إذا كان الحراك الوطني حراك كرامة و حرية، فينبغي أن يكون حراك وفاء، وهذا ما لا يريده المناوئون الذين يراهنون على عامل الزمن، فيتمنون أن يحولوه إلى حلقة مهملة، وهذا الذي راهنت عليه القوة الاستعمارية طويلا، فمن الذاكرة وللذاكرة نستشف القليل من ذلك، لقد عبر عن مثل ذلك الجنرال شارل ديغول بالقول ” لقد تركنا من ورائنا جزائريين أكثر فرنسية  من الفرنسيين”، وان أكثر ما يخيف ويربك هذه الدوائر هو ذاكرة الشعوب، وأهم عنصر يجب تفعيله باتجاه الذاكرة الوطنية هو عنصر الوفاء، إذ من دون وفاء يمكن أن نظل الطريق وسط الكم الهائل من التحديات والاكراهات.

* ماذا تقصد بالوفاء؟ 

الوفاء للذاكرة الوطنية التي كتبت بدم الشهداء، ولن يكون ذلك إلا إذا تمسك الحراك الوطني اليوم برسالة نوفمبر الكرامة والحرية من خلال تجسيد المبادئ التي حملها بيان أول نوفمبر.

وأعود فأذكر بأن الحراك الوطني حراك كرامة و حرية و وفاء، أما الكرامة فكرامة المواطن بغض النظر عن معتقده وعرقه ولونه وجنسه، وأما الحرية فهي حرية المواطن الذي يقف حدا فاصلا بين نافية ( الأنا) و نافية ( الأخر) وفق تعبير الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، وأما الوفاء فهو الوفاء للتاريخ والقيم.

* ما يجب التنبيه له: 

إنهم يراهنون على تقسيم جسم الحراك من خلال بعض الأصوات المشبوعة عبر بعض القنوات الفضائية التي ركبت خفية سفينة الشعب الحراك بأسلوب طاعن في الرداءة إلى أبعد الحدود، إذ تسوق أنه لا يحق لأي كان الحديث باسم الشعب، و كأنها هي الناطق الرسمي أو المفوض، بالرغم من أن الحراك طيلة أربعة أسابيع لم يرفع شعارا واحدا يفيد بما تروج له هذه القنوات المأجورة، و أكثر من ذلك يزايدون على الشباب باسم الشباب بغرض الالتفاف على مطالب المجتمع بكل فئاته، و هدفها المبيت وفق أجندة السلطة الخفية هو الرهان على نوع من الصراع بين الأجيال، وعلى هذا الأساس نقول أن المجتمع في حاجة إلى كل أبنائه و بناته من دون استثناء، الفيصل هو الكفاءة ونظافة اليدين. 

وفي هذا الصدد بالذات فانه من النافلة بمكان إبطال مثل هذه الفكرة المعلبة، والشبهة المبيتة بالقول: 

* نموذج تاريخي من الصدر الأول، يوم دعت واقتضت الحاجة إلى تقديم شاب لم يبلغ العشرين لقيادة جيش المسلمين، أسامة بن زيد، وفق معطيات محددة زمانا و مكانا، والمجتمع ذاته حينما دعت الحاجة فيه قبل ذلك إلى تقديم رجل جاوز الستين، السيد حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاد الحراك وأدى دوره و مهمته دون تأخير.

واليوم نستطيع مقاربة المشهد و نحن نعيش العقد الثاني من القرن الواحد و العشرين، من خلال واقعين قائمين و شاهدين، كوريا الشمالية يقودها شاب في الثلاثين من العمر، كيم جون يونغ، لم يستطع الرئيس ترمب المزايدة عليه أو ابتزازه، و في المقابل يختار شعب ماليزيا رجلا جاوز التسعين، مهاتير محمد، لم تستطع إسرائيل ولا روسيا ولا أمريكا المزايدة عليه. فهل تستطيع تلك القنوات من خلال وجوهها الباهتة المتحدثة باسم الشباب أن تزايد على تلك النماذج الحضارية في شيء؟  ومن دون شك سوف تلجأ تلك الدوائر إلى المزايدة على الحراك باسم الاستحقاقات من أجل التشويش والرهان على التضليل والتدليس باسم الدستور وما إلى ذلك من المساومات، احذروا التضليل، الوقت وقت اصطفاف مدني، أما الاستحقاق المدني فله أجاله و مواعيده و ظروفه، واعلموا أن استحقاق اليوم هو استحقاق الوفاء للذاكرة النوفمبرية، فلا تتأخروا.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version