتم إنزال جهة معينة على العاصمة” و” ما معنى أن يطرد عبد الله جاب الله، عبد الرزاق مقري، وتواتي”؟ 

و على هذا الأساس، ومن منطلق هذا التسجيل، بات السيد جربوعة هو المدعي، ومنطقة القبائل تحت تأطير وتوجيه جبهة القوى الاشتراكية هي المدعى عليه. لعل المتتبع للشأن الجزائري حينما يستمع للشاعر المدعي، يفهم او يخيّل له أن هناك حرب دائرة على تخوم العاصمة الجزائرية، أو كأننا أمام معركة أو عملية إنزال أو هجوم من قبل القبائل، يقودهم الأفافاس، باتجاه عاصمة الجزائريين الآمنين في بلدهم و الخائفين على استقرارهم. و نسي الشاعر جربوعة أن عاصمة الجزائريين فيها العربي، والقبائلي ، والشاوي ، والميزابي، والترقي. يعيش جميعهم من دون أن يعترض طرف على وجود طرف آخر، حتى مع وجود المحتل الغاصب قبل الاستقلال. أما بخصوص نشاط بعض الجمعيات والتنظيمات التي تحمل شعار جهة بعينها، أو مطالب فئة خاصة، فإن هذا وذاك لم يكن وليد الحراك الشعبي منذ ٢٢ فيفري المنصرم. كذلك يتساءل السيد جربوعة: بخصوص عدم استقدام عناصر من خنشلة وورقلة وباتنة؟ الأمر بسيط، من منعهم من الذهاب إلى العاصمة، وأنا أعرف شبابا من تبسة، خنشلة، وأم البواقي، سافروا ليلا إلى العاصمة، و شاركوا في المسيرات، ولم يعترض عليهم أحد . مما سبق ذكره انطلاقا من تسجيل الشاعر المدعي، يبقى على هذا الأخير البينة، أما المدعى عليه فبإمكانه تقديم شكواه للجهات المختصة، وفق اختياره، دفاعا عن حقه.

*المتهم الثاني: وفق التسجيل المصور، هو الشعب في حراكه من أجل الحرية و الكرامة، المدعي هو الشاعر جربوعة، القائل بصريح العبارة، بمعنى بلحمة لسانه، مدعيا، لا شاهدا: ” أنتم الآن تصطفون في صف فرنسا”. التهمة خطيرة جدا، فهي بدرجة الخيانة العظمى. و على الأقل، وفق تصريح جربوعة، فإن الشعب بات مغررا به من قبل فرنسا، وهو من دون أن يدري، صار عميلا لفرنسا، وعلى أقل تقدير وجب الحجر على هذا الشعب المسكين، الذي لم يعد يفرق بين الحرية و الاستعباد، و الكرامة والاستبداد . وأكثر من ذلك فإن فرنسا التي دعمت جنرالات الانقلاب من أمثال العربي بلخير، توفيق، محمد العماري ، ونزار ، وسياسيين مغامرين من أمثال رضا مالك وعلي هارون، هي اليوم تعود لتوظف من بقي منهم، وتصل إلى إلحاق شعب بأكمله إلى صفها من أجل إلحاق الهزيمة بالسيد جربوعة وأولئك الذين توسلوا وألحوا عليه كثيرا من أجل تسجيل هذا الموقف الجريء و المتميز كثيرا من خلال الحضور في اللحظة التاريخية التي لا تقبل التأجيل. مما سبق ذكره يمكن لكل جزائري، مهما كان، وكيفما كان، وأينما كان أن يتقدم بشكواه، فردا كان أو جماعة، إلى الجهة القضائية المختصة مصحوبا بتسجيل الشاعر، من أجل المطالبة بحقه والتعويض عن الأضرار التي لحقت بساحته جراء اتهامه بالخيانة العظمى لجهة أجنبية، هي فرنسا تحديدا .

*المتهم الثالث: هو الجهة التي تقف في طريق الحراك الشعبي، لم يسميها الشاعر، فقط هو يتوجه للحراك الذي اتهمه قبل أن ينهي تسجيله المصور، يتوجه إليه بالنصح، وذلك باختيار ١٠ شخصيات، تتقدم باسمه لتحاور النظام من أجل تفويت الفرصة على الخونة المتربصين، و يقف في وجه أولئك الذين يرفعون شعارات تعجيزية، مفادها ذهاب كل النظام، من دون أن يبدي الشاعر موقفه من بقاء بدوي و وزرائه، وعبد القادر بن صالح و ندوته. و السؤال الجدير بالطرح لسيادة الشاعر الذي بخل هذه المرة، فعوضا أن يكتب قصيدته إلى الحراك، راح ينصح الحراك بمثل هذا التسجيل المصور، السؤال: من الجهة التي ترفض حلا سياسيا يعبر عن سيادة الشعب في مواجهة مأساة وأزمة سياسية من صنع سياسيين مستبدين و فاسدين يستحقون لقب “عصابة”، ومن يحمي اليوم رجال العصابة أمثال بدوي و وزرائه، و بن صالح و ندوته، وتوفيق وزبانيته، ونزار و شرذمته، وعلي حجار ومن على شاكلته، وبلعياط ومن على دينه، والسلسلة معروفة ومعلومة بكاملها، سواء عبيد الحقل، أو عبيد المنزل، أو حراس المعبد، أو تلك الأذرع التي يتباهى بها الأخطبوط . 

السيد محمد جربوعة، من خلال تسجيله المصور، يقول “أنا لا أثق في النظام”. ويقول “يجب أن يفهم العالم كله أن الناس إذا خانت، وفينا، وأن الناس إذا انقلبوا ثبتنا”. وهذا يفيد، إما أن السيد جربوعة هو وحده من نجا بلحمه وعظمه ودمه من كيد فرنسا وعملائها، وهو بكل قواه العقلية والإدراكية بات يفهم أكثر من كل أولئك الذين وسعهم الحراك شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، في الداخل والخارج، حيث راح يقرأ أبعاد اللحظة التاريخية من داخل وعاء التوترات الداخلية من خلال الزخم المتفرد والمنبعث من رحم التاريخ، التي يكاد يحترق بنارها كل الجزائريين الذين لم يتفطنوا ويعوا تلك اللحظة الخطيرة، وإما أن السيد جربوعة بات لا يثق سوى في نفسه من دون أن يحاول مثلا التقرب من شاعر جزائري آخر، اهتم كثيرا، وحزن كثيرا بسبب أحزان شعبه، فيتبادل معه أطراف الحديث ضمن ما هو من الأدب والسياسة والفن والتاريخ، ولا أظن أن السيد عيسى لحيلح مثلا سيمتنع، ناهيك عن الزخم الفكري والعلمي والأدبي الذي يميز بلدنا الثائر. هناك كثير من النقاط التي أثارها السيد جربوعة، مثل الوطنية والمواطنة، والتدافع الأبيض، التي لا أرى المقام مناسبا للتشويش على القارئ الكريم الذي يفضل التركيز على جوهر الاستحقاق الوطني الأول من أجل الحرية والكرامة في ظل سلطة القيم، لكنني اندهشت كثيرا من قول الشاعر: أنه لا يهتم ولا يعنيه سوى شأن الذين ألحوا عليه و طلبوا منه إبداء موقفه من خلال تسجيله المصور، فإذا كان لا يهتم ولا يعنيه موقف الملايين، فلماذا يتوجه إليهم بهذه الرسالة وهذا النصح، لكنني صرت متأكدا أن شاعرنا، وأتمنى أن أكون مخطئا، لم يقصد النصح، بل قصد الاتهام  وأطمئن الشعب المنشغل اليوم بحراكه وثورته واصطفافه المدني و سلميته المباركة في وجه الاستبداد و الفساد، أن المحكمة المخولة للفصل في مثل هذه المواقف هي وحدها محكمة التاريخ، أطمئن أيها الشعب أنت مش لوحدك .و شكرا . 

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version