تساءلت حينما قرأت الشيء القليل، فكأنما الأستاذ يكتب وصفة طبية، لأي فئة من المرضى هذه الوصفة؟ وهل هي مجرد وصفة؟ وماذا يريد أن يكسب من ورائها؟ إذا كان مالك يستهدف بوصفته الإنسان، أينما كان، فهو يقدمها بالدرجة الأولى لأقرب الناس إليه، ممن هم في أمس الحاجة إلى محتوى الوصفة، ويريد أن يتأكد من أهميتها وجدواها، فهو يريد بها الذين عانوا من ويلات الاحتلال ولذلك تجده في حالة من الانتظار، وكأنه على موعد، ينظر بكثير من الأمل إلى أقرب محطة لكنه في حالة من التوتر، غير مرتاح، شارد الذهن أحيانا، تغلب على محياه علامات الألم، دون أن يهمل امتداد الصورة المنبعثة ملامحها من بعيد، يحاول أن يقرأ مضامينها ويعيد إليها مدلولها، لكنه يريد من المريض أن يقرأ، فهل يستطيع المرء أن يقدم حياة من أجل حياة، أو حياة ثمنا لحياة؟ لا يمكن أن نتحقق من الفرق إلا إذا استحضرنا وتأملنا أبعاد الصورة، وإذن فالمسألة التي يريد أن يعلمنا إياها مالك هي مسألة الحياة، كيف يمكننا أن نستعيد حريتنا، ما هو الطريق الأقرب إلى ذلك؟ ذلك الذي عناه مالك بتوجيهاته، فتقرب ممن هم أقرب إليه سمعا وفهما واستعدادا وجرأة، لم يحدثهم عن نفسه ولو مرة، وحتى ما جاء في مذكرات شاهد القرن، ليس حديثا عن النفس، وفق ما أشار إليه البعض فهو حديث لكل إنسان وعن كل إنسان يستطيع أن يكون شاهدا شهادة عناها القرآن الكريم: “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” (الآية 143 من سورة البقرة). شهادة يمكن أن يشهدها المسلم وهو مؤمن، فتناله رحمة الله ممن عناهم الله بقوله: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين” (الآية 56 من سورة الأعراف). الإنسان المحسن، ذلك الذي أراده مالك بتوجيهاته، ثم إلى الذين يلونه، فالذين يلونه، الأقرب فالأقرب. لقد كان منشغلا بما يجري على أرض الجزائر، ولم ينسيه ذلك ما كان يجري في محيطها، دائرة ضمن دائرة، فلم يختر لنفسه خطا مستقيما، أبدا لم يرد ذلك، أراده خطا دائريا، لذلك ولذلك فإن مالك لم يحدث الناس عن نفسه ولو مرة، ولم يشكو لهم من شكوى، لم يحجب عنهم أشعة ولم يحرمهم من نور، لم يردهم لنفسه فيجتمعون لأجله، لم يأخذ من وقتهم لوقته، ولا من جهدهم أو مالهم، فهو الزاهد في دنيا الناس، غير راغب ولا راهب، لم يرهن الناس في ماضيهم ولا في حاضرهم، واكب الأحداث في أسبابها وفي آثارها، وسعى إلى استشراف أغوارها، بسيطا في لغته، باحثا لها عن قبول داخل قلوب الناس وضمائرهم، فأعطاها من الوقت ما تستحق، لا يسأم ولا يمل، إذا كان لا بد أن ينتظر النائم حتى يستفيق، والغافل حتى يعود، والغائب حتى يحضر، والمسيء إلى أن يحسن، والقاصر حتى يبلغ، والبالغ حتى يرشد، والراشد إلى أن يطمئن عليه. لم يكتب لنفسه ولأجلها، ولا لفئة من الناس بعينها، اهتم في كتاباته بالإنسان في حاضره، فكأنما يكتب لكل إنسان، كل من يقرأ لمالك وهو حاضر يشعر بذلك، ليس كمن يتصفح جرائد الصباح والمساء، ولكن كمن يبحث له عن ضالة، ليس عن ظل ولا ضلالة، لم يكن مالك ظلا لأحد، ولم يتسبب في ضلالة أحد، فهو كمن يبحث في ليل دامس وحالك، لا خائفا ولا راهبا، يبحث عن الحكمة وفي الحكمة، تلك هي ضالة مالك، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”. من حديث أبي هريرة، رواه الترمذي وابن ماجه. ذلك الذي سعى من أجله ولأجله مالك، وإلا فما قيمة الذي تحدث عنه بن نبي بخصوص دور المسلم ورسالته مع نهاية القرن العشرين؟ إنك وأنت تتأثر أو تنساق لفكرة، أو ظاهرة، ينبغي أن تبحث لك عن دليل، تستأنس به وتتواصل معه كي تصل إلى مبتغاك، لا تحسبن نفسك سائحا، فلا تعير اهتماما لشخص الدليل، أنت تبحث عن ضالتك، فلا تسمح أن تتحول إلى مجرد ضال في الطريق أو تكون ظلا لنفسك أو لمن يليك. حينما تعبر عالم الأفكار إلى عالم الأشخاص، لا ينبغي أن تهمل طينتك، فكلك طين، ينبغي أن تعبر وتترجم ذوقك في حركتك وفي سكونك من خلال العظمة التي أودعها الله سبحانه داخل الطين، لا يليق أن تبحث عن صورتك بعيدا عن جمال الطين وصفائها وحسنها ودقة تفاصيلها، حينما نذكر الأم وهي ترضع ابنها، كيف يمكنها أن تطمئن عليه بعد فطامه، عملية الإرضاع تتواصل أو يجب أن تتواصل جيلا بعد جيل، حتى لا يتحول الإنسان إلى ما يشبه الآلة. لاحظ كيف يقرأ مالك، وهو يقف عند الشعار الذي رفعته (سولي) وزير هنري الرابع خلال القرن الرابع عشر، جاء الشعار معبرا عن سياسة مسار بأكمله: “الحراثة والمرعى هما الضرعان اللذان تحتلبهما فرنسا”، يقول بن نبي: “واليوم أدرك تمام الإدراك، أنهما الضرعان اللذان وضعهما عصر النهضة، وأن النهضة الفرنسية بالذات، هي بنت هذا الإرضاع” (1). عمليات الإرضاع متصلة أشد الاتصال بعمق الإنسان في ثقافته وأرضه واستعداداته زمانا ومكانا، لا تهمل أي عالم من العوالم الثلاثة المعلومة التي لم نهتم للتواصل فيما بينها أي اهتمام في جزائرنا الحبيبة بعد الاستقلال، قاربنا مشروع الثورة الزراعية، لم ننطلق من الريف، المقاربة كانت من المكتب، ويا ليتها كانت من مركز للبحث والدراسة، لم تكن هناك استشارة، لم نبحث عن الإنسان، بل انصب اهتمامنا بالآلة، ليس في حدود قدراتنا واستعداداتنا ولكن من باب الانبهار بما عند الآخر، خصوصا إذا كان الآخر لا يولي أي اهتمام لما يتصل بعملية الإرضاع عندنا، فبدل أن نبحث عن المرضعة في حدود استعداد واستجابة الرضيع، رحنا نبحث عنها بعيدا عن كل استعداد واستجابة. وإذن فبدل أن نبني قمنا بعملية هدم غريبة الأطوار، لأن صورة الإنسان الجزائري الذي بحثنا عن نهضته، لم تكن واضحة كفاية في مخيلتنا، فرحنا للأسف الشديد نجري عملية تركيب مستحيلة، جمعنا بين عناصر غير متجانسة وغير متلائمة، كمن راح يجمع بين كائنات الغابة، ليس داخل الغابة بحنانها وجمالها وألفتها وعظمتها واستعداداتها الوظيفية، ولكن داخل قفص كبير داخل الغابة، فامتد استبدادنا من حدود السياسة إلى عالم الرضاعة، فلا نحن حافظنا على طبيعة الغابة، ولا على كائناتها التي بدل أن نهدئ من روعها ونطمئن على راحتها وسلامتها، أدخلناها غياهب سجن كبير كتبنا في أعلى مدخله: “لا تخاطروا بدخول الغابة”. مشروعنا، لم يقرأ امتداد الريف داخل القرية، ولا صورة القرية داخل المدينة، ولا عن حاجة المدينة إلى مرضعات الريف، لم نحافظ على أهمية التواصل الذي يحافظ على الحياة وعلى التنوع والتجاذب والإبداع والإثراء والرقي الذي يزخر به عالم القيم. مشروعنا أهمل الذاكرة الجزائرية التي عبرت إلينا عبر أكثر من جيل، لم يسترجع الحاكم، وقتها، الذكريات القريبة لرفقاء السلاح وشهداء الثورة، من خلال تلك التفاصيل الدقيقة لعظمة الإنسان الذي احتضن مشروع التحرير، فاحتضن الثوار وحفظ حركتهم، كيف أطعمهم من قليل وكساهم من عدم، وفرح بقدومهم في كل حين، واستعان بهم على نفسه وكبريائه، هل حظرت الذاكرة يوم فكر الحاكم في مشروع نهضة الجزائر بعد الاستقلال؟ غابت كل الذكريات وانمحت كل تفاصيلها، ولم يبق منها إلا اسم الجزائر، وتجدد فقط عامل القابلية للاستبداد جارا معه ذيول القابلية للاستعمار، وإلا كيف يضيق ثائر الأمس، على أرض الثورة بمن بقي من رجال الثورة؟ لم تحتفظ النفس بتفاصيل الجمال المنبعثة من البيت البسيط المترامي بين أحضان الجبل، البيت الذي اتسعت صدور أهله للجميع. لم تخلو مقاربتنا بعد الاستقلال من الإساءة التي امتدت إلى كل ما هو جميل، ضقنا بقامة الشيخ الجليل البشير الإبراهيمي، ففرضنا عليه الإقامة جبرا، هل كان يستسيغها العربي بن مهيدي حيا؟ وضقنا كثيرا من هامة شاعر الثورة زكرياء مفدي أرهبتنا جزائريته التي افتخر بها العرب وأعجب بها العجم، فاستكثرنا عليه التغني بروح الثورة، أسأنا للذوق والجمال باسم الوفاء للوطن، وأسأنا لقيم ومبادئ صناع الثورة باسم الوفاء للثورة. كانت بلادي تسمى “مخازن روما”، ولم تعد اليوم كذلك، فلا الحراثة بقيت حراثة، ولا المرعى بقي مرعى، أضرب لكم مثالا، عن جانب من فكرة الإرضاع وأهميتها في نهضة المجتمع: أرض شاسعة تشمل مساحات كبيرة من ولايات أم البواقي خنشلة تبسة، صنفت كأراضي رعوية، لم يجرؤ أحد أيام المحتل الغاصب، على حرث شبر واحد منها، خصوصا ما تعلق بأرض البور، وحتى بعد الاستقلال بقليل، ببساطة لأنها أرض رعوية، ومن يعرف قيمة المرعى يمكنه تصور فداحة ما حصل لم تبق الأرض كذلك، بمعنى أننا لم نحافظ على طبيعتها الرعوية، بسرعة أفقدناها الحياة بسبب حرثها، كل سنة نقلب الأرض ونزرعها بغرض تحصيل الحبوب، مع أنها لم تكن مخصصة للحراثة، ولا هي صالحة لذلك، المنتوج يدلنا على ذلك، لأن الإنسان وقتها لم يفكر سوى في جيبه، ولو كان من بعده سيأتي الطوفان. المزارعون والفلاحون الحقيقيون يعرفون ذلك، خصوصا أيام كان الكولون إذن بدل أن نحافظ على الضرع قتلناه، أفقدنا الأرض الرعوية كل حياة، فلم تعد صالحة للمرعى ولا للحرث، أرأيتم كيف جنينا على أنفسنا فقتلناها في أدق التفاصيل، بمثل ذلك قامت الإساءة التي لم تتوقف يوما واحدا، تواصلنا في عالم الإساءة، باسم العمارة أسأنا للعمران وأسأنا للأرض بقتل العمارة، ففقدنا صلتنا بالحراثة والمرعى والعمارة على حد سواء، ثم هل توقفت الإساءة؟ أبدا، لم تتوقف، بنينا المدارس واستبشرنا خيرا بالجامعات التي تخرج منها طلبة، سرعان ما غادروا إلى أشهر الجامعات الغربية، فأدهشوا القريب والبعيد بمستواهم واستعداداتهم وتفوقهم، ثم لا أدري ماذا حدث بالضبط، على حين غفلة، عدنا للإساءة من جديد، فعلى سبيل المثال، كانت عملية التوجيه من مرحلة المتوسط إلى مرحلة الثانوي تستجيب لمعطيات الحاضر ومقتضيات المستقبل، تعطى الأهمية للجانب التقني، فيوجه الأوائل بنسب متفاوتة من كل متوسطة إلى الشعبة تقني رياضي ـ، والذين يلونهم من الأوائل من المتفوقين في المواد العلمية وعلى رأسها الرياضيات، إلى الشعبة رياضي ـ، ثم يوجه بقية الناجحين، حسب الأمكنة أو المقاعد المتوفرة والمتاحة، بين شعبتي العلوم والآداب حسب النتائج المتحصل عليها، فكان الجميع من أساتذة وتلاميذ وأولياء يعطون أهمية كبيرة للعملية، ولا واحدا تجرأ على المخالفة. استبشرنا أكثر لما تم إنجاز المتاقن التي جهزت بالوسائل اللازمة للجانب التطبيقي، قصد التقليص في الهوة بين ما هو نظري وما هو عملي، وبدل الاعتماد على منهجية التقييم والتقويم على خبراء غيورين على مستقبل البلاد، خصوصا من الذين أثبتوا جدارتهم داخل أكبر الجامعات العالمية في مختلف التخصصات، قصد الارتقاء بالعمل المنظومي أكثر، جاءت الإساءة مكشرة عن أنيابها، يسكنها غيظ رهيب من الذي تحقق تربويا وعلميا. فتحولت المتاقن إلى ثانويات عامة، وذهب التجهيز المقدر بالملايير إلى غير وجهة، فتم تمييع عملية التوجيه على مستوى التعليم المتوسط، وضاقوا بصغارنا في مدارسهم، ولم تعجبهم صورة الأستاذ علي بن محمد تربويا، التي تشبه كثيرا صورة مهري عبد الحميد سياسيا، لأن الرجلين ببساطة لا يرضيهما النظر في مرآة محتل الأمس. فانتهجناـ للأسف الشديد سياسة التمييع، بل لا صوت يعلو على آفة التمييع، تأثرت العملية التربوية برمتها إلى حد لا يطاق، سواء من حيث انتقاء وتكوين المعلمين لجميع الأطوار، أو المفتشين، أو القائمين على شؤون إدارة المؤسسات، لا داعي لذكر التجاوزات بهذا الخصوص، فالخاص والعام بات يعرفها، فقدت عملية التوجيه والانتقال من مستوى إلى آخر روحها، وعمت اللامبالاة إلى الحد الذي صار فيه الضحية والجلاد سواء، الجميع يشكو ضره، وكأن القائم على شؤوننا جاءنا من كوكب آخر، لا يعرفنا ولا نعرفه، لا نفهمه ولا يفهمنا، لا يسمعنا ولا نسمعه ، لا حديث سوى عن التمييع وليس سوى التمييع، أما بقية الإساءة فهي تفاصيل في تفاصيل، ذك أنه لو تبحرنا في مسألة الإساءة لتبخرنا وفقدنا كل سند له معنى في هذا الوطن الغالي غلاء روح شهيدنا الحر العربي بن مهيدي الذي أساء له المحتل الغاشم بقدر ما كان يحقد على الجزائريين جميعا اسألوا الفلاح في حقله، ماذا يعرف عن الحراثة وفنونها، هل يعشقها ويتغنى بها ويفتخر بحبها؟ يعيدنا بن نبي من بعيد إلى القراءة: “وهذا جانب جديد اكتشفه في الحياة الفرنسية، مع أمي الباريسة القروية، المرأة التي تتقن تربية الدواجن، وتسمي كل نبات بري باسمه خيرا مما يفعل صيدلي أو عطار، ومن ناحية أخرى تقرأ (بلزاك) وتضم بحنو جل كتبه في مكتبة صغيرة، رتبتها بنفسها في ركن من خزانة وأثاث الأكل، فاطلعت بفضلها على بعض الجوانب الخفية التي لا تبصرها العين بالعاصمة، وهكذا تم اكتشافي للحياة الفرنسية كما تبرز على الطبيعة، دون عملية التقطير التي تجري عليها باريس” (2). هذا ما كان يتوقعه مالك من أبناء الثورة بعد الاستقلال، علهم يقاربون الإنسان ويرافقونه في طينته وروحه وتطلعاته كما تقارب وترافق الأم مولودها، وهذا الذي رجاه بن نبي من النخبة القائمة على شؤون البلاد، إلا أن الذي حدث لم يكن من قبيل الصدفة، ولا من قبيل قلة الخبرة وحداثة التجربة، المسألة ضاربة في التاريخ، محتل الأمس لم يستسغ بعد أكثر من قرن ترك الجزائر للجزائريين، وفي نفس الوقت لم تغب صورة الجزائر قبل احتلالها، مدخل الغرب إلى إفريقيا، لا يمكن أن يسمح الغرب بخروجه عن التبعية والطاعة العمياء، حتى وإن اقتضى الأمر معاودة الاحتلال ولو بصيغ أخرى، المهم عدم السماح بغلق هذه البوابة في وجه أطماع الغرب الرأسمالي الليبرالي مهما كان الثمن. يحدثنا إعلامنا هذه الأيام عن التفاح الفرنسي، وعدم الاستجابة لجلبه إلى السوق الجزائرية، ربما يقول لنا واحد من الإعلاميين الذين نقلوا الخبر وسروا لذلك، أن عملية كهذه، لو تمت، لأثرت على المال العام (أموال الخزينة العامة)، وأضرت كذلك بالمنتوج الوطني، ما وزن مثل هذا الذي عناه إعلامنا، مقارنة مع الأموال التي خرجت من الخزينة العامة وبالعملة الصعبة، التي كانت عملية الإرضاع على طريق النهضة في أمس الحاجة إليها، كمشروع وطني للتخزين يطمئن الفلاح الجزائري على منتوجه، ويوفر أنواع الفاكهة والخضروات للمواطن لكل الفصول، هذا المشروع من المشاريع التي يمكن للجزائر أن تحتلب منه جيلا بعد جيل، ناهيك عن مشاريع أخرى تغضب كثيرا محتل الأمس، فبدل ذلك أعطيت الأموال (المال العام) بالعملة الصعبة لغير مستحقيها لاستيراد السيارات، على سبيل المثال، ما ضرورة هذه بتلك؟ ثم أي قانون يبيح أخذ المال العام بهذه الكيفية من دون استشارة شعبية حقيقية؟ لقد كان مالك يتصبب ألما وهو يكتب الوصفة تلو الوصفة، واستبشر في إخوانه خيرا، علهم يرتقون بالبلاد إلى مصاف تلك المجتمعات المتحضرة، كل ذلك كان ممكنا في مدة أربعين سنة من بعد الاستقلال، لذلك فإن مالك أحسن الظن حينما قرأ معالم دور المسلم ورسالته بنهاية القرن العشرين، لكن العقوق والجحود حولنا إلى كائنات غريبة، أرجو أن نقرأ من جديد، وأن نبحث عن صورتنا، التي لا يمكن أن نراها إلا من خلال مرآة الجزائر، كما رآها ذات يوم أحرار الجزائر.

بشير جاب الخير
27 فبراير 2017

الإحالات:
(1) مالك بن نبي، مذكرات شاهد القرن، دار الفكر، ط 8، ص 269.
(2) نفس المرجع، ص 272.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version