لا أقصد القوة المدمرة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها في حدود الغرب الرأسمالي الليبرالي، ولا أقصد تخوف حكام العالم المتخلف من سلطان أمريكا، ما أقصده هو طبيعة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الآخر، مهما كان هذا الآخر، حتى وإن كان روسيا، لقد غيرت الولايات المتحدة كثيرا من أساليبها الدعائية التي كانت تنتهجها خلال الحرب الباردة، الغموض هو الغالب اليوم، سواء تعلق الأمر بمسألة تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية على السواء، أو سياستها الإعلامية، أو حتى ما تعلق بالتنسيق اقتصاديا وأمنيا مع حليفتها الأم بريطانيا، العمل الاستخباراتي آخذ هو الآخر في البلورة استجابة لما يصنفونه بالتحديات التي تشغل حيزا كبيرا من اهتمام دوائر بحثية جدا متقدمة سواء تعلق الأمر بتكنولوجيات الاتصال، أو أساليب الاختراق والمقاربة عن قرب، المهم هو التفوق، لذلك لم تعد المعلومة التي تدفع بها دوائر الإدارة الأمريكية، وخصوصا تعاملها مع ملف الإرهاب، والنزاعات الإقليمية، بالمعلومة السليمة التي يمكن أن نعتمد عليها من أجل تقصي الحقائق أو بناء التوقعات، أو حتى بناء السياسات.

لماذا أفغانستان بالذات؟

أفغانستان، وتحديدا مقاطعة نانجار هار، وبالضبط : أشين، المنطقة صالحة لإجراء تجارب في مجال التسلح، التجربة التي قامت بها الولايات المتحدة ذات أهمية، خصوصا أنها وحلفاءها أدركوا خطر الظاهرة الكورية الشمالية، وهذه المسألة بالذات ليست من قبيل ما يدور حول شخص الرئيس ترمب، إن ترمب لن يقدم ولن يؤخر في ذلك قيد أنملة، المسألة تتعلق بميزان التفوق، كلكم يتذكر الهجوم الأمريكي على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين شهر أغسطس 1945 أيام الرئيس الأمريكي ترومان هاري، ورئيس الوزراء الياباني سوزوكي، استعمل الأمريكيون قنابلهم النووية دون رأفة، لن نتحدث عن الآثار بطبيعة الحال، اليابان اليوم حليفة لأمريكا، ومتخوفة من جارتها كوريا الشمالية . الولايات المتحدة صرحت بأن الضربة استهدفت معاقل التنظيم الإرهابي داعش، هذا ممكن، لكن ما هو ممكن أيضا هو أن الولايات المتحدة قامت بتجريب سلاح مدمر، ولا تريد أن يحرجها أحد، بل تريد كثيرا من السرية، لأن كوريا الشمالية تتابع كل التحركات الأمريكية أينما كانت، والولايات المتحدة يهمها كثيرا عامل المباغتة والتأكد من نتائج العملية المتوقعة، لذلك يمكن القول أن الولايات المتحدة ربطت عملها بمحاربة ” داعش “، والكهوف التي تم استهدافها من أكثر الأماكن التي يمكن أن تستوعب مثل هذه التفجيرات، وعلى هذا الأساس يمكن تفهم لجوء الأمريكيين إلى أفغانستان بعيدا عن كل مراقبة.

أم القنابل الروسية

روسيا غير قلقة بما يجري بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، لأن تهديد هذه الأخيرة يمكن أن يخدمها كثيرا، وزير خارجية الولايات المتحد تيلرسون تأكد من خلال زيارته لروسيا الأسبوع المنصرم أن الروس يتفهمون مخاوف الأمريكيين، لذلك فإن روسيا أجرت عملية من نوع آخر، التفجير الذي ستقوم به روسيا، وفق ما تناقلته وسائل الإعلام، سيشمل 18 بلدا، دون استثناء دول شملها القرار الأمريكي والبريطاني بنوع من المنع، مثل إيران ومصر وتونس، التفجير الروسي جلب إليه كثيرا من المهتمين، أتدرون من يهتم لذلك ؟ إلى جانب آلاف الشباب الهاربين من بلدانهم بواسطة قوارب الموت، يصطف الآلاف الذين يحلمون بالهجرة إلى أوروبا، حتى وإن كانت روسيا، ما هو كارثي أن عملية التفجير هذه استهدفت فئة الشباب، وروسيا لا تتهاون في مسألة أمنها، إنها مهتمة بالشباب العربي تحديدا، السماح بالدخول إلى روسيا من دون تأشيرة هو أخطر من أم القنابل التي تدعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها فجرتها داخل الأرض الأفغانية، الروس هذه المرة على قدر كبير من الحضور، إذ يمكنهم تسهيل عملية قدوم الشباب العربي إليها،خصوصا من الجزائر وتونس وإيران، و…، طبعا السياحة مضمونة والشباب يجب أن يمر بمرحلة تحضيرية قصد التجاوب مع الروس، لا أدري كيف ستتصرف دولنا العربية مع الشباب الهارب ؟ بطبيعة الحال دولة تركيا هي خارج هذه الحسابات، الروس هم المهتمون بالسفر بقصد الاستثمار والسياحة في تركيا، الأتراك مرتاحون داخل بلدهم، وغير مهتمين رفقة رئيسهم الشاب بمضمون التفاوض مع الأوربيين من أجل الانضمام، الرئيس الشاب يربط ذلك بوجوب الرجوع إلى المحكومين، وخصوصا الشباب في استفتاء، وإذن من المستهدف بالعملية التفجيرية الروسية الأخيرة، هل ستلحق شظاياها دول الخليج، خصوصا أن الجسم العربي صار رخوا إلى أبعد الحدود ؟ بين أم القنابل الأمريكية، وأم القنابل الروسية مسافات، أما الخاسر هذه الأيام، وفي القريب العاجل، ليس هو كوريا الشمالية بكل تأكيد، الخاسر الأكبر هم المسلمون وكل المستضعفين، لأن المكر لا يميز بين العرب مسيحيين أو مسلمين، إسرائيل مطمئنة لأنه لا يوجد عرب يهودا، خصوصا أن الإسرائيليين لا يترددون على الكنائس، وبالتالي فإن الأذى صار يلازم العرب هذه الأيام مسيحيين ومسلمين، يساريين وإسلاميين، الشظايا تلاحق العرب في كل مكان، والدوائر المهتمة تريد أن تحول الربيع إلى شتاء، والشتاء لن يتحقق حسب هذه الدوائر إلا باستنزاف الجسم العربي خصوصا، والإسلامي عموما، من رصيده الشبابي، التحول في مسار الصراعات المصطنعة داخل الجسم العربي والإسلامي سيشهد مخاطر جمة في غياب أي صحوة من الحكام، خصوصا المنشغلين بفكرة المحافظة على العرش، وباقي الامتيازات.

إذا كانت دولنا العربية قد عجزت عن التكفل بالإخوة السوريين الذين يعيشون مكرمين داخل تركيا، ويتوزعون بنسب متفاوتة على بعض الدول الأوروبية، فإنها اليوم عاجزة عن حماية شبابها مما ستقدم عليه روسيا مستقبلا، أما الدم السوري واليمني والعراقي والليبي فحدث ولا حرج، إن الخلاص يكمن في إيجاد حل للاقتتال الدائر داخل هذه البلدان من داخل العقل العربي والإسلامي تحديدا، ولو أغضب ذلك أمريكا وروسيا، وإلا فإن كل العروش ستتهاوى، لأن الأمريكان والروس، وحتى الصين، سوف يبحثون عن الحل، والحل حسبهم لن يكون إلا بتقسيم المقسم، وفرض الحماية علينا جميعا، عندها سوف يكون الحاكم ممثلا لتلك الدوائر وفق أهوائها وتطلعات ساستها المغامرين، وعندها سيكون بالإمكان مصافحة الرئيس ترمب لزعيم كوريا الشمالية كم جونغ أون.

بشير جاب الخير
17 أبريل 2017

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version