تركيا التي أرادوا توريطها وإحراجها، من خلال عملية اختطاف الصحفي خاشقجي على أراضيها، داخل السفارة السعودية، أوقعت بهم جميعا، السعوديين والأمريكان على حد سواء. بعد أن استهان الطرفان بالموضوع وقللوا من شأنه ولم يذكروه إلا عرضا مستخفين بقدرة تركيا الاستخباراتية على تعقب الجريمة، شهدنا تغيير لهجة الطرفان وزيادة حرجهم، مع مرور الأيام وتسريب السلطات التركية معلومات بالقطارة، كل يوم معلومات تعزز السابقة وتعمقها، ورأينا كيف أن السعوديين والأمريكان بدؤوا يلملمون أنفسهم ويستعدون، لِما هو أعظم، والتضحية بما يمكن التضحية به، للبقاء دون الانهيار.
السقوط السعودي أصبح أمرا يقينا ومحتوما، لكن إلى أي مستوى يمكن احتواؤه؟ الأمر يتوقف على ما تملكه تركيا من معلومات موثقة، وكلما كشفت عن معلومات محرجة حارقة كلما تصاعد مستوى التضحية إلى أعلى الهرم، أي أصبحFusible أكبر شأنا. إذا كان في بداية الأمر، بعد تيقن تورط السعودية، يُعتقد انه يمكن لتضحية بالعناصر الـ 15 المنفذين، يرجح الآن أن هذا المستوى من التضحية لم يعد مقبولا، ويُنظر إلى مستوى القنصل ولِم لا السفير نفسه، وربما حتى وزير الخارجية الجبير، الذي اختفت آثاره، ولم يسمع عنه أحد. وحتى عند هذا الحد قد يكون الأمر غير كاف، مما سيجبر بيت آل سعود تجنبا لفضيحة مدوية وتفشي معلومات مروعة عما كان يجري في الديوان الملكي منذ عقود، قد تضحي الأسرة بولي العهد نفسه وربما حتى بأبيه، للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عنه.
من جهتها، أصبحت الولايات المتحدة (وترمب بالأخص) في حالة استنفار قصوى بعد انفلات قضية اختطاف واغتيال الصحي جمال خاشقجي المرجح، بعد أن توقعوا سير العملية بشكل مختلف، يمكن احتواؤه. ونظرا للتطورات على غير ما كانت تشتهه سفن آل سعود تراب، ستبذل إدارته كل ما في وسعها وأكثر لاستباق الوضع قبل ان يخرج عن السيطرة (سيطرتها هي) ويكشف الصورة الكاملة التي لا يريد ترمب وأمريكا أن تتكشف، أي مدى تورطها في الشؤون السعودية وجرائم آل سعود على مدى عقود وتدخلها في كل الأزمات التي أشعلها آل سعود في الوطن العربي، مثل الانقلابات والثورات المضادة.
مثلما حمت أمريكا وترمب على وجه الخصوص محمد بن سلمان بمليارات الدولارات، لن تتردد لحظة في الإجهاز عليه وتسريع سقوطه قبل أن يمسها فحيح نيران الأزمة بعد أن أيقنت أن تركيا تملك الأدلة التي لا يرقى إليها أي شك في تورط السعودية فيها. وهنا مثلما سيسعى محمد بن سلمان أن يضحي بالحيتان ما دونه، للنجاة بجلده، قد يسلك ترمب نفس الطريق، لكن هذه المرة للتضحية بمحمد بن سلمان، للحفاظ على آل سعود، الحليف الاستراتيجي، والحفاظ على نفسه أيضا من ارتدادات القضية على رئاسته.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version