أنظمة الاستبداد داخل حدود الوطن العربي خصوصا، وعالمنا الإسلامي عموما، ارتبطت من حيث وجودها وأجنداتها، بدوائر الاستعمار الغربي البغيض، الذي احتل الأرض واستغل خيراتها ونهب كنوزها، وأفقر شعوبها واجتهد في تجهيلها، ولما يئس من بسط سيطرته وإحكام قبضته بسبب ثورات الشعوب ورفضها، غادرت عساكره، وسلم المقاليد لحكام مستبدين لم يرقبوا في شعوبهم إلا و لا ذمة. و منذ ذلك الحين احتدت أساليب الصراع الفكري و زاد وطيسها، كل ذلك من أجل معاقبة الشعوب التي طالبت بالحرية و الاستقلال، فكانت جل المعارك فكرية، وظفت لأجلها كل الفضاءات ذات الصلة بالقواعد الصلبة للمجتمع، و تم الاعتماد على بقايا الادارة الاستعمارية التي كانت تشبه الى حد بعيد ذلك اللقيط الذي بحث طويلا عن نسبه و أصله، فلم يعثر عن ضالته، واستسلم للأمر الواقع بعد صراع مرير، وانطلت عليه بعد ذلك كله الحيل وسط الكم الهائل من الركام المتحرك بسبب سياسة التمييع والتعويم التي مكنت للرداءة التي باتت تسمع و تتكلم، و تزايد على الجميع باسم الجميع .

* توسيع دائرة العبيد :

لقد دخلوا علينا باسم الشرعية الثورية من أجل طمس و قتل روح الثورة، وركبوا على ظهر الشعب باسم الوطنية، فضاق الوطن بأهله جميعا، وراهنوا على ضرب المدرسة و المزرعة و المسجد و الجامع، وسيّسوا العدالة والثكنة، كل ذلك من أجل الامعان في استعباد الأبرياء جيلا بعد جيل، وترهيبهم باسم الثقافة وباسم الدين، ولسان حالهم، وجوب الطاعة العمياء والتسليم بالأمر الواقع، فانخرطت كثير من النخب في لعبة المكر و الخداع، طمعا في التقرب من السلطان، ولم يبق طريق يفكر فيه هؤلاء وأولئك سوى طريق السلطان، لعلهم ينالون قسطا يسيرا من الجلوس إلى مائدة من موائده، وزاد الطمع و اشتد الجزع والمنع في سباق رهيب داخل حقول السلطان، منظمات وجمعيات وأحزاب و منابر إعلامية، الكل يداهن حراس السلطان، ويراهن على نصيب من المال العام، فتحوّل الحقل إلى ما يشبه الحمام، همّ الغالبية هو الاستحمام وارتداء ثياب تشبه ثياب حراس ذلك المستبد الغارق في الأوهام، هذا الذي أراده السلطان، وهذا الذي بات يفرح الاستعمار .

* برجوازيات من نوع خاص:  المتعارف عليه منذ القدم أن البرجوازية هي مظهر من مظاهر الاقطاع الذي ميز وجه أوروبا خلال العصور الوسطى على وجه الخصوص، وكانت الكلمة الفصل لتلك العائلات القليلة التي ملكت البلاد والعباد، وسخرت لخدمتها رجال السياسة و الكهنوت، أما عالمنا العربي فكان على موعد مع التحولات العنيفة التي شهدت أوروبا الحديثة من بعد الثورات الفرنسية والأمريكية و أخواتها، حيث اشتد الصراع بين الرأسماليين والشيوعيين الذين رفعوا شعار الثورة الاشتراكية و معاداة الدين، فنال عالمنا العربي والإسلامي ما ناله من صراعات مصطنعة ومفتعلة، مهدت الطريق لتفعيل وطأة الحكم الفردي، ولم يدم الحال طويلا حتى بسطت الفكرة الليبرالية الرأسمالية الاستعمارية المصطبغة بصبغة سيكولوجية السياسي الغربي المغامر، ورجل الدين أو الكنيسة الطامع، يدها على كل استحقاق داخل وطننا العربي، مشرقه ومغربه، بل وعلى مستوى محور طنجة – جاكرتا على وجه الخصوص، كل ذلك من أجل الحفاظ على تبعية الشعوب التي استعمروها و نهكوها طويلا. وانطلاقا من هذه الدائرة بالذات زاد ارتباط الحكام المستبدين بدوائر الاستعمار، وراهنوا على التمييع و التعويم باسم الإصلاح، فورطوا تلك الدوائر المصطفة داخل حقل السلطان، والمتزاحمة بالقرب من منزله، فأطعموها من المال الحرام الذي نهبوه من مداخيل الشعب المتعب والغلبان، فطفت إلى السطح أجسام غريبة وعجيبة شبيهة بتلك البرجوازيات الصغيرة التي تعشق كثيرا وجه وثياب ومشية السلطان، منها أحزاب سياسية، وجمعيات ومنظمات واتحادات، ومقاولات وشركات، يجمعها كلها الأكل بغير وجه حق من المال العام، فلا الإعلام سلم، و لا الأحزاب ، ولا حتى المحسوبون على الوئام المدني الذين استفادوا من المال المتدفق من الخارج، الذين تحوّلوا إلى تجار و مقاولين، باتوا اليوم يخافون على مكاسبهم، ويتوجسون خيفة من حراك الشعب المبارك، فلم تشفع لهم اسخبارات واستعلامات الأمس التي سحبت بهم البساط الى داخل حقل السلطان، ولا شفع لهم معارضتهم المزيفة ذات يوم في وجه السلطان. ان هذه الاجسام الغريبة من البرجوازيين الصغار الذين رضعوا من المال العام و اشتد عمودهم المعوج كثيرا، باتوا بمثابة الألغام الموقوتة التي صار يراهن عليها الحاكم المستبد اليوم في خلط أوراق الساحة الوطنية التي تمسي و تصبح بحمد الله العظيم، على صيحات الأحرار من أجل تحرير العباد و البلاد

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version